يصادف هذا اليوم، 14 نونبر، الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي المغربي (2023 – 1943)، وهو التجسيد لمسار نضالي وطني طويل عبر كثير محطات ومعارك وصعاب، وصمد إلى أن بلغ وضعه الحالي في إطار حزب التقدم والاشتراكية.
ثمانون عاما هي مسيرة ليست قصيرة في عمر حزب سياسي بمرجعيات ومنطلقات متميزة، وقراءتها وتحليلها يجب أن تعطى فيهما الكلمة كذلك للمؤرخين والباحثين والأكاديميين، فضلا عن المناضلين والفاعلين السياسيين والمهتمين بالحياة الحزبية المغربية.
هذه التجربة النضالية المغربية انبثقت من تراب هذا الوطن ضمن سياقات تاريخية ومجتمعية خاصة، وعلى غرارها ولدت تجارب مماثلة في عدد من البلدان العربية والإفريقية والأميركو لاتينية، لكن كثيرا من هذه التجارب والأحزاب اندثرت أو انكمشت أو صارت عديمة الوجود أصلا، وبقي الحزب المغربي مستمرا، وأبدع عديد اجتهادات وأطروحات فكرية وتنظيمية من أجل ذلك، وهذا التميز وحده يستحق التأمل والبحث والقراءة ضمن سياقات مغاربية وعربية مقارنة بالخصوص.
هناك أيضا محطات مفصلية تستحق استحضارها والتمعن فيها وقراءتها ضمن وقائع وضعنا الراهن، وذلك من داخل الإنتاجية الفكرية والنضالية لهذا الحزب الوطني المرجعي.
نذكر، في هذا الإطار، أطروحة «الثورة الوطنية الديمقراطية»، ومنهجية «التحليل الملموس للواقع الملموس»، والإصرار على وحدة اليسار والقوى الوطنية، والإسهام في بناء «الكتلة الديمقراطية»، ثم «التوافق التاريخي» والانخراط في التناوب التوافقي، ودون أن ننسى ارتباط هذه المدرسة الحزبية التاريخية بالدفاع عن المساواة وحقوق المرأة وتخليد يوم ثامن مارس في بدايات القرن الماضي، وكذلك المساهمة في ميلاد العمل النقابي وانتماء المغاربة إلى النقابات وميلاد المركزية الأولى وتخليد فاتح ماي، العيد الأممي للعمال، ثم المواقف التاريخية غير المسبوقة تجاه الأمازيغية ونشر ما عرف بـ «الكتاب الأبيض»، والموقف المبدئي من غزو النظام العراقي لدولة الكويت، وباقي المواقف المعبر عنها تجاه قضايا وطنية أساسية، وخصوصا ما يتعلق بالوحدة الترابية ومغربية الصحراء، والكتاب الذي ألفه الزعيم الراحل علي يعته بهذا الشأن، وأيضا الاجتهاد الذي أبدعه المفكر التقدمي الراحل عزيز بلال حول العوامل غير الاقتصادية في التنمية، وقضايا أخرى عديدة.
قد تبدو هذه المواضيع اليوم عادية وبديهية في زمننا الحالي، لكن لما نستحضر التأسيس لها في مستهل القرن الماضي، وغياب حلفاء أو بيئة مجتمعية داعمة، يتضح حجم التضحيات التي قدمت من أجل أن تصير اليوم عادية وبعضها من ضمن المكتسبات.
وعلاوة على ما سبق، تميز مسار حزب التقدم والاشتراكية بارتباطه بالوطن وبـ «تمغربيت» في المواقف والرؤى والتحاليل والمقاربات، وأيضا بإصراره الكبير على الاستقلالية التنظيمية في كينونته وقراراته ومواقفه، وهاتان الميزتان بقيتا مجسدتين لهويته إلى اليوم، ومن هنا يمسك بتاريخه العريق بكثير من الاعتزاز والفخر، ويواصل نقل رسالته النضالية من جيل إلى جيل، ويستمر في تقوية حضوره السياسي والتواصلي والتأطيري والاقتراحي والميداني إلى اليوم.
عندما يخلد التقدم والاشتراكية اليوم عامه الثمانين، فذلك يعني صواب وصحة اختياراته الاستراتيجية الكبرى التي أبدعها ورسخها مؤسسوه وقادته الأوائل، وهو يستمر اليوم بذات النفس العام، منتصرا للوطن أولا، لوحدته واستقراره وتقدمه، مناضلا من أجل العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والتمييز والهشاشة، ومن أجل المساواة والحرية وحقوق الإنسان، ومن أجل التقدم والديمقراطية والحداثة…، ويؤمن بقدرة القوى الوطنية والتقدمية على تحقيق التغيير وكسب الرهانات لمصلحة شعبنا ووطننا، كما يؤمن بمرجعياته وخطه السياسي والفكري الذي كما ساهم في تحرير الوطن واستقلاله يمكنه أن يساهم، إلى جانب حلفاء آخرين، في تحقيق الديمقراطية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
لقد مارس حزب التقدم والاشتراكية السياسة دائما بشجاعة وعقلانية، وضمن الوفاء لخطه السياسي والفكري، ولمبادئه، وانتصارا «للمصلحة العليا للوطن والشعب»، ومن أجل «وطن حر وشعب سعيد»، وهو يخلد اليوم عامه الثمانين ضمن الوفاء لهذا الإرث الباذخ ويعتز به ويستمر على طريقه.
<محتات الرقاص