حذر الأطباء في العديد من المناسبات من مضاعفات جائحة كورونا على المسنين، باعتبارهم الفئة الأكثر عرضة لالتقاط العدوى والوفاة بفايروس كوفيد – 19 المستجد، كما أن البعض منهم يعاني بالتوازي مع ذلك من أمراض مزمنة قد تعيق جهود ضمان حصولهم على العلاج المناسب وفي الوقت المناسب، ما سلط الضوء على هشاشة الوضع الصحي للمسنين وقلة فرص حصولهم على العلاج.
أدت حصيلة الوفيات الهائلة في صفوف كبار السن الناجمة عن مرض “كوفيد – 19” إلى الدعوة إلى إعادة النظر في علاقة حكومات البلدان المتضررة من الجائحة بمسنيها وتغيير طريقة تقديم الرعاية لهم، لكنها سلطت الضوء أيضا على “معضلة أخلاقية” ومسألة حقوقية تتعلق بالحق في العلاج.
وتشير أحدث الإحصائيات إلى أن عدد الوفيات الناتجة عن وباء كوفيد ـ 19 الذي يسببه فايروس كورونا قد بلغ 928342 حالة أغلبهم من المسنين.
وقال مايكل رايان المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بمنظمة الصحة العالمية “إن علينا إعادة التفكير بإمعان في علاقتنا بكبار السن بعد حصيلة الوفيات الهائلة الناجمة عن مرض كوفيد – 19 في دور المسنين بشتى أنحاء العالم التي “سلبتنا جيلا من الحكمة”.
وأشار إلى أن معدلات الوفيات في دور الرعاية مرتفعة، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، منها أن كبار السن أكثر عرضة لالتقاط العدوى بالفايروس، كما أن التحرك لمواجهة الأمر كان منعدما، مما أدى إلى امتلاء بعض المراكز بجثث تُركت في الغرف دون التعامل معها، حتى في بعض الدول الثرية.
وأكد رايان أن معدلات الوفيات في دور الرعاية مرتفعة وتصل إلى 80 في المئة من الوفيات الناجمة عن كوفيد – 19 في بعض الدول عالية الدخل، حاثا الدول على اعتبار العناية بالمسنين “مسألة حقوقية”.
بدوره أكد الطبيب التونسي أنيس قلوز أن أكبر المتضررين من فايروس كورونا هم كبار السن مشيرا إلى أن العالم بصدد التعرف أكثر على خصائص هذا الفايروس.
وقال قلوز الأستاذ في علم الأدوية بكلية الطب بتونس في تصريح خص به “العرب” إنه في بداية انتشار فايروس كورونا كان الأطباء يعتقدون أنه مثل بقية الفايروسات التي تفتك بالجهاز التنفسي بدرجة أولى، فكان الخوف أكثر على الأطفال وتم إهمال الفئات الأخرى وخاصة كبار السن.
وأشار إلى أن أكبر عدد للوفيات من تلك الفئة كان بدور الرعاية ومراكز الإيواء، مؤكدا على ضرورة إيلاء الرعاية القصوى لهذه الفئة الهشة التي تعتبر أكثر عرضة لمخاطر الفايروس.
وأدان عدد من علماء الاجتماع تجاهل الناشطين الحقوقيين، لتصريحات صدرت في الكثير من الدول مفادها أن الأولوية في العلاج لليافعين، وذلك منذ بداية ظهور فايروس كورونا وتحوّله إلى وباء. وكذلك شهادات العشرات من الأطباء الذين، أقروا بأنهم منحوا الأولوية في أجهزة التنفس الصناعي للشباب، ما يعني ترك كبار السن يواجهون مصيرهم. واقترحوا أن يتم قبول منح الأولوية في العلاج وفق معيار “الأشد خطورة”، لكن من دون إدخال أي معايير أخرى، ومنها العُمْر، في هذه المعادلة لأنها ستكون تمييزا مقزّزا، وفق قولهم.
وحصد فايروس كورونا منذ انتشاره أرواح الكثير من المسنين في مختلف دول العالم. وكانت فرنسا قد أعلنت خلال شهر أبريل المنقضي، إصابة أكثر من 1400 من نزلاء دور رعاية المسنين على أراضيها بـالفايروس التاجي، ويأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه دور رعاية المسنين في مختلف أنحاء أوروبا من زيادة معدلات الإصابة بين النزلاء.
وقال المدير العام للصحة في فرنسا جيروم سالومون، إن 7560 شخصا توفوا من جراء مشكلات صحية على صلة بفايروس كورونا المستجد في فرنسا منذ بدء تفشي الجائحة في البلاد، وبينهم ما لا يقل عن 2028 حالة وفاة في دور رعاية المسنين.
كما أعلنت إسبانيا موت العشرات من المسنين في دور رعاية بسبب إصابتهم بالوباء في العاصمة مدريد. وفي إيطاليا نقلت السلطات نزلاء إحدى دور رعاية المسنين إلى المستشفيات بعد تفشي الوباء بينهم ووفاة عدد منهم.
وأوضحت تقارير صحافية أن حالات الإصابة بدأت في بعض دور الرعاية في الشمال الإيطالي في وقت مبكر لكن السلطات تلكأت ما سمح بانتقال العدوى إلى دور أخرى في نابولي.
وتتهم حكومات بعض الدول بالتقصير في حق مسنيها في ظل تفشي وباء كورونا وعدم تخصيص الرعاية اللازمة لهم.
وقال المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بمنظمة الصحة العالمية “نحتاج إلى إعادة التفكير بإمعان في علاقتنا بالأجيال الأكبر سنا وطريقة تقديمنا الرعاية لهذا الجيل”. وأضاف “علينا أن ننظر لاحتياجات جيل المسنين على أنها مسألة حقوق، الحق في الحصول على الرعاية والحق في التواصل الاجتماعي”.
من جهتهم حذر خبراء من أن لقاح مرض كوفيد – 19 الذي يسببه فايروس كورونا، في حال إقراره، قد لا يؤدي إلى النتائج المرجوة مع المسنين الأكثر عرضة للمرض والموت به. مؤكدين أن الأمر يعني بالضرورة تحصين المحيطين بهم ولاسيما الأطفال.
وقال البروفيسور البريطاني المتخصص في مناعة الرئة بيتر أوبينشو، للجنة العلوم التكنولوجية في مجلس اللوردات البريطاني إنه يدرس ورقة حول تطعيم فئات مختلفة من المجتمع باللقاحات.
وأضاف أنه يمكن حماية مجموعة معرضة للخطر من خلال استهداف مجموعة أخرى وتطعيم أفرادها، كما يتم القيام به لمواجهة الأنفلونزا.
ووفقا للأطباء، فإن كبار السن المصابين بفايروس كورونا، لديهم العديد من الأعراض غير النمطية، مما يعقد عملية حصولهم على العلاج المناسب في الوقت المناسب.
وقال الأطباء إنه عادة ما تتم الإشارة إلى فايروس كورونا بثلاثة أعراض هي الحمى والسعال المستمر وضيق التنفس. لكن كبار السن، قد تختفي عندهم هذه الأعراض تماما.
وأضافوا أن كبار السن قد يبدون بدلا من ذلك معطلين ولا يتصرفون كعادتهم بعد الإصابة بالفايروس. وأشاروا إلى أن كبار السن قد ينامون أكثر من المعتاد أو يتوقفون عن تناول الطعام. وقد يبدو أنهم غير مبالين أو مرتبكين بشكل غير عادي. وقد يصابون بدوار ويسقطون، وفي بعض الأحيان، يتوقفون عن الكلام أو ينهارون ببساطة. وفسر الأطباء بأن السبب في ذلك كيفية استجابة الأجسام الكبيرة للمرض والعدوى.
وقال الدكتور جوزيف أوسلاندر، أستاذ طب الشيخوخة في جامعة فلوريدا أتلانتيك، إنه في الأعمار المتقدمة، قد تتأثر الاستجابة المناعية لشخص ما وقد تتغير قدرته على تنظيم درجة الحرارة.
وأضاف أوسلاندر أن الأمراض المزمنة الكامنة يمكن أن تختفي أو تتداخل مع علامات العدوى، مشيرا إلى أن عددا من المسنين قد يغيرون ردود فعل السعال نتيحة التغيرات المرتبطة بالعمر، أو جراء مشاكل عصبية سابقة مثل السكتة الدماغية، وقد لا يتمكن آخرون بسبب ضعف الإدراك من الإبلاغ عن أعراضهم.