أودت أزمة قلبية مفاجئة فجر الخميس الماضي بحياة الصحافي الفلسطيني المقيم بالمغرب، الزميل محمود معروف (أبو نبيل)، وخلف رحيله أسى عميقا لدى كل من عرفه، وفِي الأوساط الإعلامية والثقافية والسياسية المغربية.
الزميل محمود عمل في بداية مساره المهني لفترة قصيرة في المركز العربي للمعلومات بقسم الدراسات والأرشيف في صحيفة “السفير” اللبنانية، والذي كان يديره الصحافي المصري مصطفى الحسيني، ثم التحق بوكالة “قدس بريس”، التي كان أنشأها حنا مقبل، أحد مؤسسي اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وعمل مراسلا لها منذ 1980، لكن بعد استشهاد حنا مقبل في قبرص سنة 1984، أغلقت الوكالة، وفضل محمود البقاء في المغرب، حيث عمل حينها مراسلا لأسبوعية “الأفق” التي كان مقرها في قبرص، ثم مراسلا لأسبوعية “الحوادث” اللبنانية، التي كانت تصدر من لندن.
وفِي عام 1989 ساهم، إلى جانب عبد الباري عطوان وآخرين، في تأسيس صحيفة “القدس العربي”، وعمل مديرا لمكتبها بالمغرب، منذ ذلك الحين وإلى أن فارق الحياة، أي طيلة 31 سنة.
بوفاة محمود معروف، فقد المغرب أحد آخر المراسلين العرب الكبار المعتمدين في بلادنا، ذلك أن يد المنون كانت قد اختطفت من قبل: الصحافي السوداني عبد الواحد كمبال، والسوداني الآخر أبو بكر الصديق شريف، كما غادر الصحافي القطري عبد الرحيم آل حمد المهنة دون أن يغادر المغرب، واستقر التونسي منصف السليمي في ألمانيا دون أن ينسى الرباط، وأسماء أخرى، لم تعد حاضرة اليوم في مشهدنا الإعلامي المغربي لأسباب مختلفة.
وفضلا عن مهنيتهم، كان هؤلاء يعرفون بلادنا ويحبونها، ويفهمون وقائعها وأحداثها، أما اليوم فحتى القنوات الفضائية العربية صارت تعتمد على صحفيين شباب متعاونين معها، في حين غابت العديد من الصحف والوكالات العربية الكبرى، ولم يعد المغرب يمتلك لديها جاذبية إعلامية كبيرة، علاوة على أن الأحداث المغربية لم تعد تستقطب اهتمام شخصيات إعلامية عربية كبيرة على غرار ما كان عليه الأمر من قبل، وربما حتى نوعية تمثيل المؤسسات الإعلامية الأوروبية والدولية نفسها تراجع في السنوات الأخيرة.
وضمن هذا التراجع الواضح في السنوات الأخيرة، بقي محمود معروف جسرا حقيقيا بين المغرب والشرق العربي، وساهم في توطيد العديد من الصداقات بين صحفيين وأدباء وفنانين وفاعلين جمعويين مغاربة ونظرائهم في فلسطين ولبنان والأردن والعراق واليمن وسوريا وغيرها، وصار هو أحد الوجوه المألوفة في مشهدنا الإعلامي الوطني طيلة عقود.
لقد فتح الراحل صفحات “القدس العربي” لعشرات الكتاب والصحفيين والمثقفين المغاربة، ونجح، خلال متابعته للحياة السياسية والمجتمعية ببلادنا، أن يوفر أرشيفًا غنيا في مكتبه يهتم بكل ما له صلة بالمملكة وقضاياها.
محمود معروف اقترن اسمه أيضا بقضية شعبه والنضال الوطني الفلسطيني من أجل التحرر والاستقلال والحرية، وحمل هذا الهم طيلة حياته، وزار عشرات المدن والمناطق المغربية للتعريف بالقضية وسط المغاربة، وكان ضيفا معروفا على البرامج التلفزيونية والإذاعية، وعلى مختلف الصحف، للحديث عن فلسطين، وبقي دائما مصدرا للخبر الفلسطيني، ويستشيره الصحفيون المغاربة، ويتابع التجارب المهنية للكثيرين منهم، كما انه عاش صديقا لمئات الصحفيين من أجيال مختلفة، وكان حضوره المهني والإنساني بارزا حوالينا.
في”بيان اليوم” و”ALBAYANE” بقي محمود معروف دائما الصديق والناصح والمتابع لنا ولتجربتنا المهنية، والمساند لطموحنا وتطلعاتنا، وبفضله ارتبطنا بصحفيين فلسطينيين كبار تعاونوا معنا بنشر مقالاتهم وكتاباتهم، وظل هو دائما يسأل عن عملنا، ويحتضن التجربة والطموح، وحتى عدد الخميس الماضي من صحيفتينا اطلع عليه، إلكترونياً، على شاشة هاتفه في الليل، كما يفعل كل مساء، قبل أن تكون تلك الليلة موعد الرحيل المباغت عن دنيانا هذه.
ولكل هذا، نحن هنا ننعي ونرثي ونودع واحدا منا، نعرفه ويعرفنا، وسيبقى حاضرا في الذاكرة والقلب والبال.
نجدد العزاء لأرملته ورفيقة دربه الأستاذة بحرية، نعزي نبيل وياسمين ورشا والأحفاد والأصهار والأقارب والمحبين والأصدقاء، في فلسطين والمغرب وخارجهما.
السلام صديقنا وزميلنا أبو نبيل..
<محتات الرقاص