جدد سياسيون وأكاديميون التأكيد على أن الحل الذي يقترحه المغرب لطي ملف الصحراء المغربية بشكل نهائي هو حل واقعي وجدي وأقرب إلى الواقع من أي حل آخر يلوكه خصوم الوحدة الترابية.
وقال متدخلون، في ندوة نظمها حزب التقدم والاشتراكية بالرباط، أول أمس الثلاثاء، حول “آفاق الطي النهائي لملف الصحراء المغربية”، إن المغرب قدم حلا سياسيا متقدما من أجل طي هذا الملف، مشيرين إلى أنه استطاع على مدى الـ48 سنة من عمر المسيرة الخضراء أن يعمل على تطوير رؤيته والنهوض بوضع أقاليمه الجنوبية عبر مقاربات متميزة.
وشدد المتحدثون، في الندوة التي سيرتها فدوى المرابطي مراسلة قناة الغد بالمغرب، على أن المغرب متشبث بوحدته الترابية، كما أن ساكنة الأقاليم الجنوبية متشبثة بالمغرب، خصوصا في ظل التاريخ الذي أكد على هذه العلاقة القوية الضاربة في التاريخ، معتبرين أن مناوشات أعداء الوحدة الترابية وما يلوكونه ضد وحدة أراضي المغرب فاشل وأثبت تخلفه بالمقارنة مع ما يقترحه المغرب.
في هذا السياق، قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن ملف الصحراء المغربية والنزاعات المفتعلة من قبل خصوم المملكة عمرت طويلا واقتربت من الخمسين سنة من عمر هذا النزاع، مضيفا أنه من حق المغاربة وجميع الفعاليات والمكونات المجتمعية أن تتساءل إلى متى سيظل المغرب يجتر هذا المشكل الموروث عن فترة الاستعمار.
وزاد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن الآفاق المطروحة لطي ملف الصحراء تأتي على ثلاث مستويات، الأول يتعلق بالمكتسبات الهامة التي حققها المغرب على المستوى الدبلوماسي، والثاني يكمن في كون الملف يكاد يراوح مكانه على مستوى منظمة الأمم المتحدة وذلك بعد ما يقارب 50 عاما على تاريخ النزاع.
والمستوى الثالث ضمن آفاق الطي النهائي لملف الصحراء يكمن، حسب بنعبد الله، في مسألة تمتين الجبهة الداخلية، حيث قال إنه بقدر ما ستكون الجبهة الداخلية المغربية متينة ديمقراطيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا بقدر ما يمكن أن تستمر المناورات لعقود اخرى من الزمن.
وذكر بنعبد الله بحدثين أساسين يشكلان تحولا كبيرا في مسألة الوحدة الترابية، الأول يتعلق بإعلان المغرب عن مقترح الحكم الذاتي، والثاني يتعلق بإعلان المغرب عودته إلى هياكل الاتحاد الإفريقي، مشيرا إلى أن المغرب بفعل الحدث الأول تمكن من استرجاع المبادرة على المستوى الدولي وبدأ الطرح المعتمد على تنظيم استفتاء تقرير المصير يتراجع تدريجيا على مستوى الأمم المتحدة ومقرراتها وعلى مستوى مواقف عدد لا يستهان به من الدول، مشيرا إلى أن النجاح الذي لاقته هذه المبادرة جاء في وقت كان المغرب يعرف فيه طفرة هامة على جميع المستويات السياسية والديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية وعلى مستوى أرض الميدان.
وأوضح بنعبد الله على أن نجاح مبادرة الحكم الذاتي لا يرتبط فقط بوجاهة هذا المقترح والحملة الديبلوماسية التي رافقته، بل نجح لكونه جاء في خضم الطفرة الإصلاحية التي عرفها المغرب على عدة مستويات بهدف توسيع الفضاء الديمقراطي والحريات والقيام بإصلاحات اقتصادية والاهتمام بالشأن الاجتماعي، مشيرا إلى أن هذه التحولات التي كان يعيشها المغرب حينها جعلت عدد من الدول تلتفت إلى مقترح المغرب ومبادرته باعتباره دولة متفردة في محيطها بديمقراطيتها الناشئة وإصلاحاتها الاجتماعية والاقتصادية الكثيرة والمتنوعة في محيط إفريقي وعربي وتستحق أن يتم تدعيمها ومساندتها.
وفي ما يخص التحول الثاني في قضية الوحدة الترابية المتعلق بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي أبرز بنعبد الله أن المغرب اصبح حينها حاضرا على مستوى جميع الواجهات والمستويات وخاصة الإفريقية منها، مذكرا أنه حين لم يكن المغرب حاضرا في هذه المؤسسات لم يكن يحقق شيئا عكس اليوم الذي أصبحت فيه بلادنا تحتل مختلف المواقع وتطور علاقات متينة مع عدد من الدول الإفريقية وتوجد في قلب إفريقيا، وأصبحت تمنع ولا تسمح بتمرير أي مواقف عدائية ضدها.
كما أكد المتحدث على أن هذه الخطوة مكنت المغرب ومن خلال تطويره للعلاقات الثنائية مع عدد من البلدان الإفريقية أن يكون له دور كبلد قوي على مستوى الاتحاد الإفريقي ومكنه هذا الحضور بأن يكون الإطار الوحيد لمعالجة هذا الموضوع هو الأمم المتحدة.
وتوقف بنعبد الله عند مجموعة من الدول التي عرفت مواقفها تحولا في قضية الصحراء المغربية، وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية التي اعترفت بمغربية الصحراء، وكذلك إسبانيا وألمانيا وهولندا وغيرها من الدول الأخرى، مشيرا إلى أن هذه المسألة تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للمغرب، حيث قال إن ما يزيد عن 100 دولة تعترف إما بمغربية الصحراء أو بالحكم الذاتي كمقترح وحيد وواقعي في إطار السيادة المغربية، كما تم تدشين عشرات القنصليات بالعيون أو بالداخلة، “رغم أن التقييمات تختلف حول أهمية هذا الأمر لكن له رمزية بالنسبة لبلدنا”، وفق تعبيره.
وإضافة إلى هذه المكتسبات، يرى بنعبد الله أن المقررات الأممية التي يتعين تمحيص لسلبياتها وإيجابياتها أصبحت في جميع الأحوال تقترب أكثر فأكثر من الطرح المغربي على رأسها المقرر الأممي الأخير 1703 لمجلس الأمن التي أربكت الخصوم. كما يرى المتحدث أن المقاربة المغربية أصبحت تعتمد على نهج دبلوماسي هجومي، انطلاقا من التأكيد على التعامل البناء مع المغرب من خلال ربط الشراكات والعلاقات مع البلدان انطلاقا من مواقفها من ملف الصحراء المغربية.
ولفت بنعبد الله إلى أنه بالرغم من كل ما تحقق ويتحقق ما يزال الملف مطروحا على مستوى الأمم المتحدة بدون أن يظهر في الأفق القريب معالم حل نهائي الذي يكرس مغربية الصحراء بشكل نهائي.
وأوضح زعيم حزب التقدم والاشتراكية أنه بقدر ما يراكم المغرب المكتسبات في هذا الملف بقدر ما تزيد شراسة الخصوم وحدة مناوراتهم ومؤامراتهم بل وحتى اعتداءاتهم، بما في ذلك الجزائر التي غيرت نبرتها بشكل أكبر وزادت في حدتها خلال السنوات الأخيرة واللجوء إلى استفزازات كثيرة بما فيها بعض الاستفزازات العسكرية، والتي يقابلها المغرب بكثير من الرصانة.
من جانبه، قال عبد الفتاح البلعمشي أستاذ العلاقات الدولية ورئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات بالرباط إن الخطاب الملكي ليوم الاثنين الماضي بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء يعد انتقالا فعليا فيما يخص تدبير المملكة لملف الصحراء.
وأضاف البلعمشي أن ملف الصحراء المغربية والتعامل معه لسنوات، عرف تطورات مهمة، وعرف مجموعة من الانتقالات التي أدت إلى تحولات عميقة في مسار الملف والتي كانت دائما لصالح المغرب.
وأوضح المتحدث أن المغرب عمل على انتقالات واضحة في التعامل مع الملف لتطوير السير نحو الأمام ومراكمة المكتسبات، مضيفا أن من ضمن هذه المحطات الهامة الانتقال الأول وهو المتعلق بوقف إطلاق النار في 1991، مع تأكيده على أنه لم يكن اتفاقا مباشرا بين المغرب والبوليساريو، بل اتفاق بين المغرب والأمم المتحدة من جهة واتفاق ثان بين البوليساريو وهيئة الأمم المتحدة.
وبالنسبة للانتقال الثاني يرى البلعمشي أنه يتعلق بطرح مشروع لتسوية هذا الملف وهو مقترح الحكم الذاتي، والذي قال إنه شكل محطة هامة بالنسبة للمغرب في التعاطي الدولي والأممي مع الملف، فيما حدد الانتقال الثالث بما أشر عليه جلالة الملكة في كلمته في القمة المغربية الخليجية، حينما تحدث عن كون المغرب ليس محمية لأحد، وحينما قرر طرح توجهات جديدة للسياسة الخارجية متمثلة في توسيع تصريف قنوات السياسة الخارجية بالخصوص، في بعدها الاقتصادي.
هذا التحول، قال البلعمشي إنه وإن كان يهم السياسة الخارجية إلا أنه تلته مجموعة من الأحداث التي تؤكد على أنه تحول شامل، حيث أنه اشهر بعد ذلك سيقرر المغرب العودة إلى الاتحاد الإفريقي في القمة 28.
وتوقف المتحدث عند الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، والذي أبرز فيه أنه ساهم في عدة تحولات أهمها توقفت الكولسة التي كانت تؤدي إلى مجموعة من المتاعب للدبلوماسية المغربية على مستوى القارة وعلى مستوى هذه المنظمة القارية التي تعد المنظمة الحكومية الوحيدة في العالم التي تضم في صفوفها البوليساريو “والتي تشكل وصمة عار، الأفارقة أنفسهم اليوم سئموا من هذا الاحتضان”، وفق تعبيره.
وزاد أستاذ العلاقات الدولية في الحديث عن مسار التحولات المرتبطة بملف الصحراء المغربية، حيث لفت إلى أن هناك تحولا آخر منذ 2016 وهو ما عبر عنه جلالة الملك بخصوص التعامل مع الشركاء الدوليين بملفات منفصلة، إذ لم يعد المغرب يقبل بالتصفيق خلال قيامه بمجهودات على مستوى محاربة الهجرة أو الانخراط في مواجهة التحديات والمخاطر الأمنية أو غير ذلك، بينما يجري التضييق عليه حين يتعلق الأمر بالقضية الوطنية، مشيرا إلى أنه جرى حسم هذا الأمر من خلال تأكيد المغرب على أن النظارات التي يرى بها علاقاته الدولية خصوصا مع شركائه الاستراتيجيين لا بد أن تكون ضمن رزنامة متكاملة وتضم جميع الملفات.
وأوضح البلعمشي أن هذه الرؤية الجديدة، مكنت المغرب من مراكمة مكتسبات هامة وأحدثت تحولا كبيرا في مواقف عدد من الدول، ومن ضمنها إسبانيا التي غيرت خطابها بشكل كامل، مشيرا إلى أن المغرب سئم من اللعب على الحبلين والعمل على جعل ملف الصحراء ملف ابتزاز.
ويرى المتحدث أن الدبلوماسية الهجومية التي أصبح يتعامل بها المغرب والتي بدأت بوادرها الأولى مع الاحتجاج على الأمين العام السابق بانكيمون بعد زيارته لمخيم “الحمادة” بتندوف، ساهمت في تحقيق عدد من المكتسبات على الصعيد الدولي وحشد المواقف لصالحه ولوجاهة مباردته، معتبرا أن كل هذا جعل الموقف المغربي قويا وأحدث تغيرا في التوازن الدولي لصالح المغرب.
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي البشير الدخيل إن الطرح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي يظل الخيار الأوحد الذي يتوفر على وجاهة وكمبادرة متفردة، معتبرا أن ما مفهوم تقرير المصير تغير كثير ولم يعد بنفس المعى اليوم.
وأضاف رئيس معهد الدراسات الصحراوية “الإندلوس” أن مشكل الصحراء المغربية معقد وله أبعاد كثيرة هي التي تؤخر حله وطيه بشكل نهائي، حيث قال إن المشكل هو مشكل تصفية استعمار، وما خلفته فرنسا من إرث خصوصا بالجارة الجزائر التي ظلت لها مطامع توسعية على حساب جيرانها، مشيرا إلى أن ثلاثة أرباع من الأراضي الجزائرية ليست ملكا للجزائر تاريخيا، بل تم اقتطاعها من المغرب ومن مالي ومن تونس ومن ليبيا من طرف الاستعمار الفرنسي.
ويرى البشير الدخيل على أن حل الملف بشكل نهائي يرتبط بمدى العودة للتاريخ والوقوف على جميع المشاكل المرتبطة بالاستعمار وحل مشاكل باقي الأقاليم التي استحوذت عليها فرنسا لصالح الجزائر، مشددا على أن حل مشكله الأقاليم الجنوبية مرتبط بحل مشكل الأقاليم الأخرى التي في الجزائر، وإعادة الأقاليم إلى أصحابها بالبلدان المذكورة.
ولفت المتحدث إلى أن فرنسا تركت إرثا كبيرا من المشاكل المتعلقة بالهوية والعشائرية وغيرها من المشاكل التي تعرقل اليوم حل ملف الصحراء المغربية، حيث توقف عند بنية البوليساريو التي قال غن أفرادها لا يتكونون فقط من المغاربة الذين جرى إغرائهم، بل يرتبط بما يزيد عن 18 ألف من موريتانيا و18 من الجزائر، ونسبة مهمة من مالي وبلدان الجوار.
واعتبر الدخيل أن طي ملف الصحراء ينطلق بحل شامل لمشكل الاستعمار والبنية التي تعول عليها البوليساريو، إذ يجب أن تحتضن كل بلاد أبنائها انطلاقا من موريتانيا والجزائر ومالي وبلدان الجوار، فيما المغاربة بدورهم سيعودون لوطنهم كما عاد قبلهم حوالي 12 ألف سابقا مذكر بمقولة الملك الراحل الحسن الثاني “إن الوطن غفور رحيم”.
وعبر الدخيل عن إدانته للتوجه الذي تسير فيه البوليساريو، خصوصا لجوءها إلى الاعتداء، معتبرا أن من ضمن الأخطاء التي ارتكبتها الجبهة المزعومة، هي احتلالها لمعبر الكركرات ثم قبل أيام الاعتداء على إقليم السمارة، مشيرا إلى أن هذا الحدث الأخير سيجعل منها تنظيما إرهابيا.
وزاد المتحدث أن المغرب له جيش قوي ونشيط تعداده يفوق 310 ألف بينما الطرف الثاني البوليساريو لا يتوفر سوى على 4000 مقاتل وبآليات بسيطة، مشيرا إلى قرار هذا الأخير الدخول في مناوشات مع المغرب بمثابة دفع الشباب نحو الانتحار.
ونبه الدخيل إلى خطورة الوضع التي بلغت مبلغا صارت فيه البوليساريو تتجه لضرب المدنيين، وأبناء عمهم من المواطنين في الأقاليم الجنوبية، كما حدث في السمارة. “وهذا إرهاب، يدخل البوليساريو والجزائر في نفق مسدود، ويعكس حالة مقلقة للغاية لديهم إزاء دبلوماسية قوية قامت بها المملكة المغربية في هذا الملف”، وفق تعبيره.
بالمقابل نوه الكاتب والمحلل السياسي بالرصانة التي تشتغل بها الدولة المغربية التي قال إنها مثيرة للإعجاب، لكون سياسة ضبط النفس ليست سهلة، وأن من شأن مثل هذه الأحداث أن تدفع في تجاه الانفعال.
يشار إلى أن اللقاء الذي نظمه حزب التقدم والاشتراكية حول “آفاق الطي النهائي لملف الصحراء المغربية” والذي عرف نقاشا واسعا بين المتدخلين والضيوف من مثقفين وأساتذة وخبراء، يأتي في إطار أنشطة تخليد الذكرى الثمانين على تأسيس الحزب.
< محمد توفيق أمزيان
< تصوير: رضوان موسى