انهارت للمرة الثالثة على التوالي مجموعة من أجزاء فندق لينكولن (LINCOLN) المتواجد قبالة السوق المركزي للدار البيضاء بشارع محمد الخامس، وهو ما تسبب منذ 18 دجنبر الماضي في عرقلة سير حركة “الترامواي”.
ويتساءل البيضاويون عن سبب إهمال هذه المعلمة، إذ بعد كل انهيار جزء من الفندق، يخلق ذعر كبير لاسيما وأن صدى الانهيار يكون قويا ويخلف ضجيجا مرعبا، ما يدفع الساكنة المجاورة إلى مغادرة بيوتهم.
وخلال كل مرة يسقط جزء من بناية “لنكولن”، تأمل الساكنة أن تكون هذه هي الفرصة المناسبة لدفع السلطات المسؤولة إلى طي صفحة هذا الفندق، الذي بات منظره مشوها لشارع محمد الخامس، والذي يعتبر مركز المدينة الاقتصادية، لكن، على ما يبدو، فإن مشروع إعادة بناء الفندق ما يزال متعثرا.
ومباشرة بعد الانهيار الأخير، توقفت حركة خطوط “الترامواي” بين محطتي الشهداء ومحمد الخامس، على مستوى الخط رقم 1، وفق بلاغ صدر عن شركة “كازا ترامواي” في حينها عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”.
وفي هذا الإطار، وضعت الشركة رهن إشارة الزبناء خدمات جزئية على النحو التالي؛ إذ ما بين محطة النهاية ليساسفة ومحطة الحسن الثاني، هناك إمكانية المواصلة مع الخط الثاني بمحطتي عبد المؤمن وأنوال (12 دقيقة).
وما بين نهاية سيدي مومن ومحطة الحي المحمدي، توجد إمكانية المواصلة مع الخط الثاني على مستوى محطتي ابن تاشفين والمداكرة (6 دقائق)، وهو ما يمكن المسافرين بين سيدي مومن وابن تاشفين، اللحاق بوسط المدينة على مستوى محطة الحسن الثاني.
وأكد البلاغ، أنه لا يمكن استئناف حركة السير العادية على مستوى الخط الأول، حتى تحصل الشركة على ترخيص بهذا الشأن، مشيرة إلى استئنافها حركة السير على مستوى الخط 2، مع استعمال 4 محطات؛ النهاية محطة الأمم المتحدة اتجاه “ليساسفة”، والحي المحمدي اتجاه “سيدي مومن” كحل استثنائي في الوقت الراهن.
ويندرج هذا الحل المؤقت في إطار الحفاظ على سلامة مستعملي هذه الوسيلة، بالإضافة إلى تجنيب بناية لينكولن مزيدا من الارتدادات والاهتزازات القوية التي يحدثها عبور الترامواي، خصوصا وأن جدران الفندق أصبحت مهترئة وقابلة للانهيار في أي لحظة وحين، وهو ما يهدد سلامة المارة كذلك.
غضب الساكنة
وعبرت ساكنة البيضاء في تصريحات متفرقة لها لجريدة بيان اليوم، عن غضبها وحنقها الشديد جراء ما أسموه بـ “استهتار وإهمال السلطات لهذه البناية الآيلة للسقوط”، على اعتبار أن وضعها الحالي يمس جمالية المدينة، والأهم من ذلك سلامة الساكنة، أولا؛ الجسدية، ثم ثانيا النفسية، بسبب هلع الانهيارات المتوالية، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، اشتكى مستعملو “الترامواي” من الخدمات الحالية المقدمة من قبل الشركة، قائلين في حديثهم مع الجريدة “إن وضعية توقيف حركة السير بالقرب من السوق المركزي ليست بالحل الجيد خصوصا بعد ارتفاع خدمات أسعار سيارات الأجرة الكبيرة (الطاكسيات، على اعتبار “الترامواي” كان يوفر خدمة جيدة وبأثمنة مناسبة”.
وأكد موظفو شركة “الترامواي” لبيان اليوم أن خط شارع محمد الخامس سيضل متوقفا إلى أن يعالج مشكل فندق “لينكولن”، رافضين تقديم أي معلومة إضافية، بحجة أنهم لا يمتلكون أي تصريح من طرف الشركة المعنية .
وحاولت الجريدة التواصل مع رئيس مجلس مدينة الدار البيضاء وأعضائه، لتقديم معطيات حول الموضوع وشرح حيثيات الملف، لكنهم لم يجيبوا على جميع الاتصالات والرسالات النصية التي بعثتها لهم بيان اليوم.
وبعد أن كان “لينكولن” أقدم الفنادق بالعاصمة الاقتصادية، ملتقى للعديد من الشخصيات العالمية والوطنية، إبان فترة الحماية، لم يعد يأوي اليوم، سوى بعض الأشخاص بدون مأوى الذين يحتمون بما تبقى من أطلاله من قساوة برد الشتاء.
وأطلق على الفندق اسم “لينكولن” نسبة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق، أبراهام لينكولن، حيث يقع على مساحة تقدر بـ 2500 متر مربع، في شارع محمد الخامس الواقع في قلب العاصمة الاقتصادية للمغرب.
وقد وضع تصميمه المهندس الفرنسي، هيبير بريد، ليتم بناؤه ما بين سنتي 1916 و1920، بحسب ما كشفه ابن مالكه، إدريس بندرة، في حوار صحفي مع أحد المنابر الإعلامية المغربية .
وقدم “لينكولن” خلال سنوات عمله خدمات فندقية مهمة لفائدة زبنائه وقتها، حيث وضعت على مخدات أسرته رؤوس شخصيات كتبت أسماءها في كتب التاريخ، واحتضن اجتماعات سطرت الخطوط العريضة لإنهاء الحرب العالمية الثانية.
نزع الملكية
وبعد انهيار أرضية إحدى غرفه، وتساقط أجزائه ابتداء من أواخر ثمانينات القرن الماضي على تشييد الفندق، قررت السلطات المحلية إخلاء هذه البناية المهددة بالانهيار والغير مؤهلة للسكن، ليغلق منذ سنة 1984، مرورا بسنة 1989 ثم 2009 و2011 ليتحول إلى مطرح للنفايات، ومأوى للمتشردين، ما دفع السلطات المغربية إلى اتخاذ قرار تطويقه بسبب وفاة أحد المتشردين الذين كانوا يتخذونه كمسكن لهم، كما أنه سبق وأن أدى سقوط أجزائه إلى مصرع أحد المارة في سنة 2004.
وجدير بالذكر أن وزارة الثقافة المغربية صنفت واجهة الفندق تراثا وطنيا، كما أنه واحد من بين 40 معلما مصنفا ضمن فنون العمارة على مستوى المدينة. ودخلت في نزاع مع مالك “لينكولن”، ما دفع الوكالة الحضرية للمدينة إلى اتخاذ قرار نزع الملكية منه سنة 2012 لتتوجه هذه الأخيرة ومالك الفندق إلى القضاء المغربي، الذي حسم الملف لصالح الوكالة المذكورة في سنة 2012، و”عرض على المالك مبلغ مالي قدره 40 مليون درهم مغربي (حوالي 4 ملايين دولار أمريكي)”، وفق ما جاء في حوار صحفي لابنه، إدريس بندرة مع موقع 360.
والملفت في الأمر أن وزارة الثقافة أصدرت قرارا رقم (411.00) في الرابع من مارس عام 2000 يقضي بكون واجهات بناية بيسونو فندق “لينكولن” بالدار البيضاء من المباني التاريخية والمواقع المرتبة في عداد الآثار بولاية المدينة.
وتم إصدار هذا القرار بالجريدة الرسمية رقم 4795 في 15 ماي 2000، ومرت الآن 20 سنة على اتخاذ القرار، ولا تزال جدران الفندق (المعلمة) تتهاوى دون ترميم أو إصلاح، ليصبح مكانا منسيا يطوقه سياج واق في حالة وقوع أي انهيار لما تبقى من البناية.
وأعلنت الوكالة الحضرية لمدينة الدار البيضاء بعد صدور الحكم القضائي السابق ذكره، أنها ستبحث في إطار مخططها المخصص للفترة ما بين سنتي 2014/2012 عن مستثمرين ومهندسين معماريين، يمكنهم التجاوب مع تاريخ الفندق ومع فنه المعماري وبنيته الفرنسية القديمة.
وفي هذا الصدد، جاءت اتفاقية جديدة من شأنها أن تطوي صفحة فندق العاصمة الاقتصادية المهمش “لينكولن” الذي يشكل نقطة سوداء بالنسبة للساكنة المحلية بسبب تكرار انهياراته بين الفينة والأخرى، وهو ما جعل مستقبل هذه البناية غامضا إلى حدود اليوم، لاسيما في ظل العراقيل التي واجهت إعادة تأهيله في الفترة السابقة.
إعادة ترميم
وبناء على ذلك، وقعت الوكالة الحضرية بالدار البيضاء ومجموعة “REALITES” الفرنسية لتطوير المجالات الترابية، من خلال فرعها “REALITES AFRIQUE” الثلاثاء 22 أكتوبر2019 من أجل إعادة ترميم فندق “لينكولن” البيضاوي.
وتقدر قيمة هذه الصفقة التي فازت بها المجموعة الفرنسية، والتي تأسست سنة 2003 في فرنسا، بنحو 150 مليون درهم، بحيث تهم تشييد “لينكولن” المتجدد على مساحة 2500 متر مربع، شرط المحافظة على واجهته المسجلة ضمن قائمة التراث العمراني لمدينة البيضاء كما ذكر من قبل.
وصرح توفيق بنعلي، مدير الوكالة الحضرية بالبيضاء وقتها لهسبريس، على هامش توقيع الاتفاقية بأن هذه الخطوة “هي مسؤولية مهمة للغاية كانت تقع على عاتق الوكالة الحضرية، وهي المحافظة على التراث الزاخر لهذه المنطقة، وضمان جاذبيتها في آن واحد”، مؤكدا أن “هذه المقولات لا تتعلق بإعادة ترميم بناية ترميم بناية فقط، وإنما إحياء حي معماري تاريخي بأكمله، في إطار سعينا نحو جعل البيضاء عاصمة دولية”.
من جانبه قال يووان شوان جوبير (YOANN CHOIN-JOOUBERT) المدير العام لمجموعة REALITES إنه “سعيد للغاية بالعمل من جديد على هذه البناية المعمارية التي تفوح بعبق التاريخ”، مؤكدا أن “المجموعة يحكمها رهان النجاح في هذه العملية المذهلة، التي تأتي في إطار التحولات التي يشهدها المغرب، حتى تكون نقطة لانطلاق مستقبل مغرب الغد”.
وتندرج إعادة بناء الفندق الشهير المصنف ضمن قائمة المآثر التاريخية لمواكبة إستراتيجية جريئة تتبعها السلطات لإعادة إحياء وإنعاش وسط المدينة، من خلال تكريس جوانب مخزون تراثه المعماري (ارت ديكو / art deco) وحمولته الثقافية.
وتقوم عملية إعادة الهيكلة التي تسعى إليها المجموعة التي تواكبها في ذلك وكالة الهندسة والتعمير “ولالو” oualalou لصاحبها المهندس طارق ولالو على تصميم فندق من 5 نجوم مع الحفاظ على النمط المعماري الذي أراده مبدع “لينكولن”، المهندس المعماري هوبرت برايد، وذلك من خلال تجديد الجناح الحالي الموجود، وإدراج واجهة جديدة ومماثلة للأولى.
وسيتضمن البرنامج المخطط تنفيذه، الخاص بتشييد فندق عالي الجودة من فئة 5 نجوم، مساحات مشتركة ومتاجر ستشغل مساحة 2000 متر مربع، وعلى السطح سيتم إنشاء مطعم ومسبح متميز لزواره على مساحة 7500 متر مربع.
< نور الهدى بوزمور (صحافية متدربة)