اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤخرا، قرارا بإحياء اليوم العالمي للتغطية الصحية الشاملة، خلال الأسبوع الثاني من شهر دجنبر لكل سنة. وذكر مركز أنباء الأمم المتحدة أن القرار دعا جميع الدول الأعضاء ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة وغيرها من الجهات بما في ذلك المجتمع المدني، إلى الاحتفال بهذا اليوم العالمي بصورة لائقة بهدف نشر الوعي بالحاجة إلى وجود نظم صحية قوية قادرة على الصمود وتوفير تغطية صحية شاملة. وتعرف منظمة الصحة العالمية “التغطية الصحية الشاملة” بأنها ضمان ولوج الناس جميعا إلى ما يلزم من الخدمات الصحية التعزيزية والوقائية والعلاجية والتأهيلية بما يكفي لأن تكون فعالة، مع ضمان ألا يؤدي استخدام هذه الخدمات أيضا إلى تعريض المستخدم لمصاعب. وتهدف “التغطية الصحية الشاملة” التي تسعى منظمة الصحة العالمية لنشرها على نطاق واسع، إلى ضمان حصول الجميع على ما يلزمهم من الخدمات الصحية من دون مكابدة ضائقة مالية من جراء سداد أجور الحصول عليها.
وتقول المنظمة إن على كل مجتمع أو بلد يسعى إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة أن يأخذ في حسبانه عدة عوامل، مثل إقامة نظام صحي فعال، وإنشاء نظام لتمويل الخدمات الصحية، وإتاحة الأدوية والتكنولوجيات الأساسية، مع تهيئة الأطر الصحية المدربة بشكل جيد.
ويأتي قرار الأمم المتحدة متزامنا مع إصدارها، بشراكة مع البنك الدولي، لتقرير جديد يفيد أن نصف سكان العالم لا يستطيعون الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، 100 مليون منهم يعانون من الفقر المدقع بسبب النفقات.
وأوضح التقرير الذي نشر يوم 13 دجنبر الجاري تحت عنوان “واقع التغطية الصحية في العالم: تقرير الرصد العالمي لعام 2017” أن في العالم اليوم، أكثر من 800 مليون شخص، ينفقون ما لا يقل عن 10% من ميزانيات أسرهم لنفقات الرعاية الصحية، وهو رقم يتزايد بنسبة 3% سنويا منذ عام 2000.
وقال تيدروس أدهانوم غبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، “من غير المقبول أبدا أن نصف سكان العالم ما زالوا يفتقرون إلى التغطية لأهم الخدمات الصحية الأساسية. ذلك لا ينبغي أن يكون. فهنالك حل وهو التغطية الصحية الشاملة التي تسمح للجميع بالحصول على ما يحتاجونه من خدمات صحية، متى وأينما احتاجوا إليها، دون أن يواجهوا صعوبات مالية”.
وأطلقت المنظمتان جرس إنذار مدو، مؤكدتان أن أكثر من مليار شخص يعانون من ارتفاع ضغط الدم غير المعالج، ولا تتاح لما يبلغ 200 مليون امرأة فرص كافية للحصول على خدمات تنظيم الأسرة وخدمات صحة الأم.
ويميط التقرير اللثام عن تفاوت كبير على مستوى الحصول على الرعاية الصحية، إذ لا تحصل سوى 17% من الأمهات في عمر الخمسين من الفئات الأشد فقرا والأسر المقيمة في البلدان منخفضة الدخل وفي البلدان متوسطة الدخل، على 6 من الخدمات الصحية الأساسية السبعة، في حين يحصل عليها نحو ثلاثة أرباع الأسر من نفس الشريحة العمرية الأغنى.
ويوضح التقرير أن النفقات الصحية تمثل كارثة مالية مقلقة على ميزانيات الأسر محدودة الدخل إذ تدفع هذه النفقات نحو 100 مليون شخص سنويا للوقوع في “الفقر المدقع” ممن يعيشون على 1.90 دولار أو أقل للفرد في اليوم؛ وينضم حوالي 180 مليون نسمة سنويا إلى صفوف الفقراء باستخدام حد قدره 3.10 دولار للفرد في اليوم.
تكريس مآسي اللامساواة
وتكمن خطورة هذه الأرقام، حسب التقرير، في أنها تخفي مآسي الأفراد والأسر والمظالم التي تقوم عليها على غرار عدم تلقي الرضع التلقيحات التي يحتاجونها مما يتسبب في موتهم لاحقا بسبب الإصابة بالالتهاب الرئوي، أو يعرضهم إلى التقزم أو إلى المعاناة من التدهور الدائم في الأداء الحركي، وعدم حصول المراهقات الحوامل على خدمات تنظيم الأسرة، وتعكر الحالة الصحية للأمهات بعد الولادة بسبب النزيف لعدم توفر مشتقات نقل الدم والاضطرار إلى غير ذلك من المآسي.
ويوضح هذا التقرير أن التغطية الصحية الشاملة لا تعني فقط التمتع بصحة أفضل بل أيضا القضاء على الفقر المدقع الذي يعد الهدف الرئيسي لأهداف التنمية المستدامة والذي لن يتحقق بدوره إلا بتحقيق التغطية الصحية الشاملة.
ويشار إلى أن عدد من يعيشون في فقر مدقع قد انخفض منذ عام 2000،غير أن نسبة الفقراء الذين يعانون من الفقر المدقع وافتقروا أكثر بسبب نفقات الرعاية الصحية، قد تضاعفت تقريبا من 8% إلى 15%، حسب التقرير.
وعلى الرغم من كل هذا فقد تطورت الخدمات الصحية لفائدة الأم والطفل مع تركيز الأهداف الإنمائية للألفية عليها وعلى مكافحة الأمراض المعدية مثل السيدا والسل والملاريا، إذ تطورت تغطية العلاج المضاد للفيروسات الرجعية للمصابين بفيروس السيدا من 2% في عام 2000 إلى 53% في عام 2016؛ وارتفع استخدام الناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات من أجل الوقاية من الملاريا من 1% إلى 54% في عام 2016؛ كما تطور علاج السل من 23% إلى 50% في عام 2016.
علاوة على ذلك، يحدد التقرير بعنوان “الأعمال غير المعتادة: التعجيل بالتقدم نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة”، البلدان المدرجة في فئة 75% ذات الأداء الأفضل التي سرعت عجلة الحصول على الخدمات عن طريق تحقيق نتائج أفضل. وقد حققت بلدان مثل رواندا وتركيا وكازاخستان وفيتنام وبوركينا فاسو تحسنا لم يسبق له مثيل في سد الفجوة في الحصول على الخدمات. بالإضافة إلى ذلك، فإن بلدانا من جميع مستويات الدخل تأتي في طليعة اعتماد التغطية الصحية الشاملة من خلال قيادة وطنية استثنائية وإصلاحات طموحة.
واعتبر التقرير أن التغطية الصحية الشاملة أكثر من مجرد ضرورة أخلاقية، لتتجاوزها لتكون أحد عوامل التوازن الاجتماعي القوية التي تسهم في تحقيق الاستقرار والترابط الاجتماعي وإنها تلبي التطلع المتزايد نحو تحقيق الصحة الجيدة للناس في جميع أنحاء العالم.
تمييز وتهديد للسلام والتنمية
وأكد تقرير آخر لصندوق الأمم المتحدة للسكان أنه ما لم تتم معالجة عدم المساواة وحماية حقوق النساء الأشد فقرا لا سيما فيما يتعلق بالصحة والحقوق الإنجابية فإن البلدان ستواجه اضطرابات وتهديدات للسلام ولأهدافها التنموية.
وحذر تقرير للصندوق حول حالة سكان العالم 2017 حمل عنوان “عالم منقسم: الصحة والحقوق الإنجابية في زمن عدم المساواة”، والذي تم تقديمه يوم الاثنين الماضي بالرباط بشراكة مع وزارة الصحة، من أن حالة عدم المساواة الاقتصادية تعزز أوجه عدم المساواة الأخرى كما تتعزز بها، مشيرا إلى أن لدى النساء الأشد فقرا في معظم البلدان النامية الخيارات الأقل لتنظيم الأسرة والفرص الأدنى للحصول على الرعاية السابقة للولادة علاوة على أنهن أكثر عرضة للولادة دون مساعدة طبيبة أو قابلة.
ووفق التقرير فإن هذا الوضع تسبب في 89 مليون حالة حمل غير مرغوب فيه و48 مليون حالة إجهاض سنويا على الصعيد العالمي.
غير أن الأمر لا يقتصر ، حسب وكالة الأمم المتحدة، على إلحاق الضرر بصحة النساء بل يحد من قدرتهن على التحاق بقوى العمل المأجور أو الاستمرار فيها والمضي نحو تحقيق الاستقلال المادي.
وشدد التقرير على أن عدم إتاحة الخدمات ذات الصلة برعاية الأطفال غير المكلفة وغياب إجازة الأمومة المدفوعة والتمييز الذي يمارسه أرباب العمل يصل حد ” عقوبة الأمومة” مما يجبر كثيرا من النساء على الاختيار ما بين الحياة المهنية والأمومة.
وفي السياق ذاته قالت مديرة صندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب برانجير بوييل يوسفي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء إن التقرير يبرز بالخصوص الفوارق المتزايدة بين البلدان في مجال ولوج النساء لخدمات الصحة الإنجابية.
وأشارت إلى أن نسبة وفيات النساء عند الولادة في الوسط القروي تمثل ضعف هذه النسبة في الحواضر.
وكان اللقاء المخصص لتقديم التقرير مناسبة أيضا لاستعراض الاجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية والعنف المبني على النوع الاجتماعي.
وقال مدير السكان بالوزارة خالد لحلو في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء إن القطاع منخرط في محاربة العنف الممارس ضد النساء والأطفال وخصوصا من خلال وضع البرنامج الوطني لرعاية النساء ضحايا العنف.
ويهدف البرنامج الذي أطلق عليه “الصحة الجنسية والإنجابية والعنف القائم على النوع، مأسسة البرنامج الوطني للتكفل بالنساء ضحايا العنف”، إلى ضمان تكفل طبي واجتماعي مندمج بالنساء والأطفال ضحايا العنف على مستوى الوحدات المندمجة التي أحدثت لهذا الغرض على مستوى المستشفيات العمومية وشبكات العلاجات الصحية الأولية.
ويتعلق الأمر أيضا بتعزيز الوقاية وتطوير التعاون والتنسيق مع كل الأطراف المعنية بهدف دعم التدخلات التاي تتم بلورتها ضمن البرنامج.