يوميات الدورة 17 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة

>  مبعوث بيان اليوم إلى طنجة: عبد العالي بركات

المسيرة
مرة أخرى يتضح ولع المخرج السينمائي الشاب يوسف بريطل بتوثيق الذاكرة المغربية، فبعد فيلم الشعيبية الذي كان قد وثق فيه التجربة الفنية للرسامة العصامية الراحلة التي يحمل الفيلم اسمها، ها هو من جديد يوظف كاميراته لتوثيق حدث له ارتباط بالذاكرة المغربية، حدث تاريخي سياسي متمثل في المسيرة الخضراء.
 لكن إلى أي حد كان بريطل مخلصا لوقائع حدث المسيرة؟ وما مدى نجاحه في نقل الأبعاد الجوهرية لهذا الحدث دون أن يسقط في التوثيق التسجيلي الذي يروم تمجيد الوطن من غير الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات العمل السينمائي، باعتباره فنا قبل كل شيء؟
 لم يغفل المخرج أن يشير في الجنيريك إلى أن هذا الشريط مستوحى من وقائع حقيقية. لكنه سعى في الآن نفسه إلى عدم جعل المتلقي يظل حبيسا في حدث مركزي هو المسيرة الخضراء، بل يمكن الوقوف عند خطين دراميين على الأقل، يمران بشكل متواز، مع خلق بعض المواقف الساخرة، فهناك عصابة تحاول الانتقام من البطل، غير أنه تحدث مصادفات غريبة تجعله ينجو بأعجوبة من قبضة تلك العصابة، وفي ذلك إشارة على ما يبدو إلى أن التاريخ المغربي الحديث عرف صراعات داخلية، كان لها إسهام في تعطيل تقدم بلادنا. وبالموازاة مع هذا الخط الدرامي الذي مكن الشريط من الخروج من الدائرة الضيقة لحدث المسيرة، هناك طبعا هذا الحدث التاريخي الذي تجند له ما يناهز ثلاثمائة وخمسين ألف مواطنة ومواطن مغربي.
 لم يعتمد المخرج على تسجيلات مصورة وثائقية ليدعم بها البنية الحكائية المتعلقة بحدث المسيرة الخضراء، باستثناء الخطاب الملكي، الذي كان قد ألقي في ذلك الإبان، غابت الأغاني الوطنية الشهيرة التي أنجزت بنفس المناسبة، تم الاقتصار على نموذج واحد غير أنه تم الاكتفاء بمحاكاته، وهذا اختيار جمالي ارتآه المخرج، ربما لكي يبرز أن شريطه يتعلق بعمل سينمائي، وليس  شريطا وثائقيا. غير أن اللافت للانتباه، حضور أغنية ليلي طويل ما عندو نهاية في قلب المسيرة، بحضور صاحبها المطرب يونس ميكري، مع العلم أن هذه الأغنية لم تنتج في سياق الحدث التاريخي، وليس لها أي اربتاط به، ونحن نعلم أن المشاركين في المسيرة كانوا يحفظون ويرددون في الغالب الأعمال الغنائية التي أنتجت بالمناسبة في ذالك الإبان، من قبيل الأغنية الشهيرة العيون عيني لفرقة ناس الغيوان، هناك كم هائل من الأغاني التي لها ارتباط بالحدث، لكن لم يتم استثمارها لخلق شحنة عاطفية، سيما وأن الأمر يتعلق بحدث له ارتباط بالذاكرة، بما هو نوستالجي.
أولى الشريط اهتماما خاصا بحضور المرأة في قلب المسيرة الخضراء، حيث خلق خطا دراميا آخر موازيا، يتعلق بالمخاض والولادة وما يرافق ذلك من معاناة وقلق ومفاجآت، وانعكاس ذلك ليس على المرأة الحامل فقط، بل كذلك على محيطها، وبالخصوص على المسؤولين عن تنظيم هذه المسيرة، سيما وأنه لم يكن مسموحا للحوامل بالمشاركة في هذا الحدث التاريخي المرتبط بالجهاد.
 لم يكن الشريط السينمائي الطويل المسيرة، ذلك الشريط الذي يتطلع إليه المشاهد، ربما لأن حدث المسيرة في حد ذاته أقوى من عمل فني تعوزه الإمكانيات المادية، رغم المجهود المبذول في ما يخص حشد كومبارس هائل وما يتطلبه من صعوبة في إدارته، وبهذا الصدد نسجل التشخيص المتميز لمعظم الممثلين الرئيسيين، وهذا لم يكن مفاجئا، على اعتبار أنهم متمرسون، وبرز بينهم على وجه الخصوص محمد خيي، الذي كان تعبيره عن أحاسيسه الباطنية قويا وصادقا. كما يمكن لفت الانتباه إلى كون كل الممثلين احتفظوا بأسمائهم الحقيقية في هذا الشريط، باستثناء واحد منهم، والظاهر أن ذلك راجع إلى كون هذا الممثل وهو محمد الشوبي، توفي في قلب الحدث بسبب أزمة قلبية، حيث حمل اسم يوسف، إشارة ربما إلى الشخص الذي توفي في الواقع، سيما وأن الشريط مستوحى من أحداث واقعية.
شريط المسيرة مدته 91 دقيقة، إخراج وسيناريو: يوسف بريطل، تصوير: لوكا كواسان، صوت: كريم الروندا، مونتاج: فرجيني سوكان، موسيقى: محمد أسامة، تشخيص: مراد الزاوي، غالية بنزاوية، محمد خيي، محمد الشوبي، السعدية أزكون، نادية نيازي، رشيد الوالي، إدريس الروخ، سعيد باي.

همسات الزهرة وميلوديا المورفين

لعل القاسم المشترك بين هذين الفيلمين القصير والطويل، هو انخراطهما في التجريب، وهذا ليس مفاجئا وعيا بأن مخرجيهما يخوضان تجربتهما الأولى.

همسات الزهرة

ففي همسات الزهرة لغزلان أسيف، تدور الوقائع كلها تقريبا داخل محل تجاري، عبارة عن استوديو للتصوير الفوتغرافي، في هذا المحل يقربنا الشريط من مختلف الشرائح والأعمار التي تقصده لالتقاط صورة شخصية، كل شخصية لها همومها الخاصة وهدفها من التصوير، تختلف الأهداف باختلاف تلك الهموم، هناك المرأة المعنفة التي تريد أن تبرز آثار التعنيف على جسدها لتقديمه كشهادة تدين من مارس عليها العنف، هناك الشابة المقبلة على الزواج التي يكمن همها في إبراز مفاتنها أكثر من أي شيء آخر، وهناك الطفلة المعجبة بذاتها التي تريد أن تبدو جميلة أمام زملائها، وهناك المرأة العجوز كذلك التي لها همومها الذاتية، كل شخصية تختلف عن الأخرى- مع العلم أنه تم الاقتصار على تصوير النساء فقط- ومن خلال بوحهن نقف على صورة ملخص لهموم المرأة بمختلف أبعادها النفسية والاجتماعية والعاطفية، وبالنظر إلى أن الكاميرا شبه ثابتة طوال المدة الزمنية للشريط، تنتقل بين طرفين في حيز مكاني جد محدود، فقد كان التعبير بواسطة قسمات الوجه له حضوره القوي والمركزي، ولهذا لم يكن اعتباطيا أن يقع الاختيار على ممثلين لهم ملامح معبرة، لهم تلك القدرة الخارقة -إذا جاز القول – على التعبير بنظراتهم فقط، كما هو الحال بالنسبة للممثلة المقتدرة عائشة ماه ماه، وكذلك الفنان إدريس الروخ.
 الشريط عبارة عن همسات كما يدل على ذلك عنوانه، ولذلك كان لا بد للمخرج، في غياب الصراع الدرامي، أن يستعين بتقنيات فنية وإبداعية، لإبراز الأحاسيس الباطنية لأبطاله، ويترجم تلك الهمسات إلى صور مجردة، لكنها طافحة بالدلالات.
 شريط همسات الزهرة، مدته: 11 دقيقة، إخراج وسيناريو، تصوير: ماهوري ماربكون، صوت، شوقي ناني، تشخيص: عائشة ماه ماه، إدريس الروخ، جليلة تلمسي، هاجر كريكع، ملاك الوالي، أنيسة لعناي، فايزة اليحياوي.

ميلوديا المورفين

يكاد الحوار يكون منعدما بين أبطال الشريط الطويل ميلوديا المورفين لهشام آمال، إلا في مشاهد قليلة جدا، وهنا يكمن بعده التجريبي، ثمة راو يتحدث عن تجربته المرضية، النفسية على وجه الخصوص، بسبب فشله في حياته العاطفية، ومما سيؤزم وضعه النفسي ويدفعه إلى محاولة الانتحار، تعرضه لحادثة سير أفقدته ملكته الإبداعية، أخذا بعين الاعتبار أنه فنان، مؤلف موسيقي، يقوم بتلحين سمفونيات، ومتشبع بالثقافة الموسيقية الراقية. هذا الشريط بمثابة رواية مخطوطة على الشاشة، يمكن للمشاهد قراءة فصولها والاستماع في الآن نفسه إلى الراوي وهو يتلو تلك الفصول، وكل فصل يحمل عنوانا دالا على تطور الحدث الدرامي الطافح بالمعاناة النفسية.
 عقدة الشريط تتلخص في محاولة خروج البطل من وضعه النفسي المتأزم، المتمثل على الخصوص في استعادة ملكته الإبداعية، كان يدور في حلقة مفرغة، غارقا في متاهة الأدوية التي لا تعدو أن تفاقم وضعه الصحي، بموازاة ذلك نجد والده هو الآخر يعاني من المرض ويتأوه طوال الوقت ومدى انعكاس ذلك عليه، سيما وأنه يجد نفسه عاجزا عن وضع حد لهذا الوضع البئيس، وهو ما سيضاعف معاناته، ويقوم بعدة محاولات للانتحار.
 شريط ميلوديا المورفين، يمكن اعتباره من بين الأعمال السينمائية المغربية التي تسعى إلى الرقي بالذوق الفني للمشاهد، من خلال استحضارها لأسماء عبقرية في مجال الموسيقى والفكر والسياسة، مما ينم عن أن المخرج إنسان مثقف، ويتوجه بخطابه إلى النخبة المثقفة، وكما يقال: الكأس يرشح بما فيه. حيث لا ننتظر من شخص أمي أن يخرج لنا فيلما في مستوى تطلعات المشاهد الذي يحمل وعيا ثقافيا، مثلما أننا لا يمكن إلا أن نترقب من المخرج المثقف أن ينجز لنا أعمالا راقية.
شريط ميلوديا المورفين، مدته: 80 دقيقة، إخراج وسيناريو ومونتاج: هشام أمال، تصوير: كريستوف لاري، صوت: أحمد فايق، تشخيص: هشام بهلول، ياسمينة بناني، حسن باديدة.       

***Sans titre-2

  شهادات

السيناريست نجيب الرفايف

أعتبر نفسي قارئا محترفا أكثر من أنني كاتب، فبحكم التجربة يمكن لي الحكم على قيمة نص السيناريو عن طريق الكلمات وليس الصور، وهنا يطرح إشكال: هل السيناريو هو كلام؟ وهل الكتابة للتلفزة والإذاعة هي نفسها الكتابة للسينما؟ لا يمكن الحكي بدون وجود كتابة سواء للسينما أو التلفزة، إذن الجانب الحكائي شيء أساسي، غير أن المستجدات الحديثة المرتبطة بالتقنيات التكنولوجية، أحدثت عدة تحولات على مستوى التلقي، وأصبحت تهدد التلفاز والسينما بشكل حقيقي، بات حاليا هناك توجه نحو الكتابة للأنترنت.
 في التجارب الأجنبية، نلاحظ هناك مجهودا جماعيا خرافيا على مستوى الكتابة، أعتقد أنه بدون ذلك لا يمكن إنتاج دراما متخيلة في مستوى التطلعات، مع الأسف نفس المشاكل المرتبطة بالكتابة تطرح في هذا المهرجان منذ دورته الأولى، مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
   
عبد الخالق بلعربي
 (رئيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية)

عانت الجامعة الوطنية للأندية السينمائية الوطنية للأندية السينمائية منذ انطلاقها من أزمات مختلفة، كان هناك صراع تاريخي مع السلطة في الفترة التأسيسية، وعيا منها بأن هذه المؤسسة مطبوعة بإيديولوجيا تمنح من الماركسية اللينينية، تضم شبابا مثقفين يساريين يحملون فكرا تنويريا، وأن من شأن ذلك أن يؤثر في تكوين الأجيال الجديدة. لقد خلقت الجامعة الوطنية للأندية السينمائية تيارا لنشر الفكر التقدمي، عبر عرضها لأفلام ذات طابع ثقافي، التي يتم الحصول عليها من طرف السفارات الأجنبية، خصوصا تلك التي تثمل أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية.
 بفضل النقد السينمائي الشفوي الذي كرسته النوادي السينمائية، تم الانتقال إلى النقد الكتابي، عبر إصدار نشرات داخلية، كما هو الحال على سبيل المثال في نادي العزائم وفي الرباط ووزان وغيرها من المدن.
 حركة الأندية السينمائية، ساعدت الكثير من النقاد على التمرس على الكتابة النقدية، وظهرت هناك إرهاصات لبروز جيل من النقاد الذي يمتلكون الأدوات النقدية وينتجون نقدا رصينا: نور الدين الصايل، إدريس القري، نور الدين أفاية، خليل الدامون، المرحوم نور الدين كشطي وغيرهم. هؤلاء تخرجوا في الأندية السينمائية، وساهموا بدورهم في التربية على الذوق الجمالي ونشر قيم التسامح والانفتاح والتعايش.
 في فترة من الفترات لم تستطع الجامعة الوطنية للأندية السينمائي أن تواصل صمودها، حيث تخلى عمر أيت المختار عن رئاستها، بالنظر إلى الإكراهات المادية التي بات يتطلبها توزيع الأفلام وإصدار مجلة، غير أنه ظهر شباب أعطوا انطلاقة جديدة لجامعة الأندية السينمائية. حتى ذلك الجليد الذي كان يلف العلاقة بين مؤسستنا والمركز السينمائي المغربي تم تذويبه.
 مع الأسف في الوقت الراهن، هناك غياب لنموذج نادي سينمائي كما في السابق، يعرض الفيلم أسبوعيا ويناقشه، هناك فقط ثلاثة أندية التي ما زالت محافظة على هذا الأسلوب، لكن بشكل أسبوعي، بل تقوم بعرض واحد في الشهر، وعادة ما يكون ذلك مناسبة لتكريم مخرجه ومناقشة عرضه وتجربته ككل. يحدث هذا في النادي السينمائي الذي ينشط في سيدي عثمان بالدار البيضاء وفي برشيد.
 الأندية السينمائية الحالية يقدر عددها بأربع وثلاثين، وهذا العدد قليل، والملاحظ أنه بالنظر إلى ظهور تقنية جديدة تسهل التصوير، باتت الأندية تقوم بعرض ما يسمى بأفلام الهواة. وبهذا الصد وفرت الجامعة فضاء للعرض، وأحدثت جائزة للهواة وكذلك مهرجان سطات لسينما الهواة، من أجل تشجيع إبداعاتهم.
 باتت أغلب الأندية السينمائية تنظم نشاطا واحدا في السنة، وذلك راجع إلى المتغيرات التي طرأت على وسائط الاتصال، لقد أثرت هذه الوسائط على النموذج القديم في تنشيط الأندية. كانت هناك تجربة جيدة بشراكة مع وزارة التربية الوطنية في عهد الوزير عبد الله ساعف، حيث تم خلق ما يوازي ثمانين ناديا داخل المؤسسات التعليمية، غير أن هذا المشروع تم تجميده بمجرد انتهاء ولاية الوزير السالف الذكر.

Related posts

Top