تدخلات مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين

أكد المستشار عبد اللطيف أوعمو أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات يدق ناقوس الخطر جراء الوضعية الصعبة التي توجد فيها أحوال النظام التعليمي في المغرب. وشدد أوعمو في مداخلته باسم فريق التحالف الاشتراكي بمجلس المستشارين على أن هذا التقرير يضع البرلمان والحكومة أمام مسؤوليتهما، ويتطلب المبادرة والحرص على اتخاذ كل التدابير لضمان إنجاح الرؤية الاستراتيجة لقطاع التربية الوطنية في أفق 2030 التي صدرت  عن  المجلس الأعلى للتربية والتكوين.أكد المستشار عبد اللطيف أوعمو أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات يدق ناقوس الخطر جراء الوضعية الصعبة التي توجد فيها أحوال النظام التعليمي في المغرب. وشدد أوعمو في مداخلته باسم فريق التحالف الاشتراكي بمجلس المستشارين على أن هذا التقرير يضع البرلمان والحكومة أمام مسؤوليتهما، ويتطلب المبادرة والحرص على اتخاذ كل التدابير لضمان إنجاح الرؤية الاستراتيجة لقطاع التربية الوطنية في أفق 2030 التي صدرت  عن  المجلس الأعلى للتربية والتكوين.كما دعا أوعمو أن الأمر يتطلب دعما كافيا على مستوى التشريع والقرارات الحكومية المواكبة لتنفيذه مع التشديد على المراقبة والتقييم وفقا لأحكام الدستور.فيما يلي النص الكامل لمداخلة المستشار عبد اللطيف أوعمو
“لا يسعنا إلا أن نحيي  هذا المجهود الجبار الذي يقوم به المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية في فحص المالية العمومية ومراقبتها. وما ترتب عن ذلك من بداية تحول في أسلوب عمل الساهرين على تنفيذ ميزانية الدولة وتدبير المال العمومي وتغيير عقلياتهم والاستشعار بواجب استحضار وازع المسؤولية والمحاسبة وتوخي الترشيد والنجاعة وتحقيق الأهداف والنتائج.فإنجاز اثنتين  وثلاثين (32)  مهمة رقابية في ميادين مراقبة تسيير الأجهزة العمومية وتقييم البرامج العمومية ومراقبة استخدام الأموال العمومية، بجانب إصدار غرف المجلس ل 588 قرارا قضائيا فيما يخص مادة التدقيق والبت في الحسابات و 60 قرارا في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، وإحالة أربعة  (4) قضايا تتعلق بأفعال قد تستوجب عقوبة جنائية على وزير العدل… ليس بالأمر الهين، ونتمنى أن يساعد ذلك في تسريع وتيرة الإصلاح في مجال تدبير وإنفاق الميزانية والتصرف في المالية العمومية.وبما أن المدة الزمنية المخصصة لهذه المداخلة لن تسمح بإبداء وجهة نظرنا والوقوف عند كل مضامين التقرير الدقيق والمفصل، برسم سنتي 2016 – 2017، فإننا سنقتصر على إبداء بعض الملاحظات حول ما نعتبره أهم وأكبر قطاع يستدعي المواكبة والتدقيق والتقييم، بجانب إجراءات التقويم، ألا وهو قطاع التربية والتكوين.من خلال التقرير، يمكن لنا أن نسجل كون المخطط الاستعجالي  لوزارة التربية، عرف عدة اختلالات عميقة وتعثرات لا مبرر لها، إضافة إلى غياب قواعد الحكامة في تنفيذ محتوياته، بالنظر إلى ضخامة الميزانية المخصصة وإلى الطابع الاستراتيجي والأهداف المرسومة بغاية استدراك النواقص، وتجنيد كل الطاقات لبناء منصة صلبة لإقلاع القطاع، نحو الأهداف الواردة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، واحترام للبرمجة الزمنية المخصصة له. • فعلى مستوى الموارد المالية، التي تمت تعبئتها لفائدة المخطط، سجل التقرير أن حجم الموارد المعبئة (حوالي 43 مليار درهم) عرفت الالتزام بمبلغ 35.05 مليار درهم منها، وأداء مبلغ 25.15 مليار درهم منها. أي بمعدل  أداء قدره 58٪. وتبقى هذه النسبة أدنى من معدل تنفيذ الميزانيات القطاعية المسجلة على مستوى الميزانية العامة للدولة خلال نفس الفترة. مما يفقد المخطط طابعه الاستعجالي. الشئ الذي أفشل مجهود الدولة وشكل هدرا للزمن التنموي وإضعافا لمؤشرات التنمية المستدامة.•وعلى مستوى التطور المسجل في تعميم التمدرس وتحسين ظروفه، سجل التقرير التحسن الكمي بارتفاع عدد التلاميذ المسجلين من  5.666.429 تلميذا خلال سنة 2009 إلى  6.039.641 سنة 2017، مع ارتفاع  عدد المؤسسات التعليمية خلال نفس الفترة من 9.397 مؤسسة إلى 10.756،  إلا انه لوحظ استمرار تدهور الطاقة الاستيعابية من أصل 1164 مؤسسة المزمع انجازها ضمن أهداف المخطط الاستعجالي، لم يتم إنجاز إلا  286 مؤسسة فقط، أي بمعدل انجاز لا يتجاوز 25٪. ونفس البطء عرفه توسيع المؤسسات المؤسسات الموجودة، وذلك ببناء 7052حجرة درس جديدة، بنسبة إنجاز  لم تتجاوز 4062 حجرة، أي بمعدل إنجاز في حدود 58٪.•كما أن المخطط لم يحقق تغطية جميع الجماعات القروية بالاعداديات والداخليات، كما كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين يستهدف، وجعله أحد أولويات المخطط  الاستعجالي، ورغم ذلك، فالملاحظ أن هناك تراجعا كبيرا عند الوقوف على ما أنجز فعلا، حيث انتقلت هذه النسبة من 8.52٪ برسم 2008-2009 لتستقر في حدود 5.66٪ برسم 2016/2017.• نفس التراجع عرفه استغلال المؤسسات التعليمية في  وضعية متردية، بالرغم من الوسائل المرصودة لإعادة تأهيل المؤسسات التعليمية. فإلى غاية موسم 2016-2017 استمر النظام التعليمي في استغلال 6437 مؤسسة لا تتوفر على شبكة للصرف الصحي و3192 مؤسسة غير متصلة بشبكة المياه الصالحة للشرب، و 681 مؤسسة غير مربوطة بشبكة الكهرباء، و9365 حجرة في وضعية متردية.• ناهيك عن التعليم الأولي، الذي نعتبره رهانا أساسيا في المنظومة التربوية ككل، والذي التزم المخطط ضمن أهدافه بتحقيق نسبة توفيره بالمدارس الابتدائية في حدود 80٪ سنة 2012 في أفق تعميمه سنة 2015. إلا أن هذا الهدف بقي بعيد المنال، ففي الموسم الدراسي 2016/2017، 24 ٪ فقط من أصل 7667 مدرسة ابتدائية تتوفر على التعليم الأولي.أما على مستوى درجة تحسين ظروف التمدرس والرفع من جودة النظام التعليمي، فعلى الرغم من الميزانية المخصصة، تؤكد العديد من المؤشرات على عدم تحقيق الأهداف المسطرة، ونخص بالذكر منها: تفاقم معدل الاكتضاض  بنسب متفاوتة في السلك الابتدائي والإعدادي والتأهيلي إلى درجة تثير القلق، خصوصا في وضعية السلك الإعدادي. • ويعتبر التوظيف  بالتعاقد لتغطية الخصاص من المدرسين مغامرة  حقيقية بمستقبل الأطفال المغاربة، بسبب ضعف مستوى التكوين والتأهيل، لأن الخصاص في هيئة التدريس لا يسمح بالمجازفة بمستقبل أجيال كاملة. ولا بد من التفكير جديا في إيجاد حلول بديلة، ولو ذات طابع انتقالي.ويجب أن يعالج الخصاص في الموارد البشرية، بجانب تعويض المحالين على التقاعد، بطريقة منطقية ومستعجلة، لأنه بدون الجواب الشافي والمقنع على إشكالية الموارد البشرية وتجويدها وتحسين ظروف عملها، سيكون هناك تعثر مستمر. وتقتضي المعالجة اعتماد عدة مقاربات، من ضمنها تجنيد “الفائض” والتفكير في بدائل ناجعة، وقد يكون من بينها التفكير في كيفية إشراك الجماعات الترابية في تنزيل منظومة تربوية مندمجة ملائمة وقادرة على تعبئة كل الطاقات البشرية في أفق بناء مجتمع المعرفة.•أما على صعيد تنفيذ مشاريع القطب البيداغوجي، الذي خصص له المخطط الاستعجالي قرابة 12 مليار درهم لتنفيذ عشرة مشاريع،  فعلاوة على حجم النفقات الهامة التي صرفت، لم يتم إكمال جميع التدابير المرتبطة بمشاريع هذا القطب ويتعلق الأمر بالخصوص بالمناهج الدراسية، وبإرساء نظام فعال للإعلام والتوجيه، وبدعم التمكن من اللغات وبتحسين النظام البيداغوجي. كما تم توقيف مشاريع بعد الشروع في تنفيذها،  وذلك بسبب عدم وجود رؤية مندمجة للإصلاح المنشود مما يطرح السؤال حول تجويد المنظومة ككل .•وفيما يخص قدرة نظامنا التعليمي على احتضان كل التلاميذ، فقد وفر برنامج الدعم الاجتماعي تحسنا في المؤشرات ذات الصلة، فبرسم السنة الدراسية 2016/2017 كانت إنجازات برامج الدعم الاجتماعي على النحو التالي: 1.085.110 مستفيدا من المطاعم المدرسية.•632 مستفيدًا من السكن والإطعام في الداخليات ؛•138.995 مستفيدا من النقل المدرسي ؛•859.975 مستفيدًا من برنامج تيسير ؛•3.835.833 مستفيدا من اللوازم المدرسية في إطار برنامج مليون محفظة.•ومع ذلك، فإن التحسن الملموس على هذا المستوى لم يترجم على مستوى الانعكاسات الإيجابية في مجال تحسين ظروف التمدرس ولم ينعكس إيجابا على مؤشر الاحتفاظ بالتلاميذ داخل المنظومة. وذلك راجع بدون شك إلى القصور في تدبير البرامج المعدة وسوء التخطيط، مع غياب استراتيجية متكاملة للدعم الاجتماعي الموجه لفائدة التلاميذ المعوزين.•وفي هذا الإطار، يبدو أن الهدر المدرسي، الذي له أسباب متعددة الأبعاد، ما زال  يشكل تحديا حقيقيا لنظامنا التربوي، ويؤشر على عدم قدرة منظومة التربية والتكوين على  الاحتضان الكافي للأطفال المغاربة.
فرغم أن معدل الهدر سجل انخفاضا مهما ما بين 2008 و2012، إلا أنه عاد ليسجل ارتفاعا خلال الموسم الدراسي 2016/2017 حيث مس الهدر  المدرسي ما يقارب حوالي 280 ألف تلميذ.وهكذا، فإن  المجلس الأعلى للحسابات اعتبر أن المخطط الاستعجالي لم يحقق جميع أهدافه، كما لم يكن له التأثير  المرتقب على منظومة التربية، بحكم أن تصميم وحكامة المخطط الاستعجالي لم يأخذا بعين الاعتبار، وبشكل كاف، بعض القواعد الأساسية لإنجاح أي سياسة عمومية. مما جعل مظاهر الارتجال وعدم التمكن تغلب عليه، سواء على مستوى التشخيص أو على مستوى تقييم المخاطر والتفكير في حلول بديلة منذ البداية، وخصوصا فيما يتعلق بتعدد المتدخلين وقدراتهم والأخذ بعين الاعتبار  حجم التدابير المسطرة.ويدق تقرير المجلس الأعلى للحسابات ناقوس الخطر جراء الوضعية الصعبة التي توجد فيها أحوال نظامنا التعليمي.وهو ما يضع البرلمان والحكومة أمام مسؤوليتهما . وما يتطلب ذلك من المبادرة والحرص على اتخاذ كل التدابير لضمان إنجاح الرؤية الاستراتيجة لقطاع التربية الوطنية في أفق 2030 التي صدرت  عن  المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وما يتطلبه من دعم كاف على مستوى التشريع والقرارات الحكومية المواكبة لتنفيذه مع التشديد على المراقبة والتقييم وفقا لأحكام الدستور.

          * تدخل المستشار عبد اللطيف اعمو في مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي

السيد الرئيس،
السيدة كاتبة الدولة،
السيدات والسادة المستشارون،

يشرفني أن أتناول الكلمة باسم مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين، في إطار مناقشة الجزء الثاني من مشروع قانون المالية لسنة 2019، بلجنة الخارجية والحدود والدفاع الوطني والمناطق المغربية المحتلة، مركزا على بعض المحاور المرتبطة بالشؤون الخارجية والتعاون.
لقد استمعنا بإمعان إلى الكلمة التقديمية للسيدة كاتبة الدولة أمام أعضاء اللجنة البرلمانية بمناسبة مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي برسم سنة 2019، والتي بسطت خلالها أهم مرتكزات ومرجعيات وأولويات العمل الدبلوماسي وسياق اشتغال الدبلوماسية الرسمية المغربية.
وبداية، لا بد من الإشادة بالدور المحوري للدبلوماسية الرسمية في تعزيز الإشعاع الدولي للمغرب وتقوية مكانته ضمن أمم العالم، إضافة إلى خدمة مصالح الوطن العليا ورعاية وصون مصالح مغاربة العالم، خصوصا الدينامية التي تعرفها الدبلوماسية الوطنية على المستوى القاري .
ولا بد كذلك من التأكيد على الطابع المركب لأجواء اشتغال الدبلوماسية المغربية، حيث يتسم السياق الدولي بالتعقد والتقلب، وبتسارع الأحداث، مع بروز فاعلين دوليين جدد، إضافة إلى تراجع النسق المتعدد الأطراف
وفي ظل هذه الأجواء الدولية المتقلبة والسريعة التطور، كان لزاما على الدبلوماسية الوطنية أن تبرهن عن قدرتها على التأقلم السريع والقراءة الصحيحة والمتأنية لموقعها داخل الخريطة الدبلوماسية الدولية، بتقوية وتنويع شراكاتها قاريا وعربيا ومتوسطيا وإسلاميا… على أساس احترام الثوابت الوطنية وخدمة المصالح العليا للوطن ورعاية شؤون مغاربة العالم.
ويعتبر ورش تحديث المنظومة الدبلوماسية ومدها بالموارد البشرية والمالية الضرورية لأداء مهامها، وتطوير أدائها في أفق التفاعل الإيجابي والسريع مع مختلف التغيرات، على رأس المهام التنظيمية للوزارة.
إن ما راكمته وتراكمه بلادنا من مواقف إيجابية تجاه وحدتنا الترابية على المستويين القاري والدولي، والتي تبقى على رأس الأولويات الدبلوماسية، لخير دليل على وجاهة الموقف المغربي الذي يرتكز على مقترح الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية. وقد جاء الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء ليعزز هذا المسار ويؤكد استعداد المغرب لفتح حوار مباشر مع الجزائر من خلال إحداث آلية سياسية مشتركة .
ومكنت الزيارات الملكية المكثفة للعديد من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، من التركيز دبلوماسيا على العمق الاستراتيجي الجديد للمغرب في افريقيا، ومهدت لوضع لبنات جديدة لتنمية متبادلة تنهل من التعاون جنوب/جنوب، وتكون متمحورة حول المشاريع الاقتصادية المدرة للثروة، لكن بنكهة إنسانية واجتماعية وثقافية وبيئية متميزة. مما دفع الدبلوماسية الرسمية إلى بناء توجهات اقتصادية وسياسية وثقافية وبيئية باستحضار واقع هذا الفضاء الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والبشري الواسع والواعد وبالارتكاز على معطياته.
كما أن مستقبل المغرب دبلوماسيا رهين بمستوى تطوير وتعزيز التعاون جنوب – جنوب ، إضافة إلى تقوية العلاقات مع شركائنا التقليديين، وأن الخريطة السياسية ببعض الدول الإفريقية في طور إعادة التشكيل بعد عدة انتخابات في سنة 2019، وهي فرصة للمغرب ليحرص، في أفق خلق موازين قوى جديدة، على تقوية روابطه أساسا مع دول محورية في القارة السمراء كجنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا، ولكي لا تنحصر العلاقات التقليدية والمبادلات على دول فرنكفونية محدودة.
كما يجب، في إطار تكثيف النشاط الدبلوماسي على المستوى القاري وتقوية قدراته على التكيف وتوسيع مجال التنسيق، تفعيل العامل الاقتصادي والثقافي، بجانب العامل البيئي، من منطلق أن المغرب رائد في هذا المجال، ويتعين ورغم المقاومات التي يعرفها مشروع التخفيف من التقلبات المناخية ومن التحكم في الانعكاسات
البيئية .ويجب على المغرب أن يقوي موقعه في هذا المجال، بجانب الدول الأخرى التي تساند هذا التوجه، خصوصا وأن تدهور النظم البيئية يكلف 68 مليار دولار سنويا في إفريقيا، إلى جانب خسائر قد تصل إلى 6.6 مليون طن من المحاصيل الزراعية، التي تهدر ، وكان بإمكانها تلبية احتياجات 31 مليون شخص من السعرات الحرارية، حسب معطيات برنامج الأمم المتحدة للبيئة .
وبخصوص مسألة الهجرة واللجوء، لا بد من الإشادة باختيار صاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال القمة الـ 28 للاتحاد الإفريقي رائدا لقيادة مسألة الهجرة . كما تم تبني السياسة الوطنية ومشروع الخطة الإفريقية حول الهجرة، نموذجا قاريا في مجال الهجرة. وهو تشريف وتكليف للمغرب في هذا المجال.
كما أن المغرب ما فتئ يبتكر الوسائل القمينة بمواجهة جيوب عدم الاستقرار، الناجمة عن الإرهاب والجريمة المنظمة وإيجاد أفضل الحلول لظاهرة الهجرة السرية التي تهم العديد من البلدان الإفريقية.
وقد اعتمد المغرب منذ سنين على المقاربة الإنسانية بجانب المقاربة الاندماجية في مجال الهجرة واللجوء، في انسجام مع التزاماته الدولية ذات الصلة، والتي أتاحت خلال عملية أولى في سنة 2014 من تسوية أوضاع أزيد من 25 ألف مهاجر فوق التراب الوطني، تلتها عملية ثانية ما تزال جارية، من منطلق كون المغرب انتقل من دولة عبور إلى دولة استقبال،مما يتعين معه اتخاذ تدابير لتحسين وضع المهاجرين في الداخل، بحكم أن المغرب أصبح فاعلا رئيسيا في موضوع اللجوء، ومحط تقدير وتنويه قاري ودولي.
كما سيتم تبني مشروع قانون حول اللجوء يرتكز على عدة مبادئ من ضمنها “عدم ترحيل اللاجئين وطالبي اللجوء أو أي شخص إلى بلد حيث تكون حياته أو سلامته الجسدية في خطر” و “الاعتراف للاجئين بالحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية” ومن ضمنها “حق الإقامة والتجمع العائلي وممارسة الأنشطة المهنية” علاوة على “إحداث بنية وطنية تعنى بمسطرة طلب اللجوء”.  كما ينص هذا القانون على الضمانات القانونية والإدارية و القضائية المرتبطة باللاجئين وطالبي اللجوء في المغرب.
وهنا لا بد من التدقيق في المفهوم المتطور للهجرة في العلاقات جنوب – جنوب، حيث لم تعد الهجرة كما يزعم البعض هجرة الجنوب نحو الشمال، بل أصبحت أساسا هجرة مرتكزة على محور جنوب – جنوب.
كما يتعين بالمناسبة تصحيح أربع مغالطات بشأن الهجرة، وهي:
• أن الهجرة الإفريقية لا تتم في غالب الأحيان بين القارات، (فمن أصل 5 أفارقة مهاجرين 4 منهم يبقون في إفريقيا)،
• أن الهجرة غير الشرعية لا تشكل النسبة الكبرى، فهي تمثل 20 % فقط من الحجم الإجمالي للهجرة الدولية،
• أن الهجرة لا تسبب الفقر لدول الاستقبال (85 % من عائدات المهاجرين تصرف داخل هذه الدول)،
4 – أن التمييز بين بلدان الهجرة وبلدان العبور وبلدان الاستقبال لم يعد قائما. 
وبخصوص الجهد لمواجهة الإرهاب داخل التراب الوطني، يتعين تكثيف التعاون في هذا المجال، وقد تسلم المغرب وهولندا في أبريل 2016 الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب. وهو دليل على التقدير الذي تتمتع به المقاربة المغربية، في مكافحة الإرهاب، باعتبارها تحمل أفكارا وقائية واستباقية هادفة إلى الحد من التطرف. وهذه المكاسب يجب تعزيزها.
وبخصوص الاكراهات في علاقة الشراكة مع أوروبا، يتعين تسجيل أن هذا الجانب يتطلب دفعة قوية للخروج من الوضع الراهن الذي فرضته التحولات الحاصلة بسبب ارتفاع التيار المتطرف الذي يسعى إلى كسر مكاسب الوحدة الأوروبية. ويتعين في هذا الجانب إعطاء نفس قوي وجرعة تحديثية من التفعيل للعلاقات الثنائية مع أوروبا التي اكتسبها المغرب كدولة في وضع متقدم وكشريك ديمقراطي بجانب ما يمكن أن يساهم به في إطار لجنة البندقية.
وبخصوص العالم العربي، فكلنا تتأسف لحالة التشتت والتشردم وللخلافات والصراعات التي تزداد تأزما.
وأخذا بعين الاعتبار هذا الوضع المتأزم، نسجل المواقف المعتدلة والذكية والحازمة للمغرب حتى لا ينحاز لطرف ضد آخر، مستحضرا علاقة التضامن والأخوة بين الشعوب العربية بقوة، وغير متردد في الدفاع عن القضية الفلسطينية بشكل لا يتزعزع من أجل تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني من خلال الدعوة إلى احترام قرارات الأمم المتحدة، التي تدعو اسرائيل إلى احترام حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم في الأجزاء المحتلة سنة 1967 كمنطلق لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
كما نسجل بارتياح الموقف الرزين للمغرب في الخلافات المندلعة بين دول الخليج، وأدى إلى تجميد مجلس التعاون، الذي يجب أن يكون الفضاء الواسع لاحتضان مصالح المغرب. وفي نفس الوقت، يستحسن مقاربة الدعوة إلى الحسم السياسي في النزاع القائم باليمن واعتماد القرارات الشرعية والمواثيق الدولية إلى جانب المقاربة الإنسانية بالموازاة مع الحل الدبلوماسي.
وعلى مستوى الجوار المتوسطي والأطلسي، فإن السياسة الدبلوماسية الجديدة للمغرب، أصبحت تفتح آفاقا كبيرة في العلاقات الدولية وفي الحوارات القائمة. مما جعله يحتل الوضع المتقدم في وضعه مع الاتحاد الأوروبي والحفاظ على تحسين علاقته مع روسيا وتوسيع وتقوية الدبلوماسية المتعددة الأشكال، من خلال كسب مواقع للإحترام والتقدير في علاقته مع دول آسيا وجنوب أمريكا.
ومن خلال ما راكمته السياسة الدبلوماسية الجديدة، يمكن أن تمكن المغرب من توسيع المجال متعدد الأطراف في ربط موقعه المتوسطي والأطلسي بجانب ما تقوم به الدبلوماسية الشمولية في إفريقيا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وبيئيا.
و نؤكد على ضرورة التنسيق البناء بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الموازية (البرلمان – الأحزاب – الإعلام – المجتمع المدني …) بهدف تحقيق التكامل والالتقائية.

السيد الرئيس
لقد وقع المغرب أزيد من 1000 اتفاقية منذ سنة 2002، ويتعين القيام بجرد وتقييم لهذه الاتفاقيات، وتدارك نواقصها حرصا على تحسين الأداء.
وبخصوص التواصل مع مجلس المستشارين، يتعين الحرص على تكثيف الحوار وفتح قنوات التواصل مع المجلس لتسهيل مهام الدبلوماسية البرلمانية، ومد البرلمانيين بالمعطيات الدقيقة والمحينة أثناء أداء مهامهم التمثيلية بمختلف المنابر والملتقيات الدولية.
وأملنا معقود على توثيق الجهد الدبلوماسي وتمكين الوفود البرلمانية منه، في إطار الدبلوماسية البرلمانية، انطلاقا من القناعة بأن الدبلوماسية الموازية عامل مساعد ومكمل للدبلوماسية الرسمية، قد يساعد على تحقيق التراكم في عملنا الدبلوماسي، الذي ما زال يعتريه النقص وتحكمه القطائع، وهو ما يقتضي التنسيق وفتح قنوات التواصل بين وزارة الشؤون الخارجية ومؤسسة البرلمان قصد حوسبة التقارير عن المهام الدبلوماسية وتوثيقها، وبناء نظام معلوماتي داخلي خاص بها، يتم تطعيمه من طرف قطاع الشؤون الخارجية والتعاون، ويتاح الولوج إليه لأعضاء المجلس، فضلا عن نشرها وتوزيعها.
كما نتمنى ،في إطار تحسين أداء الموارد البشرية، العمل على تنظيم دورات تكوينية للبرلمانيين في الشؤون الدبلوماسية وفي العلاقات الدولية، حتى يتسم الجهد الدبلوماسي البرلماني بمزيد من الجدية والفعالية مع موافاة الوفود البرلمانية بنسخ من التقارير عن المهام ذات الصلة، تحقيقا للتراكم الكمي والنوعي المطلوب.
كما يتعين تقوية الدبلوماسية الاقتصادية والثقافية، خصوصا على المستوى القاري، بعد الدينامية الجديدة التي أطلقتها الزيارات الملكية لدول القارة الافريقية.
ويتعين كذلك العناية بالجالية المغربية في الخارج، وذلك بتحسين الخدمات القنصلية لفائدة مغاربة العالم، وتأهيل المراكز القنصلية وعصرنة خدماتها وتحسين ظروف استقبال المرتفقين وتحسين النصوص القانونية المرتبطة بالعمل القنصلي وتعزيز سياسة القرب، بشكل عام، من خلال تبني فكرة القنصليات المتنقلة وتنظيم أبواب مفتوحة… وغيرها.
ولا شك أن جهد ترشيد الموارد ضروري، بتركيز الجهد على الوظائف الأساسية، خصوصا وأن الميزانية المرصودة لقطاع الشؤون الخارجية والتعاون الدولي جد محدودة، ولا تمثل إلا 1.03 % من الميزانية العامة للدولة، والأكيد أن الخصاص في الموارد البشرية، والذي يفوق 360 منصب برسم سنة 2019، لا يمكن تجاوزه بإقرار 100 منصب مالي برسم مشروع قانون المالية الحالي.
ولا بد كذلك من التركيز على تأهيل الموارد البشرية وضمان التكوين والتكوين المستمر للدبلوماسيين المغاربة، حتى يكونوا في مستوى رهانات تحديث المنظومة الدبلوماسية وملائمتها وتطوير أدائها، لتكون قادرة على رفع تحديات المرحلة ، المتميزة بالتعقيد وتسارع الأحداث وتناسل بؤر التوتر وتشكل الأقطاب وصراع المصالح.

***

                                تدخلات مستشاري حزب التقدم والاشتراكية في مناقشة ميزانيتي قطاع الصحة والتربية الوطنية و التكوين المهني والتعليم العالي و البحث العلمي

في إطار مناقشة مشروع قانون المالية 2019 بمجلس المستشارين، أكد مستشارو حزب التقدم والاشتراكية في مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الصحة أن هناك منجزات وتحديات تتطلب تعزيز التواصل المستمر مع المواطنين ومع المجالس المنتخبة، حتى تتمكن الحكومة من بلورة الحلول بصيغ تشاركية تخدم مصلحة المواطن وترفع من قيمة أداء هذا القطاع. وفي مناقشة قطاع التربية الوطنية و التكوين المهني والتعليم العالي و البحث العلمي شدد مستشارو الحزب على ضرورة الارتقاء بالمنظومة التعليمية وجعلها منظومة تربوية متقدمة قادرة على مواكبة النموذج التنموي الجديد الذي نسعى إليه جميعا. تربوية مساهمة بقوة في تنمية الإنسان، و من ثمة الاقتصاد و المجتمع.

     *تدخل مستشاري حزب التقدم والاشتراكية في مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الصحة

الرئيس
السيد الوزير
السيدات والسادة المستشارون
في إطار مساهمتنا في مناقشة الجزء الثاني من مشروع قانون المالية لسنة 2019، يشرفني أن أتناول الكلمة باسم مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين لمناقشة مشروع ميزانية قطاع الصحة .
هذه المناقشة التي تتيح لنا فرصة سنوية لتسليط الضوء على ما تحقق، والوقوف على الاختلالات التي تشوب تدبير القطاع بشكل عام، في أفق تجويد الأداء العمومي في هذا المجال.
ولعل الاهتمام الملكي بهذا الملف بالذات، واستقباله الأخير لوزير الصحة في بداية شهر نونبر الماضي، بحضور السيد رئيس الحكومة، والوقوف على أعطاب القطاع، والدعوة إلى ضرورة إصلاح أوجه القصور التي يعرفها تنفيذا لبرنامج التغطية الصحية “راميد” والمراجعة العميقة للمنظومة الوطنية للصحة، لخير دليل على الدعوة الملحة والغير القابلة للتأجيل لمعالجة اختلالات قطاع الصحة العمومية.
ولا داعي للتذكير بخلاصات التقارير الوطنية والدولية التي رصدت مجمل الاختلالات، ومن ضمنها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي اختصرها في ضعف بنيات الاستقبال وطول مواعيد الفحص والاستشفاء وتدني جودة الخدمات العمومية، وقلة الموارد البشرية الطبية والشبه طبية، بالرغم من توسيع الاستفادة من نظام التأمين الصحي الإجباري ونظام المساعدة الصحية، إضافة إلى الفوارق المجالية…
لقد تابعنا مداخلة السيد الوزير أمام أعضاء اللجنة البرلمانية بمناسبة مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الصحة برسم سنة 2019، والتي تطرق فيها لأبرز منجزات وزارة الصحة ما بين 2017 و 2018 ليعرج على برنامج العمل برسم سنة 2019، الذي لخصه في شعار:
“منظومة صحية منسجمة من أجل عرض صحي منظم ذي جودة وفي متناول الجميع”، مقدما مشروع ميزانية الوزارة لسنة 2019، مع بيان مؤشرات تنفيذ الميزانية ، التي بلغت نسبة 98 % بالنسبة للمعدات والنفقات المختلفة، و 53 % بالنسبة للاستثمار إلى غاية شهر أكتوبر 2018 .
ورغم إشادتنا بإيجابية حصيلة قطاع الصحة، بحكم الرفع من الموارد المالية المخصصة له، فالتراكم السلبي الذي عاشه القطاع على مدى عقود من القطيعة مع مسار التنمية، حيث ظل القطاع محاصرا وحبيس حسابات ضيقة، جعلته يعاني من قصور شديد على مستوى الحكامة وتدبير الموارد.
كما تجب الإشادة بالجهد المبذول في أفق توسيع التغطية الصحية للمهنيين والعمال المستقلين، انسجاما مع ما ورد في الفصل 31 من الدستور، وإصدار مراسيم (27 مرسوما) نحو منظومة صحية متكاملة، ومراجعة دور الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، وتوفير عرض صحي مقنع في مخططات الصحة في أفق سنة 2025.
والأكيد اليوم، أن القطاع في حاجة إلى مجهودات مضاعفة على مستوى الميزانية والحكامة التدبيرية، والحد من التراجعات، ولا بد – في المنظور الكمي – من أن تصل ميزانية القطاع على أقل تقدير إلى 10 % من الميزانية العامة للدولة إذا أردنا فعلا احتواء الخصاص.
ولا بد هنا من الإشارة إلى الاختلالات التدبيرية لنظام المساعدة الطبية “راميد”، والذي نعتبره مشروعا مجتمعيا تتحمل فيه الحكومة المسؤولية كاملة، وتتدخل في بلورته العديد من القطاعات الوزارية. فالنظام يستفيد منه اليوم 12 مليون شخص، ورغم أهميته العددية، لا زال يعاني من إكراهات على مستوى التمويل والحكامة
والتزام الدولة بتمويل نظام الخدمة الصحية العمومية “راميد” في مستوى 3 ملايير درهم سنويا، لم يتحقق بعد. وهو ما يتطلب التنسيق الدقيق بين كل من وزارات الصحة والداخلية والمالية للوفاء بالالتزامات الحكومية.
وهو ما يطرح كذلك، وعلى مستوى أوسع، إشكالية ديمومة الموارد وتوفير تمويل قار ومضبوط لمنظومتنا الصحية، وتمكين المستشفى العمومي من استقلالية القرار المالي والإداري، على المستوى الجهوي وعدم مركزة القرار الصحي والخدمات الصحية، ووقف الحجر على القطاع.
إن نجاعة السياسة الصحية في تقديرنا رهين بالاستثمار في الطفل والأم، والعناية بالصحة المدرسية، وبناء السياسة الصحية على هذا الأساس يقتضي مقاربة تعتمد النجاعة، والتضامن
الوطني لتوفير الخدمة الصحية العمومية المتكافئة للجميع، وضمان التوازن المجالي في أفق عدالة مجالية حقيقية .
ولا بد كذلك من الإشارة إلى ارتباط السياسة الدوائية الوطنية بضمان الأمن الدوائي وتحقيق العدالة الاجتماعية. ويتعين في هذا الباب إخراج الوكالة الوطنية للأدوية لمواصلة ومواكبة الدينامية المرتبطة بالدواء.
وندعو وزارة الصحة أيضا إلى الاهتمام أكثر بالبحث العلمي و تحويل المستشفيات الجامعية ليس فقط للتدريب و التكوين بل أيضا إلى مجال للبحوث الطبية ، و توفير إمكانيات و تحفيزات للباحثين ، و الطموح إلى إبراز علماء مغاربة يساهمون في الجهد العالمي في فهم الأمراض الطبية واختراع الأدوية باستثمار ما تزخر به بلادنا من نباتات طبية ، وإنجاز بحوث جادة بالمعايير الدولية. إنه ورش جديد على بلادنا الإقدام عليه.
كما ندعو إلى دعم و تطوير الوقاية من بعض أمراض العصر مثل السمنة و ما يرتبط بها من أمراض أخرى وذلك عبر برامج تحسيسية خاصة ما يتعلق بالأنظمة الغذائية . و في هذا الإطار نرى ضرورة الاهتمام بالنظام الغذائي ليس فقط للمرضى بل كذلك لمجموع المواطنين، وتوفير أخصائيي التغذية في كل المستشفيات و المراكز الصحية، ليس فقط لمواكبة النزلاء بالنظام الغذائي و التوجيه، بل كذلك لتوجيه المرتادين على المنشآت الصحية، فيما يتعلق بالنظام الغذائي، وكذلك متابعة و مراقبة المكونات الغذائية للمواد الاستهلاكية و بلورة تشريعات تحد من استهلاك المواد الضارة بصحة الإنسان، ونعتقد أن فرض ضريبة تصاعدية على المنتوجات المتضمنة للسكر خطوة في هذا الاتجاه، يجب أن تليها خطوات أخرى في مجالات أخرى من مكونات المواد الغذائية خاصة منها المعلبة، ولا يخفى الأضرار الصحية الناتجة عن تركيز بعض المواد الضارة في هذه المنتوجات.
كما يجب إعطاء العناية اللازمة لإشكالية التلوث وما يترتب عنها من أمراض، خاصة بالجهاز التنفسي، وبلورة تشريعات صارمة تهدف للحد من تلوث البيئة ومن ثمة التخفيف من الأمراض الناتجة عنه.
إنه استثمار مهم يوازي ما تم إنجازه في الصحة الإنجابية و تلقيح الرضع للوقاية من عدة أمراض، فكلما كانت هناك وقاية كلما انخفضت نسبة المرض ومن ثمة انخفاض جهد العلاج.

السيد الرئيس
إن الحاجة ملحة اليوم، لتوسيع عدد المقاعد المخصصة للمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، وعلى رأسها كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، وتزويد مراكز الجهات بمراكز
استشفائية جامعية ، توفر المزيد من فرص استقطاب الأطر العليا، وضمان تثبيت الموارد البشرية ذات الكفاءة العالية، من خلال الرفع من مستوى الجاذبية المجالية والخدماتية Attractivité بمراكز الجهات والأقطاب الحضرية النشيطة في فلكها.
إن إشراك مختلف الفاعلين والمتدخلين، من فرقاء اجتماعيين ومجتمع مدني وإعلام، ومجالس منتخبة ، في إصلاح ورش الصحة، ونبذ عقلية الاستحواذ والتفرد بالقرار، ومقاربة الممارسة الطبية من منظور الشراكة المنتجة والمبدعة، وتركيز دور الوزارة في التوجيه والتأطير، يعتبر في منظورنا، مدخلا لاستكشاف آفاق تطوير السياسات العمومية في المجال الصحي.
ومقابل التحولات الديمغرافية الهائلة التي تعرفها بلادنا، وما لها من انعكاسات، وما تمارسه من ضغوطات كبيرة على مختلف القطاعات الاجتماعية، بجانب الطلب المتزايد على الخدمات الصحية الرفيعة المستوى، فلا بد هنا من التنويه بالجهد الذي تبذله الأطر العاملة بوزارة الصحة، من أطر إدارية وطبية وشبه طبية وتقنية، وخصوصا العاملين منهم في المناطق النائية، وبعيدا عن المراكز الحضرية الرئيسية، والذين يشتغل أغلبهم في أجواء غير مريحة وبوسائل عمل غير مرضية وفي ظروف عمل استثنائية وصعبة احيانا.
إن أهمية قطاع الصحة، مثله مثل قطاع التربية والتكوين، تكمن في كونه يرهن كل مؤشرات التنمية المستدامة، ويؤثر عليها سلبا أو إيجابا، لذلك، فمكانة المغرب ضمن محفل الأمم، رهين بتجويد الخدمات الصحية والرفع منها. وأكيد أن تنصيص منظمة الصحة العالمية على تخصيص نسبة 10 % من الناتج الداخلي الخام لقطاع الصحة، رهين بتحسين المؤشرات المعتمدة في تصنيف الدول على مستوى التنمية المستدامة.
وارتفاع ميزانية وزارة الصحة إلى مستوى 6 % من الميزانية العامة مؤشر إيجابي، لكنه غير كافي ، ولا يرقى إلى مستوى ترجمة تطلعات البرنامج الحكومي.
لقد كان قطاع الصحة يتسم قبل 2011 بصبغة مشروع فك ورفع الحصار عن القطاع، الذي قام به الدكتور الحسين الوردي، ويتعين اليوم العمل على تكثيف العرض الصحي .
هناك منجزات وتحديات. ويتعين تعزيز التواصل المستمر مع المواطنين ومع المجالس المنتخبة، حتى تتمكن الحكومة من بلورة الحلول بصيغ تشاركية تخدم مصلحة المواطن وترفع من قيمة الأداء القطاعي.

***

   *تدخل مستشاري حزب التقدم و الاشتراكيةفي مناقشة قطاع التربية الوطنية و التكوين المهنيو التعليم العالي والبحث العلمي

مناقشة مشروع ميزانية قطاع التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و البحث العلمي، ضمن مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2019، مناسبة لإثارة القضايا الكبرى لمنظومتنا التربوية وبسط ملخص لتصوراتنا ومواقفنا من هذه القضايا.
سوف لن نكرر تشخيص وضعية التعليم، فالجميع يدرك أنها وضعية غير سليمة، منها السيد وزير نفسه الذي عبر ، سواء في تقديمه لمشروع ميزانية القطاع داخل البرلمان أو في فضاءات أخرى. الجميع يدرك أن منظومتنا التعليمية في أزمة و أنه لا يمكن أن نستمر على هذه الحال، و أنها غير قادرة على مواكبة النموذج التنموي الجديد الذي نسعى إليه جميعا. فهذا الأخير لا يمكن أن يستقيم بدون منظومة تربوية متقدمة، مساهمة بقوة في تنمية الإنسان، و من ثمة الاقتصاد و المجتمع.
الإجماع على وجود أزمة المنظومة هو الذي دفع إلى بلورة مشروع إصلاحي جديد عبر القانون / الإطار لإصلاح التعليم، وهو مشروع ندعمه و سنعمل على المساهمة في إنجاحه، بالمواكبة و الاقتراح و النقد والتقييم ، إنه أكبر مشروع إصلاحي للمنظومة ،سيستفيد، دون شك من المكاسب لكن أساسا من الإخفاقات السابقة.
ونعتبر أن المدخل لإصلاح منظومة التربية و التكوين هو تعميم التعليم الأولي. إنه علاوة على كونه الأساس الذي تنبني عليه المراحل المقبلة في المسار التعليمي للفرد ، فإن نخبويته الحالية تخلق وضعية لا تكافؤ بين أبناء الشعب. فنظرا لكونه ، في الوضع الراهن مرتبط بالأداء المادي، عموما، فإن فئات واسعة من شعبنا عاجزة عن ضمان مقعد لأبنائها في هذا التعليم ،وينتج عن ذلك تفاوت بين التلاميذ في مستوى الإدراك و القابلية لاستيعاب مقررات باقي المستويات الأعلى، لذلك فهدف تعميم التعليم الأولي على كل أبناء الشعب شعار مركزي ومنطلق أساس لأي إصلاح.
ونسجل، بارتياح، ورود هذا الهدف ضمن الخطة الإصلاحية الجديدة.
المحور الثاني والأساسي للمشروع الإصلاحي هو تأهيل المدرسة العمومية لتسترجع المكانة التي كانت لها في عقود ماضية ، تأهيل من حيث البرامج و الطرق البيداغوجية بمواكبة مكاسب العصر لضمان جودة التكوين، وتجاوز التلقين و التلقي السلبي بترسيخ روح النقد و التفاعل، وتشكيل ذهنية عقلانية للمتعلمين، و ترسيخ قيم الحرية و الوطنية و المسؤولية وروح المبادرة و الإبداع.
إن تركيزنا على المدرسة العمومية كحق دستوري لكل مواطن و مكسب لا يمكن السماح بالتفريط فيه، لا يعني رفضنا للتعليم الخصوصي باعتباره مكونا ثانويا لمنظومة التربية و التكوين، هذا التعليم الخصوصي بدوره بحاجة إلى إعادة تأهيل ليشتغل ضمن المشروع الإصلاحي العام للمنظومة وليس من خارجها، وضمن منظومة القيم التي يهدف المشروع إلى تحقيقها من حيث الأهداف المعرفية والتكوينية والقيمية، بمعنى ترسيخ نفس القيم الوطنية والإنسانية، وروح النقد والتفاعل والإبداع التي يفترض أن تكون الأهداف الكبرى للمشروع الإصلاحي.
إن التعليم الخصوصي يجب أن يبقى اختياريا وليس ضرورة كما هو الحال اليوم أمام فئات واسعة من شعبنا بسبب ضعف جودة التعليم العمومي.
ولكي ينجح المشروع الإصلاحي لمنظومة التربية والتكوين لا بد أن يكون مشروعا وطنيا، مشروع أمة وليس فقط مشروع قطاع حكومي، مشروع لا بد أن يحمله، عن قناعة وحماس، بالخصوص كل الفاعلين في القطاع بشكل مباشر أو غير مباشر في الوزارة، الإدارة التربوية ،الهيأة التربوية، التلاميذ، الأولياء، الجماعات الترابية.
ولا بد من التأكيد أن أي مشروع إصلاحي لا يمكن تنفيذه بنجاح بدون الفاعلين الأساسيين المنفذين وهم الموارد البشرية للقطاع بمختلف مستوياتهم ومواقعهم، من حيث التكوين الجيد، والتحفيز المادي والمعنوي، وأساسا رد الاعتبار لأسرة التربية والتكوين.

السيد الرئيس،
تتفرع عن هذه القضايا الكبرى قضايا فرعية لا بد من الإشارة إليها:
•قضية التمويل : نحن نعتبر تمويل التعليم في كل مراحله، من الأساسي إلى الجامعي، هي مسؤولية الدولة أولا. دون أن يعني ذلك رفض اللجوء إلى شراكات مع جماعات ترابية و مؤسسات مختلفة، و إنشاء صندوق خاص لدعم و تمويل التعليم في بعض مراحله أو بعض تفرعاته، ما نرفضه هو المس بجيب المواطن كيف ما كان مستواه الاجتماعي، فالتعليم حق لكل أبناء الشعب المغربي.
ولا نخفي تخوفنا من إشارة المشروع الإصلاحي إلى ضمان المجانية في مرحلة التعليم الإلزامي الذي ندعو بالمناسبة إلى الرفع من عدد سنواته وليس تقليصها، إن ذلك يعني بشكل غير مباشر، أن المراحل اللاحقة للتعليم الإلزامي يمكن أن تتطلب مساهمة الأسر في تمويلها، وهذا ما نرفضه لأن التلميذ أو الطالب و هو في المدرسة العمومية أو الجامعة العمومية تحت مسؤولية الدولة، ويمكن للأسر الغنية أن تساهم في تمويل الجهد الوطني في التعليم وفي غيره عبر وسائل أخرى، كالضريبة التضامنية، أو الضريبة على الثروة التي ندعو إليها منذ سنوات.
قضية الهدر المدرسي قضية أخرى من القضايا المطروح معالجتها بمبادرات و تصورات جديدة أو مجددة . فالهدر المدرسي ناتج أحيانا عن الوضعية الاجتماعية للأسر المعنية، خاصة في المراحل الإعدادية و التأهيلية و الجامعية، اعتبارا لبعد مقر الدراسة عن مقر سكن العائلة ، و هذا يتطلب الاستمرار في تقريب المؤسسات التعليمية، و دعم النقل المدرسي الذي تقدم بشكل ملموس في السنوات الأخيرة.
غير أن عوامل أخرى تكون ، أحيانا، سببا في الهدر، و منها ضعف أو حتى عدم مواكبة الحالات المعنية نفسيا و اجتماعيا و تربويا، و بالمناسبة نحن نرى ضرورة توفر أخصائي اجتماعي و نفسي في المؤسسات التعليمية للقيام بهذه المهمة، إضافة إلى مواكبة التلاميذ الضعيفي المستوى بدروس الدعم و التقوية إضافة إلى المواكبة التربوية و النفسية.
وبخصوص التعليم العالي فإننا نثمن و ندعم مشروع استقلالية الجامعات و فكرة حمل كل جامعة لمشروع يتناسب مع موقعها و محيطها، وتخصص كل جامعة في مشروع كبير، خاصة ما يتعلق بالبحث العلمي، و الإجازات المهنية، وارتباط وثيق بالواقع الاقتصادي و الاجتماعي الجهوي.
غير أن نظامنا الجامعي بحاجة إلى مراجعة و تطبيق شعار ” ربط التكوين بسوق الشغل ” الذي يردده الجميع منذ سنوات ، و هو ربط يلزم أن يبدأ خلال سنوات التعليم الإعدادي والتأهيلي من خلال عملية التوجيه لتكون مرحلة التكوين الجامعي هي استمرار لما سبقها من تكوين وليس قطيعة وتحول صادم أحيانا، ينتج عنه في بعض الأحيان هدرا بعد عجز الطالب عن الاستيعاب والاستمرار في التكوين لأسباب بيداغوجية ، وهو أحد أسباب الهدر على المستوى الجامعي الذي ينبغي معالجته من الأساس، إضافة إلى الأسباب المادية وعجز الأسر عن تمويل إقامة أبنائها في مدن بعيدة عن مقر السكن، وهو ما يجب معالجته بتوفير ما يكفي من الأحياء الجامعية للمحتاجين، وإغناء المكتبات الجامعية بكل المراجع الضرورية ، وتقديم خدمات أخرى تخص التحصيل والبحث.
ولا بد من التأكيد على أهمية، بل وبل وضرورة الارتقاء بالبحث العلمي بالجامعة، الذي ينبغي أن تكون فضاء أكاديميا للبحث والإبداع وبل والاختراع وليس فقط مجرد فضاء للتكوين. يجب استثمار الإمكانيات البشرية الهامة التي تتوفر عليها جامعاتنا واستثمار المختبرات العلمية وتطويرها مما يفرض الرفع من التمويل المخصص للبحث والذي ما زال لا يحظى سوى بنسبة ضئيلة جدا لا تسمح له بالتطور الإنتاج والاختراع.

 

Related posts

Top