يبدأ اليوم الخميس التنزيل الميداني والعملي لمخطط التخفيف من تدابير الحجر الصحي بحسب الحالة الوبائية في كل عمالة وإقليم، وذلك بشكل تدريجي عبر مراحل، وجرى، بموجب ذلك، تقسيم أقاليم وجهات البلاد إلى مجموعتين تبعا لتطور وضعها الوبائي، وبذلك دخلت بلادنا في مرحلة بداية رفع الإغلاق واستعادة الإيقاع الطبيعي للحياة.
ليست هذه الخطة في حد ذاتها هي المشكلة، ذلك أن كل بلدان العالم أقرت مخططات وتدابير تنسجم مع واقع تفشي الوباء بها، ولكن مشكلتنا في تواصل الحكومة مع الشعب، وفِي طريقة الإعلان عن قراراتها، وتوقيت ذلك.
في الأسابيع الأخيرة كان سؤال موعد رفع الحجر الصحي هو الوحيد على ألسنة كل الناس، ولم تكن أمامهم وحواليهم سوى التخمينات والشائعات، وتكرست، مرة أخرى، عقلية الأسرار والتعامل الحذر مع المواطنات والمواطنين، وتفادي إعلامهم، وإرجاء ذلك إلى آخر ساعة.
هذا الأسلوب لم يعد صالحا في زمننا هذا، ولا يمكن لحكومة يفترض أن الشعب هو من اختارها وصوت على مكوناتها الحزبية أن تتعامل مع هذا الشعب بكل هذا التوجس وعدم الثقة، أو بالإمعان في التلاعب بأعصابه.
من جهة ثانية، إن إنجاح أي خطة وطنية من هذا النوع، خصوصا أنها تروم تعبئة الشعب وانخراطه الميداني القوي، يجب أن يكون حولها تواصل حقيقي وذكي ومستمر من لدن الحكومة، وليس أن تخبر بالقرارات قبل بداية تنفيذها بيوم واحد وفِي الليل.
أما طريقة الإخبار، فبدورها تطرح مشكلة، ذلك أن أزمة لها كل هذا الحجم، وأيضا الكثير من المخاطر والانعكاسات على المجتمع وعلى حياة الناس، يجب أن تتحول لدى الحكومة إلى “فرصة” لتقوية حضورها الإعلامي والتواصلي والسياسي وسط المغاربة، وأن تبرز، بشكل أكبر، وحدتها وتماسكها وانسجامها، وأن يظهر رئيسها هو منسق كامل العمل الحكومي والمعبر عنه.
من المؤسف جدا أن أزمة “كوفيد – 19” في بلادنا، كرست ضعف التواصل الحكومي على عدة مستويات، وأيضا الحضور السياسي للحكومة.
وعلى صعيد ذي صلة، نسجل أن تواصل الحكومة لم يتميز فقط بالضعف والفقر السياسي خلال هذه الأزمة، ولكن أيضا بعدم الانسجام، وباستمرار بعض الحسابات الصغيرة بين القطاعات، والسعي لتبادل الضربات الصامتة ومحاولة تسجيل الأهداف في مرمى هذا أو ذاك، برغم أن الانتماء إلى الأغلبية كان يجب أن يتجسد في وحدة السلوك السياسي، وفِي الخطاب التواصلي.
ما معنى، حتى عند الإعلان عن تدابير تخفيف الحجر الصحي أول أمس، أن يتم “تسريب” مشروع مرسوم قيل إن وزير الداخلية من خلاله اقترح تمديد حالة الطوارئ الصحية لشهرين إثنين، ثم بعد ذلك يخرج البلاغ الرسمي الذي يحدد تلك المدة فقط في شهر واحد، ويقال بأن مجلس الحكومة غير اقتراح وزير الداخلية، ولاحقا يسرب أن وزير الداخلية لم يقترح أصلا شهرين…
إذا لم نسم كل هذا لعبا، أي نعت يمكن أن يطابقه؟
ويمكن أن نضيف إلى هذا الضعف التواصلي ما تعانيه وزارة الصحة بهذا الخصوص، وأيضا ضعف الاهتمام بوظيفة الناطق الرسمي باسم الحكومة، أو كذلك لجوء بعض مسؤولينا في الفترة الأخيرة إلى إعلان تصريحاتهم ومواقفهم من خلال تدوينات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعضهم يعلن حتى قرارات بهذه الطريقة، ومن دون أن يكون عرف بها المعنيون المباشرون بها من قبل أو استشيروا بخصوصها.
كل هذا يجسد عناوين أزمة تواصلية عميقة لدى حكومتنا، وكشفت أزمة كورونا حجمها بشكل أكبر، وذلك يتطلب اليوم وضع نهاية له، والانتقال نحو ثقة أكبر في المغربيات والمغاربة.
لقد عرضت عدد من الدول مخططاتها لرفع الحجر الصحي على البرلمان وتداول فيها، وبعضها عرض ذلك على التصويت، وعبرت فرق عن رفضها وأخرى ساندت، وجرى بذلك احترام المؤسسات والإرادة الشعبية والاختيار الديمقراطي.
الآن مخطط التخفيف من تدابير الحجر الصحي دخل حيز التنفيذ، ويجب علينا، برغم كل ما سبقت الإشارة إليه أعلاه، تمتين التزامنا المواطن بمقتضيات الإجراءات الاحترازية والوقائية، وذلك لمساعدة بلادنا وأنفسنا للخروج في أقرب وقت، من هذه الوضعية الصعبة والعودة بأمان وسلامة إلى حياتنا الطبيعية.
محتات الرقاص