هل هناك “كورونا بشرية” أشرس منه أو توازيه شراسة؟

الانطلاقة ستكون من إقليم تارودانت، ومنها سيطوف بنا الفيروس التاجي بخريطة المملكة حيث تتحطم أرقام الإصابة القياسية، بما فوق الألف ضحية منذ شهر غشت المشؤوم .
فرغم احتراز وحذر ساكنة الإقليم، مترسة الخطوط الدفاعية من طرف السلطات الأمنية والترابية، إلى جانب رفع اللجنة الإقليمية  لليقظة والتنسيق لدرجة التأهب والاستنفار…
فلازال الوباء الفتاك يواصل هجماته الغادرة عبر منافذ مختلفة، وفي مواقع متكاثرة  عبر  تراب الإقليم .
وهي الحصيلة التي تسجل من يوم لآخر هنا وهناك، مثل ما حدث مؤخرا في إطار متابعة مخالطي الحالة المؤكدة المسجلة ببعض التعاونيات الفلاحية المختصة في إنتاج وتسويق منتوجات الحليب ومشتقاته الكائن مقرها الاجتماعي بتراب جماعة أيت إعزا، أولاد تايمة، أولاد عيسى، سبت الكردان لكلالشة، تارودانت المدينة… والقائمة ربما قد تطول …
إن واقع حال التطور السلبي التصاعدي لمنحنى بيانات الوضعية الوبائية للإقليم، تنذر بشؤم  وتوجه إلى المجهول، على منوال باقي المغرب ودول العالم تأكيدا.
 وهي ربما الكارثة الحتمية، التي تخفيها طريقة تدبيرها من طرف الحكومة، أو الحكومات داخل الحكومة… إلى حد أن المواطن (تلف وشد الأرض).
طبعا المسؤولية جماعية، تبتدئ في الأول والأخير بيقظة واحتراز المواطن والمواطنة، الانضباط الصارم للقوانين الطارئة، مرورا بمهمة السلطات العمومية المختلفة أولا، بقيامها بواجبها الوظيفي الأمني الذي لا يحتاج إلى “جوقات” المطبلين والمزمرين وثانيا إنجازها بحزم وصرامة لوظائفها الإلزامية في الحفاظ على الأمن والسلامة المنضوية ضمن مهامها العادية ليس إلا… وهو ما تقوم به بالفعل في الميدان .
ثم  انضباط  الإدارات العمومية، الخصوصية، محلات مختلف الخدمات، الترفيه…. والمقاولات، منها حتى تلك الملتوية على قانون الشركات أو المقاولات والمعفية من واجبات بعض الضرائب تحت يافطة قوانين التعاونيات، وهي المشكلة لسواد النسيج الاقتصادي …
والأمر لا يمكن أن يستقيم إطلاقا إلا بانخراط الجميع في الحرب وليس المعركة، وذلك بحس وطني وبسلة من المصاريف المالية الإضافية المرتبطة بتفعيل كافة التدابير الوقائية  والإجراءات الاجتماعية الضامنة لحماية كرامة المستخدمين، المرتففين قبل انتقال العدوى إلى المخالطين وما يليهم من ضحايا محتملين …
لقد رفعت الدولة المغربية الحظر الصحي بالمملكة، وهو إجراء أصبح سريانه واقعا مؤلما كما يعيشه اليوم إقليم تارودانت، وأبقت على حالة الطوارئ مع تنطيق متغير للأقاليم والجهات وفق مقياس  تصنيف غير مفهوم المعايير، على الأقل  بالنسبة للمواطن العادي .
لكن، لا يمكن للدولة  التي اجتهدت، والتي وضعت حامل مفاتيح القرارات بيد وزارة الداخلية، ولدى أشخاص محددين بلجنة اليقظة  الاقتصادية وآخرين “مبلصين”….  أن تنكر أنها ربما  تسرعت، إما خوفا على الشعب أو على اندحار  الاقتصاد، أو بضغط من لوبي مال وأعمال ومافيا محروقات، سياحة…، وقد سعت بكل استغراب إلى لي ذراع وزارة التربية الوطنية  من أجل انتزاع  قرار استباقي، تحاصر به قانونيا، الآباء والأولياء ضمانا للمال، يفرض الدراسة الحضورية بالتعليم، حتى قبل أن ينكشف توقع  مخرجات الدخول المدرسي وبالأحرى مآل الوطن الذي أصبح على مرمى الجحيم والمصير المجهول  .
وهو المسعى الذي نجحت فيه، بمقتضى تخريجة صياغة بلاغ وزارة التربية الوطنية المؤرخ بيوم 22 غشت 2020  والذي يحمل في طياته المسؤولية المدنية والجنائية للأولياء بتوقيعهم على التزام الدراسة الحضورية أو البعدية لأبنائهم، وكأن الدولة لم تعد مسؤولة عن شعبها  .
ونفس الهدف سبق وأن نجح فيه لوبي الأعمال والفلاحة، وذلك بعدم رفع تقارير واقعية واستشرافية لخطر ما يمكن أن ينتج عن الاحتفال بعيد الأضحى في مثل هذه الظروف… لكن قطاع تربية المواشي والفلاحة عموما انتعش، وقطاع المحروقات استرد عافيتة إثر أمواج التنقلات قصد التحاق الأسر والعائلات ببعضها للتمتع بالعيد… وربما تكون وراء ذلك دوافع الاغتنام… أو قد تكون فقط آلية من آليات الدعاية الانتخابية قبل الأوان مثل ما يقع عند المقامرة بالوطن أو في لعبة الروليت الروسية، في إطار الصراع المستعر على رئاسة الحكومة المقبلة، من يدري؟
وعلى كل حال، فوزارة الداخلية، بحيادها وضميرها الوطني غير المشكوك فيه، اجتهدت إلى جانب هؤلاء، عبر ولاتها وعمالها، ويمكن أن يكون ذلك من باب فلسفة “الأجر والأجرين”.
لكن، بعد أن كانت المملكة المغربية رائدة ويضرب بها المثل عالميا في مواجهة الجائحة، يثبت الواقع اليوم، أن الإصابات المؤكدة بالفيروس، بعد رفع الحظر الصحي، قد توالى تحطيمها لقياسات بأرقام لم تكن متوقعة وهي جد مقلقة، وهو ما كانت نبهت إليه منظمة الصحة العالمية من قبل.
وحتى هذه الأرقام المفزعة، لم تمنع هذه  اللوبيات المعروفة بالأسماء الذاتية والمعنوية من التهافت لانتزاع مغانم في قانون المالية المعدل، وذلك بالشكل الذي  ضمن لها لاحقا  استرجاع كل ما تبرعت به للصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا عبر الإعفاءات الضريبة والجمركية  وكل المداخيل التي ستحرم منها آجلا أم عاجلا الخزينة العامة للدولة .
بل الأدهى من ذلك، أن الأبناك المعروفة بافتقارها الدائم للقيم الوطنية، استغلت هي الأخرى ظروف الجائحة للاستمرار في مص دماء الزبناء .
وإن شركات الاتصالات لم تتبرع ولو بسنتيم واحد من صندوقها الصافي، في حين تبرع آخرون بنسب من تعويضاتهم المترتبة عن المهام الانتدابية فقط .
والحصيلة أن الأجراء والموظفين العموميين، هم من تبرعوا بالفعل في  موارد الصندوق المحدث بقرار ملكي سام،  بدليل الاقتطاع من المنبع .
وعليه، فعدا مساهمات هؤلاء، فإن باقي المساهمات المودعة  بالصندوق إلى حدود شهر غشت الماضي،  ليست كلها تبرعات، بل مجرد سلفات أو ودائع، سيتم استردادها آجلا أم عاجلا من خزينة  دافعي الضرائب. 
لذلك، فهل على مثل هؤلاء، ستعول الدولة لتحدي الأزمات الطارئة، ومواجهة الكوارث المباغثة؟ وبالأحرى محاربة دمار الجائحة الكونية الجارية، التي تسارع في الفتك بمواطنات ومواطنين، أسماهم صاحب الجلالة الملك محمد السادس بأبنائه وفلذات كبده في خطاب العرش الأخير.
وهل في إطار هذه المنظومة الاقتصادية المهترئة، الموغلة في الانتهازية، يمكن أن تتربى النخب الوطنية وتنتقى الكفاءات والإطارات (غير المتحزبة) المؤهلة، لتسيير الشؤون العامة واحتلال المناصب الحكومية وتدبير دواليب الدولة وأن توضع بين أيديها أمانة مستقبل البلاد والعباد؟، ولا ننفي هنا وجود رأسمال مواطن ومقاولات مواطنة كذلك… لكن عددهم محدود للأسف .
وما سردناه أعلاه ينطبق على المناطق والولايات والعمالات ومنها إقليم تارودانت الذي زرع به العامل السابق بموازاة (دوباج) الحزب الوافد، مساحات مفروشة لما يسمى بالمؤلفة قلوبهم، المختبئة ( بالإرادة  المحضية) وراء عدم الإخضاع للقانونين رقمي 13/  88  و13/89 .
وعبدت (بضم العين) بالإقليم  كذلك، مسارات لتفريخ نماذج جديدة من الأعيان، الإعلام، النخب المحلية  المنتفعة  من الصفقات العمومية وأمر طلبيات الشراء، مغتنمي الأوراش التنموية ومفرخي جمعيات نهب مختلف الميزانيات وخزينة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والراكبين على أمواج التعارف والتقرب من السلطات المختلفة… منهم على سبيل المثال، عدة منتخبين جاؤوا متقاعدين، بـ “أقراب” يشاع أنه فائض بالأموال وبخزائن قارون… (طالبين في الأول ضيف الله لدى كل الأحزاب…) قبل أن يحط الرحال بأحد الأحزاب المنقرضة، ليصبحوا فيما بعد،  من أعيان الدرجة الأولى… ومن بين المجتهدين في توظيب وإخراج هكذا أنشطة، ومختلف السيناريوهات الدعائية بالمال العام، وقبل الأوان للانتخابات المقبلة  .
ومما لا شك فيه أن مثل هؤلاء، محليا ووطنيا، فهم لا يقلون خطورة عن فيروس كورونا المستجد، حيث أن انغراسهم وتجذرهم في المجتمع، سيؤدي لا محالة إلى تحنيط روح المبادرة في الأجيال المقبلة، وإفراغها من المبادئ، قيم الموطنة والإنسانية.. وتجفيفها من الأخلاق النبيلة وبالتالي اندحار البلاد وانحدار الوطن إلى الهاوية .
 في حين أن الدول العظمى ستتدافع من أجل اكتشاف الدواء الناجع لذلك الفيروس الفتاك، وستتنافس بشراسة كذلك، من أجل ابتكار وإنتاج اللقاحات الضرورية لمحاربته والقضاء عليه.
وستلي روسيا، التي أعلنت مؤخرا اكتشاف لقاح (سبوتنيك5) دول وشركات أخرى، ستتوصل بدورها إلى توفير الأدوية العلاجية واللقاحات المضادة للفيروس، رغم درجة الفتك بالبشر المسجلة اليوم بين الحين والآخر ورغم وثيرة انتشار الجائحة المرعبة وسط سكان المعمور .
 وبما أن العالم أصبح قرية صغيرة، فحتما ما تعاني منه كل دول العالم والمغرب هو نفس ما  يعانيه إقليم  تارودانت.
والأكيد أن وسائط التواصل الاجتماعي بقدر ما تتسابق لنشر أخبار الإصابات المؤكدة بالإقليم، بقدر ما تندس (فوبيا كورونا)  إلى نفوس الساكنة  .
وكذلك، مع تزايد تسجيل الإصابات المؤكدة وما يحيط بذلك من هلع، عند نشر الصور، وفيديوهات عمليات تطويق العدوى المنتقلة  للمخالطات والمخالطين .
  فمن الطبيعي، أن يرخي الرعب بظلاله على الساكنة ويستنفر القوات الصحية والعمومية، وهي نقطة الالتقاء التي ينبغي التعاون فيها، بين الجميع وبمسؤولية الجميع كذلك .
حيث تقوم السلطات الترابية والأمنية بواجبها في التطبيق الصارم لقانون الطوارئ، والقانون الأخير المتعلق بالكمامات .
ويلتزم المواطن والمواطنة بالانضباط، اليقظة والتنفيذ الواعي لكل الإجراءات الحمائية.
  الإدارات العمومية، الخاصة، محلات الخدمات والمقاولات… التي ينبغي عليها أن تثبت مواطنتها ووطنيتها بلعب كل أدوارها، آخرها تحفيز وحماية كرامة مستخدميها وتحويل مرافقها إلى فضاءات سليمة وآمنة  للمرتفقات والمرتفقين …
عند ذلك سيتمكن الجميع من التعاون للحد من انتشار الفيروس التاجي، وتطويق خطره ثم القضاء عليه، حتى تصير حربه الجارية اليوم، إنشاء الله؛ مجرد ذكرى مرعبة ماضوية، بالكاد سترويها الأجيال القادمة من باب حكايات التاريخ المشؤومة .
 وشأنها سيضحى مماثلا، للأوبئة والجوائح، سواء المنحدرة من السلالات  الجينومية: للفيروسات، الطفيليات أو الباكتيريا، الفاتكة بالبشر في الأزمنة السالفة، كالطاعون، الجدري، التيفوس، الكوليرا والجذام، الملاريا …..
وما من سبيل لذلك إلا باليقظة الذاتية وأساسا بالانضباط للقواعد الطبية والعلمية التي تنصح بها المنظمة العالمية للصحة ووزارة الصحة واحترام توجيهات السلطات العمومية..

 بقلم: محمد مواد

Related posts

Top