من الواضح أن المغرب حقق فعلا نجاحا كبيرا في تدبير مأساة الزلزال خلال الأسبوعين المنصرمين، وأشاد العديدون، عبر العالم، بالجهد المغربي الكبير تصديا للفاجعة وآثارها.
لقد تابع المغاربة وكل العالم جلسات العمل التي ترأسها جلالة الملك والقرارات العملية الصادرة عنها، وأيضا السرعة التي تم بها إعمال التوجيهات الملكية، وكذا الأداء الحرفي البطولي للقوات المسلحة الملكية والدرك والقوات المساعدة وأطقم الصحة والتجهيز، فضلا عن الهبة الشعبية المــــــغربية الشاملة وغير المسبوقة للمساهمة في الإغاثة والإنقاذ والتبرع والمساعدة.
لا يمكن إنكار كامل هذا الجهد الوطني والمجتمعي، ولا يمكن كذلك التغاضي عن بعض النواقص الميدانية المرتبطة ببشاعة المأساة والظروف الطبيعية الوعرة وحجم الهشاشة، ولكن الأساس اليوم هو إنجاح ورش إعادة الإعمار بمناطق الزلزال.
البرامج التنموية وعمليات الدعم والمساعدة ومشاريع البناء والإعمار واستعادة الحياة تقتضي سرعة الإنجاز أولا، وذلك بسبب الظروف المناخية وحاجة الناس إلى الاستقرار، ومن ثم يصير ضروريا تمتين اليقظة والمراقبة لمنع الغش في الإنجاز، ولتفادي كل التجاوزات المألوفة في مثل هذه البرامج الكبرى.
البداية يجب أن تشمل اليوم عمليات تسجيل المتضررين والمساكن المتضررة جراء الزلزال، وبالتالي محاربة سماسرة إعداد اللوائح والتلاعب فيها والضرب بيد قوية على تلاعباتهم.
إعادة الإعمار وبرامج التأهيل والتنمية تعني كذلك صفقات ومشاريع وطلبيات تتصل بالإيواء والتموين والبناء والطرق وغير ذلك، وهذا يعني بروز لوبيات وسماسرة و… تجار المآسي، أي الراغبين في الاغتناء من وراء هذه العملية الوطنية الموجهة لمناطق الزلزال، وبالتالي تهديد كامل البرنامج بالفساد والاختراق وإعادة توجيه تمويلاته نحو جيوب سماسرة الأزمة.
نعرف أن كامل هذا الورش الوطني المهيكل يحضى بمتابعة جلالة الملك وإشرافه المباشر، ولهذا لا بد أن يتمتع بمراقبة مؤسساتية محكمة لأجرأته وإنجازه، وأن يتسم سيره العملي والتطبيقي بشفافية كبيرة وانفتاح واضح، وذلك بما يتيح تطبيق الإرادة والتطلع الملكيين.
لقد تابع جلالة الملك وتفاعل مع الحدث وتداعياته بسرعة واضحة، وتميزت قراراته بكثير من الحزم والجدية، ولهذا التحدي المطروح اليوم يبقى هو نجاعة الإنجاز في الميدان، وإتقان تنفيذ البرامج على أرض الواقع، والسرعة في الاستجابة لحاجيات السكان المتضررين، وأن يكون لكل البرامج المعلنة أثر ملموس ومحسوس لدى الساكنة المعنية، وهذا سيكون هو التقييم الحقيقي لنجاعة ما ستنجزه الدولة.
التقييم يجب أن يبنى على ما ستحققه البرامج من نتائج ميدانية وأثر ملموس على حياة السكان المعنيين، وقبل ذلك يجب أن يحضى الإنجاز نفسه، وأثناء مسلسلات العمل والتنفيذ، بالمراقبة اللازمة والتحصين الضروري من الفساد والحرص على الجودة والإتقان، وشفافية صرف وتدبير الموارد المخصصة.
بعض الجوانب المميزة هذه المرة لتفاعل الدولة وتدخلاتها تبرز أن السلطات ربما قد تكون استفادت من تجاربها السابقة (زلزال الحسيمة مثلا)، وهذا ما يجب أن يتواصل اليوم على صعيد الإنجاز والأجرأة، أي محاربة سماسرة وتجار المآسي، إتقان الإنجاز، عدم هدر الوقت وتفادي التماطل والإهمال، شفافية صرف الموارد المالية المخصصة، إعمال المراقبة والتتبع الدائمين، تطبيق مبدأي المسؤولية والمحاسبة….، وبالتالي الوصول إلى تحقيق أهداف البناء وإعادة الإعمار وصيانة النجاح الذي حققته البلاد في تفاعلها مع الفاجعة وتداعياتها.
البرنامج الوطني لإعادة إعمار مناطق الزلزال ليس مخططا إجرائيا عاديا، ولكنه تطلع مجتمعي لتغيير واقع عيش ساكنة هذه المناطق، والتي فضح الزلزال حجم ما تعانيه من شظف العيش والعوز والفقر والهشاشة والتهميش والنسيان، ولهذا نتيجة هذا البرنامج التأهيلي يجب أن تبني، على الأرض، واقعا مختلفا لفائدة هذه المناطق وسكانها، وأن يتحقق لهم (ما بعد الزلزال) كي يساعدهم على نسيان ما قبله، ولمواساتهم جراء بشاعة الفاجعة التي لحقتهم.
نجاح مخطط إعادة الإعمار اليوم سيعني رؤية أخرى لواقع العدالة المجالية ولمنظومة الجهوية في بلادنا ككل، وسيعني بداية الأمل في النهوض بأوضاع المناطق الجبلية وسكانها، وسيعني تقوية ثقة سكان هذه المناطق في وطنهم وفي… المستقبل.
الزلزال مأساة حقا، لكنه أيضا دروس يجب أن نستوعبها كلنا.
<محتات الرقاص