جاءت بطولة العالم للملاكمة التي انطلقت بمدينة هامبورغ الألمانية يوم الجمعة الماضي وتستمر إلى غاية 2 شتنبر المقبل، لتعري واقعا مؤلما للملاكمة المغربية التي بلغت ما بين صيفي 2015 و2016 منصة التتويج العالمي والأولمبي عبر بطل واعد اسمه محمد .. واقع يتجلى في تأخر الجامعة الملكية المغربية للعبة في عقد جمعها العام لإضفاء الشرعية على نفسها، والتي تفتقدها على مدار السنوات السبعة الأخيرة تحت رئاسة رئيس صوري، مرورا بحالة تمرد ملاكمين انسحبا قبل انطلاق البطولة لأسباب مادية في انتظار أن تطردهما الجامعة من لائحة المنتخب المغربي كما حدث مع ملاكمين آخرين، انتهاء بمشاركة جد ضعيفة ببطولة عالمية وإقصاء متوقع ومبكر لملاكم يتيم.
ملاكمان طالبا بمبلغ لاقتناء الأضحية فتمت التضحية بهما
تفاجأ الوسط الرياضي قبل انطلاق بطولة العالم بهامبورغ برفض الملاكمين عبد الجليل أبوحمادة ومحمد حموت، واللذين تأهلا عقب فوزهما بميداليتين ذهبية وبرونزية ببطولة إفريقيا في وزني 91 و60 كلغ على التوالي، السفر رفقة بعثة المنتخب المغربي للديار الألمانية، بسبب مطالبتهما بمستحقاتهما العالقة في ذمة الجامعة من مجموع مصروف الجيب بالمعسكرات ومكافآت التتويج بميداليات بالمسابقات الوطنية والإقليمية والقارية والمشاركة بتظاهرات دولية.
وحسب معطيات حصلت عليها “بيان اليوم”، فقد طالب أبوحمادة وحموت في أقصى حد، بمنحهما مبلغا ماليا يساعدهما على اقتناء أضحية العيد الذي يلي افتتاح البطولة بأسبوع تقريبا، لكن الجامعة رفضت ذلك رغم علمها بأن الملاكمين متزوجين وينتميان إلى أسر فقيرة ولا يوجد لهما معيل أو وظيفة سوى ما تجود به الملاكمة عليهما، لتقرر الجامعة التضحية بالملاكمين اللذين قررا الانسحاب فوزا، وأكدا في تصريحات صحفية على أنهما لم يزايدا على وطنيتهما، بقدر ما احتجا بطريقة مشروعة على عدم التوصل بحقوقهما المادية.
وردا على انسحابهما من دورة هامبورغ، يرتقب أن تطرد جامعة الملاكمة أبو حمادة وحموت من قائمة المنتخب الوطني، وهو إجراء متوقع بحكم أنه قد سبق لها استبعاد الملاكم شعيب وحدي الفائز بفضية 81 كلغ ببطولة إفريقيا، بعدما رفض الالتحاق بالمعسكر الإعدادي للمنتخب الوطني بكوبا إلا في حال توصل بمستحقاته، لتلجأ الجامعة إلى حيلة اختلاق خبر إصابته التي ستبعده عن بطولة العالم، قبل أن يفضح أبوحمادة وحموت كذب الجامعة قبل ساعات من موعد سفر البعثة المغربية إلى ألمانيا.
أبوحمادة وحموت وأيضا ووحدي، ليسوا إلا نماذج عما يعانيه الملاكمون المغاربة في السنوات الأخيرة من إجحاف يقف حجر عثرة في تحقيق القفاز المغربي لنتائج أفضل بكثير مما تحقق بفضل مجهود ومثابرة وإصرار الملاكمين فقط، مع العلم أن الملاكمة المغربية فقدت اسمين بارزين، ويتعلق الأمر بأشرف خروبي الذي كاد ليعتلي منصة التتويج بأولمبياد ريو لولا انحياز التحكيم بشهادة الخبراء، وزهير البقالي، إذ قامت الجامعة بطردهما فقط لأنهم طالبا بمستحقاتهما.
جامعة تفتقد الشرعية ورئيس صوري
منذ سنوات وعبد الجواد بلحاج يترأس الجامعة الملكية المغربية للملاكمة، وفي كل مرة يتم تقديم مشاريع وبرامج لتطوير اللعبة، إلا أن النتائج الإيجابية -إن وجدت- لبعض الملاكمين والملاكمات ظلت منحصرة على الصعيدين الإقليمي والقاري، كما أن بلحاج ظل منشغلا بمهامه الرسمية دوما عن الملاكمة ومشاكلها، ليغدو رئيسا صوريا للجامعة، بينما يتولى نوابه تدبير شؤون اللعبة.
من المؤكد أن جامعة الملاكمة توجد في وضع غير قانوني لعدة أسباب، أولا: لا يحق للرئيس الترشح لأكثر من ولايتين، في حين أن بلحاج يترأس الجامعة منذ سنة 2002، وكان من المفروض عليه أن يغادر أروقة الجامعة في 2010 كأقصى تقدير، وثانيا: يعود آخر جمع عام لجامعة الملاكمة إلى نونبر من سنة 2012، ومرت الآن 5 سنوات دون عقد أي جمع أو حتى التفكير في ذلك رغم المطالب من الأندية التي تعارض سياسة الرئيس الحالي، وثالثا: ما تزال الجامعة تعمل بوصل إيداع قديم يعود إلى سنة 2010، ما يعني أن المكتب المديري الحالي غير معترف به من السلطات المحلية.
وبعيدا عن الشرعية، تعرف الجامعة مشاكل كثيرة على رأسها عدم تحمل بلحاج مسؤولية تسيير بسبب انشغالاته الكثيرة، إذ يسجل غيابه الدائم عن نهائيات البطولة الوطنية وكأس العرش والتظاهرات القارية بصفته رئيسا للجامعة، إضافة إلى مشكل يتعلق بمداخيل الاستشهار فيما يخص نزالات فريق “أسود الأطلس” المغربي ضمن السلسلة العالمية للملاكمة، كما أن جامعة بلحاج لم تبرر إلى حدود الساعة مبلغ 400 مليون سنتيم كقيمة منحة اللجنة الأولمبية والمرصودة لمشاركة الملاكمة المغربية بأولمبياد ريو دي جانيرو البرازيلية.
دورة هامبورغ .. مشاركة ضعيفة ونتيجة كارثية
عكس أبو حمادة وحموت العاطلين، واللذين لم يستفيدا من أي منح أو هبات رغم ما حققاه، فقد سافر الملاكم عبد العالي دراع الذي تأهل رغم خروجه من دور ربع نهاية بطولة إفريقيا بفضل اعتراض تقني، إلى هامبورغ كممثل وحيد للملاكمة المغربية، لكنه -وكما توقع الخبراء باللعبة- خرج من الدور الأول عقب انهزامه ضد الملاكم الإنجليزي فاريل نبان دين في وزن 52، مع الإشارة إلى أن دراع لم يرفض السفر بحكم انتمائه إلى سلك الوظيفة العمومية كدركي، ولم يكن بمقدوره المجازفة بوظيفته حتى لو تطلب الأمر التخلي عن مستحقاته.
وعموما تتحمل الجامعة مسؤولية المشاركة الكارثية بدورة هامبورغ لأنها تسببت في انسحاب 3 ملاكمين تأهلوا إلى البطولة، كما أن هذا العدد يبقى ضعيفا ويعكس الدور السلبي الذي لعبته الجامعة في تراجع مردود المنتخب الوطني للملاكمة في السنتين الأخيرتين، بعدما شارك المغرب في الدورة السابقة بالدوحة القطرية بثمانية ملاكمين، وتمكن من إحراز الميدالية الذهبية لوزن 69 كلغ بواسطة البطل محمد ربيعي الذي أخفى إنجازه غابة من المشاكل.
وفي صيف 2016، تقمص ربيعي دور البطل مجددا عندما منح المغرب الميدالية البرونزية الوحيدة له بدورة ريو دي جانيرو، ما جعل حدة الانتقادات تتراجع نسبيا، خاصة مع التعاطف الذي حظي به الملاكمون والملاكمات جراء تعرضهم للظلم التحكيمي، كما حصل مع أشرف خروبي وخديجة مرضي، ناهيك عن واقعة اعتقال حسن سعادة على خلفية اتهامه بالتحرش الجنسي بعاملتين بالقرية الأولمبية، لكن الوضع المزري عاد للبروز، خاصة بعد حرب التصريحات بين مسؤولي الجامعة وربيعي الذي اتهمهم بمحاولة عرقلة مشواره الاحترافي والتسبب في إلغاء أول نزال له بالمغرب.
أمام كل هذا، سينتظر الغيورون على هذه الرياضة الأولمبية التي تحظى بشعبية محترمة بمختلف دول العالم، بوادر أمل في بداية جديدة لن تتحقق إلا مع رحيل الرئيس الحالي للجامعة عبد الجواد بلحاج ومن معه، ووضع مشروع على مدى متوسط وبعيد يهدف إلى تنقيب عن المواهب شريطة رعايته معنويا وماديا، حتى لا تتكرر أمامنا حالات أبو حمادة وحموت …
صلاح الدين برباش