فاعلون وخبراء ومختصون يشخصون أعطاب النموذج التنموي المغربي ويقترحون البدائل
ركز النقاش الذي شارك فيه فاعلون سياسيون وخبراء ومختصون حول موضوع “أي نموذج تنموي للمغرب” في إطار الجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية 2018، على جملة من المحاور همت تشخيص نواقص النموذج التنموي المغربي، واقتراحات نموذج تنموي جديد. وتطرقت مداخلات المشاركين إلى عدد من المحاور المهمة والأساسية من مثل علاقة المغرب مع محيطه خاصة في الشق الاقتصادي، وسبل تعزيز التصنيع وتدبير الموارد الطبيعية وضمان الأمن الغذائي، فضلا عن أهمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
وخلال النقاش أجمع المشاركون على أهمية الرأسمال البشري وتأهيله لإنجاح أي نموذج تنموي، على اعتبار أن العنصر البشري هو محور أي مخطط وهو الفاعل الأساسي فيه. كما أجمعوا على ضرورة تعزيز النسيج الاقتصادي المغربي وحمايته وتعزيز التنافسية عبر سياسات نقدية أكثر مرونة وسياسات جبائية عادلة، من خلال جملة من الإجراءات التي يجب أن تشمل الحكامة وتقوية دور المؤسسات والممارسة الديمقراطية، وكذا تعزيز العدالة المجالية والاجتماعية.
كما تناول الخبراء والمختصون المشاركون في أشغال الجامعة السنوية، دور السياسات النقدية والجبائية وتمويل الاقتصاد في النهوض بالتنمية، كما استعرضوا إكراهات سوق الشغل وسبل استثمار النمو الديمغرافي خاصة في الساكنة التي في سن الشغل. وعرج المشاركون على دور المؤسسات والحكامة ودولة الحق والقانون، زيادة على دور الفاعلين السياسيين والتنمية الاقتصادية، كما تناولوا دور الدولة أمام تحديات المجالات. وتناول النقاش أيضا، شروط الحكامة والديمقراطية ودور المؤسسات في تعزيزهما، فضلا عن دور المرأة في التنمية من خلال مقاربة النوع، ثم الميثاق الاجتماعي وتحدياته.
بيان اليوم واكبت أشغال هذه الجامعة التي تميزت بالغنى والتنوع، وبالعدد الهائل من التدخلات والتعقيبات.. وأنجز فريقنا الصحفي ملفا كاملا وشاملا عن مجريات الأشغال، نشرع اليوم في هذا العدد في نشر الجزء الأول منه على أن نواصل بقية الأجزاء في العدد القادم.
*الجلسة الأولى
الجوانب السوسيو اقتصادية للنموذج التنموي
أنس الدكالي وزير الصحة وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية:
النموذج التنموي الحالي وصل إلى مداه وبدأت تظهر محدوديته
أفاد أنس الدكالي عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ووزير الصحة، أن النقاش حول النموذج التنموي، والذي كان موضوع الجامعة السنوية التي نظمها رفاق نبيل بنعبد الله يوم السبت 13 أكتوبر الجاري، هو نقاش موجه للمستقل، وهو مرتبط برهان تحقيق التقدم والعدالة الاجتماعية.
وأوضح الدكالي أن جميع الفاعلين السياسيين والخبراء الاقتصاديين، أجمعوا على أن النموذج التنموي الحالي، وصل إلى مداه، وبدأت تظهر محدوديته، وعدم قدرته على تحقيق التنمية، على الرغم من تسجيل نسب النمو المرتفعة والمستقرة نسبيا، خلال العقدين الآخرين، وهو النمو الذي «لم توزع ثماره بشكل عادل اجتماعيا ومجاليا» يقول وزير الصحة الذي ربط ذلك باحتلال المغرب لمراتب متأخرة في مؤشرات التنمية البشرية.
وأضاف عضو الديوان السياسي، في كلمته التأطيرية للجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية، أن الوضع الاجتماعي بالمغرب يظل متسما بالبطالة وسط الشباب وعدم المساواة بين الجنسين، والفوارق الاجتماعية والمجالية، مشيرا إلى أنه على الرغم من كل المجهودات الني بذلت على هذا المستوى، إلا أن الوتيرة التي يسيرها عليها المغرب تبقى وتيرة ضعيفة جدا، جعلته يتأخر على دول مثل فرنسا ب 53 سنة، و48 سنة عن إسبانيا، وهو في المقابل متقدم على إفريقيا جنوب الصحراء بحوالي 25 سنة.
وذكر أنس الدكالي أن كل الإنجازات التي تحققت بفضل توسيع الولوج إلى البنيات التحتية والاجتماعية تبقى مهددة بسبب مظاهر الفوارق الاجتماعية والتفاوتات الترابية وتفاقم الهشاشة والفقر المحسوس، مشيرا إلى أن المفارقة في المغرب، كونه يمر من مرحلة ديمغرافية مواتية تحمل فرصا حقيقية لبلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لم يعرف كيف يحول هذه القوة الديمغرافية الشابة إلى عوامل محفزة على التنمية البشرية المستدامة، عبر سياسة عمومية وتكوين مناسب والشغل الكريم والإدماج الاجتماعي مع التحكم في العوامل التي تقلص من وقع النمو وآثار السياسات العمومية على التنمية.
وشدد عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، على أن النموذج التنموي الجديد، يتعين أن يكون بالضرورة نموذجا يهدف إلى تحقيق تنمية بشرية شاملة ومتعددة الأبعاد، وهو، وفق رؤية حزب الكتاب، يضيف المتحدث، نموذج تنموي مطبوع بنفس ديمقراطي جديد، من أجل بلورة نموذج اجتماعي يحرر الطاقات خاصة لدى الشباب والنساء ويضمن مشاركة أقوى في الحياة النشيطة ويعزز دورهم في المشاركة في القرار السياسي محليا ووطنيا.
***
- محور المغرب في الاقتصاد الدولي بين مقتضيات الانفتاح وفضائل الاستقلال
محمد برادة أستاذ جامعي ووزير المالية سابقا
ضرورة حماية الاقتصاد الوطني: المغرب أولا Morocco First
شدد محمد برادة، الأستاذ الجامعي ووزير المالية الأسبق، على أنه حان الوقت لحماية الاقتصاد الوطني من عمليات إغراق السوق بالسلع الأجنبية، وقال لابد من اعتماد منطق « Morocco First»، ثم تقوية تنافسية الاقتصاد الوطني وخاصة القطاع الصناعي. ودعا محمد برادة إلى اعتماد نموذج يتأسس على الجودة أكثر من الكمية.
وتساءل برادة عن أساسيات النموذج الاقتصادي وقدرته على خلق الوظائف. ويرى برادة أن خلق مناصب الشغل هو محور النموذج التنموي، وذكر بالنماذج المختلفة للتنمية التي اعتمدها المغرب لتجاوز عجز الميزانية خلال السبعينات عبر برنامج التقويم الهيكلي الذي يهدف إلى تقليص عجز الميزانية.
وعرج بعدها على تحرير الاقتصاد خلال التسعينات، حيث حقق المغرب تقدما ملحوظا انعكس على تسريع وتيرة النمو، وتقليص نسب الفقر المدقع، ثم ارتفاع امد الحياة. وخلال هذه الفترة عرف المغرب انجاز استثمارات ومشاريع كبرى هيكلية من مثل مشروع طنجة المتوسط، ومشاريع الطاقة الريحية، والسياسة القطاعية لصناعة الطيران والسيارات. وقال برادة إن المغرب شكل الاستثناء في منطقة تعرف مجموعة من الصعوبات الاقتصادية والمالية.
ورغم ذلك، يرى وزير المالية سابقا، أن هذه الاستثمارات تبقى ضعيفة من حيث خلق القيمة المضافة التي تشكل نقطة ضعف لنمو الاقتصاد. هذا الوضع أسفر عن كون أزيد 50 في المائة من الساكنة التي تعيش في وضعية بطالة من الحاصلين على شواهد.
وتعكس هذه النتيجة، بحسب برادة، إخفاق نظام التعليم والتكوين فيما يتعلق بحاجيات سوق الشغل، بالرغم من عدد من الإصلاحات التي عرفتها منظومة التعليم فإنها لا زالت في أزمة. وخلص إلى أن النموذج التنموي المغربي متجاوز وهو أصل الهشاشة وعدم التحكم في نمو بلادنا.
ويرى برادة أن النمو يعرف تقلبات من سنة إلى أخرى، إذ يرتبط بعوامل خارجية، كما أن تزايد هوة عدم المساواة يتسبب في التوترات الاجتماعية وبالتالي تفويت خلق النمو فرص شغل كافية. وأوضح أن معدل النمو مقارنة مع الناتج الداخلي الإجمالي يمثل بالكاد 32 في المائة، ولم تعد نماذج التحليل مواكبة للتعامل مع حالات عدم اليقين. وخلص برادة في هذا الصدد، إلى أن القرار السيادي في الاقتصاد لم يعد في يد الدولة، بل أصبح رهينا بالأسواق المالية وتوصيات صندوق النقد والبنك الدولي. وأضاف وزير المالية سابقا، أن النمو يكون مدعوما بنفقات الاستهلاك، غير أنه كلما كان الاقتصاد منفتحا على الخارج يزيد من النفقات وبالتالي تعميق العجز التجاري، وأكد أن التبادل الحر له قواعده لكن له أيضا حدود.
والنتيجة بحسب المتحدث ذاته، أن حصة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الإجمالي للمغرب، تقلصت كثيرا بنسبة 15 في المائة للقطاع الأولي وبنسبة 30 في المائة للقطاع الثالثي. ومن هنا كانت الحاجة إلى اعتماد نموذج دينامكي يشمل جميع الجوانب ويربط بينها.
ويعتقد برادة أنه لا يمكن إعداد قانون مالي بدون ميزانية اقتصادية، مشيرا إلى أن عامل الوقت مهم جدا في النموذج الجديد. من جهة أخرى، تحدث برادة عن التعليم، حيث أكد أن جودة التعليم ليست أمر عابرا، لأن جودة النمو لم تعد تكمن في معدلها العالي بل في انتظامها وشموليتها.
***
في تعقيب عبد الواحد الجاي اقتصادي ونائب رئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث
قرارات استراتيجية لم تخضع للتشاور وتم اتخاذها بطريقة إدارية
انتقد عبد الواحد الجاي طريقة إعداد اتفاقيات التبادل الحر، حيث اعتبر أن الاعداد لها وتوقيعها تمت بمعزل عن عدد من المؤسسات المعنية بها، سواء تعلق الأمر بالأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان والتي لم يؤخذ برأيها، أو المؤسسات الخاصة فيما يرتبط بالمهنيين.
وقال الجاي إن هذه الاتفاقيات تمت بطريقة إدارية محضة. وتساءل حول ما إذا كان المغرب يتوفر فعلا على القدرة من أجل تعبئة استثمارات مهمة في بلد من البلدان الخارجية؟
وتحدث أيضا، عن التوجه المغربي نحو الاندماج في التجمعات والاتحاد الإقليمية ومنها «سيدياو»، متسائل عن جدوى هذا التوجه وما الذي سيستفيد منه البلد، وأشار إلى أن مثل هذه القرارات لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وهي أبعاد مختلفة نوعا ما.
وأشار عبد الواحد الجاي إلى عدد من إجراءات المواكبة الغائبة حين اتخاد بعض القرارات الاستراتيجية، ومنها نظام الصرف الذي اعتمده المغرب بداية السنة الجارية، حيث ذكر بالارتباك الحاصل حينها فيما يتعلق بالسيولة. ولاحظ الجاي أن هناك مفارقة فيما يتم تطبيقه وما يجب أن يطبق، وذلك حتى تتم الاستجابة لحاجيات الفاعلين في السوق والمجتمع. وأشار كذلك إلى وصاية المؤسسات الدولية وتدخلها في السياسات الاقتصادية للدول، حيث أوضح أن صندوق النقد والبنك الدولي يعتبران من أكبر الفاعلين والمخططين للنماذج الاقتصادية عبر العالم، من التوصيات التي تقترحها أوالتي تفرضها بطريقة غير مباشرة.
***
المدخل الأيكولوجي ورهانات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
منير الغزوي نائب رئيس الشبكة المغربية للاقتصادي الاجتماعي والتضامني: العناية للإنسان ولبيئته قبل رأس المال
ربط منير الغزوي نائب رئيس الشبكة المغربية للاقتصادي الاجتماعي والتضامني، المفاهيم العامة لهذا النوع من الاقتصاد كونه يأتي مكملا للاقتصاد العمومي والخاص، ويمنح مجموعة من البدائل للقيام بتنمية منصفة وعادلة، بالإضافة إلى كونه يساهم في ﺇحداث ﺗﻭﺍﺯﻥ ﺑﻳﻥ ﺍﻟﻧﺟﺎﺡ الاقتصادي، وﺍﻹﻧﺻﺎﻑ ﻭﺍﻟﻌﺩﺍﻟﺔ الاجتماعية واحترام البيئة، واحترام حقوق الإنسان وتطلعاته نحو حياة كريمة.
وبحسب منير الغزوي ترتكز المبادئ الأساسية لهذا الاقتصاد على إعطاء العناية للإنسان ولبيئته قبل رأس المال، وأن تكون المبادرة حرة منبثقة من الأفراد أو الجماعات، وأن تكون القاعدة هي التضامن والتآزر، وأن أن الملكية، هي ملكية جماعية غير فرديةوأن يكون التعاقد عادل ومنصف، بالإضافة إلى مبدأ التحكم في عملية الوسطاء في سلاسل الإنتاج، وخلق ديناميكية محلية من خلال تثمين المؤهلات المحلية والتعبئة المواطنة.
ويهدف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، حسب ما أورده منير الغزوي، إلى تعزيز مشاركة المجتمع، وخلق دينامية وطنية للتضامن وتعزيز التماسك الاجتماعي، بالإضافة إلى إنعاش التفكير في البدائل الاقتصادية، وتدليل الفوارق الاجتماعية والمجالية، وخلق توزان جيد حول الاستثمار، مشيرا إلى أن كل ذلك يستند على قيم التضامن والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والمساواة.
وحدد منير الغزوي مبادئ تدبير مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في مبادئ الشفافية والتقاسم، والمحاسبة، والشراكة والالتزام، مشيرا إلى أن هذا أبعاد هذا النوع من الاقتصاد هي مختلفة وتتمظهر من خلال إنتاج السلع والخدمات من خلال الاستثمار المحلي، وخلق الشغل والثروة، والاستجابة للحاجيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية للساكنة المحلية، وتعبئة الفعاليات المحلية، تحسين الخدمات للساكنة وتحسين ظروف عيشها، واحترام المجال البيئي وابتكار حلول للمشاكل البيئية.
وانتقد المتحدث، الوضعية الراهنة التي يوجد عليها هذا الاقتصاد، والتي إنها تتميز بنقص في مجال توحيد الرؤية و القوانين المدبرة لهذا القطاع ، وتنوع التعاريف المتعلقة بالتعاونيات، والجمعيات، والتعاضديات والمؤسسات الاجتماعية، بالإضافة إلى غياب مناهج و بدائل الاقتصاد الاجتماعي في السياسات العمومية الأساسية والدائمة، وتركيز البرامج على التعاونيات وغياب الحلول الأخرى التي يوفرها هذا الاقتصاد، مشيرا في الوقت ذاته، إلى ضعف صناديق التمويل بالمقارنة مع الدول الرائدة في هذا المجال، وضعف القدرة البشرية المحلية وعدم تمكينها من جعل هذا الاقتصاد رافعة للتنمية المندمجة.
ودعا منير الغزوي إلى تجنب مجموعة من الأخطاء من قبيل، اعتبار هذا الاقتصاد قطاعا ضمن القطاعات الحكومية، وجعله تحت وزارة معينة، وكذا استعمال هذا الاقتصاد لمعالجة الفقر فقط، والقطاع الغير مهيك، وأيضا تجنب تسييس هذا القطاع، وجعله في خدمة المصالح الحزبية الضيقة والجماعات المتطرفة، وتوظيفه في برامج التعاون الوطني والدولي للاسترزاق والاتكال على الغير.
وقال نائب رئيس الشبكة المغربية للاقتصادي الاجتماعي والتضامني “إن هناك مجموعة من التراجعات التي مست هذا القطاع على مستوى مدونة التعاضد من قبيل ضرب التسيير الديمقراطي للتعاضديات، ومنع التعاضديات من تدبير الوحدات صحية”.
وبخصوص التحديات المطروحة على هذا النوع من الاقتصاد، ذكر منير الغزوي، بتحدي المردودية التي لا يمكن الحصول عليها إلا على المدى البعيد أو المتوسط، وتحدي تحقيق التوازن بين منطق المدى القصير الذي يحكم البرامج الانتخابية والانتظارات الاجتماعية الملحة والاهتمام بالاقتصاد الأخضر، والإسراع في التقليل من انبعاث الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، وتحدي التخفيف من المضاعفات الكارثية للتغيرات المناخية على الإنسان وعلى التنوع البيولوجي، خصوصاً بسبب نضوب الموارد المائية.
***
أحمد زكي عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية: مستقبل البشرية أصبح مرهونا بقدرتها على تغيير نمط الإنتاج والاستهلاك
وفي تعقيبه على هذا المحور، حذر أحمد زكي عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، من جعل الخيار الايكولوجي، ضمن خيارات أخرى، مؤكدا أن التوجه الايكولوجي بات يشكل خيارا أساسيا، لا محيد عنه، لأن مستقبل البشرية، يضيف المتحدث، أصبح مرهونا بقدرتها على تغيير نمط الإنتاج والاستهلاك.
وذكر زكي، أن توقعات العديد من الخبراء، هي أن العشر سنوات المقبلة ستشهد تغيرات مناخية، ستصبح معها الحياة في العديد من مناطق العالم، صعبة جدا، مشيرا في هذا السياق إلى أن المغرب مهدد بارتفاع منسوب مياه البحار، فهو يتوفر على 3500 كلم من الشواطئ، وأن أغلب سكان المغرب يقطنون بالشواطئ.
وأوضح القيادي في حزب التقدم والاشتراكية أن خيار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، هو خيار أساسي بالنسبة للمغرب، ويتعين الانخراط فيه بقوة، وذلك بهدف تغيير توجهاته الاستهلاكية، وربطها بقيم العدالة الاجتماعية والرفع من مستوى المجتمع، وجعله يتماشى مع التوجه الايكولوجي عكس التوجه الليبرالي الذي يهدف إلى تحقيق الربح واستغلال الإنسان واستغلال الطبيعة.
****
- محور الجبايات والادخار وتمويل الاقتصاد
أحمد رحو الرئيس المدير العام للبنك العقاري والسياحي ونائب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب: القطاع المالي حقق نجاحا ودوره أساسي في نجاح النموذج التنموي
قال أحمد رحو الرئيس المدير العام للبنك العقاري والسياحي ونائب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، إن القطاع المالي المغرب حقق نجاحات وأشار إلى أنه لا يمكن الحديث عن نموذج تنموي ناجح دون أن تكون هناك قطاعات ناجحة سواء تعلق الأمر بالقطاع المالي أو الصناعي أو غير من القطاعات الأخرى.
وقال إن القطاع المالي مر من مراحل تاريخية عرفت إصلاحات مهمة أدت إلى ما يوجد عليه القطاع المالي اليوم، حتى أصبح القطاع مواكبا لمجموعة من القطاعات داخليا وخارجيا.
وأكد أن القطاع المالي حين لا يكون مبتكرا وفعالا ومنوعا، فإن ذلك يشكل عرقلة للاقتصاد، مشيرا إلى أن الفاعلين الصناعيين والمقاولاتين وحتى الدولة، يلجؤون نحو القطاع المالي لتمويل الاستثمارات.
وأوضح أن بعض الإجراءات التي يشهدها المغرب في القطاع المالي بدأت تتحسن بالموازاة مع الإصلاحات المتواصلة التي يعرفها القطاع. وأشار إلى القطاع المالي يساهم في تعزيز الادخار وتمويل الاقتصاد. وشدد على أن ضرورة توفير ضمانات من شأنها أن تعزز دينامية القطاع والمتعاملين خاصة مع الإحساس بالحماية من الخسارة مع وجود ضمانات وثقة في المؤسسات.
وفي هذا الصدد، أكد على ضرورة العدالة في تعزيز هذه الثقة، مشيرا إلى العدالة فيما يتعلق بنزاعات الأعمال لابد أن تواكب التطورات الحاصلة بما يضمن عدالة الأحكام. وقال إن العدالة فيما يرتبط بالأعمال ما زالت أمامها الكثير من الجهد والاجتهاد، إذ تستند بشكل كبير على رأي خبراء وعلى أساسه تصدر الأحكام، ودعا إلى إعادة النظر في هذه الأمور، حتى يتمكن القطاع من تجاوز الأحكام الخاطئة التي تكون لها تكلفة كبيرة. وأوضح أن النظام الجبائي يكتسي أهمية كبرى، مشددا على ضرورة إعادة الثقة، مشيرا إلى أن بقاء أموال مهمة تعود إلى الفاعلين في محفظة الدولة أمر معيب، خاصة فيما يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة. واستدرك أن القرار الذي اتخذ مؤخرا بإرجاع أموال الضريبة على القيمة المضافة إلى المقاولات قرار مهم من شأنه أن يخلق دينامية لدى هذه المقاولات وفي الاقتصاد بصفة عامة.
وقال على الدولة أن تفي بالتزاماتها في هذا الباب وهو الأمر الذي من شأنه أن يحافظ على التوازن. وشدد أحمد رحو كذلك على ضرورة إيجاد حل من أجل هيكلة القطاع غير المهيكل الذي يشكل خطرا على النسيج الاقتصادي المغربي، مضيفا أن التعامل مع القطاع المهيكل لا يجب أن فقط من الناحية الاجتماعية. وقال إن المغرب اختار نموذجا ليبراليا يضمن حرية تنقل السلع والرساميل والأشخاص، وأكد أنه وإن كانت حرية تنقل السلع قائمة فإن حرية تنقل الرساميل ما زال مجمدة، مشيرا إلى لابد من مواصلة إصلاح نظام الصرف والانفتاح أكثر على الخارج واعتماد مرونة أكثر في تنقل الرساميل خاصة عند الاستثمار في الخارج.
***
في تعقيب للخبير الاقتصادي محمد بنموسى: إمكانيات القطاع المالي وملائمة السياسة النقدية والجبائية من سيمكن من نجاح النموذج التنموي
أكد الخبير الاقتصادي محمد بنموسى، في تعقيب له على مداخلة أحمد رحو الرئيس المدير العام للبنك العقاري والسياحي ونائب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ضمن محور ” الجبايات والادخار وتمويل الاقتصاد” أن الإشكاليات التي يعرفها الاقتصاد المغربي متعددة.
وقال محمد بنموسى إن إعداد نموذج ما، يعني التعامل مع مجموعة من المتغيرات وإذا ما تم ذلك سنكون قد نجحنا في معالجة من مجموعة من الإشكاليات الاقتصادية.
ومن بين هذه العوامل، حسب بنموسى، العامل الرأسمالي وعامل الشغل، والإنتاجية الاجمالية للعوامل، وأكد أن هذه العوامل إذا ما التركيز عليها سنكون قد عالجنا إشكالا كبيرا من بين الإشكالية الكبرى للاقتصاد، وهو ما سيؤدي إلى تحقيق نمو اقتصادي.
أما الإشكالية الثانية فتتعلق بسياسيات الدولة النقدية والمالية، خاصة فيما يتعلق بالجبايات والتمويل اللتان تعتبران وسيلة من الوسائل التي توجد في خدمة الدولة، وهي وسائل ستمكن من تحقيق أداء جيد ما سينعكس على العوامل التي تمت الإشارة إليها وهي الرأسمال والشغل والإنتاجية الإجمالية للعوامل.
وانتقد بنموسى النموذج البنكي ونظام الجبايات حيث اعتبره من أسباب فشل النموذج التنموي، بالرغم من أنه قال إن النظام البنكي والجبايات سيكونان من عوامل النجاح.
ووقف بنموسى عند صعوبات في الولوج إلى التمويل للمقاولات المتوسطة، مشيرا إلى أن القطاع البنكي لم يمنح سوى 60 مليار درهم من القروض فقط منحت للقطاع الصناعي، وهذا يعبر عن توجه غير مقنع نحو تمويل الصناعة.
أما فيما يتعلق بالجبايات، والتي تعتبر أيضا من عوامل فشل النموذج التنموي، أكد بنموسى أن معدلات الضريبة المعتمدة بالمغرب توازي نظيرتها في عدد الدول الأوربية، غير أن النتائج مختلفة، حيث إن العائدات الضريبة والمساهمات الاجتماعية تمثل 23 في المائة من الثروة الوطنية، في حين أن هذه الحصة في الدول الأوربية تمثل في المتوسط 30 في المائة من ثروتها الوطنية. كما تطرق أيضا إلى الإعفاءات الضريبية التي يجب إعادة النظر فيها بما يحقق العدالة الضريبية.
وتساءل حول السياسة الجبائية والنقدية، وكيف يمكن تحويلها إلى عامل من عوامل نجاح النموذج التنموي. وفي هذا الباب استحضر بنموسى مسؤولية مؤسسات الدولة ومؤسسات التمويل الخاص في هذا الجانب.
وفي هذا الصدد أشار إلى مشكل شركة لاسامير، الذي عرف مجموعة من الخروقات فيما يتعلق بمراقبة الأموال العمومية، خاصة فيما يرتبط بالقروض التي منحت للشركة والتي استعملت في غير ما اقترضت لأجله، وهنا يشير بنموسى إلى مسؤولية النظام البنكي وعدد من المؤسسات المالية والنقدية في مراقبة القروض التي منحتها للشركة.
***
- محور “معالجة جديدة للمسألة الاجتماعية: سياسة الدخل، الخدمات الاجتماعية الأساسية والتغطية الصحية”
نجيب اكديرة اقتصادي، المدير العام السابق لوكالة التنمية الاجتماعية: يجب تقوية الحكامة والإدارة وتعزيز القطاع العام
وفي سياق الحديث عن “معالجة جديدة للمسألة الاجتماعية: سياسة الدخل، الخدمات الاجتماعية الأساسية والتغطية الاجتماعية” قال الاقتصادي نجيب اكديرة، المدير العام السابق لوكالة التنمية الاجتماعية، إن النموذج التنموي الجديد يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار القطاعات المهمة، مشيرا إلى انه يتم ترك قطاعات مهمة كالصحة دون التفكير فيها.
ودعا اكديرة إلى تعزيز القطاع العام وتقويته من أجل ضمان الخدمات الاجتماعية الأساسية للمواطنين خصوصا، مسألة الولوج إلى الصحة باعتباره حقا أساسيا، معتبرا أن الإشكال يكمن في تردي الخدمات بهذا القطاع الحيوي في المرفق العام مقابل تقوي ذات القطاع في المرفق الخاص، وهو ما يطرح على الطبقة المتوسطة مجموعة من التحديات، حيث يتحتم عليها في حالة المرض التوجه إلى القطاع الخاص، وبالتالي مصاريف أكثر، تثقل كاهلها، وقد تعصف بها مع مرور الوقت إلى التدني نحو الطبقة الفقيرة.
وأشار المتحدث إلى أن النموذج الحالي ساهم في بلورة الفوارق الاجتماعية، لاسيما مع تراجع أدوار القطاع العام، حيث تصبح الأسر مستغلة بشكل أكبر، إذ يتم دفعها اتجاه القطاع الخاص في حين أنها تمول القطاع العام بالضرائب التي تؤديها، وهذا أمر مؤسف يشير الخبير.
ولمواجهة هذا الوضع، يؤكد اكديرة أن الحل يكمن أساسا في تقوية الحكامة والإدارة، والتركيز على تقوية الخدمات الاجتماعية وإعادة النظر في النموذج التي تشتغل به عدد من القطاعات، بالإضافة إلى خلق ميثاق أو عقد عمل يربط هذه القطاعات والدولة وبين هذه القطاعات المواطنين، من أجل نجاعة أكبر في عملها وفي خدماتها.
وشدد المدير العام السابق لوكالة التنمية الاجتماعية على ضرورة أن يواكب الميثاق التعاقدي بين القطاعات والدولة مبدأ “المساءلة” والمحاسبة من أجل تجاوز إشكاليات “المسؤولية” المطروحة على مجموعة من القطاعات التي لا تقوم بأدوارها أو لا تقدم الخدمات الاجتماعية الأساسية للمواطنات والمواطنين.
***
- الحسين الوردي وزير الصحة السابق وأستاذ جامعي وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية: النموذج التنموي يجب أن ينبني على إنتاج الثروة وتوزيعها
وتعقيبا على كلمة نجيب اكديرة، قال الحسين الوردي وزير الصحة السابق والأستاذ الجامعي، وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن قطاع الصحة يعرف مجموعة من الاختلالات والإخفاقات وهذا يتم الاعتراف به، لكن مقابل ذلك كانت هناك مجموعة من الإنجازات التي بدورها تتحسن بشكل سنوي.
وتابع الوردي أن من المنجزات الاجتماعية لوزارة الصحة، قضية التغطية الصحية التي انتقلت من 16 بالمئة سنة 2005 إلى حوالي 64 بالمئة خلال السنة الجارية، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من المجهودات التي تبذل في هذا القطاع والتي يجب التعاون على تنزيلها وتحسينها، منها الراميد الذي يعرف بعض التحسينات والتعديلات من أجل أن يؤدي أدواره كبرنامج اجتماعي.
وأوضح وزير الصحة السابق أن قطاع الصحة، قطاع منتج وليس بالأساس قطاع مستهلك، مشيرا إلى أن النموذج التنموي الجديد يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار جميع عوامل التنمية بما فيها العوامل غير الاقتصادية كما هو معمول به عدد من البلدان، إذ يتم الأخذ بعين الاعتبار الثقافة واللغة، الصحة والتعليم، كعوامل مهمة للتنمية.
وفي حديثه عن النموذج التنموي، أبرز الوردي أن هذا النموذج يجب أن ينبني على أسسين هما:
أولا، إنتاج الثروة وإنتاج القيمة الاقتصادية المضافة،
وثانيا توزيع الثروة، هذه النقطة الأخيرة اعتبرها الوردي مهمة إذ أنها النقطة الكفيلة بأن تؤدي إلى التماسك الاجتماعي، حسب المتحدث.
كما أن النموذج التنموي يحتاج، حسب الوردي، إلى الأسس الاقتصادية قبل صياغة النموذج، بالإضافة إلى المؤهلات والثروة، إلى جانب إنجاح البنية التحتية على صعيد الجهوية من أجل أن تكون جميع الجهات منتجة وليست مستهلكة فقط، معتبرا أن وعلى سبيل المثال فمرض السل مرض الفقراء، حيث أنه يصيب الفئات التي تتواجد في هوامش المدن، مشيرا إلى أن المشكل يكمن بالأساس في البنية التحتيةـ إذ يجب –إلى جانب توفير الدواء – النهوض بوضعية السكن لهذه الفئات ودخلهم الفردي، معتبرا أن المشكل عرضاني ويشمل جميع القطاعات.
الوردي، وفي خضم حديثه عن النموذج التنموي الجديد وأهمية إشراك جميع القطاعات في التنمية من أجل إنجاح هذا النموذج الجديد، شدد على أن كل ذلك مرتبط بالديمقراطية، حيث قال إنه لا يمكن أن ينجح أي نموذج تنموي جديد دون ديمقراطية حقيقية وبدون أحزاب قوية متجذرة في المجتمع قادرة على تحمل مسؤولية نجاح هذا النموذج.