مذكرات
كانت ليلة السبت 05 فبراير ليلة حزن جماعي بامتياز. فقد صدمناجميعا وأدمى قلوبنا خبر وفاة الطفل ريان بعد الأمل الذي تشبثنا به طيلة خمسة أيام. ورغم عجز فرق الإنقاذ عن إخراجه حيا، إلا أنه سيظل حيا في وجداننا، وخالدا في ذاكرتنا الجماعية وفي ذاكرة كل من تفاعل مع الحدث الرهيب في وطننا العربي وفي العالم بأسره. وسيظل اسمه مرتبطا بأصعب وأطول عملية إنقاذ لإخراج طفل من باطن الأرض، أو ما أطلقت عليه بعض المواقع “أصعب عملية قيصرية”. فقد فاقت مدة محاولات إنقاذه عملية مماثلة تمت في ثمانينيات القرن الماضي لإنقاذ طفلة تبلغ من العمر سنة ونصف في بئر ضيقة مهجورة في إحدى مدن تكساس بأمريكا، جسدها فيلم بعنوان:58 heures d’angoisse.
طيلة أيام الحفر، وأنا أتمنى أن تكون نهاية الطفل ريان مثل نهاية الطفلة الأمريكية “جيسيكا” التي تمكن فريق الإنقاذ من إخراجها حية بعد مرور ثمان وخمسين ساعة على سقوطها في البئر، مستعينا بعمال وخبراء المناجم وبآلات الحفر المتطورة.
كنت أتمنى أيضا أن تسارع الدول الغربية إلى تقديم يد المساعد لإنقاذ الطفل ريان، لكن لا أحد حرك ساكنا رغم كون الخبر تناقلته كل وسائل الإعلام، وغزا مواقع التواصل الاجتماعي، وجعل الناس في كل مكان من الوطن العربي وخارجه يتعاطفون معه، ويدعون الله أن يخرجه سالما، وأن تتحقق معجزة خروجه حيا. ولكن زمن المعجزات ولى، والدعوات وحدها لا تكفي.
لذلك، يجب أن لا تذهب حياة الطفل ريان سدى، وأن تُستخلص منها الدروس حتى لا تتكرر هذه المأساة، خاصة وأن الطفل ريان ليس حالة استثنائية في المغرب. فمذ وعيت على الدنيا وأنا أسمع عن الأطفال الصغار الذين يسقطون في الآبار، ويموتون في غالب الأحيان. فقد كان أول ميت رأيته في حياتي طفلة صغيرة سقطت في بئر. كما أن إحدى قريباتي فقدت طفلين صغيرين سقطا في البئر. وليس الأطفال وحدهم من يروحون ضحية السقوط في الآبار سواء منها المهجورة أو المستعملة، وإنما الحيوانات أيضا. وقد سقط جحشنا في بئر بعيدة عنا، ولولا ذكاء أمه التي عادت إلى المنزل بعد غروب الشمس، وقادت والدي إلى البئر لإنقاذه لما نجا من الموت.
ينبغي أن تكون هناك شروط للسلامة يلتزم بها حفارو الآبار ومستعملوها، وقوانين رادعة لمن يخالفها. كما تجب مراقبة الآبار المهجورة وردمها حتى لا يروح ضحيتها الإنسان والحيوان، وحتى لا يستغلها المجرمون لإخفاء جرائمهم. فكم من المجرمين اعترفوا بكونهم ألقوا جثث ضحاياهم في آبار مهجورة.
ورغم الجهود التي بذلتها فرق الإنقاذ، إلا أن الوسائل التي استعملتها لم تكن متطورة حسب تصريح مستشار وزير التجهيز والماء الذي أكد أن قدرتها على الحفر لم تكن تتجاوز عشرين مترا في اليوم، وأنه كان بالإمكان النجاح في إنقاذ الطفل لو كانت عندنا مراكز جهوية تتوفر علىآليات الإنقاذ المتطورةالتي تستطيع حفر مائة متر في اليوم. لذلك، ينبغي تطوير المراكز الجهوية والمحلية وتزويدها بآليات الإنقاذ المتطورة بما في ذلك الطائرات العصرية المجهزة. وهذا ليس بالأمر المستحيل إذا ما توفرت إرادة الإصلاح وتوظيف المال العام في خدمة الوطن والمواطنين بدل تبذيره فيما لا ينفع، وتركه نهبا للفاسدين والمفسدين.
ويبقى الدرس الأكبر هو محاربة الفقر في المناطق المهمشة حيث المواطن يكون منشغلا أكثر بالصراع مع الحياة اليومية من أجل توفير لقمة العيش بعيدا عن “ترف” مراقبة الأطفال ليل نهار؛ ومحاربة الجهل ببناء المدارس وإجبارية التعليم، وردم الهوة بين المدينة والريف لتحقيق تنمية شاملة تحل معها الكثير من المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع.
<بقلم: الزهرة رميج