في البلدان الفقيرة في أفريقيا وجنوب آسيا، يفتقر الأطباء للعنصر الأساسي المطلوب لإنقاذ المصابين بوباء كوفيد – 19 بأخطر أشكاله، أي الأكسجين نفسه بحسب تحذيرات الخبراء.
وتلقي الأزمة الصحية الراهنة بعبء كبير على الأنظمة الاستشفائية حتى الأكثر تقدما منها، مع صعوبات تتعلق خصوصا بالتزود بأجهزة تنفس اصطناعي حسب ما ذكر تقرير جديد لوكالة أسوشيتد برس.
وفي ظل انتشار فايروس كورونا، فإن الطلب المتزايد على الأكسجين يبرز حقيقة عالمية واضحة: وهي أنه حتى الحق في التنفس يعتمد على الإمكانيات المادية، حيث يعد الأكسجين باهظ الثمن في معظم أنحاء العالم ويصعب الحصول عليه، وهو مؤشر أساسي على عدم المساواة التي تنشأ بين الدول وداخلها أيضا، والنتيجة الحتمية لذلك هي أن الفقراء وغير المحظوظين يتركون وهم يلهثون من أجل استنشاق الهواء كمحاولة للنجاة من الوباء القاتل.
وكشفت الجائحة عن نقص شديد في إمدادات الأكسجين في الدول الفقيرة مثل غينيا، حيث يشكل الأكسجين تحديا مكلفا للمرافق الطبية الحكومية مثل مستشفى دونكا العام في العاصمة كوناكري. وبدلا من المصنع الجديد الذي يقوم بتوصيل الأكسجين مباشرة إلى الأسر، تحمل شاحنة صغيرة قديمة أسطوانات أكسجين تسير بها فوق الطرق المليئة بالحفر من المصدر الوحيد للأكسجين في البلد، وهو مصنع “سوغيدي” الذي يعود تاريخه إلى الخمسينات. أما خارج العاصمة، أي في المراكز الطبية في القرى النائية والمدن الكبرى، فيؤكد الأطباء أنه لا يوجد أي أكسجين على الإطلاق.
وذكر الدكتور توم فريدن، المدير السابق لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة والمدير التنفيذي الحالي لمؤسسة “ريسولف تو سيف لايفز”، “الأكسجين من أهم مراحل العلاج، إنه متوفر بشكل ضئيل”.
وحتى عام 2017، لم يكن الأكسجين موجودا في قائمة الأدوية الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، وفي أجزاء واسعة من أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية وآسيا، وهو ما يعكس ضعف التمويل الدولي من جهة وعدم استثمار الحكومات في علوم الأكسجين من جهة ثانية.
وأوضح ليث غرينزلاد، الناشط في مجال الصحة العالمية، أن “الأكسجين ليس موجودا على الأجندة العالمية منذ عقود”.
تجارة طبية
على عكس اللقاحات أو المياه النظيفة أو موانع الحمل أو أدوية فايروس نقص المناعة البشرية، لا توجد دراسات عالمية تشير إلى أن الكثير من الناس يفتقرون إلى علاج الأكسجين، ولكن هناك تقديرات واسعة تشير إلى أن نصف سكان العالم على الأقل لا يستطيعون الوصول إليه.
وفي الأماكن القليلة التي أجريت فيها دراسات متعمقة، يبدو الوضع مؤسفا. وفي الكونغو، يوجد الأكسجين بحوالي 2 في المئة فقط من مرافق الرعاية الصحية بها. وفي تنزانيا، تبلغ النسبة 8 في المئة، وفي بنغلاديش تبلغ النسبة 7 في المئة، وفقا للاستطلاعات المحدودة التي تجريها مؤسسة “يو.أس.إيد”.
وأدى عدم وجود نظام مركزي لتوصيل الأكسجين إلى المستشفيات في بنغلاديش، إلى ظهور سوق مزدهر يبيع الأسطوانات إلى المنازل.
ويشير أبوطالب إلى أنه اعتاد بيع أو تأجير ما يصل إلى 10 أسطوانات في الشهر في متجر مستلزماته الطبية. والآن يبلغ عددها 100 أسطوانة على الأقل. وقد حكمت المحاكم على حوالي 12 شخصا بسبب بيعهم وتخزينهم لأسطوانات أكسجين غير مصرح بها، غالبا بأسعار باهظة.
أما تانو رحمان، وهي ربة بيت، فانتظرت ثلاثة أيام للحصول على أسطوانة من الأكسجين لشقيق زوجها، الذي أصيب بفايروس كورونا في العاصمة دكا.
وتمكنت من شراء أسطوانة بثلاثة أضعاف السعر، لكن صهرها الآن في المستشفى في حالة حرجة. وقالت رحمان “لا نعرف ما ينتظرنا. نشعر بالقلق الشديد”.
وفي بيرو، التي تفوقت في الآونة الأخيرة على إيطاليا في عدد حالات الإصابة بفايروس كورونا، أمر الرئيس المنشآت الصناعية بزيادة إنتاج أو شراء الأكسجين من الخارج للأغراض الطبية. ووقع تخصيص حوالي 28 مليون دولار لخزانات الأكسجين وبناء مصانع أكسجين جديدة.
تحتوي بعض المستشفيات على مصانع أكسجين لا تعمل أو لا يمكنها إنتاج ما يكفي، في حين أن المستشفيات الأخرى ليست لديها مصانع على الإطلاق. وفي مدينة تارابوتو في شمال بيرو، احتج أقارب مرضى فايروس كورونا الذين توفوا بسبب نقص الأكسجين خارج مستشفى بسبب مصنعها الذي لا يعمل.
وقامت الحكومة بنقل خزانات الأكسجين جوا ومن المتوقع أن تقوم بتركيب مصنع جديد.
وفقدت آني فلوريس اثنين من أقاربها المصابين بسبب نقص الأكسجين. وقالت إن الأسرة شرعت في محاولة يائسة لشراء الأكسجين بعد أن قيل لها إن المستشفى ليس لديه ما يكفي. كان التلاعب بالأسعار منتشرا، ووصل ثمن الأسطوانة ستة أضعاف السعر المعتاد. وفي كل مكان يكون فيه الأكسجين شحيحًا، فإن أجهزة قياس النبض والتي تقيس مستويات الأكسجين في الدم تصبح أكثر ندرة، مما يجعل من المستحيل على الأطباء والممرضات معرفة الوقت الذي تستقر فيه حالة المريض. وبحلول الوقت الذي تصبح فيه الشفاه زرقاء، يكون قد فات الأوان لإنقاذ المريض.
ومع ذلك وقع تحقيق نجاحات في بعض الدول ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى النشطاء المحليين الذين دفعوا من أجل إنشاء المزيد من مصانع الأكسجين وتحسين الوصول إلى جميع المناطق وليس أكبر المدن فقط. ووفقا للدكتور برنارد أولايوف، في مركز الصحة العامة والتنمية في شرق أفريقيا، فقد عملت دول مثل كينيا وأوغندا ورواندا على توفير الأكسجين كأولوية.
ولكن في غينيا يبدو الوضع أسوأ، حيث لا يوجد سرير في مستشفى واحد مزود بإمدادات الأكسجين المباشرة، كما تؤثر عمليات التسليم اليومية للأسطوانات على الميزانيات، حيث تبلغ تكلفة كل منها 115 دولارا. ويقدر ثمن الأسطوانة المعيارية في المتوسط بـ48 دولارا إلى 60 دولارا في أفريقيا، مقارنة بنفس كمية الأكسجين التي تتراوح بين 3 و5 دولارات في الدول الغنية. ولفت أبوبكر كونتي، الجراح الذي يدير الخدمات الصحية في غينيا، إلى أنه سيتم إنشاء أربعة مصانع أكسجين في أربعة مستشفيات في المدن النائية لتخفيف الحاجة إلى الأكسجين خارج العاصمة. وتابع كونتي “نحن بحاجة فقط إلى التمويل من أجل تحسين صحة المرضى. هذه استثمارات كبيرة سنراها في الوقت المناسب”.
معاناة صحية في أفريقيا
تمتد غينيا إلى غرب أفريقيا، وتتقاسم الحدود مع ست دول. ويعتقد أن لديها نصف احتياطيات العالم من البوكسيت، وهي المادة الخام التي يُصنع منها الألومنيوم، وكذلك مناجم للذهب والماس. ومع ذلك فإن الثروة المعدنية لا تترجم إلى صحة سكانها البالغ عددهم 12 مليون نسمة، حيث يموت طفل واحد من بين كل 10 أطفال قبل سن الخامسة.
ويقول الأطباء خارج كوناكري إن الأكسجين هو مجرد واحد من أبسط الضروريات التي يعملون من دونها، بما في ذلك مسكنات الألم العامة، وتيرمومترات الحرارة وتيارات الكهرباء المستمرة. وقال ثيوفيل غوتو مونيمو، كبير الأطباء في مستشفى سانغاردي المجتمعي “إنها مسألة ذات أولوية بالنسبة لنا. لا نمتلك شيئا. كل ما يمكننا القيام به هو إرسال شخص إلى مكان آخر إذا دعت الحاجة إلى ذلك“.
وسجلت غينيا الاستوائية أكثر من 1000 حالة إصابة و12 وفاة بالمرض في بداية يونيو، وهو ما يجعلها من الدول الأفريقية التي تعتبرها منظمة الصحة العالمية “متضررة بشدة” من الوباء بالنظر إلى عدد السكان البالغ 1.2 مليون نسمة.
وبين الدكتور فودكابا، طبيب القلب في مستشفى عام في راتوما، أحد أحياء كوناكري النائية، أن “المستشفى لا يوجد به أكسجين ولا أسرة للعناية المركزة. عندما يتنفس المرضى بصعوبة، يتم الاتصال بسيارة إسعاف لإرسالهم إلى دونكا، على بعد حوالي 20 دقيقة”.
وقبل أزمة فايروس كورونا، كان مستشفى دونكا في كوناكري يحصل على 20 أسطوانة أكسجين يوميا. وبحلول شهر مايو، ازداد الإمداد إلى 40 في اليوم وكان الارتفاع مستمرا، ليصبح المجموع أكثر من 130 ألف دولار شهريا، وفقا للدكتورة بيلي سيفايرا من مجموعة المساعدة من أجل العمل الطبي الدولي. وأصبح بذلك الأكسجين أسرع نفقات المستشفى نموا.
على إثر ذلك يتم تحديد موعد استلام الأسطوانات، ثم يحملها حوالي ستة شبان من الشاحنة ويعيدون الفوارغ إليها. يذهب الأكسجين بشكل حصري تقريبا إلى مرضى الفايروس، مع تقسيم الأسطوانة أحيانا بين الأسرّة لجعلها تستمر لفترة أطول قليلا.
وقام المستشفى أيضا بشراء مكثفات أكسجين، وأجهزة أكسجين مؤقتة ومحمولة حيث يكون نقاء وحجم الأكسجين أقل. ورغم هذه الجهود تؤكد الدكتورة سيفايرا “الحاجة إلى المزيد من الأكسجين لأن العواقب وخيمة”.
ويهاجم فايروس كورونا المستجد الرئتين متسببا في أشكال حادة من الضيق التنفسي كما يؤدي إلى تراجع خطير في مستوى الأكسجين في الدم.
وتضم مستشفيات كبرى كثيرة في البلدان النامية عبوات أكسجين في غرف العمليات والخدمات الطبية، إضافة إلى أجهزة توليد أكسجين وهي معدات محمولة تتيح تنقية الهواء المحيط.
غير أن دراسات عدة تظهر أن أقل من نصف المستشفيات في أفريقيا وآسيا – المحيط الهادئ لديها أكسجين متوفر في أي وقت. كما أن عددا أدنى من هذه المؤسسات مجهز بأدوات قياس التأكسج النبضي وهي أجهزة صغيرة توضع عند طرف أصبع المريض لقياس مستوى الأكسجين في الدم.