في افتتاحه للدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان أكتوبر الماضي، أكد الملك محمد السادس، أن “النموذج التنموي للمملكة أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي”. وأضاف الملك في خطابه أن “المغاربة اليوم يحتاجون إلى التنمية المتوازنة والمنصفة التي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل، وخاصة للشباب، وتساهم في الاطمئنان والاستقرار والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية، التي يطمح إليها كل مواطن؛ كما يتطلعون إلى تعميم التغطية الصحية وتسهيل ولوج الجميع إلى الخدمات الاستشفائية الجيدة في إطار الكرامة الإنسانية”. ومن خلال خطابه، وضع الملك أسس تصور للنموذج التنموي الجديد المنشود، حيث ارتكزت على ضرورة تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة ونقل الاختصاصات والكفاءات البشرية المؤهلة والموارد المالية الكافية. فضلا عن العمل على إخراج نظام اللاتمركز الإداري، وملائمة السياسات العمومية مع الخصوصيات المحلية. وركز أيضا على ضرورة إشراك كافة القوى الحية والفعاليات والكفاءات الوطنية في إعداد هذا المشروع الجديد انطلاقا من روح الدستور.
خطاب الملك حول النموذج التنموي الجديد، فتح نقاشا واسعا حول التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالمغرب، حيث أصبح التفكير في نموذج تنموي جديد من صلب أولويات الحكومة والفاعليين المؤسساتيين والسياسيين وغيرهم.
في هذا الملف نقارب وجهات نظر خبراء اقتصاديين وفاعليين سياسيين حول أعطاب النموذج التنموي القديم في حالة وجوده، وكذا تصوراتهم للتوجهات الأساسية للنموذج التنموي الجديد.
وفي هذا الصدد، أجمع المتدخلون في الملف أن المغرب لا يتوفر على نموذج تنموي حقيقي، وكل ما في الأمر مجرد تفكير فيه. والواقع أن هناك مخططات قطاعية هي التي حلت محل النموذج الذي كان يجب أن يكون. وعلى الرغم من نجاعة بعض المخططات التي حققت بعض التراكمات، إلا أن غياب الانسجام والرؤية الواضحة، جعلها قاصرة عن تحقيق الأهداف التنموية المطلوبة. ينضاف إلى ذلك، تعدد المخططات التي ترتبط أساسا بعمر الولايات الحكومية، وبالتالي إنهاء مخطط قبل تحقيقه الأهداف المسطرة واستبداله بمخطط آخر، زيادة على تعثر عدد من المخططات دون تقييم أو محاسبة رغم الميزانيات الباهظة المخصصة له.
العديد من التقارير الوطنية خاصة تقارير المندوبية السامية وبنك المغرب، وكذا التقارير الدولية، تشيد تارة بما حققه المغرب وتبرز تارة أخرى الاختلالات الكبرى التي يعيشها المغرب، وبالرغم من العديد من هذه التقارير تشيد بالإنجازات التي تم تحقيقها على مستويات عدة خاصة في مجال الصناعة والفلاحة والطاقات، غير أنه في المقابل يبقى عاجزا عن تجاوز الاكراهات التي ترتبط بالحياة اليومية للمواطن المغربي، سواء على مستوى التعليم أو الصحة أو التشغيل، وهي كل قطاعات حيوية. هذا التفاوت يعلق عليه المتتبعون أن المغرب يسير بسرعتين. ففي الوقت الذي يتبوء فيه مراتب مهمة في قطاعات معينة ينزل درجات في قطاعات أخرى تمس بشكل مباشر حياة المواطنين. وفي هذا السياق، أوضح صندوق النقد الدولي أن تحقيق معدل نمو في حدود 4.5 في المائة في المغرب ليس كافيا ولا يمكنه التقليص من نسبة البطالة.
هذا الواقع أكده تقرير للبنك الدولي في تقرير تحت عنوان “المغرب في أفق 2040: الاستثمار في الرأسمال اللامادي لتسريع الاقلاع الاقتصادي”، أن “المستوى المعيشي للمغاربة يعادل حاليا نظيره لدى الفرنسيين في عام 1950، ولدى الإيطاليين في 1955، والإسبان في 1960، والبرتغاليين في 1965”. وأضاف التقرير أن المغرب يواجه ضرورة الاستجابة لتطلعات الشباب في الولوج بشكل أسرع إلى مستوى معيشي يقترب من المستوى المعيشي في البلدان الأكثر تقدما. ودعا البنك الدولي المغرب إلى تعزيز العقد الاجتماعي، القائم على النهوض بمجتمع منفتح، وإعادة تركيز عمل الدولة على مهامها السيادية، وتنمية الرأسمال البشري، وتعزيز الرأسمال الاجتماعي.
ويعيش المغرب تأخرا في العديد من المجالات، أشار إليها تقرير البنك الدولي، حيث أبرز أن معدل وفيات الرضع في المغرب في عام 2015 على المستوى نفسه المسجل في الدول الأوربية في عام 1960، أي في حدود 24 حالة وفاة عن كل 1000 ولادة. وعلى مستوى القدرة الشرائية ومستوى العيش، أوضح تقرير البنك الدولي أن البنية الحالية للنفقات الاستهلاكية للأسر المغربية تقترب من بنية البلدان الأوربية في خمسينيات، وستينيات القرن الماضي، وأن حصة الإنفاق على الغذاء في الميزانية، ارتفعت، ولا تزال في مستوى عال، إذ تصل حوالي 40 في المائة، ما يعكس ضعف القدرة الشرائية للأسر، وهيمنة النفقات الملزمة. وبالرغم من ذلك، توقع التقرير أن يستمر مستوى معيشة المغاربة في الارتفاع، ولن يمثل سوى 30 في المائة من مستوى المعيشة في جنوب أوربا بحلول عام 2040.
في المقابل التقرير ذاته، أن المغرب حقق خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، تقدما لا يمكن إنكاره، سواء على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي أو على مستوى الحريات الفردية والحقوق المدنية والسياسية، مما أتاح للمملكة إطلاق مسار اللحاق الاقتصادي ببلدان جنوب أوربا في أفق سنة 2040. وهو ما من شأنه أن يكفل للمغرب مكانة مستحقة بين البلدان الصاعدة بالنظر إلى المؤهلات التي يتوفر عليها.
النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية
قبل انتقاد الملك للنموذج التنموي القديم، أعطى الملك محمد السادس بالعيون بمناسبة الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء، انطلاقة النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، وتفتح مشاريع هذا النموذج آفاقا واعدة، حيث من المنتظر أن تصبح مركزا رئيسيا إقليميا ودوليا حقيقيا، وسيمكن انجاز مشاريع هذا البرنامج الذي يشكل نقلة كبرى لتطوير القدرات الاقتصادية والتنموية بالمناطق الجنوبية، من فتح آفاق تنموية وجديدة داخل النسيج الاقتصادي والاجتماعي. ويشكل هذا البرنامج التنموي، بالنظر لما يتضمنه من مشاريع في مجال البنيات التحتية والصحة والتكوين والصناعة والفلاحة والصيد البحري وغيرها من القطاعات، رافعة لدعم المؤهلات الطبيعية والبشرية التي تزخر بها المنطقة كموقع استراتيجي متميز ومنطقة محورية تربط شمال المملكة بجنوبها، ونقطة استقطاب مهمة لجلب استثمارات عمومية وتوفير بنيات تحتية. وبلغ الغلاف المالي المقترح لإنجاز برنامج النموذج التنموي للأقاليم الصحراوية 77 مليار درهم، مع توقع مضاعفة الناتج الإجمالي المحلي وخلق 120 ألف فرصة عمل.
*******
عبد الواحد سهيل عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية:
المخططات القطاعية ينقصها الانسجام والالتقائية
في هذا الحوار يؤكد عبد الواحد سهيل خبير اقتصادي وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، على الحاجة الماسة للتوصل لحل وسط تاريخي توافقي حول النموذج الاقتصادي والاجتماعي، ينطلق من معرفة ماذا نريد في هذه البلاد، بغض النظر عن التوجهات السياسية.
ويرى المتحدث أن المغرب لديه إمكانيات للاستثمار في اقتصاد المعرفة، مبرزا، أننا نعيش اليوم في القرية العالمية وعصر تكنولوجيا المعلومات، لذلك لابد من النهوض بهذا الجانب واستحضاره في النموذج التنموي، لبناء شخصية مغربية في مختلف المجالات، مع ترسيخ الانفتاح على مختلف الثقافات.
ماذا نقصد بالنموذج التنموي؟
>بالنسبة للنموذج التنموي هو إطار عام يكون في كثير من الأحيان إما مفكر فيه بشكل دقيق، وهناك نماذج تنموية ليبرالية صرفة، وهناك نماذج تنموية ليبرالية اشتراكية، وهناك نموذج تنموي آخر كالنموذج الصيني، وهو نوع من الوجود القوي للدولة في دواليب الاقتصاد، وهناك نموذج تنموي ينبني على وجود القطاع الخاص والقطاع العام كما هو الشأن للدول الاسكندنافية، خاصة على مستوى إعادة توزيع الثروة. في الواقع النموذج الاقتصادي لا يمكن أن يكون إلا في إطار نموذج اجتماعي، حيث إنه مرتبط بعدة خاصيات التي يتميز بها كل اقتصاد، كالاقتصادات النامية لديه نموذج معين، والاقتصاد النامي الذي يرتكز على الفلاحة له نموذج معين، والاقتصادات الصناعية كذلك، كل نموذج اقتصادي لديه نموذج تنموي مواكب.
وحتى نقف عند هذا المصطلح، فالاقتصاد نشاط بشري يسعى بصفة عامة إلى إنتاج الثروة وتوسيع الإنتاج ومواجهة حاجيات المجتمع، ويسعى إلى تحويل المجتمع. وحين نتحدث عن البلدان السائرة في طريق النمو، يعني البلدان التي ستنتقل من مستوى إلى مستوى آخر، سواء تعلق الأمر بالدخل أو الفقر أو ركود آليات الاقتصاد، كالتوسع في العمران وتطور الاقتصاد في مختلف القطاعات الفلاحية والصناعية والتجارية والخدمات وغيرها، يعني بناء نموذج يلبي بالأساس حاجيات المجتمع، إذ لا يوجد اقتصاد مجرد عن التغيير الاجتماعي وغيره من الجوانب الأخرى.
الاختلاف الوحيد القائم يوجد في مدارس التفكير. حيث هناك من يعتبر أننا إذا خلقنا اقتصاد السوق، فإنه يخلق نوعا من التوازن، ويحقق الناس أرباحا وبالتالي تقوم بالاستثمار الذي ينتج عنه خلق مناصب الشغل الذي يفضي إلى رفع الدخل وبالتالي تحقيق النمو الاقتصادي، غير أن التاريخ بين أن هذا التوجه غير كاف، وهذا النموذج تمت مراجعته في فترات تاريخية معينة في مجموعة من البلدان. هناك رأي يقول بأن الدولة عليها أن تتدخل، وهناك رأي آخر يقول العكس، فيما رأي ثالث يقول بتدخل الدولة في لحظات معينة فقط. وكلها آراء فكرية لها ارتباط بالكيفية التي يمكن بها تحويل المجتمع.
> في هذه النقطة بالذات، هل يمكن أن نقول إن المغرب اعتمد نماذج تنموية معينة منذ الاستقلال إلى اليوم، وهل كانت هناك رؤية لنموذج معين؟
> قبل ذلك، الاستعمار حين دخوله كانت لديه رؤية لنموذج اقتصادي، والنظام الاستعماري بنى رؤيته الاقتصادية على أساس توسع الرأسمالية حتى يغزو مجموعة من لبلدان، وبالتالي استغلال واستثمار خيرات هذه البلدان حتى يرفع من قوته الاقتصادية والعسكرية. لما حل النظام الاستعماري بالمغرب، غير النظام الاقتصادي القائم بالبلد، والذي اعتمد أساس على نظام فلاحي جزء كبير منه له علاقة بالرعي، كما أن الكثافة السكانية للمغرب في بداية العشرينيات كانت قليلة، بعد ذلك وفي الفترة الاستعمارية تطورت البنيات التحتية، ومنها ميناء الدار البيضاء الذي غير وجه المغرب، بالإضافة إلى الطرقات والسكك الحديدية والمناجم، زيادة على ذلك لحقت هذه التغييرات النظام الفلاحي أيضا، حيث أصبحت عصرية، وظهور بعض الصناعات وكذا طبقة عاملة كانت غير موجودة من قبل، ونوع من التمدن وظهور مدن جديدة، كالقنيطرة، وهذا كان نموذج للاقتصاد الاستعماري.
وبعد الاستقلال، شرعت الحكومات السابقة في تطبيق نماذج أخرى، أساسا منذ 1956 إلى غاية حكومة عبد الله إبراهيم، وهنا نجد وثائق ترتبط بهذا الموضوع، خاصة التخطيط الخماسي الأولي للفترة ما بين 1960 و1964، والتي كانت في اتجاه استقلال البلاد اقتصاديا وفك الارتباط بفرنسا وتنويع العلاقات مع الخارج، وخلق العملة الوطنية، وبنك المغرب والتوجه نحو التصنيع، كانت هذه الفكرة عند العناصر التقدمية التي كانت في الحكومات خلال تلك الفترة، والتي تأسست على ضرورة توجه المغرب نحو التصنيع وألا يقتصر فقط على الفلاحة.
> هناك أراء تقول إن المغرب لم يشرع في نهج السياسة التصنيعية إلا في السنوات الأخيرة؟
> أبدا، المغرب شرع في هذه السياسة منذ سنوات، على سبيل المثال شركة لا سامير التي تعيش مشكلا كبيرا اليوم، كانت ضمن هذا النهج حيث دخل المغرب في تعاون مع الايطاليين الذين كانوا منبوذين من طرف”كارتيل” البترول آنداك، وهكذا دخل المغرب إلى غمار صناعة تكرير النفط، وكان هذا التعاون جزءا من بناء أسس صناعة كيماوية وبتروكيماوية، وبعدها كل مشاريع التي تعتمد على الفوسفاط ومنها “ماروك فوسفور” و”ماروك شيمي”، هناك أيضا مصنع “صوماكا” لتركيب السيارات، وصناعات أخرى بدأت في فترات سابقة. في بداية الستينات، حينما تم إبعاد حكومة اليسار، قدم الملك الحسن الثاني نموذجا اقتصاديا آخرا مبني على الفلاحة والسياحة ووضعت مسألة التصنيع جانبا نوعا ما.
وشرع المغرب أيضا في عدد من الخطوات، ومنها عملية المغربة التي شملت العديد من القطاعات الاقتصادية كالأبناك إلى التعشير وغيرها، وكان الهدف على هذا المستوى هو خلق قاعدة من المقاولين والمقاولات الاقتصادية المغربية. ولابد أن أشير إلى أن المغرب كان في سنوات الستينيات في مستوى كوريا الجنوبية، ولنا أن نقارن اليوم بين المغرب وهذا البلد. طبعا توجهات المغرب في هذا الإطار كانت بإيعاز من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكان تلميذا نجيبا لهما.
وهكذا بقي المغرب في هذا النموذج إلى غاية بداية التسعينيات، بحيث وقعت العديد من التطورات. وفي 1965 قرر المغرب تأميم التجارة الخارجية المتعلقة بالخضر والفواكه، وهذا له ارتباط مع توسيع السوق المغربي وتطور الصناعات الغذائية، بعد السبعينيات ظهر نشاط الصيد البحري بعد قرار توسيع المنطقة البحرية الخاصة به، ثم في هذه الفترة أيضا عرف المغرب تطور قطاع النشاط المصرفي، والتي لعب دورا مهما.
> هل يعيش المغرب مفارقة بين نسب النمو والتنمية؟ ومدى انعكاسها على المواطنين؟
> النموذج الاجتماعي المغربي، يمكن تلخيصه فيما يلي، النمو في المغرب يتسم بالبطء وعدم الاستمرارية من الاستقلال إلى اليوم. بعد الاستقلال، وفي ظل مجتمع يتغير، كان عدد السكان أقل من 10 ملايين، واليوم تجاوز 34 مليون نسمة، وجزء كبير من السكان يقيمون بالخارج ولعبوا دورا في الاقتصاد مهما. مستوى التعليم تطور، البلد عرف مجموعة من التغييرات ولكن بالمقابل بقي النمو هشا غير عادل، مع فوارق كبيرة، الفرق ما زال في مستويات مهمة رغم تقلصه نسبيا، ولكن لا زال هناك ملايين من الفقراء، وكذلك العدالة الاجتماعية والمجالية ما زالت مختلة.
وبالتالي فالمغرب بهذه السياسات وهذه النماذج، لا يستطيع أن يجيب على الاشكاليات المطروحة عليها. وفكرة النموذج التنموي وعدم استجابته للحاجيات، ليست جديدة، وكنا في حزب التقدم والاشتراكية من الأوائل الذين أشاروا إليها، لأن المغرب عرف انتعاشة منذ بداية سنة 2000 من خلال تطور البنيات التحتية، ومن خلال الاستثمارات المهمة، حيث إن نسبة الاستثمار بالنسبة للدخل تقدر بما بين 32 و34 في المائة وهذا رقم ضخم.
ولكن ماذا ينتج على مستوى النمو الاقتصادي ومستوى عيش المواطنين؟، الأثر ليس ظاهرا بالشكل الكافي، وبالتالي فإما أن الاستثمار يتم بشكل خاطئ أو أن الاستثمار يتم في القطاعات التي لا تخلق النمو الاقتصادي المطلوب.
> المغرب توجه نحو الاستثمار في الصناعات الجديدة (السيارات والطيران) وقدم تحفيزات مهمة، هل انعكس ذلك على القيمة المضافة ونسب الاندماج؟
> لكي نفهم هذه الأمور، لابد أن نعلم أن المغرب لا يشتغل بخطة اقتصادية واضحة، طبعا يتوفر على مخططات قطاعية ينقصها الانسجام والالتقائية، وهذا أمور استنتجها وخلص إليها العديد من الخبراء والمؤسسات. بالإضافة إلى ذلك لا يوجد تخطيط بعيد المدى، وبدون شك هناك مشكل الحكامة الاقتصادية، وهنا تطرح تساؤلات: من يسير هذا الاقتصاد؟ وفي أي مستوى؟ وكيف يشتغل القطاع العام؟، وما هو دور القطاع الخاص المغربي؟. هل يمكن تطوير الاقتصادي على أساس الرأسمال الأجنبي؟، وما حدود تدخل الدولة؟.
هذه التساؤلات كلها وإن تم التفكير فيها لم تتم الإجابة عليها بالشكل المطلوب.
أطلق المغرب العديد من البرامج الاستثمارية القطاعية في ولايات حكومية، وبعدها تم القفز على هذه البرامج وتم إطلاق برامج جديد سواء على مستوى التجارة أو السياحة أو الصناعة أو غيرها؟……..
أظن أن المسؤولية جماعية يتحملها كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والمؤسساتيين، حيث لم يجدوا الصيغة أو الأجوبة لحل هذه الاشكاليات، وفي المغرب لدينا مندوبية سامية للتخطيط، ولكن لا تخطيط لدينا.
> من سيقوم بالتخطيط إذن؟
> التخطيط من صلاحيات السلطة التنفيذية، لحد الآن مررنا من نظام دستوري قبل 2011 (الملكية التنفيذية)، إلى ما بعد 2011 حيث الملكية البرلمانية والدور المهم جدا لجلالة الملك على مستوى التأطير والتوجيه، ولكن المطروح هو كيف يمكن في الوقت الذي نخطط فيه أن يكون فيه التتبع والمواكبة لما نخطط له في إطار الانسجام بين مختلف القطاعات.
فهل فعلا المغرب يتوفر على نموذج؟ إذا كان الأمر بالإيجاب فليقل لنا أحد ما هو هذا النموذج ويبسطه لنا، طبعا هناك مخططات أعطت بعض الثمار، بحيث لا يمكن القول بالعدمية في كل شيء.
ففي السياحة مثلا، هناك مكاسب تحققت، وكذلك الفلاحة التي تطورت، ومن يقول إنها لم تحقق شيئا ليس بموضوعي، لكن في نفس الوقت لماذا لم تتطور الصناعة بعد؟، وحجم الصناعة بالمغرب ما زال محدودا. وهل لدى المغرب طموح فيما يتعلق باقتصاد المعرفة، الذي أبدعت فيه العديد من الدول ومن بينها كوريا الجنوبية، وهل لدى المغرب نظام تربية وتكوين الذي سيواكب هذه السياسات العمومية؟، كذلك، كيف يمكن أيضا تهييء العنصر البشري والاستثمار فيه ليكون رافع للنموذج التنموي؟. البلدان التي تشتغل على التخطيط تأخذ وقتا للتفكير الجماعي على أساس أفكار وتقييمات.
التخطيط لا يرتبط بعمر الحكومات، بل يحتاج لرؤية كاملة مندمجة على المدى البعيد ولا علاقة له بالاستراتيجيات القطاعية. وهذه القاعدة غير موجودة في المغرب. وكخلاصة فالمغرب لا يتوفر على نموذج تنموي، لدينا تفكير فقط في عدد من المخططات والطرق، والتي وإن أعطت أكلها فإنها لم ترقى إلى مستوى الطموحات.
المخططات القطاعية التي أطلقها المغرب ترتبط بعمر الحكومات، وكل حكومة تأتي بمخططاتها، وتلغي المخططات السابقة أو تغييرها، هل تتحكم الخلفية السياسية للمسؤولين الحكوميين في تعدد المخططات وتغييرها؟
لمدى طويل ما زال نقاش من يحكم وكيف ستسير البلاد مطروحا، وهو نقاش قديم من 1956 إلى الأن، وخلال هذه الفترة مرت البلاد بمراحل صعبة، ووصلنا إلى مرحلة السكتة القلبية كما سماها الحسن الثاني، وفي عهد محمد السادس تحدث في إحدى خطاباته الأخيرة عن الزلزال السياسي.
اليوم، دستور 2011 صوت عليه بالإجماع، ولأول مرة يكون دستور بمشاركة القوى الحية في البلاد. ما نحتاج إليه اليوم أهم من التساؤل عمن يحكم وكيف، إذ نحتاج للوصول إلى حل وسط تاريخي توافقي حول النموذج الاقتصادي والاجتماعي، ينطلق من معرفة ماذا نريد في هذه البلاد، بغض النظر عن التوجهات السياسية التي لن تؤثر عليه بشكل كبير، وكيف يمكن أن نشتغل على نموذج اقتصادي واجتماعي بنوع من التوافق، حتى نتجاوز الارتباط بالحكومات والتوجهات السياسية. طبعا يمكن أن نختلف حول المداخل والآليات، ولكن يبقى الهدف واحد هو بناء الوطن والدفع بتقدمه.
> ينتقد العديد من الفاعلين إهمال الدولة أو الحكومة للجانب الثقافي في مخططاتها، بالرغم من أن لهذا الجانب جزءا مهما في أي نموذج تنموي على اعتبار تأثيره على تكوين وبناء شخصية الانسان المغربي، كيف ترى ذلك؟
> من دون شك أن الاهتمام بالعنصر البشري، تثقيفا وتكوينا وتعليما، يعتبر من الأمور الأساسية، والمغرب لديه إمكانيات للاستثمار في اقتصاد المعرفة، اليوم نعيش في القرية العالمية وعصر تكنولوجيا المعلومات، لذلك لابد من النهوض بهذا الجانب واستحضاره في النموذج، وبالتالي لابد من بناء شخصية مغربية في مختلف المجالات، مع ترسيخ الانفتاح على مختلف الثقافات.
> في التربية والتعليم، هناك مجموعة من المخططات في هذا المجال، وتم الانتقال من مخطط إلى مخطط دون تقييم جدي، ومؤخرا تم اعتماد صيغة التعاقد في التعليم، هل هو حل مناسب؟ وما تأثيره على تكوين العنصر البشري؟
> الأساسي في اعتقادي، هو أن يجد المغاربة المدرسة والأطر التي ستدرس أبناءهم، بشرط أن تتوفر الكفاءة في هذه الأطر، ولا فرق أن يكون موظفا رسميا أو متعاقدا. إطار التعليم حين يكون كفءا لا يمكن إلا أن تشيد به وتشجعه، ولكن حين يكون خاملا ولا يؤدي عمله فلا موجب لاستمراره في الوظيفة مدى الحياة. هناك حقوق يجب أن تصان، وبالتالي يجب أن يكون هناك نوع من الانصاف للجميع. الأساسي أيضا هو أن يساير نظام التعليم العصر، وأن يتم تكوين أبناء المغاربة بالشكل الذي سيجعلهم متعلمين بالشكل المطلوب، ومواكبة تغييرات العصر.
> ركز الملك في إحدى خطاباته على أعطاب الإدارة المغربية، وشدد على أن تكون إدارة مواطنة في خدمة المواطن، كيف ترى واقع الإدارة؟
لدينا إدارات وليس إدارة واحدة، وكل واحدة لها تخصصاتها وآليات اشتغالها، والإدارة لم تأت من فراغ، فهي لها امتداد، وجاءت من رواسب قديمة ترتبط بالاستعمار والسلطة، وما زالت بصمة الاستعمار مستمرة ولها بعض التمظهرات في الإدارة المغربية. الإدارة أيضا من نتاج النظام السياسي المغربي، والمفهوم الجديد للسلطة لم يظهر إلا مع عهد الملك محمد السادس.
بطيعة الحال الإدارة مهمتها هو أن تجسد السلطة وتقوم بمهام الدولة، وفي نفس الوقت تخدم الشعب.
المشكل المطروح في الإدارة والسلطة، هو غياب نوع من الحكامة الكفيل بالرقي بها وبخدماتها، والمشكل هنا ثقافي وسياسي زيادة على التربية على المواطنة.
نحن نعلم أن المغرب عاش قرونا من السخرة والظلم والتظلم. المطلوب في الإدارة اليوم أن تعيد الاعتبار للمرتفقين، وأن يتم ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة إذ أن الإشكال في الإدارة المغربية هو غياب ثقافة الجزاء. وفي كثير من الحالات يجد المواطن أو المرتفق نفسه بلا حول ولا قوة له أمام الإدارة وهذا ناتج عن كون عقلية الإدارة غير مواكبة لروح دستور 2011. هذا الوضع والاشكاليات المرتبطة به، بالإضافة إلى تمركز السلط في الرباط، كلها أمور يجب أن نستحضرها في نقاش النموذج التنموي، طبعا حل هذه الإشكاليات لا يمكن أن يتم إلا بالتدرج والمتابعة.
> كيف يمكن في اعتقادكم تحقيق عدالة مجالية ما بين الجهات المغربية؟
> الأمور يجب أن ينظر إليها في سياقها، المغرب متنوع ومختلف، ومناطق المغرب تختلف في مؤهلاتها وإمكانياتها الجغرافية والطبيعية والسكانية وغيرها. حاليا هناك توجه لنظام جهوي، ونحن نعرف إن هناك تفاوت في إمكانيات كل جهة، لكن الأساسي هو أن كل مناطق المغرب يجب أن تتوفر لديها المدرسة والمستشفى والطرق. بشكل عام، الخدمات الأساسية كلها يجب أن تتوفر بغض النظر عن إمكانيات كل جهة، وهذا من صلب نقاش النموذج التنموي الذي يجب الإعداد له. والنموذج التنموي يرتبط بنضج التجربة الديمقراطية، وتجربتنا الديمقراطية لم تنضج بعد، كما أن مستوى الفاعلين بما فيها الأحزاب والسلطة والصحافة والمجتمع المدني لم ينضج بعد، وهذا يعني أن نجاح أي مبادرة أو نموذج لابد من توفر شرط نضج كافة المتدخلين.
***
عبد السلام الصديقي عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية: ضعف الحكامة وغياب الرقابة وهيمنة المقاربة التكنوقراطية من أسباب فشل النموذج التنموي المغربي
يرى عبد السلام الصديقي أن فشل النموذج التنموي يعود إلى أسباب متعددة منها ضعف الحكامة وضعف إشراك المواطنين في العملية التنموية زيادة على هيمنة المقاربة التكنوقراطية عوض المقاربة التشاركية. وعلى هذا الأساس يؤكد الصديقي أن المغرب في حاجة إلى الرجوع إلى التخطيط، ليس إلى التخطيط الالزامي المعمول به سابقا في الدول الاشتراكية، أو التخطيط الذي اتبع في المغرب وبعض البلدان الرأسمالية الأخرى، بل إلى التخطيط الاستراتيجي الذي من شأنه أن يعطي لمختلف البرامج القطاعية بعدا استراتيجيا ونسقا موحدا حول أهداف مشتركة.
> أي نموذج تنموي يحتاج إليه المغرب، وما هي الأسس التي سيبنى عليها؟
> الجميع يقر اليوم بحاجة المغرب إلى تبني نموذج تنموي جديد، كما أكد على ذلك صاحب الجلالة في خطابه الأخير بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الخريفية. وتأتي هذه الحاجة بعدما استنفد النموذج التنموي المطبق اليوم كل امكانياته مع الإشارة إلى ما تم تحقيقه من مكتسبات خلال العقدين الأخيرين على مستويات عدة.
والنموذج التنموي كما نراه، ينبغي أن ينطلق من الإخفاقات والمكتسبات. وعليه تقويم هذه الإخفاقات وتثمين المكتسبات. الإخفاقات التي أصبحت واضحة للعيان تتمثل بالخصوص في عدم مسايرة تحسين مستوى عيش الساكنة مع التطور الاقتصادي. لأن النمو الاقتصادي لم ينعكس إيجابا على الرفاه الاجتماعي والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية.
> ما هي العوامل التي أدت إلى فشل النموذج التنموي المغربي، وبالتالي لم يعد يستجيب للمتطلبات الراهنة؟
> يمكن حصر العوامل التي كانت وراء هذه المفارقة وفشل النموذج التنموي المغربي في ضعف الحكامة وغياب الرقابة، وضعف اشراك المواطنين في العملية التنموية وهيمنة المقاربة التكنوقراطية على المقاربة التشاركية، والاستناد إلى المرجعية الليبرالية واعتبار إشكالية توزيع الدخل مسألة ثانوية سيتم تجاوزها بصفة تلقائية.
النموذج التنموي يرتكز على فروع أساسية وهي النموذج الاقتصادي والمجتمعي والسياسي، ما السبيل إلى نموذج تنموي مغربي يزاوج بين هذه الفروع، بشكل متوازن؟
طبعا ينبغي الرجوع إلى الفكرة الأولى التي خرجت عن علماء الاقتصاد، والتي تعتبر الاقتصاد علما اجتماعيا. والهدف من وراء العملية الاقتصادية يكمن في تلبية الحاجيات الأساسية للمواطنات والمواطنين، وبالتالي الأمر يتطلب معالجة شمولية تمزج، كما قلتم عن حق، بين مختلف هذه العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية … وهي التي يعبر عنها رفيقنا المرحوم عبد العزيز بلال بالعوامل غير الاقتصادية للتنمية. إذ لا يمكن تصور نموذج تنموي دون الأخذ بعين الاعتبار مقومات الشعب الحضارية واللغوية والفنية والعقائدية … يمكن أن نأخذ كمثال حالة البلدان الآسيوية الصاعدة التي عرفت كيف توظف إيجابيا خصوصياتها الثقافية في العملية التنموية.
> يرى متتبعون أن المغرب يسير بسرعتين، من ناحية توجد مخططات ضخمة استفادت من أموال كثيرة، لكن بالمقابل أثرها على المواطن تبقى محدودة؟
هنا تكمن المفارقة، من جهة تراكم الثروات ومن جهة أخرى تراكم البؤس. وتتم العملية الأولى على حساب تفاقم الفقر الذي ليس قدرا بل هو نتيجة تركز الثروات والاغتناء الفاحش لفئة قليلة. ويبقى التحدي الأساسي هو معالجة هذه التفاوتات من خلال سياسيات عمومية مبدعة وشجاعة وإراداوية.
تنطلق من الإنتاج مع تحقيق التوازن بين مداخيل الرأسمال ومداخيل العمل، وتستمر خلال إعادة التوزيع من خلال توفير خدمات عمومية ذات جودة عالية كالصحة والتعليم والسكن والنقل العمومي وغيرها من الخدمات، هذا مع تبني نظام جبائي مبني على العدالة، وضمان تكافؤ الفرص بين أفراد الشعب.
> يرتبط نجاح النموذج التنموي بتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، كيف يمكن فك الارتباط بين نسب النمو التي يتم تسجيلها بأداء القطاع الفلاحي، حتى لا يرتهن الأداء الاقتصادي والتنمية الاجتماعية بالتقلبات المناخية؟
>من الملاحظ أن النمو الاقتصادي ما زال رهينا بالتقلبات المناخية، وإن كانت هذه التبعية قد تراجعت نسبيا خلال السنوات الأخيرة بفضل عصرنة القطاع الفلاحي. وللحد من تأثير العوامل الطبيعية على النمو ينبغي تطوير القطاع الفلاحي، لا بالشكل الذي تتم به الأمور في إطار مخطط المغرب الأخضر، وتصنيع البلاد تصنيعا حقيقيا بالاعتماد على التكنولوجيا والابتكار وتطوير البحث العلمي والرفع من مؤهلات اليد العاملة.
> في السنوات الأخيرة اختار المغرب التوجه نحو فتح أبواب الاستثمار في المهن العالمية خاصة قطاع الطيران والسيارات، هل تعتقدون أن هذا التوجه كفيل بتأسيس نموذج تنموي قوي ومستدام؟
> إن انفتاح المغرب أمر إيجابي في حد ذاته، وسيكون من المؤسف له أن ينغلق على ذاته. فالمغرب في حاجة إلى رؤوس أموال أجنبية والاستثمار الخارجي، وفي حاجة إلى عقد شراكات متنوعة مع مختلف البلدان وهو ما يقوم به بالنظر الى تنوع علاقاته مع مختلف القارات وفي ذلك ربح كبير ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل أيضا على مستوى إشعاع المغرب حضاريا وثقافيا، وتعزيز مكانتها في المنتديات والمنظمات الإقليمية والدولية. وبالإمكان تطوير هذا التوجه أكثر حتى يستفيد منه المغرب بصفة أمثل كنا يستفيد منه شركاؤه حسب منطق رابح رابح. وهذه هي الفلسفة التي نتبعها في بناء شراكاته مع بلدان القارة الافريقية.
ارتكز مشروع قانون المالية في جانب منه، على إعطاء أولوية للقطاعات الاجتماعية، ومنها التشغيل، هل تعتقدون أن هذه الأولوية من شانها أن تعزز النموذج التنموي المغربي، وكيف يمكن للمقاولات المغربية أن توفر مناصب شغل مستدامة؟
مشروع قانون المالية لسنة 2018، لا يتميز في الجوهر على سابقيه، إذ تم وضعه بنفس الأسلوب وبنفس التوجهات مع إدخال بعض التدابير المحدودة الأثر، فعلى مستوى التشغيل، يتضمن المشروع إجراء واحد ليس إلا. هو إجراء معدل لإجراء كان موجودا في القانونين الماليين الأخيرين والذي يعبر عنه ب ” تحفيز”، بالإضافة إلى اتباع السياسات العمومية للتشغيل الجاري بها العمل منذ أزيد من عشر سنوات من قبيل ” إدماج” و ” تأهيل” و ” التشغيل الذاتي”. نحن في حاجة إلى أجرآة حقيقية لمضامين الاستراتيجية الوطنية للتشغيل التي تم إعدادها بصفة تشاركية، وتتضمن العديد من الإجراءات العملية منها ما هو آني ومنها ما على المدى المتوسط والبعيد.
> ما السبيل إلى ضمان العدالة المجالية فيما يتعلق بتوزيع المشاريع التنموية في مختلف الجهات المغربية، وكيف يمكن الخروج من التركز الذي تعرفه جهات دون أخرى؟
> العدالة المجالية تمر عبر تطوير التمركز واللاتركيز حتى نجعل من الجهات أقطاب تنموية بكل معنى الكلمة. فالجهوية التي جاءت في الدستور هي مشروع حضاري كبير. ونحن ما زلنا في بداية المشوار، وعلينا أن نسرع الوتيرة دون تسرع كنقل العديد من الاختصاصات وتحويل الموارد والوفاء بما تم التنصيص عليه في الدستور من قبيل إنشاء صندوق التضامن بين الجهات، وصندوق تأهيل الجهات. بالطبع لابد من تحسين الحكامة وإعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة حتى يضطلع الجميع بمسؤولياته.
يبرز إشكال آخر، يتمثل في عدم تجانس البرامج الحكومية في مختلف القطاع، ومن مثل ذلك إطلاق عدد من المخططات دون أن إنهائها أو استكمالها، كيف يمكن الخروج من هذا النفق؟
>المغرب يشكو دائما من ضعف الالتقائية في البرامج القطاعية، مما يجعلها محدودة الجدوى، إن لم تكن فاشلة في نهاية المطاف ودون نتائج تذكر. أعتقد، خلافا لبعض الآراء السائدة، أن المغرب في حاجة إلى الرجوع إلى التخطيط، ليس إلى التخطيط الالزامي المعمول به سابقا في الدول الاشتراكية، أو التخطيط الذي اتبع في المغرب وبعض البلدان الرأسمالية الأخرى. الحديث يتم اليوم على التخطيط الاستراتيجي. مما سيعطي لمختلف البرامج القطاعية بعدا استراتيجيا ونسقا موحدا حول أهداف مشتركة لنعرف أين نسير وماهي وجهتنا؟
العديد من المنتقدين يقولون إن المقاولات تستفيد من مجموعة من الإجراءات الضريبية وتحفيزات مهمة، ولكنها بالمقابل تبقى مساهمتها في تحريك الاقتصاد دون الانتظارات؟
نعم، تستفيد المقاولات، خاصة الكبرى منها، من العديد من الامتيازات والتحفيزات. وعليها أن تقدم في المقابل، خلق فرص الشغل، وأداء واجباتها الضريبية واحترام قانون الشغل، والحفاظ على البيئة. وهذا ما تقوم به المقاولة المواطنة، أو المقاولة ذات المسؤولية الاجتماعية. إلا أن مثل هذه المقاولات محدودة للغاية، ولا يتجاوز عددها العشرات. لذلك على السلطات العمومية أن تكون صارمة أكثر خلال تقديم التحفيزات والامتيازات.
إن اقتصاد الريع عدو التنمية والتقدم، فهما نقيضان على الوجه الأكمل. والاقتصاد السليم هو الذي يعتمد على الشفافية والمنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص.
> هل هناك من إجراءات فعلية كفيلة بتقوية روح الثقة وتعزيز مناخ الاعمال الذي من شنه أن يرفع وتيرة الدينامية الاقتصادية؟
>لتقوية روح الثقة وتحسين مناخ الأعمال لابد من تطبيق دولة الحق والقانون في الأعمال، فهناك فئة واسعة من المقاولين لا يطالبون بالامتيازات بقدر ما يطالبون بالشفافية. وتطبيق القانون على الجميع أيا كان موقعه وانتماؤه وعلاقاته، من شأنه أن يرسخ المساواة أمام القانون، وهذا مبدأ أساسي لبناء الدولة الحديثة، دولة الحق والقانون.> تعلن كل سنة آلاف المقاولات إفلاسها وهو ما ينعكس على خلق الثروة ومناصب الشغل اعتقادكم ما هي أسباب هذا النزيف، وكيف يمكن الحد منه؟
>إفلاس المقاولات قانون يكاد طبيعيا، ففي كل سنة هناك المئات بل الألاف من المقاولات تتعرض للإفلاس وهناك أضعاف أضعاف هذا العدد تنشأ من جديد، هذه سنة الحياة، ما يسري على الكائنات الحية يسري على المقاولات وغيرها من الظواهر. هذا لا يعني أن نبقى مكتوفي الأيدي والاستسلام للأمر الواقع، بل هناك إمكانيات ووسائل لانقاد بعض المقاولات من الإفلاس ولكن ليس كلها، فمثلا يمكن التفكير بصفة استباقية على العمل على تحويل نشاط المقاولة ودعمها حتى لا تفلس.
****
عبد الأحد الفاسي الفهري عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية: السياسات الاجتماعية تفتقر إلى المقاربة القبلية لمعالجة الفوارق المطروحة
اعتبر عبد الأحد الفاسي الفهري، أن المغرب، اليوم، يسير في إطار النظام الليبرالي، وأن الدولة لديها تدخل قوي من خلال الاستثمار العمومي، ومن خلال قطاع عام قوي في مجموعة من المجالات. كما أن هناك سياسات اجتماعية ومبادرات متعددة. وأضاف الفاسي الفهري، في حوار مع بيان اليوم، أن هذا الوضع في إطار الليبرالية، أفرز العديد من الاختلالات. وبالرغم من ذلك، فهذا النظام لديه مكتسبات، ضمنها، اقتصاد أكثر تنوعا، وإنجاز إصلاحات مهمة في عدة مجالات منها المجال المالي، البنيات التحتية، والتحكم في بعض التوازنات الماكر واقتصادية، بالرغم من وجود العجز التجاري، والمديونية التي بلغت درجة مقلقة. وفيما يلي نص الحوار.
ما هو النموذج التنموي الذي يمكن أن يسير فيه المغرب بعد الانتقاد الصريح للملك للنموذج القديم؟
> أولا لابد من توضيح مفهوم هذا النموذج، لذلك لابد من مناقشة التوجهات والاختيارات الأساسية التي تنبى عليها السياسة العمومية، وكذلك الوسائل والاليات الكفيلة بتفعيل هذه الاختيارات، وهذا يؤدي بنا إلى مسألة الحكامة. نحن لسنا بصدد مراجعة النظام الاقتصادي المغربي، الليبرالي المبني على اقتصاد السوق والمقاولة التي تلعب دورا أساسيا، وبطبيعة الحالة المقاولة تنتج استجابة لطلب معين سواء في السوق الداخلي أو ألخارجي. حاليا هناك إقرار بأن السوق الداخلي ضعيف ومحدود، وبالتالي كيف يمكن توسيعها من خلال تطوير القدرة الشرائية والاستثمار العمومي إلى غير ذلك، وبالتالي التوجه نحو التصدير واستغلال الفرص. الآن لابد من تطوير السوق الداخلي والاستجابة للحاجيات الأساسية. وفي رأي الشخصي الاشتراكية أفضل من الليبرالية، طبعا نحن اشتراكيين، ولسنا بصدد تغيير النظام الليبرالي. وحتى نعرف بهذه الاشتراكية وبألوان مغربية نحن مطالبين بمجهود فكري. الاشتراكية بديل للرأسمالية، لا يوجد فيها استغلال الانسان للإنسان، وتستجيب للحاجيات الأساسية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وهي نظام تمارس فيه الديمقراطية في أسمى تجلياتها.
> لنعد إلى موضوع النموذج التنموي والأسس التي يجب التركيز عليها؟
>جيد، لكن ما أريد أن أقول هو أن الاشتراكية أفضل من الليبرالية، والليبرالية أفضل من التخلف طبعا حين تحترم مجموعة من القواعد يمكنها أن تكون إطار لبناء اقتصاد قوي، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية. إذن لسنا بصدد تغيير هذا النظام، اليوم المغرب يسير في إطار النظام الليبرالي، والدولة لديها تدخل قوي من خلال الاستثمار العمومي، ومن خلال قطاع عام قوي في مجموعة من المجالات. كما أن هناك سياسات اجتماعية ومبادرات متعددة، وهذا الوضع في إطار الليبرالية أفرز العديد من الاختلالات. وبالرغم من ذلك ، فهذا النظام لديه مكتسبات، مثلا لدينا اقتصاد أكثر تنوع، وتمت مجموعة من الإصلاحات مهمة في عدة مجالات منها المجال المالي، البنيات التحتية، التحكم في بعض التوازنات الماكر واقتصادية، بالرغم من وجود العجز التجاري، والمديونية التي بلغت درجة مقلقة. وإلى جانب هذه المكتسبات هناك نواقص كثيرة خاصة في الجانب الاجتماعي. وهو ما أدى إلى أن نحقق إنجازات دون أن يكون هناك أثر على المواطن بالشكل الكافي، وأدى ذلك إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية، ومن بين النواقص أيضا ضعف قدرة التنافسية الاقتصادية للمغرب. من بين الأسس التي يجب معالجتها أيضا، مشكل الشباب والبطالة، لدينا اليوم مليون و700 ألف في الفئة العمرية مت بين 15 و24 سنة، بدون شغل بدون تأهيل مهني، ولا يستفيدون من أي برنامج للتأهيل وهذا أكبر مشكل يعيق جميع المجالات بالنظر إلى تأثيره عليها، كما نسبة إدماج النساء في سوق الشغل ضعيفة.
> ما الحل إذن؟
> دائما فيما يتعلق بالأسس، نحن اليوم في حاجة إلى العدالة ودولة الحق والقانون في المجال الاقتصادي، وحركة 20 فبراير طالبت بمحاربة الريع. اذن لابد من تفعيل آليات الحكامة ومحاربة الريع والاحتكار، وجميع الأساليب غير الشريفة في المجال الاقتصادي التي تعرقل الاستثمار المنتج. المغرب في حاجة أيضا إلى إصلاح القضاء خاصة في ارتباطه بالمجال الاقتصادي. مسألة أخرى أساسية، هي التصنيع، حيث لا يوجد بلد تجاوز التخلف بدون تصنيع، لدينا حاليا مخطط التسريع الصناعي، أكيد لديه إيجابيات وتراكمات، لكن لابد من تقييم له. وفي التصنيع لا يمكن أن نكتفي ببعض الإنجازات وإن كانت مهمة. مسألة التصنيع لابد أن تكون مندمجة في علاقتها بالتكوين والتأهيل وخلق نسيج صناعي قوي، يعني لابد من وجود تنسيق بين مختلف الفاعلين، ففي البلدان المتقدمة، نجد هناك تنسيق وتشاور بين الجامعات وبين المقاولات، لذلك لابد من خلق إطار في هذا الاتجاه لتعزيز التصنيع المندمج.
كذلك ل يجب أن نسقط في التعارض بين النجاعة الاقتصادية والمسألة الاجتماعية، وهنا أذكر بإحدى مخرجات صندوق النقد الدولي في هذا الصدد، حيث قال إن الدول التي استطاعت أن تواجه الأزمة، هي الدولة التي قلصت الفوارق الاجتماعية وتحكمت فيها، وكلما كانت الفوارق الاجتماعية كبيرة، كلما أثر على قوة الاقتصاد. نعتبر داخل حزب التقدم والاشتراكية، أن معالجة بعض الاختلالات في الميزانية والماكر واقتصادية، لا يتم بنهج السياسة التقشفية، طبعا لابد من التحكم في التوازنات، ولكن دون المس بمستوى الاستثمار العمومي، أو فرض مزيد من الضرائب على الشعب، وذلك حتى لا نسقط في تعارض بين المسألة الاجتماعية والتوازنات الاقتصادية.
إلى جانب ذلك، هناك أيضا الإصلاح الجبائي، إذ بالرغم من التوصيات التي تم الخروج بها في مناظرة 2013، لكن تفعيلها يتم بشكل محتشم، لذلك لابد من عدالة ضريبية. وهذا يتماشى مع يقوله الخبراء الاقتصاديون والذي مفاده أنه كلما كانت هناك عدالة ضريبية كلما كانت المردودية المالية أفضل، وعلى هذا الأساس ينبغي إعادة النظر في الإعفاءات الضريبية التي تمنحها الدولة لبعض المؤسسات والمقاولات.
لا نسى أيضا مسألة نظام الحماية الاجتماعية، والذي يجب أن يكون محور السياسيات العمومية، وهناك أمثلة كثيرة في هذا الصدد في مجموعة من الدول، حيث يعتبر بناء المجتمع المتضامن المنشود هو الأساس. إذن على المغرب أن يوفر نظام حماية اجتماعية للمغاربة وتوفير تأمين لكل الوضعيات الاجتماعية ومنها البطالة والمرض وغيرها، والعمل على توسيع التغطية، وإعادة النظر في المعاشات الصغيرة ومعاشات الأرامل. وهكذا فإن بناء نظام الحماية الاجتماعية والاحتياط الاجتماعي مسألة أساسية، ولابد من ضمان مدخول للكرمة لجميع المغاربة، وإن كان مشكل استهداف المستفيدين يطرح مشكلا، لكن يوجد لدينا من الآليات ما يكفي لتحديد خريطة الاستهداف.
> كيف ترون الامتيازات الممنوحة للاستثمارات الخارجية بالمغرب؟
> نحن لا نتفق على أن يكون المغرب، مجالا للاستثمار بكلفة منخفضة، وإذ نؤكد على ضرورة استقطاب الاستثمارات، لكن مع حفظ مستويات عيش المغاربة سواء على مستوى الأجور أو الحماية الاجتماعية أو على المستوى البيئي والاجتماعي.
> ألن يؤثر تخلي الدولة عن الخدمات العمومية الأساسية لفائدة القطاع الخاص على النموذج التنموي؟
> في هذه المجالات يمكن أن يدخل القطاع الخاص، ولكن بضوابط تحمي خدمات هذه القطاعات كالصحة والتعليم، والتي يجب أن يكون فيها القطاع العام قطاعا أساسيا. وبالرغم من كون مسألة دخول القطاع الخاص مسألة عادية على غرار العديد من الدول، ولكن الدولة لا يجب عليها أن تتخلى عن هذه القطاعات بشكل كلي.
> ما العمل للارتقاء بالعنصر البشري الذي يشكل حلقة أساسية في أي نموذج تنموي؟
> طبعا لابد من الارتقاء بالعنصر البشري الذي هو الحلقة الأساسية، وفي اعتقادي فإن السياسات الاجتماعية تأتي كمقاربة بعدية لتصحيح بعض الاختلالات في الوقت الذي من المفروض أن تكون مبنية على مقاربة قبلية وبعدية في نفس الوقت، وأن تضع هذه السياسات العنصر البشري في صلب أهدافها. وكمثال على ذلك، نورد مخطط المغرب الأخضر، بالتأكيد هناك إنجازات هامة، ولكن أي أثر لها على العالم القروي وعلى شغيلة القطاع الفلاحي، وهل هناك مراجعة في العلاقة بين المستثمرين الكبار والمستخدمين والفلاحين الصغار. كذلك لابد من تثمين مجموعة القطاعات، ومنها قطاع الاقتصاد التضامني، الذي لا يجب أن ننظر إليه كاقتصاد الفقراء، حيث إنه يمكن أن يخلق الثروة، وله منقعة اقتصادية، ويمكن أن يلعب دور أساسي في العملية التنموية، مبني على التعاون والتآزر والتضامن، وتجميع الفاعلين فيه وتنظيمهم جماعيا. وله دور أيضا على مستوى إدماج المرأة في العملية التنموية.
> في اعتقادكم ما الحل لتجاوز إشكال عدم انسجام المخططات القطاعية؟
> المغرب يحتاج إلى الحد الأدنى من التخطيط، ويعني تخطيط توجيهي يوضح الأولويات ويوضح الرؤية بالنسبة لجميع الفاعلين، والتخطيط بالمفهوم الديمقراطي التشاركي. طبعا نرى العديد من المخططات القطاعية، كل مخطط في جانب، وبعد فترة ينادي القائمون عليها بالتنسيق، لذلك صبح التخطيط بالمفهوم الذي أشرت إليه مسألة أساسية مع استحضار مجموعة من الأمور الأساسية بيئية واجتماعية واقتصادية وغيرها.
حسن انفلوس