تبرز بين الفينة والأخرى نقاشات إعلامية وسياسية وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تهم سلوكات لبعض وزرائنا الحاليين أو تصريحات صدرت عنهم أو حتى اختيارات يلتزمون بها لها صلة إما بسياسات عمومية أو مواقف أو سلوكات، والذي يجمع بينها، افتقارها إلى أي حس أو تقدير سياسيين.
في العديد من القطاعات، يقول مهنيون أو مسؤولو منظمات مهنية ونقابية تنوب عنهم أن وزراء يقولون لهم كلاما ويطبقون نقيضه، وأن بعضهم لا يتكلمون معهم أصلا…
وفي قطاعات أخرى، هناك وزراء بدل إعمال التفكير والاجتهاد لصياغة قرارات مع المهنيين تسير إلى الأمام بهذه القطاعات التي يتولون تدبيرها، يقضون وقتهم في افتعال الأزمات داخل القطاع وبين المهنيين، أو أنهم يجرون الأزمات نحو الامتداد والتفاقم…
وزراء ووزيرات أيضا ما إن يغادروا مكاتبهم في الرباط حتى ينسوا كل التزام سلوكي تفرضه المسؤولية التي يتحملونها، ويتداول الناس يوميا العديد من أمثلة ذلك، كما أن آخرين منهم صاروا معروفين بتصريحات بئيسة يطلقونها بلا أي اتزان.
لا نعمم الأحكام الإطلاقية هنا، أو أننا نمارس “التشيار” البليد، ولكن الوقائع والأمثلة صارت اليوم معروفة لدى الجميع، كما أن الأسماء بدورها بات ترديدها متداولا ومعلوما.
هذا الفريق الحكومي الذي قيل لنا أول مرة إنه يضم فقط الكفاءات، أكد لنا في سنته الأولى أنه في حاجة إلى الحد الأدنى من الحس السياسي، والحد الأدنى من الجدية والقدرة على التواصل والتفاعل، وأساسا الحد الأدنى من الإقناع على أنه فعلا يضم سياسيين يمتلكون جدارة تحمل المسؤولية الحكومية.
ليس الأمر هنا متعلقا بالأشخاص لذواتهم، كما قد تكون هناك أسماء تستحق فعلا مناصبها، ولكن عددها قليل جدا، ولا تبرز لها أي فعالية أو أثر على الأداء الحكومي العام.
أغلب وزرائنا ووزيراتنا، مع الأسف، وإن كان بعضهم قد ينجح في عوالمه الأكاديمية والمهنية الشخصية، لكنهم لم يقدموا لنا أدلة كافية على استحقاقهم المسؤولية الوزارية أو قدرتهم على النجاح فيها، فضلا على أن الفريق بكامله تنعدم لديه الرؤية، وشجاعة الإقدام على اتخاذ قرارات جريئة أو حتى التواصل مع الشعب، ولكل هذا الناس يغمرها القلق، ولا تطمئن للمستقبل.
وحتى بعد خطاب الملك في عيد العرش، لم نلمس تفاعلا سريعا من لدن حكومتنا لبلورة سياسات وقرارات لأجرأة ما تضمنه من توجيهات، خصوصا المتصلة منها بالأوضاع الاجتماعية للناس، والتصدي للمضاربة والتلاعب في الأسعار.
السلوك الحكومي، سواء تجاه انتظارات الناس ومشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية أو تجاه مطالب مهنيي عدد من القطاعات، بقي وفيا للتباطؤ والتلكؤ، وغارقا في العمى وانعدام أي حس سياسي أو تقدير لمصلحة بلادنا.
اليوم، وزمننا السياسي يستعد لبداية موسم جديد بعد هذا الصيف الساخن في كل شيء، لا تبدو الأوضاع مريحة في أكثر من مجال، وهو ما يفرض التعجيل بعدد من الخطوات الشجاعة، وإعمال إصلاحات أساسية، والأهم تغيير السلوك الحكومي المتكلس والشارد.
لا يمكن لهذه الحكومة أن تعول على سلاطة لسان بعض مسؤوليها أو مسؤولي أغلبيتها، والتي مس أذاها المغاربة بعد أن جرى شتمهم علنا وجهارا، ولا يمكن لهذه الحكومة أن تعول على مبدأ “كم حاجة قضيناها بتركها”، الذي يتمسك به بعض وزرائها، ولا يمكن لها أن تعول على وزراء يقولون لمهنيي عدد من القطاعات الكلام ونقيضه في نفس المحفل وفي ذات الموضوع، أو أنهم يقضون معظم وقتهم في اقتراف الدسائس لإرباك قطاعات مهنية ومنظومتهم التمثيلية، ولا يدركون أن ذلك ضد مصلحة البلاد والناس، وأحيانا ضد حتى مصلحة حكومتهم ومصداقيتها…
البلاد، وأوضاع الناس وواقع عدد من القطاعات، توجد في مرحلة حاسمة ودقيقة، وتحديات كثيرة تلفنا، ولذلك لا يمكن لحكومة في مثل هذه الأوضاع أن تنجح اعتمادا على النزق الصبياني لبعض وزرائها، أو من خلال سلوكات تدبيرية ومقاربات تنعدم فيها الجدية والرصانة، ويغيب عنها النظر السياسي والإحساس بالمسؤولية تجاه هيبة الدولة ومستقبل البلاد.
هل تقدر حكومتنا، على ضوء ما سبق، أن تغير السلوك والرؤية والأداء؟ ننتظر منها الدليل في الدخول الاجتماعي القريب، وذلك حتى نستطيع أن نطمئن للمستقبل وأن ننسى ما تقترفه في حقنا اليوم…