يقر قادة الاتحاد الأوروبي بأن الحرب على وباء كورونا ما زالت طويلة وبأنها تتطلب جهودا أكبر للخروج بأخف الأضرار خاصة بعدما ارتفع عدد ضحايا كورونا إلى قرابة 200 ألف وفاة في العالم، لكنّهم يحرصون في المقابل على إعادة الحياة إلى نسقها الطبيعي بشكل تدريجي لحماية الاقتصاد من الانهيار.
تقول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنه يتعين على الألمان التعايش مع فايروس كورونا لفترة طويلة وأن الوباء ما زال في بدايته ما يدعو إلى القلق وأخذ كل تدابير الوقاية، لكن في دول أوروبية أخرى، مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا تستعد الحكومات للكشف عن خطط جديدة تبدأ بتحويل الحجر الصحي التام إلى عزل موجه بعدما تضررت كل القطاعات تقريبا جراء الإجراءات الوقائية المتشددة.
وتستعد أوروبا لدخول أسبوع حاسم يتواصل خلاله رفع تدابير العزل المفروضة لاحتواء فايروس كورونا المستجد، لاسيما إسبانيا التي ستسمح للأطفال بالخروج اعتبارا من الأحد، في وقت تخطت فيه حصيلة الوفيات بفايروس كورونا المستجد عتبة 200 ألف.
وينتظر البريطانيون كما الفرنسيين والإسبان بداية من الاثنين استئناف رئيس الوزراء بوريس جونسون الذي كان قد أصيب بفايروس كورونا المستجد، لعمله على رأس الحكومة الاثنين تحت ضغط متزايد لكشف خططه المتعلقة بالعزل المطبق منذ أكثر من شهر.
وفي الأثناء، أبدت منظمة الصحة العالمية تحفظات حيال فكرة إصدار “جوازات مرور مناعية” عرضتها بعض الدول لمواكبة رفع إجراءات العزل.
ومع أكثر من 53 ألف وفاة، تشكل الولايات المتحدة البلد الذي حصد الوباء فيه أكبر عدد من الأرواح، وتليه إيطاليا مع 26384 وفاة، وإسبانيا مع 22902 وفاة، ثم فرنسا مع 22614 وفاة، فالمملكة المتحدة مع 20319 وفاة، مع استعداد رئيس وزرائها بوريس جونسون الذي أصيب بالمرض، للعودة إلى العمل الاثنين.
وفي إسبانيا، ثالث دولة أكثر تضررا في العالم، سيُسمح للأطفال بالخروج من منازلهم للمرة الأولى منذ ستة أسابيع. وتخضع البلاد منذ 14 مارس لإجراءات عزل مشددة مددت حتى 9 مايو وكانت تحظر حتى الآن الخروج على من تقل أعمارهم عن 14 عاما حتى لو كانوا برفقة أهاليهم.
ويقدم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز خطته الموسعة للخروج من الإغلاق، يرجح تنفيذها في النصف الثاني من مايو.
ويكشف نظيره الفرنسي إدوار فيليب في اليوم نفسه أمام البرلمان “الاستراتيجية الوطنية لخطة رفع العزل”، الذي يفترض أن يبدأ في 11 مايو.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذا الصدد، الخميس إن أي رفع لتدابير الحجر الصحي في فرنسا، سيتم تكييفه مع كل منطقة بناء على حجم الأضرار التي سببها فايروس كورونا، بحسبما أعلن الإليزيه.
آمال مبددة
وأشار ماكرون إلى أن أولياء التلاميذ ليسوا ملزمين بإعادة أولادهم إلى المدارس مع استئناف الدروس اعتبارا من 11 مايو. وذلك في الوقت الذي تسعى فيه السلطات الفرنسية إلى الشروع في تخفيف إجراءات الحجر الصحي المفروضة منذ منتصف مارس للحد من تفشي فايروس كورونا.
في ضوء رفع القيود، تبدأ بعض الدول، لاسيما إيطاليا، حملة اختبارات للأجسام المضادة على 150 ألف شخص على المستوى الوطني في محاولة لمعرفة المزيد حول هذا الوباء.
لكن منظمة الصحة العالمية بددت السبت آمال الذين كانوا يراهنون على مناعة محتملة لدى الأشخاص الذين أصيبوا بالفايروس وتعافوا، باعتبار ذلك مقدمة لاستعادة النشاط الاقتصادي، عبر إصدار “جوازات مرور مناعية”.
وحذرت منظمة الصحة من أنه “ليس هناك حاليا أي إثبات على أن الأشخاص الذين تماثلوا للشفاء من كوفيد – 19 ولديهم أجسام مضادة باتت لديهم مناعة تقيهم الإصابة به مرة ثانية”.
وأوضحت أنه لا توجد “عناصر كافية” لتقييم مدى موثوقية “جوازات المرور المناعية” و”استخدام تلك الشهادات قد يزيد من خطر انتقال العدوى”، إذ قد يعتقد الأشخاص “أنهم محصنون” ويتجاهلون التدابير الصحية.
يأتي ذلك بينما أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجدل عالميا بعد اقتراحه معالجة وباء كوفيد – 19 بالمعقمات. واعتبر في تغريدة ليل السبت الأحد، أن لا “وقت” لتضييعه في المؤتمرات الصحافية، قائلا “ماذا تنفع المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض في وقت لا تقوم فيه وسائل الإعلام الموجهة إلا بطرح أسئلة عدائية وترفض لاحقا نقل الحقيقة أو الوقائع بشكل دقيق”.
ولا يخفي الكثير من الخبراء قلقهم مما سيتخذ من إجراءات في الأيام القليلة القادمة قد تجعل أوروبا تندم على المقامرة بأرواح الناس عبر التخفيف من إجراءات الحجر الصحي. ويستند هؤلاء على ما يصفونه بتجارب سابقة آلت في النهاية إلى كارثة، خاصة في إيطاليا التي تعاملت مع الوباء باستهتار وبتقليل من خطورته ما أودى بحياة الآلاف من الإيطاليين وإصابة آلاف آخرين بالفايروس.
وفي السياق نفسه، يطالب مراقبون بالتريث أكثر وعدم التسرع والانزلاق لترضية ضغوط الشارع والفاعلين الاقتصاديين عبر اتخاذ إجراءات قد تعيد تفشي المرض إلى المربع الأول.
ويدعم هؤلاء مقاربتهم بما حصل في نيويروك حيث يتهم الرئيس الأميركي بسوء التعامل مع الأزمة ما جعل من أقوى دولة في العالم بؤرة موبوءة بكورونا.
توازيا مع دول أوروبا، أعلنت كندا بدروها السبت أن خططها لإعادة فتح الاقتصاد غير قائمة على تحلي السكان مستقبليا بمناعة ضد الفايروس، وفق رئيس الوزراء جاستن ترودو الذي دعا إلى “الحذر”.
ويترافق رفع القيود المقرر في بعض الدول مع قواعد جديدة للتنقل وممارسة الحياة اليومية.
ففي جنوب أفريقيا، الدولة الأكثر تضررا في أفريقيا مع 75 وفاة، بات وضع الكمامات إلزاميا اعتبارا من 1 مايو، الموعد الذي ستُخفف فيه إجراءات العزل.
ضغط شعبي
انصاعت شعوب جميع الدول ولو بصفة نسبية للإجراءات المتشددة التي اتخذتها الحكومات والتي كانت على رأسها إجبارية العزل في البيوت والاكتفاء بالخروج إلا لحاجة ملحة أو استثناء قاهر. ولا تزال نصف البشرية تحت العزل، مع ظهور معارضة، ولو أقليّة، في بعض الدول لهذه الإجراءات.
وأوقف السبت في برلين نحو مئة شخص لمخالفتهم تدابير التباعد الاجتماعي، على هامش تظاهرة مناهضة للتدابير الوقائية، ضمت نحو ألف شخص.
وفي كندا، انتقد رئيس وزراء مقاطعة أونتاريو داغ فورد متظاهرين نددوا بتدابير العزل وتوقف العجلة الاقتصادية، قائلا إن هناك مجموعة من الأشخاص “يحتجّون ويخرقون القانون ويُعرّضون الجميع للخطر، بما في ذلك أنفسهم”.
توازيا مع ذلك، بدأ العالم الإسلامي شهر رمضان بلا صلوات جماعية ولا وجبات إفطار مشتركة، إذ لا تزال المساجد مغلقة والتجمعات العائلية محظورة.
وفي إيران حيث أودى الوباء بحياة 5650 شخصا بحسب الأرقام الرسمية، بدأ رمضان في أوج مخاوف من “طفرة” جديدة للوباء بعد أسبوعين على بدء إعادة الفتح جزئيا للمتاجر.
وانتقد منسق حملة مكافحة الوباء في طهران علي رضا زالي “التسرع” في إعادة فتح المراكز والمتاجر، وقدّر أن “ذلك يمكن أن يولّد موجات جديدة للمرض في طهران ويعقّد احتواء الوباء”.
من جهته، قال مدير قسم الأمراض المعدية في وزارة الصحة محمد مهدي غويا للتلفزيون الحكومي إنه “في بعض المحافظات، مثل جيلان (شمال) وقم (وسط) ومازنداران (شمال)، حيث بذلنا جهودا كبيرة للسيطرة على الوباء، نلاحظ إشارات على وجود طفرة جديدة” في عدد الإصابات.
وفي باكستان، تجمع الناس في المساجد والأسواق، غير آبهين بالنصائح الصحية. وفي الوقت نفسه، ينفذ العشرات من الأطباء والعاملين في المجال الصحي في هذا البلد الذي سجل في الأيام الأخيرة تسارعا في ارتفاع عدد الإصابات، إضرابا عن الطعام منذ 10 أيام في لاهور في شرق البلاد، احتجاجا على نقص معدات الحماية.
ويدفع العاملون في المجال الصحي الثمن غاليا عالميا لتعرضهم للعدوى ولهشاشة الأنظمة الصحية في بعض البلدان. وروى ممرض إكوادوري “الكابوس” الذي يعيشه في مستشفى في غواياكيل، حيث تكدست الجثث حتى في الحمامات.