شرع المغرب في تطبيق نظام الصرف المرن، اليوم الاثنين، وذلك بعد قرار وزارة الاقتصاد والمالية، وبعد التشاور مع بنك المغرب، ويقوم نظام سعر الصرف الجديد على تحديد سعر صرف الدرهم داخل مجال تقلب بنسبة 2.5 بالمائة ارتفاعا وانخفاضا، عوض نسبة 0.3 في المائة المتعمد من قبل لسعر الصرف المحوري المحدد من طرف بنك المغرب على أساس سلة من العملات المكونة من اليورو والدولار الأمريكي بنسب 60 بالمائة و40 بالمائة على التوالي.
تخوفات مشروعة
إعلان السلطات المالية المغربية الشروع في اعتماد نظام الصرف المرن، صاحبه كما من قبل، تساؤلات كثيرة حول وضعية الدرهم المغربي، وكذا تخوفات في أوساط الفاعلين الاقتصاديين والمواطنين المغاربة، وترتبط هذه التخوفات بالتأثيرات المرتقبة لنظام الرصف المرن على الاقتصاد المغربي باعتباره اقتصادا ناشئا، قد يصعب عليه تحمل الصدمات الخارجية والداخلية. ومن بين التخوفات التي ترافق اعتماد المغرب لنظام جديد للصرف، تلك المرتبطة بانكماش المبادلات التجارية الخارجية بسبب تقلبات أسعار صرف العملات، ويستند هذا التخوف إلى كون المغرب بلد يستورد أغلب حاجياته من المواد الأساسية المرتبطة بسير عجلة الاقتصاد، خاصة المواد الطاقية ومواد التجهيز والمواد الغذائية، زيادة على أن عجز الميزان التجاري يعرف تفاقما مستمرا ما يزيد من تخوفات الفاعلين. وفي المقابل تبدد وزارة الاقتصاد والمالية والبنك المركزي، هذه التخوفات، حيث إن الدخول في نظام الصرف الجديد لتعويم الدرهم سيتم بشكل تدريجي قد يمتد إلى 15 عاما، كما أن البنك المركزي المغربي سيواصل تدخلاته لضمان السيولة في سوق الصر، ولن يتخل بشكل تام عن مراقبة مستويات أسعار الصرف وذلك عبر تحديد سقف أقصى وسقف أدنى لسعر الصرف حتى يتجنب انهيار قيمة العملة والتحكم في أسعار الصرف الداخلية، وهي إجراءات يراها مراقبون من شأنها أن تقي من السقوط في سيناريو دول أخرى حررت عملتها الوطنية. ويعتمد المغرب على موارد أساسية للعملة الصعبة تتمثل في تحويلات المهاجرين المغاربة بالخارج ومداخيل السياحة ثم عائدات الصادرات بالإضافة إلى الاستثمارات الأجنبية.
وإلى جانب هذا المتعلق بوضعية الاقتصاد المغربي، يبرز جانب أخر يتعلق بعمليات المضاربة في العملة والتي يقف ورائها فاعلون مؤسساتيون وخواص، وهو الأمر الذي عاشه المغرب والمغاربة، حين إعلان بنك المغرب عن الشروع في هذا النظام يونيو الماضي قبل تعليقه من قبل الحكومة. حيث عرف الطلب على العملة الصعبة إقبالا كبيرا بلغ نحو 45 مليار درهم، دفع حنيها بسلطات الرقابة (بنك المغرب ومكتب الصرف) إلى فتح تحقيقات في طبيعة هذا الطلب المرتفع، وهي تحقيقات لم يكشف عن نتائجها إلى اليوم، حتى عاد والي بنك المغرب خلال إحدى الندوات ليؤكد أن العملة الصعبة التي عرفت تناقصا في خزينة البنك المركزي، لم يتضرر منها، ما دامت أنها في خزينة الأبناك المغربية.
طمأنة السلطات المالية
منذ يونيو 2017، عندما تم الإعلان عن قرب الشروع في تطبيق نظام صرف جديد تحت مسمى ” مرونة الصرف”، وبشكل تدريجي، قد يمتد على مدى 15 عاما، تابع الفاعلون والمواطنون المغاربة، هذا الموضوع، بنوع من التخوف المشروع. وإذ كان خبراء ومتخصصون في المجال المالي، يعتبرون تخوف الموطنين من تأثيرات هذا النظام، أمر مشروعا، فإن السلطات المالية، تؤكد أن القرار جاء في الوقت المناسب، واعتبرت وزارة الاقتصاد والمالية أن “الشروع في هذا الإصلاح يتم في ظروف ملائمة تتسم بصلابة القطاع المالي الوطني وقوة الأسس الماكرو اقتصادية، لاسيما المستوى الملائم للاحتياطيات من العملة الصعبة واستمرار التحكم في مستوى التضخم، مشيرة إلى أنه سيتم دعم هذا الإصلاح من خلال مواصلة الإصلاحات الهيكلية والقطاعية”. وأكدت وزارة الاقتصاد أنه لن يكون هناك تأثير على سوق الصرف، بعد تطبيق هذا النظام، حيث أوضحت في بلاغ لها الجمعة الماضي، أن بنك المغرب سيواصل، في ظل هذا النظام الجديد، تدخلاته لضمان سيولة سوق الصرف. وقالت إن إصلاح نظام سعر الصرف يهدف إلى تقوية مناعة الاقتصاد الوطني في مواجهة الصدمات الخارجية ودعم تنافسيته والمساهمة في الرفع من مستوى النمو، مضيفا أنه سيمكن أيضا من مواكبة التحولات الهيكلية التي عرفها الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بتنويع مصادر نموه وانفتاحه واندماجه في الاقتصاد العالمي. وخلصت وزارة الاقتصاد والمالية إلى التأكيد على أن إصلاح نظام سعر الصرف، الذي يكرس الانجازات التي تم تحقيقها على مستوى كل من الإطار الماكرو اقتصادي والإصلاحات الهيكلية والقطاعية، ومسلسل انفتاح اقتصاد المملكة على الخارج، يمثل خطوة جديدة في اتجاه تعزيز تموقع اقتصاد المغرب في مصاف الدول الصاعدة.
املاءات خارجية
يذهب بعض الخبراء إلى كون اعتماد المغرب لنظام الصرف الجديد خطوة ترتبط بتوصيات صندوق النقد الدولي، والتي لن تكون بالضرورة في صالح الاقتصاد الوطني أو المواطن المغربي، واعتبرها البعض مجرد تنفيذ لتوصية من توصيات المؤسسات المالية الدولية. خلال الاعداد لهذا القرار في مراحله الأولى، كان خبراء صندوق النقد الدولي يساهمون في إعداد هذه الخطة، حيث عكف بنك المغرب مع خبراء الصندوق في إعداد مخطط الانتقال نحو نظام الصرف الجديد، وتبرر السلطات المالية هذا التحول بكون المالية العامة للمغرب تعززت بدعم عوامل عدة مثل انخفاض أسعار النفط العالمية ما يقلص تكلفة استيراد الطاقة. ووضع بنك جدولا زمنيا لتطبيق نظام الصرف الجديد الذي يمثل جزءا رئيسيا من برنامج تحرر اقتصادي جرى الاتفاق عليه مع الدائنين الدوليين.
مخاطر النظام الجديد
حذر محللون وخبراء من التأثيرات المرتقبة لنظام الصرف الجديد، حيث اعتبر عدد منهم أنه من الطبيعي أن تكون هناك تأثيرات لهذا النظام، وهو أمر يرتبط أولا بالانطباع الأولي لاستقبال هذا القرار من قبل المواطن بصفة خاصة ومن قبل الفاعلين الاقتصاديين بالدرجة الأولى، لسبب بسيط هو أن القرار وإن صاحبته بعض الشروحات التي قدمتها الحكومة وكذا بنك المغرب، فإنه ما زال قرار يكتنفه الكثير من الالتباس، وفي هذا الإطار على الحكومة أن تقدم مزيدا من الشروحات. ومن جهة ثانيا سيكون هناك تأثير على مستوى استثمارات المقاولات الوطنية وتحديدا تلك التي ترتبط استثماراتها بالأسواق الخارجية سواء عند الاستيراد أو التصدير، بحيث إن ارتفاع سعر العملات الأجنبية التي يعتمدها المغرب في سلة العملات، سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على الدرهم لتغطية الفارق الناجم على هذا الارتفاع، ما يعني ارتفاع حجم النفقات لتغطية الاستثمار (السلع المستوردة كالتجهيزات مثلا)، ما ينعكس على تكلفة الاستثمار بالنسبة للمقاولات الوطنية دائما. ومن ناحية التأثيرات على القدرة الشرائية للمواطن، فإن ارتفاع أسعار العملات الأجنبية، سيؤدي إلى ارتفاع قيمة السلع بالسوق الخارجي قياسا بالعملة الوطنية، وهو ما سينعكس على أسعار السلع في السوق الوطنية، التي ستشهد بعض الارتفاعات. في المقابل فإن انخفاض أسعار العملات الأجنبية (اليورو والدولار)، سيكون له انعكاس ايجابي على أسعار السلع. وإلى جانب ذلك، فإن الاحتياط المغربي من العملة الصعبة، والذي يغطي نحو 6 إلى 7 أشهر من الواردات، وفي حالة وجود الضغط عليه ستعرض لنوع من الاستنزاف، بالرغم من تطمينات الحكومة وبنك المغرب.
ويطرح العجز التجاري البنيوي للمغرب إشكالا كبيرا، حيث إن ارتفاع سعر النفط مثلا، سيكون له تأثير كبير على الميزان التجاري باعتبار أن المغرب يستورد أغلب حاجياته الطاقية، ويؤديها بالعملة الصعبة، وهذا الأمر له ارتباط مباشر بتقلبات أسعار العملات سلبا وايجابا، إذ أن ارتفاع سعر النفط سيؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع حجم التغطية للفارق الناجم عن ارتفاع سعر النفط.
سعر الصرف
أفاد بنك المغرب، في نشرته المتعلقة بالوضع الاقتصادي والنقدي والمالي لشهر يناير 2018، أن سعر صرف الدرهم تراجع بنسبة 0.27 في المئة مقابل الأورو، وارتفع بنسبة 0.45 في المئة مقابل الدولار الأمريكي في دجنبر 2017. وأبرز البنك المركزي، أنه على مستوى سوق الصرف، استقرت مبيعات العملة الأجنبية من قبل بنك المغرب إلى الأبناك في 1.1 مليار درهم في دجنبر الماضي. وفيما يتعلق بالمعاملات ما بين الأبناك، أوضح المصدر ذاته أن متوسط سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم بلغ 18.5 ملايير درهم، بانخفاض بنسبة 45.7 في المئة، مقارنة مع متوسط ما تم تسجيله خلال الأشهر الأحد عشرة الأولى من 2017. وفيما يتعلق بحجم المعاملات المصرفية مع الزبناء، فقد استقرت في 14.2 ملايير درهم، مسجلة ارتفاعا ب 5.8 في المائة مقارنة مع المعدل الشهري المسجل بين يناير ونونبر 2017، مغطية بذلك ارتفاعا ب 13.1 في المئة من المشتريات وانخفاضا في المبيعات بنسبة 15.7 في المائة. وأشار بنك المغرب إلى أنه في ظل هذه الظروف، بلغ صافي صرف العملات لدى الأبناك 2.1 مليار درهم نهاية دجنبر. وعرف صافي الاحتياطيات الدولية للمغرب، بحسب نشرة بنك المغرب الخاصة بالمؤشرات الأسبوعية للفترة من 4 إلى 10 يناير 2018، تراجعا سنويا بقيمة 3 في المائة، وسجلت قيمة الدرهم ارتفاعا بنسبة 0.12 في المائة مقارنة مع الأورو، وانخفاضا بنسبة 0.19 في المائة مقارنة مع الدولار. وبرسم الأسبوع الماضي عرفت الاحتياطات من العملة الصعبة ارتفاعا بنسبة 0.3 في المائة لتستقر في 241.5 مليار درهم. وضخ بنك المغرب خلال الأسبوع ذاته، ما مجموعه 42.4 ملايير درهم، من بينها 39 مليار درهم على شكل تسبيقات لمدة سبعة أيام بناء على طلب عروض، و3.2 ملايير درهم تم منحها في إطار برنامج دعم تمويل المقاولات الصغيرة جدا والمتوسطة. وضخ بنك المغرب خلال طلب العروض ليوم 10 يناير الجاري (تاريخ الاستحقاق يوم 12 يناير) مبلغ 36 مليار درهم على شكل تسبيقات لمدة سبعة أيام.
>حسن أنفلوس