إذا كان لسحر الألوان قوة جاذبة تدعونا للتأمل والغوص عبر جغرافيتها واستراتيجياتها البصرية وإيقاعاتها ورمزيتها المتفاعلة، التي تتسلل إلى مسالك الروح ودواخل الذات البشرية على اختلاف تفاعلاتها، فللقصيدة سحر خاص يعج بالمفردات والكلمات التي تنبثق منها الصورة الشعرية بكل دلالاتها ورمزيتها التي تشعرنا بذواتنا وبالآخرين أيضا، وبالتالي فهي ثنائية وثيقة الصلة فيما بينها، فألوان اللوحة قصيدة مرئية، وأبيات وبحور القصيدة لوحة شعرية. وتعتبر سلسلتنا هذه “قصيدة من وحي لوحة ” جسر تواصل وتلاقح بين الفن التشكيلي والقصيدة الشعرية من خلال باقة فريدة من اللوحات على اختلاف مستوياتها ومدارسها الفنية لمجموعة من الفنانين التشكيليين المغاربة، ومجموعة قصائد شعرية لنخبة من الشاعرات و الشعراء الذين اجتهدوا لتأكيد هذه الثنائية التي تجمع بين فن الرسم وفن الشعر من خلال قصائد نظمت من وحي هذه اللوحات.
< إعداد: محمد الصفى
الحلقة 17
الشاعر عمر العسري والتشكيلي أنس البوعناني
أنس البوعناني فنان تشكيلي من مواليد 1975 بمدينة أصيلة )المملكة المغربية( حيث يعيش ويشتغل أستاذا لمادة الفنون التشكيلية، شارك في عدة تداريب ومحترفات وإقامات فنية كما أطر مجموعة من الورشات الفنية لفائدة الأطفال، حصل سنة 2008 على الجائزة الكبرى في التعبير التشكيلي بالرباط وسنة 2020 على جائزة لجنة تحكيم البينالي الدولي للكتب الفنية بدولة رومانيا، أقام العديد من المعارض الفردية وشارك في أخرى جماعية بالمغرب وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وكندا والبوسنة والهرسك وصربيا والولايات المتحدة الأمريكية و الأرجنتين وإيطاليا ومونتينيغرو واليابان ورومانيا، توجد أعماله الفنية ضمن مقتنيات ومجموعات عمومية ومتاحف خاصة في المغرب وخارجه.
أعماله الفنية تتميز بتجريدية غنائية تستلهم من تيمة الزمن من حيث اقترانه بالفضاء وما يستتبع ذلك من مفاهيم كالمدة والتزامن والتتابع مع حضور واضح للزرقة التي يستوحي فيها بحر وسماء المدينة..ثمة الرمل أيضا يتدفق بسخاء في لوحاته، إنه رمز الأرض وملاذ الطفولة.
“زُرْقَـــةٌ عَتِيقَــــــةٌ”
1
سَأمَرّرُ يَدِي هُنَاكَ
سَأبْتَلُّ بِمَاءٍ أخْضَرَ
وَأدَعُ الصّمْتَ يُحَاصِرُ أنَايَ
سَأشْهَقُ خَلْفَ مَغَارَةٍ بَارِدَةٍ
يَفُوحُ عِطْرُهَا بَعِيداً..
لَمْ يَعُدْ ثَمّةَ مُبَرِّرٌ
للْمُضِيّ خَلْفَ الجَمَاجِمِ
لَمْ يَعُدْ ثَمّةَ مُبَرّرٌ
للرُّجُوعِ خَلْفَ اليَابِسَةِ
لَنْ أُكَرّرَ
خَطَأَ المَارّينَ
لَنْ أُكَرّرَ
صَوَابَ الأجْدَادِ
2
الدَجّالُونَ وَحْدَهُمُ
يَخْنُقُونَ البَحْرَ
مِنْ مَرْقَدِهِمِ المُظْلِمِ
سَأمْنَحُ لأَنَايَ
تَعَالِيمَ المَاءِ
سَأُمَدّدُ أنَايَ
عَلى صَفْحَةِ المَاءِ
سَأحْتَسِي مَاءً
دَافِئًا تَحْتَ جِسْرٍ أحْمَرَ
وأرَدّدُ أنْشُودَةً جَدِيدَةً
لاَ تُشْبِهُ الآخَرِينَ.
3
كُلّ ضًبَابٍ سَمَاءٌ
كُلّ سَمَاءٍ ضَبَابٌ
لَوْ..
يَسْتَقِيمُ الهَوَاءُ
لَوْ..
يَتَلَعْثَمُ قَلِيلاً
حَتّى..
أُمَارِسَ صَيْحَتي الوَحِيدَةَ.
الفُقَاعَاتُ القَلِيلَةُ
عَزَاءٌ لِمَاءٍ فَسِيحٍ
وَالزّبَدُ الطَّافِحُ
بَهْجَةٌ لِلُّقْيَا
لو..
نَرْتَقِي
لو..
أَرْتَقِي
لو..
أَنْتَشِي
هَلْ يُجْدِ المَكَانُ؟
4
الحَنِينُ اللّيّنُ
شَوْقٌ طَلِيقٌ
الشّوْقُ اللّيّنٌ
حَنِينٌ طَلِيقٌ
المَسَافَاتُ.. كُلّهَا
مَعْبَرٌ إِلَى هُنَاكَ
هَكَذا السّمَاءُ
تَدَعُ الشّمْسَ مَسْدُولَةً
عَلَى أسْرَارِ الضّبَابِ
ظِلُّ الضّبَابِ
كَفَنٌ
ظِلُّ الضّبَابِ
زُرْقَةٌ عَتِيقَةُ الأمْنِياتِ
يَفُوحُ طِيبُها
يُزِيلُ نِصْفَ الوَجَعْ.
عمر العسري