حينما كنت أجلس في كواليس الحفل الافتتاحي لفعاليات الدورة الـ19 من مهرجان الأندلسيات الأطلسية، كان يجلس بقربي مارك مارسيانو، بلباس مغربي أصيل، وطربوش أحمر، جذب انتباهي وهو يدندن بصوته الجميل، وسرعان ما اندمجنا في حديث التعارف وقال لي بأنه “وجدي” الأصل. وحينما صعد إلى خشبة المسرح ليغني رفقة عمر المتيوي وصلاح الدين مصباح وعمر جايدي، اكتشفت أنه يغني بالعبرية، فعرفت أنه مغربي يهودي، صوت جميل جدا لا يمكن وصف جماله إلا بسماعه. مارك هو حاخام بالرغم من صغر سنه، وفي نفس الوقت يهوى الموسيقى الأندلسية وبارع في أدائها. في هذا الحوار، يرجع بنا مارسيانو إلى دهشته الأولى مع الموسيقى، كما يحدثنا عن مشاركته في المهرجان.
< هل يمكن أن تعرف القارئ بنفسك؟
> اسمي مارك مارسيانو، ازددت بمدينة وجدة، ونشأت وترعرعت في مدينة الرباط. الموسيقى الأندلسية دائما كانت تجري في دمي. أتذكر حينما كنت صغيرا، كنت أشاهد التلفاز الذي كان يبث أغنية الراحل عبد الصادق شقارة “يا بنت بلادي”، شعرت بالدهشة حينها لدرجة أنني انهمرت بالبكاء، وفي نفس الوقت شعرت بطاقة منبعثة من باطني. المهم، الأثر الذي تركته في داخلي هاته الأغنية كان غريبا، ولا يمكن وصفه لا باللغة العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية أو حتى العبرية.
< متى بدأتم تشتغلون في المجال الموسيقي؟
> حينما تزوجت غنى في عرسي الحاج باجدوب مع جوق شباب الأندلس من الرباط وسلا، وإلى يومنا هذا الحاج باجدوب يقول لي العريس بالرغم من أن لحيتي امتلأت بالشيب (يضحك).
دخلت الأستوديو أول مرة مع الجوق الأندلسي والحاج باجدوب، ومعهم حفظت الأغاني وسجلنا أربعة أغنيات، بالرغم من أنني لا أحب الظهور في الأنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي لأنني لا أحبها.
< حدثنا من مشاركتكم في الدورة الـ19 من مهرجان الأندلسيات الأطلسية؟
> مشاركتي في المهرجان بالصويرة هي مناسبة مهداة قبل كل شيء للملك محمد السادس، أطال الله عمره وشفاه، وأيضا لمستشار جلالته، أندري أزولاي، الذي وقف بجانبي طيلة 25 سنة التي مضت. أشكر أيضا من هذا المنبر، الأمينة العامة لجمعية الصويرة موكادور، كوثر شاكر بن عمارة، وأيضا المدير الفني للمهرجان، عبد السلام الخلوفي. كما أحب أن أوجه رسالة للجمهور، فأنا فخور جدا “بتمغربيت ديالي”، وأينما ذهبت، يرى الجميع بداخلي “تمغربيت” قبل اليهودية. وفي أي مكان أصلي بمصحفي من نوع مغربي، وأغني أمداحنا بأنواع وألحان الموسيقى الأندلسية، بل وحتى صلاتنا على الطريقة المغربية. وبالرغم من أنني رغبت في تعلم الموسيقى الشرقية، إلا أنني لم أستطيع أن أجيدها، أنا مغربي وأهوى الموسيقى الأندلسية، هكذا خلقني الله. أحيي، أيضا، المغاربة بأكملهم، لأننا نحبهم ويحبوننا، وسيأتي اليوم الذي سنجتمع فيه جميعا هنا ونغني مع بعض.
< هل يمكن أن تعطينا تعريفا لفن المطروز؟
> يظهر لي، أن هناك خلطا في تعريف المطروز في المغرب. فطنت هنا في المهرجان إلى أن المغاربة المسلمين يعتقدون أن المطروز هو غناء أغنية بالعربية والعبرية. لكن في الحقيقة ليس هذا هو المطروز. المطروز هو نوع من الغناء المغربي اليهودي الذي كان يغنى في الملاحات، وأيضا في الصلوات، هو غناء مكتوب على طريقة الشعر الأندلسي ولكن بلغتين أو حتى ثلاثة لغات، هناك العبرية والدارجة الشعبية، ولكن، هناك دارجة أخرى خاصة باليهود، فمثلا بالدارجة العادية نقول “سعداتك”، ولكن اليهود يقولون “أبيضك” ولها نفس معنى “سعداتك” أو “السعد الأبيض”.. هذا الكلام يدخل في إطار المطروز، ولهذا قلت لك هناك لغتان أو ثلاثة، يعني يكون هناك مزيج في الأغنية، كلمة بلغة وأخرى بلغة أخرى.
< حدثونا قليلا عن الإيقاعات والأشعار التي تتغنون بها؟
> مواضيع الأشعار في بنائها أندلسية، ويمكن أن تختلط مع الإيقاع الأمازيغي الفريد، خصوصا في جهة تافيلالت، لأن لديهم كتبا خاصة بأشعار عائلة الحاخام أبي حصيرة. حينما يدخل المرء إلى بيت الذاكرة بالصويرة، سيجد القرآن والتوراة، لأن اليهودي عليه أن يقرأ كل أسبوع جزء من التوراة، وعليه أن يكمل التوراة كاملة في سنة. لكن في أوقات ما من التاريخ، لم يكن يستطيع اليهودي الذهاب إلى الصلاة، في بعض البلدان مثل إسبانيا واليونان والبرتغال.. في تلك الأوقات، كي لا ينسى اليهودي موضوع الجزء الذي يجب أن يقرأه من التوراة، كان يؤلف أغنيات أصبحت الآن “باكاشوت”، وهي الأغنيات التي نغنيها ليلة الجمعة، كما نغني “البيوتيم” لنتذكر الأيام التي لم نكن نستطيع فيها الصلاة. كل أسبوع نغني في نوبة من الآلة الأندلسية، مثلا هذا الأسبوع المايا والأسبوع الآخر العشاق وهكذا.. حتى نتمم 23 أسبوعا.
< موفدة بيان اليوم إلى الصويرة
حاورته: سارة صبري
< تصوير: سفيان بوهالي