التف الأصدقاء والرفاق، حول الشاعر عبد الهادي بريويك، في حفل توقيع لديوانه الشعري “رومانسيات رجل غامض”، أعقبته قراءات شعرية من الديوان ذاته، مساء يوم الجمعة الماضي بمدرج علي يعته بالمقر المركزي لحزب التقدم والاشتراكية بالرباط.
هذه الأمسية الشعرية تميزت بمساهمة الشاعرين نوفل بلمير ورشيد الأطرسي بقراءات شعرية من ديوانهما، جسدا من خلالها، احتفاء حقيقيا بالكلمة الشعرية، وبالشعر باعتباره “أحد أسمى أشكال التعبير اللغوي والثقافي، وهو يجسد الحرية المطلقة للكلمة والإبداع… ويشكل حصنا ضد الإفقار الثقافي واللغوي” على حد تعبير إيرينا بوكوفا المديرة العامة الأسبق لليونسكو.
وفي قراءته، لديوان “رومانسيات رجل غامض” وقف الزميل محمد حجيوي، على اللغة الشعرية، في شعر عبد الهادي بريوك، على اعتبار أن أي محاولة لقراءة أي ديوان شعري، أو فقط قصيدة شعرية، تقتضي بالضرورة الوقوف عند اللغة الشعرية، والتي بدونها لا يمكن تحديد هوية النص الشعري، ولا يمكن أن يكسب صفة الشعر، لأن اللغة الشعرية هي التي تدلك على أن هذا النص ينتمي فعلا إلى الشعر، وإلا لما كان تميز بين الكتابة الشعرية والكتابة النثرية.
وأضاف محمد حجيوي أن صاحب “رومانسيات رجل غامض” في تعامله مع اللغة، تجده ملتزما بالحرص على ضمان الحد الأدنى من الخصائص الفنية والجمالية في اللغة الشعرية، وفي رؤيته الشعرية، التي تتنوع تباعا وانطلاقا من استخدام الإيحاء والخيال والمحاكاة، والتضاد، معتمد على مكونات الصورة الشعرية المتمثلة في اللغة والعاطفة من خلال استعمال تلك الألفاظ والمصالحات النابعة من القلب والإحساس والتي تترجم وجدان الشاعر وحالته النفسية ثم مكون الخيال، الذي يمكن اللغة والعاطفة من تحديد معالم الصورة، فيتفاعل معها المتلقي شكلا ومضمونا، مثل قصيدة “إبحار” حيث يقول الشاعر:
“صيادون يركبون مراكب
دون ماء
ويصيدون الأسماك في الهواء
وآخرون يغوصون تحت التراب
بحثا عن ملائكة بشرية
لا تعشق الخراب…”
مشيرا إلى أنه من غير الممكن أن نتخيل مركبا يبحر دون ماء، كما لا يمكن أن نصيد الأسماك في الهواء أو نبحث عن ملائكة بشرية تحت التراب، لكن كل ذلك يصبح ممكنا في خيال الشاعر عبد الهادي برويك الذي يحيل النص الشعري إلى رسم أو تشكيل بمفهومه العام.
وأوضح محمد حجيوي، أن الشاعر استعمل الإيحاء، وحاول أن يمتح لغته الشعرية من حقول دلالية متعددة والتي تشكل البيئة الحقيقية للشاعر الثقافية والاجتماعية والإيديولوجية والنفسية، حيث أن اعتبار ديوان “رومانسيات رجل غامض” فيه دعوة صريحة للحب، حب المرأة الحبيبة، والزوجة والأم والابنة، وفيه دعوة صريحة أيضا، للانتفاضة ضد الظلم ودفاعا على المساواة، نموذج قصيدة “يا حضرة قاضي الحب” والتي هي عبارة عن ثورة على ما يعتبرها، الشاعر “تقاليد بالية” والتي تكرس دونية المرأة وتحرمها من أبسط حقوقها، وهو الحق في الحب، خاصة المرأة الأرملة التي هي في نظر، الشاعر عبد الهادي برويك، “امرأة مهملة الأحاسيس لا يحق لها، في نظر المجتمع، أن تعشق وتحب من جديد”.
إن القصيدة عند عبد الهادي برويك، تستمد قوتها من خلال ما توحي به وليس من خلال ما تخبر عنه، فهي لا تهتم بما تفرضه القواعد والأعراف والتقاليد، التي تحول دون حرية الشاعر وقدرته على ترك المجال واسعا أمام القارئ لتفكيك النص الشعري وتأويله، وفق سياقات اجتماعية وثقافية متعددة.
فالقارئ لديوان “رومانسيات رجل غامض” الذي يتكون من 122 قصيدة، يكتشف الاعترافات الصريحة للشاعر عبد الهادي برويك حول “الحب” وعالمه السري، ويكتشف أنه بحق، رجل رومانسي، ويكتشف وضوح تأملاته الشاعرية في الحب والحياة والجمال والمرأة، فالديوان يمثل دعوة صريح للعيش بمحبة على الأرض، وهي أيضا دعوة للتأمل في معنى الحياة وأهميتها، وهو أيضا يعكس مزاج رجل واضح، وضوح الشمس في كبد السماء، عكس ما حاول أن يوهمنا به عنوان الديوان “رومانسيات رجل غامض”.
< متابعة: محمد بن عبد السلام