نظمت يوم الجمعة الماضي، ندوة علمية حول: “دور الفرس في العلاقات الدبلوماسية”، بقاعة المحاضرات، بفضاء المعارض محمد السادس، بمدينة الجديدة، وذلك على هامش تنظيم معرض الفرس للجديدة، في دورته الحادية عشر.
وشهد اللقاء تدخل مجموعة من الأساتذة الباحثين في المجال، مجمعين على الأدوار الكبيرة التي اضطلع بها الفرس عبر مر العصور، وذلك على مستوى السلك الدبلوماسي بين المغرب وبعض الدول والإمبراطوريات الأوروبية.
وقدم المتدخلون دور الخيول في التقريب بين دول باعدتها السياسية، حيث كان الحصان واسطة لتبديد الخصومات وتعزيز العلاقات بين الحلفاء الاستراتيجيين جغرافيا وتنظيميا.
دبلوماسية حصان
تحدث جون لويس كورو في مداخلة له أمام جمهور معرض الفرس بالجديدة، عن موضوع “الحصان في دبلوماسية الفرس”، مبرزا أهمية الخيول في العلاقات الدبلوماسية بين الدول والإمبراطوريات، التي ظلت وفية لهذا التقليد عبر مر العصور، حيث كان الفرس “رمزا للود والرغبة في بناء علاقة صداقة وتعاون بين الدولتين”.
وقدم لويس كورو في كلمته، مجموعة من الأمثلة الخاصة بالموضوع، بدءا من الإمبراطور ماوتسيتونغ، ونيكسون، وكذا الملوك الفرنسيين الذين كانوا يعطون للفرس أهمية كبيرة في علاقاتهم، ولازال الأمر كذلك، إلى اليوم، مع كل رئيس دخل قصر الإليزيه.
وكشف المتحدث ذاته، عن سلسلة من الأزمات الدبلوماسية التي وقعت بين فرنسا ومجموعة من الدول، غير أن الحصان كان منقذا للوضع، حيث يبعث الرؤساء والملوك فيما بينهم هدايا عبارة عن أفراس إلى جانب اللوازم الخاصة بها، حيث ينجح الحصان في تبديد سوء الفهم، ويعود المياه إلى مجاريها.
وذكر جون لويس كورو، كيف أن العلاقة بين المغرب وفرنسا، كانت مبنية دبلوماسيا أيضا، على الحصان، لاسيما وأن الأمير مولاي إسماعيل كان قد بعث بتاريخ 16 فبراير 1699 بخيول إلى ملك فرنسا آنذاك لويس 14، بالإضافة إلى تقديم فرنسا بتاريخ 1885 للأمير مولاي الحسن أفراس فرنسية، يهدف من خلالها إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين الجانبين.
إهداء فرس
قال عبد القادر سعود “إن الفرس ظل عبر العصور، رمزا للفخر والمجد، ولذلك حظي لدى بني البشر بالمكانة المتميزة التي تخول له الحضور في مناسبات العز والكرم، حربا وسلما”، مؤكدا أن الخيل ظلت حاضرة في النوادي الشعرية ضمن قصائد الفحول من الشعراء، كما أنها تتصدر مؤلفات لدى كثير من العلماء الذين ندبوا أنفسهم للتأليف في موضوع الخيل والفروسية، أو في موضوع تطبيب الفرس وتشخيص أمراضه، “بل إن الفرس سما قدره وعلا شأنه إذ نجد ذكره، منذ زمن بعيد، في الرسائل الملوكية، كما أنه ظل حاضرا في الهدايا المتبادلة بين قادة الأمم والشعوب”.
واعتبر المتدخل في ورقة بعنوان: “حضور الفرس في الهدايا والرسائل الدبلوماسية بين رؤساء الأمم”، أن المغرب وباعتباره “من المملكات العريقة الضاربة جذورها في التاريخ، حظي الفرس لدى ملوكه بالمكانة المرموقة، إذ اعتمدوا عليه في بناء الدولة المغربية، وإثبات مكانتهما بين الدول، كما كانوا يعتزون به لما يكون في صدر ما يتلقونه من الهدايا التي كانت ترسل إليهم، ويفخرون بجعله على رأس ما يرسلونه منها إلى قادة وملوك الأقطار”.
وكشف عبد القادر سعود أن هذه الهدايا خلدت في “ثنايا الكتب التاريخية التي مازالت تحتفظ بذلك التعامل الدبلوماسي، الذي كان وما يزال رابطا وديا بين الدول والشعوب”، مستطردا، أن”قيمة تلك الهدايا الدبلوماسية كانت تكبر لدى المرسل إليه لما يجد ضمنها عددا من الخيول والسروج، وما يناسبها من عدة كالسيوف وغيرها من اللوازم المتعلقة بالفرس”.
وخلص المتحدث ذاته، إلى أن الفرس كان حاضرا بقوة في العلاقة الدبلوماسية من خلال الهدايا المتبادلة بين قادة الأمم، والتي كان الحصان فيها عنصرا مميزا، بالنسبة للمرسل أو المرسل إليه”.
مخطوطة خيول
من جهته، قدم محمد يعلى، ورقة تاريخية لدراسة علمية حول: “الفرس والفروسية ومهنة البيطرة في السجلات والمكتبات الوطنية والملكية”، معتبرا البحث في هذا المجال، مهما، لاسيما وأنه يعرف بالتراث الثقافي المغربي اللامادي، الخاص بالخيل والفروسية والبيطرة، وذلك، بالاستناد “إلى الذخيرة المصدرية المخطوطة، والمحفوظة في أكبر خزانتين وطنيتين بمدينة الرباط، هما المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، والخزانة الملكية بالمشور السعيد”.
وكشف يعلى، أن هذه الدراسة التي قام بها من خلال تحليل مخطوطة صغيرة، “تتكون من عشرين كتابا كنموذج للتعرف على ما تتضمنه تلك المخطوطة من معلومات تخص؛ أولا، الخيول العربية أصلها، أوصافها العضوية والمعنوية، ترتيب أسمائها في السباق، ذكرها في النصوص الدينية، حضورها في الخطاب الغيبي، وأثرها في بعض المعتقدات”.
وعلى المستوى الثاني تبرز الدراسة، “دورها الحاسم في الفروسية التي ارتبط نشاطها منذ العهد القديم بالفرس سواء استعدادا للحرب، حيث يتلقى الفارس تداريب عسكرية هجومية ودفاعية على الخيل، تمكنه من استعمال مختلف الأسلحة، أو في أوقات السلم”.
وثالثا، وأخيرا، فإن الدراسة بحسب المتدخل، تلقي بعض الضوء على علم البيطرة، الذي ميز في علاج الخيل ما بين العيوب الخلقية والأمراض العضوية المختلفة، وذلك، “انطلاقا من الوقوف على العينة العلمية المدونة الصغيرة، من خلال نتائج دراستها، على ما راكمه المغاربة القدماء في مجال التدبير من دراية عميقة بالخيل وكل متعلقاته، كما تدل أيضا على ثقافة غنية لامادية عريقة، مازالت قائمة حية في مجتمعنا المغربي إلى اليوم”، يوضح يعلى.
حصان الخارجية
من جانبه، أشار سمير بوزويتة، أن موضوع الهدايا والإتاوات يمثل “أحد المواضيع الدبلوماسية المهمة والجديرة بالعناية، فمن خلاله يمكن إدراك طبيعة العلاقات المغربية الأجنبية، والوقوف على أهم الميكانيزمات المحركة لها”.
وزاد بوزويتة في مداخلة له بعنوان: “الفرس المغربي، أداة دبلوماسية لتوقيع الاتفاقيات والمواثيق الدولية”، أن الهدايا اعتبرت من أنجع الوسائل لتحقيق الأهداف الدبلوماسية والمكاسب الاقتصادية والسياسية، وذلك على اعتبار أن “الهدية تترجم طبيعة وحجم العلاقات بين الدول، كما ينضاف إلى ذلك أن الهدية لها تأثير واضح في توقيع المعاهدات والعقود”.
وذكر المتدخل في هذا الصدد، مجموعة من الاتفاقيات التي أبرمها السلاطين العلويين مع الدول الأجنبية والتي كان الفرس حاضرا فيها برمزيته، من قبيل؛ “بعث السلطان سيدي محمد بن عبد الله السيد الطاهر بن عبد السلام السلوي، والسيد الطاهر بناني الرباطي سفيرين مصطحبين بهدية نفيسة فيها خيل عتاق بسروج مثقلة بالذهب مرصعة بالياقوت المختلفة الألوان، وفيها حلي من عمل المغرب وبنود منسوجة الذهب من عمل فاس، إلى السلطان مصطفى، حيث كافأ هذا لأخير بمركب متكون من آلة الحرب ومدافع ومهاريس وبارود وإقامة كثيرة للمواكب القرصانية”.
ومن بين الهدايا الأخرى التي قدمها سيدي محمد بن عبد الله، خلال الفترة الممتدة بين 1179 و1765، حمل السفير محمد بن عبد الملك إلى فيينا (1783)، هدايا إلى الإمبراطور جوزيف الثاني، والمتمثلة، في ثمانية خيول عربية، وكان سرج الحصان الأول من ذهب من الصنع المغربي، زركش بالأحجار الكريمة، أما الثاني فكان سرجه من فضة صنع في المشرق، بينما الأسرجة المتبقية كانت مغطاة بثوب الحرير.. علاوة على صندوقين مغلفين بالجلد يحتويان على أثواب باهظة الثمن”.
وفي سياق متصل، كانت سفارة ابن عثمان في نابولي وصقلية بحسب سمير بوزويتة، “قد ساهمت في تثمين علاقات الود القائمة بين المملكة المغربية وبين ملك الصقلتين :نابولي وصقلية، ونجد العاهل المغربي محمد بن عبد الله يهدي ملك الصقليتين 1787 باثنين من عتاق الخيل وأربع كلاب سلوقية فيها اثنان مجلوبان من الصحراء المغربية”.
علاوة على هذا، كان سيدي محمد بن عبد الله، قد بعث إلى ملك البرتغال دون جوزيف الأول بسفيره القائد عمر بن الداودي الذي كانت ترافقه حاشية من تسعة وثلاثين شخصا مع هدية ستة من عتاق الخيل..
وانتقل المتحدث، إلى الحديث عن مرحلة تاريخية أخرى، للسلطان المولى عبد الرحمان بن هشام إذ كان قد قدم بتاريخ 1846 عن طريق سفارة أشعاش بفرنسا، أروع الهدايا وأجملها إلى ملك فرنسا، فقد سلم إليه أشعاش قبل مغادرته باريس وفي أثناء حفل استقبال بقصر التويلوري، ستة خيول عربية، بالإضافة إلى مجموعة من الحيوانات المتوحشة، “وكانت تلك الحيوانات الموجهة إلى حديقة النباتات (jardin des plantes)، عبارة عن أسد ونعامتين وثلاثة غزلان بالإضافة إلى صنف من الماعز البري غير معروف في أوروبا، سماه الفرنسيون mouton à manchette”، يقول سمير بوزويتة.
وأضاف بوزويتة أن الصحافة عندها، وجدت صعوبة في التعبير عن تقديرها لقيمة تلك الهدايا في نمطها العربي، “فجاء في تعليق كتبته جريدة L’illustration أنه قد كان أسلاف السلاطين المغاربة يحملون معهم الماس والعطور هدايا، فإذا بأبناء الصحراء يهدوننا اليوم الأسود والغزال”.
خيول في حضرة
ملوك فرنسا
وعرفت الندوة الثقافية، تدخل رشيد اليشوتي، الذي تحدث عن “الفرس في العلاقات المغربية- الفرنسية خلال الحقبة المعاصرة”، وذلك باعتماده على مجموعة من الوثائق الأصلية، التي وظفها في تحليل دور الفرس في العلاقات الدولية لاسيما مع دولة فرنسا، باحثا عن “كيف كان إهداء الفرس، في بروتوكولات الدولة العلوية، له طقوس خاصة، حيث عمل السلاطين العلويون إلى اختيار عتاق الأفراس وخبرتها بقصد إهدائها إلى ملوك الدولة الفرنسية”.
وسجل اليوشتي، أن العلاقات المغربية الفرنسية تميزت خلال الفترة المعاصرة، حسب ظروف الحرب والسلم، بالمد والجزر، لذلك فقد عمد السلاطين المغاربة إلى إرسال البعثات الدبلوماسية إلى فرنسا بغية حل المشاكل العالقة بين الطرفين، فاستقبلت تلك السفارات “بغاية الإجلال والاعتبار”.
وأشار المتدخل إلى أن حصول ملوك فرنسا على الفرس المغربي كان “يخلف ارتسامات عظيمة حيث خصصت اسطبلات خاصة بتلك الأفراس، وأحيطت بها عناية خاصة بغية الاستفراد بالنسل المغربي النقي”.
ثقافة فرس
اعتبر عبد الرزاق وورقية، في كلمة له عن “دور الفرس في العلاقات المغربية- الإسبانية من خلال الوثائق الأندلسية”، أن الموضوعات المتعلقة بالخيول تحتل مساحة مهمة في التراث الثقافي المشترك المغربي الإسباني بمعناه الواسع، موضحا، أن “المطلع على هذا التراث بجميع مجالاته العلمية من تاريخ وجغرافية وتراجم وقانون، ودبلوماسية ووثائق يستنتج بشكل واضح أن الخيل تشكل دائما عنصرا مهما في العلاقات الثقافية بين المغرب وإسبانيا سواء في مراحل السلم أو في فترات التوتر”.
وأشار وورقية، إلى أن المخطوطات والوثائق الأندلسية “مازالت تحتفظ لنا بالكثير من المشاهد والروابط الثقافية ذات البعد الدبلوماسي بين ضفتي المتوسط، منها ما يتعلق بتبادل الخبرات والعلوم المتعلقة بالخيل، ومنها ما يتعلق بتبادل الهدايا التي موضوعها الفرس ذات الخصوصيات”.
بالإضافة إلى أن هناك ما “يتعلق بأحكام التبادل التجاري المتعلق بالخيول”، متطرقا إلى المحطات البارزة لحضور الخيل في التراث الثقافي المشترك الإسباني المغربي من خلال تتبع الوثائق والمخطوطات والمصنفات ذات الصلة.
نزهة خواطر العباد
وشهدت الندوة في البداية تدخل، محمد سعيد حنشي، الذي قدم تقريرا حول الكتاب الذي حققه “نزهة خواطر العباد في يتيمة الأجياد في الصافنات المعدة للجهاد”، لصاحبه محمد بن عبد القادر بن عثمان الخبزاوي الإدريسي الحسني (ت.بعد سنة 1267 هـ)، الذي يعد بحسبه من أهم المصنفات المغربية في الخيل، لاسيما وأنه شرح في مصنفه “أرجوزة تميمة الأجياد في الصافنات النجباء الجياد”، لعبد القادر بن العربي بن الطيب بن محمد الحسني القادري، (ت.1179 هـ).
وأبرز حنشي أن الكتاب يتألف من مقدمة ذكر فيها المصنف سبب تأليفه لهذا الكتاب، ثم ذكر عنوانه الكامل، وأردف ذلك بذكر خلق الخيل، وأسماء أفراس النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض مراكبه الأخرى، وآلات حربه، وأسماء خيول الملائكة، ثم ذكر بعد ذلك الحكم الشرعي في المسابقة على الخيل والرهان عليها، وأسماء الخيول في حلبة السباق.
وعرج صاحب المصنفة إلى “شرح أبيات المنظومة مقسمة على أبوابها الخمسة، اعتمادا على المفاتيح الأساسية لتحليل النصوص، كاللغة والنحو والصرف والبلاغة، واستعان بعلوم أخرى للاستدلال والاستشهاد كالمنطق والعقيدة والفقه والبيطرة والتاريخ والتفسير، وغيرها من العلوم”.
ووشح الخبزاوي شرحه وفق المحقق السالف الذكر، هذا، “بمجموعة من الاستطرادات والفوائد، التي انتخبها من أكثر من أربعين مصدرا معرفيا، وقد استدرك ببعضها ما فات الناظم ذكره في منظومته، فكان لا يمر بمسألة لغيره فيها رأي يستحسن، أو مثل يضرب، أو شعر يستطرف، أو نكتة تستملح، أو خبر يستجاد، إلا سرده مجملا أو مفصلا”.
وعن خاتمة الكتاب أشار المتحدث، إلى “ذكر المصنف بعض ما يستحب من ألوان الخيل وشياتها، وفضائل ذكور الخيل وإناثها، وأردف ذلك ببيان الحكمة من تفضيل مطلق ذكور الخيل على الإناث، وعقد فصلا مقتضبا ذكر فيه بعض خواص الخيل، وختم مصنفه بالدعاء لنفسه، والاعتذار عما وقع فيه من أخطاء وأوهام”.
جدير بالإشارة إلى أن تحقيق هذا الكتاب تم بتكليف من اللجنة العلمية للجمعية المغربية لمعرض الفرس بالجديدة، حيث اعتمد المحقق على نسختين، الأولى محفوظة في الخزانة الملكية بالرباط، تحت رقم: 12494، والثانية في المكتبة الوطنية بالرباط مسجلة تحت رقم: 112 د.
< يوسف الخيدر