في الأدب وفي الفن.. هم منشغلون بذاكرة زهرة أغمات ويشتغلون على توثيق نبضها وأريجها، تراهم في إبداعاتهم يتغازلون بأصالتها وعراقتها، وتتابعهم في طوافهم على سوارها الفريد، ذاك الذي كان ابن رشد الجد قد أوصى الخليفة المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين ببنائه وتحصين مراكش بسور حماية للعاصمة من أطماع المهدي بن تومرت، مؤسس الدولة الموحدية، فيطرزون كتاباتهم على القنطرة الموحدية تانسيفت، فيعيدون تراتيل جيران أبي العباس. وفي محرابهم المقدس، ينشغلون ويشتغلون على ذاكرة الحمراء، فتبدأ معهم لعبة الاسترجاع، لنتذكر معهم أثرا يذكر إذا ما ذكرت الآثار، نتذكر بعضا من معالم المدينة التي ضاعت، انتصارا للذاكرة، وتنبيها إلى التحولات التي تسبح فيها تامراكشت، على إيجابيتها أحيانا، لكنها قد تكون قاسية على الذاكرة والوجدان..
وفي رحاب “دوز تمسرح” في برنامجها للتوطين المسرحي، ومن خلال شعار البرنامج الذي يهدف إلى حفظ الذاكرة المراكشية المسرحية والفنية والثقافية، نقف عند واحد من هؤلاء العشاق الأدباء الذين يؤرقهم السؤال حول مكامن الجمال ورؤى الناس.. إنه يا سين عدنان، ابن حاضرة المحيط الذي يوثق ذاكرة حاضرة تامراكشت، والذي استدرج معه أدباء الحمراء ومبدعيها إلى وشم ذلك الأثر الذي لم يعد بإمكانك تلمسه في كتاب فريد يحمل عنوان “مراكش التي كانت”.
(ياسين عدنان).. ذلك الواحد المتعدد، الأديب والإعلامي، الذي كنا نلتقط إشاراته الثقافية في برنامجه الأسبوعي”مشارف” على مدار 12 سنة على القناة الأولى، ونتابع إشراقاته الأدبية في برنامجه الثقافي “بيت ياسين” بقنـاة الغد، ليطلق مؤخرا، الحلقة الأولى من برنامجه الثقافي الجديد “في الاستشراق”. ياسين عدنان عضو مجلس أمناء (الجائزة العالمية للرواية العربية – البوكر)، وعضو مجلس إدارة (المورد الثقافي) سابقا، وعضو جمعيتها العمومية حاليا، بالإضافة إلى عضويته في اتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر بالمغرب..
هو شاعر المدينة وأديبها، من شرفته الإبداعية، كان قد أطل علينا سنة 1991، من خلال إصدار “مجلة أصوات معاصرة”، قبل أن يساهم في إطلاق (الغارة الشعرية) التي تعتبر تكتلا للحساسية الشعرية الجديدة في المغرب مع بدايات التسعينيات. ومن طراز درره: “مانيكان” و”رصيف القيامة” و”لا أكاد أرى” و”دفتر العابر”، و”الطريق إلى جنة النار”. ومن عوالمه القصصية: “من يصدق الرسائل؟” و”تفاح الظل” و”فرح البنات بالمطر الخفيف”، ومن أعماله الروائية: “هوت ماروك” عن المغرب وتحولاته وحول مراكش (الحاضرة/ البستان)، وصدر له أيضا برفقة (سعد سرحان) كتاب حول “مراكش: أسرار معلنة”، وأنطولوجيا قصصية بعنوان “مراكش نوار”. وقام بإعداد وتقديم كتاب “مـراكش التـي كانـت”.. ذلك جزء من ذخيرة أديب، لا يرى تحقق أدبية الكاتب إلا بتجذره في مكانه، لذلك – يقول ياسين – كنت حريصا على أن أكتب هذه المدينة.. فجاد عليها بمحاسنه وبيـانه.
بعد خراب المدينة التي كانت، الزهراء الزاهرة، وقف على أطلالها الشاعر السُمَيْسَر الألبيري، فأنشد:
وقفت بالزهراء مستعبرا
معتبرا أنذوب أشتاتا
فقلت يا زهـرا، ألا فارجعي
قالـت: وهـل يرجـع من ماتا؟
على تلك الشاكلة.. تعلن المدن تبددها، وتكشف عن تفتتها، بانقطاع وصلها وتقطع أوصالها، مدن كالكتب تعتريها التعرية، وتمتد إليها أظافر الذين – يقول ياسين عدنان – وجدوا أنفسهم صدفة في مواقع تتيح لهم ممارسة التطريس الناشز. مدن مثل الكتب، مفتوحة للقراءة المتفاعلة، للإضافة وللتعليق، للاستطراد والحشو، كما للشطب والتنقيح والمحو.. مدن مثل الكتب، قدرها الأخير أن ترتدي ثوب الخراب بعد أن كانت مدينة الأعاجيب.. من “الزهراء التي كانت” إلى “مراكش التي كانت”.
و”عن ترميم المدينة، وتطريس الكتاب”، وفي تقديم يثير لذة القراءة، قراءة مراكش، وتصفح الحمراء، صفحة صفحة.. يكشف ياسين عن رهبة الفقد الجلل للذاكرة ولأثرها المادي الذي يقتفي أثره أدباء استدرجهم لوشم ذلك الأثر الثقافي الذي لم يعد بالإمكان تلمسه.. تلك غاية المنى ومنعقد الرجاء عند كل من (مالكة العاصمي) و(ثريا إقبال) و(محمد زهير) و(ماحي بنبين) و(عبد الجبار خمران) و(محمد بوعابد) و(سعد سرحان) و(أحمد طليمات) و(أبو يوسف طه) و(عبد الرفيع جواهري) و(عبد اللطيف عادل) و(مولاي الصديق الرباج) و(طه عدنان) وغيرهم.
ومن بين المعالم التي يرصدونها، نذكر في قراءتنا هذه، على سبيل المثال لا الحصر: “قهوة المصرف”، الفضاء الأثير لشاعر الحمراء (محمد بن ابراهيم)، و”مقهى ماطيش”، ملاذ أديب مراكش الكبير (خوان غويتيصولو)، قبل أن يتناهب فضاءه بازار وتيليبوتيك.. “مقهى السربون” التي فقدت روحها وذاكرتها وعمقها الثقافي حينما تحولت إلى فضاء سياحي ركيك اسمه مقهى ومطعم أركانة.. “سينما بالاص” التي كانت مسرحا وصالة سينما وتحفة معمارية فريدة، قبل أن تتحول إلى طلل ما يزال قائما حتى الساعة في قلب شارع يوغوسلافيا.. “دار البارود” التي أطلقت عددا من الرموز الفكرية والثقافية والسياسية للمدينة، وكان طلبتها يسمونها جامعة ابن يوسف رغم أنها مجرد مؤسسة للتعليم الإعدادي والثانوي الأصيل، لكنها ظلت على امتداد تاريخها بمثابة جامعة حقيقية في الوجدان المراكشي.. و”ساقية تاركة” بدوار العسكر و”صهريج البقر” ومعالم أخرى موشومة في كتاب “مراكش التي كانت”.
وقبل ذلك، يعتبر ياسين “الكتابة إذن سلاح فعال ضد المحو، ولهذا علينا نحن أيضا أن نكتب، أن ننقذ ما يمكن إنقاذه من مراكش التي نعرف.. مراكش التي نحب.. فها هي صفحات أخرى من كتاب المدينة تتعرض للمحو أمامنا ونحن عاجزون.. وإذا كنا غير قادرين على إيقاف النزيف، فلنجرب في الأقل حفظ الذاكرة.. ولذلك استدرجت أصدقاء من أدباء مراكش ومبدعيها في عملية الترميم هذه. ترميم رمزي للمدينة، تطريس عاشق لصفحاتها الممحوة.”
“كأن المدينة غير المدينة – يكتب ياسين عدنان في رواية “هوت ماروك” – كأن يدا خفية غيرت المحل والشارع والمعالم كلها في غفلة منك يا رحال.. تفتح الكومبيوتر وتضيع لساعات وسط لججه الزرقاء (…) وحين رفعت رأسك لتتفقد العالم من حولك هذا الصباح وجدت المحل غير المحل، والشارع غير الشارع، والمدينة غير المدينة (…) “يا مراكش يا وريدة بين النخيل”، هكذا تقول الأغنية، هل تذكر الأغنية يا رحال؟
أغنية عن مراكش.. عن المدينة التي تضيع منك ومن غيرك.. مراكش الحمراء ليست حمراء فقط، بل خضراء أيضا؛ بل هي خضراء أساسا، سماها الأسلاف “الحاضرة البستان” ولذلك يكتب (ياسين عدنان) في “مراكش التي كانت” عن “المدينة واغتيال الأشجار”: “مراكش منهمكة في اغتيال الأشجار.. المجزرة متواصلة ولا أحد يستنكر.. احتلت الجرافات شارع الحسن الثاني، وبدأت تجتث بطريقة عشوائية الأشجار الضخمة، لتفسح أنفاس الشجر الفضاء لأنفاس المطاط، مرحبا بكم في مراكش.. مدينة تخلت عن أرصفتها وأشجارها لتتسع الطريق للمزيد من السيارات للمزيد من الكلاكسونات..
يا مراكش يا وريدة بين النخيل..
يا مراكش،
يا..
ياه، يا حدائق الإسمنت.
في مراكش “كل المقاهي – يكتب ياسين عدنان في “هوت ماروك” – صارت تنقل المباريات مباشرة، وتتيح حصة للمراجعة من خلال بث الإعادة صباح اليوم الموالي.. قبل سنوات، كان لكل مقهى من مقاهي (مراكش) رواد من فئة معينة (…) مقهى الأمل يبقى الفضاء الرسمي للشبيبة الجمعوية. أدباء ومسرحيون شباب يعتبرون أنفسهم طليعة الحي ونخبته المثقفة، يلتقون في مقهى الأمل يوميا في غياب دار للشباب في حي المسيرة. وحين أسس هؤلاء اليافعون فرقة (المسار) المسرحية ومجموعة غنائية مختصة في الأغاني الملتزمة، صارت المقهى بمثابة المقر الفعلي للإطارين الجمعويين الجديدين.”
وعن المقاهي في “مراكش التي كانت”، يكتب كل من (عبد الغني أبو العزم) حول مقهى المصرف عن “حكاية مقهى وشاعر”: “فكلما تحدث شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم في أمسياته عن رحلته المشرقية، يأبى إلا أن يشير إلى لقائه مع طه حسين، وبالأخص عندما أنشده من لزومياته. قبل أن يسأله شاعرنا عن المكان الذي يجلس فيه بمدينة مراكش. فأجابه قائلا: في أشرف مكان، في أحضان العلويين تحت الأغصان الدانية والمياه الجارية، الموحدون عن يميني، والمرابطون عن شمالي، وكان يشير بذلك إلى مقهى المصرف.
يقع مقهى المصرف – يقول عبد الغني أبو العزم – في زاوية الطريق المؤدية إلى فندق المامونية، المحاذي لباب الجديد، ومن خلفه ما كان يعرف بعرصة مولاي مصطفى العلوي، ولم يكن يفصلها عن مقهى المصرف إلا حاجز من نبات القصب، وهذا ما كان يعينه الشاعر بالأغصان الدانية، وقوله المياه الجارية، ففيه تكمن تسمية مقهى المصرف، حيث كان يمر أمامه في الواقع مصرفان، تجري مياههما دون انقطاع، تحمل بردا وسلاما وانتعاشا لكل زواره في كل الأمسيات الصيفية.
وقول شاعر الحمراء: المرابطون عن شمالي بحكم موقع جلوسه، فكان يقصد به وجود قبر يوسف بن تاشفين المقابل لساحة لالا رقية. وما كان يعينه بالقول: والموحدون عن يميني، فكان يقصد به صومعة الكتبية المشرفة بظلالها على أجواء المقهى.. وبهذا الاستحضار لثلاث محطات تاريخية، استطاع شاعر الحمراء أن يضفي على مقهى المصرف هالة من الوقار والجاذبية من عبق التاريخ وأمجاده.”
“مـراكش التي كانـت” عند ياسين غايتها حفظ الذاكرة.. وتوثيق صفحات كتاب مراكش بأحيائها وساحاتها وسواقيها، ابتدأت من “هوت ماروك”، فالمواسين بالنسبة إليه من أهم أحياء مراكش وأعرقها. ألم يكن امتدادا للحي الملكي المرابطي الذي وجد به قصر الحجر؟ ألم يكن أحد أهم أحياء المدينة السلطانية التي شيدها المرابطون قبل أن يعمد الموحدون فيما بعد إلى تخريب قصر الحجر، ونقل دار الإمارة إلى قصبة (تامراكشت)، وفصل حي القصبة، إقامتهم السلطانية الجديدة عن المدينة المرابطية بأحيائها وأسواقها وحرفييها بمنطقة حرام وأرض جرداء واسعة سموها جامع الفنا؟
(المواسين) تنسب حسب بعض المؤرخين إلى سوق قديم معزول كان خاصا بثلة من الحرفيين اليهود يصنعون فيه السكاكين والخناجر ومختلف الأسلحة البيضاء وخاصة (الموسى)، فسمي الحي بالمواسين نسبة إلى شاحذي الأمواس به على وزن الصباغين واللبادين والعطارين وغيرها من أسماء أسواق مراكش العتيقة.
وعن ابن ميمون، أحد هؤلاء (المواسين)، يسرد ياسين: هل رفض ابن ميمون الامتثال لقرار السلطان الغالب بالله السعدي القاضي بترحيل كل يهود حارة أبي عبيدان إلى حي الملاح الذي أمر السلطان ببنائه ليحتضن كل يهود المدينة الذين كانوا موزعين في السابق على مختلف الحومات؟ هل فضل العيش متخفيا في الحي السلطاني الجديد قرب مقبرة أجداده، يشحذ أمواس المسلمين في الخفاء ويرقب مسجد الأشراف يبنى فوق مقبرة الأجداد وإلى جانبه المارستان وسقاية المواسين الشهيرة؟
وعن سقاية أو نافورة المواسين هاته، تكتب (سوني برولونجو– واد) في “مراكش التي كانت”: “أنا أقيم على بعد خطوتين من الساحة التي تم استلهام اسمها من نافورة المواسين، وهي من أكبر ساحات المدينة العتيقة بمراكش.. أعبرها مرات في اليوم باتجاه ملتقى الطرق المفضية تباعا لسوق الصباغين، ودار الباشا، ومدرسة ابن يوسف، والساحة الشهيرة جامع الفنا (…) وفي الساحة المعروفة باسم (سقاية المواسين) أحدد مواعيدي مع زواري، ولا يحتاج المرء سعة الخيال لإعادة تشكيل الصورة التي كانت عليها هذه المعلمة الفخمة قبل أن تصير تركة مهملة طالتها أيادي السلطات المحلية بالتشويه وحولتها ساكنتها إلى مستوع للقاذورات ومرأب للدراجات لجهلهم بقيمتها التراثية.
لقد تم تشييد سقاية المواسين بموازاة تشييد الجامع المجاور، والوافدون يجهلون تقريبا كل ما يتعلق بماضيها المجيد الذي شكلت خلاله تحفة المئات من السواقي التي يملأ خريرها كل أرجاء المدينة العتيقة. وتشتمل على ثلاثة مجار لإيراد البهائم وحوض لتأمين الماء الشروب لساكنة الحي.”
“مراكش التي كانت”.. يتذكر كل من (محمد زهير) و(ماحي بنبين) و(عبد الجبار خمران) و(محمد شويكة) على التوالي سحر السينما في مراكش.. “سينما غزالة” و”سينما مرحبا” و”سينما عدن” و”سينما الريجان” و”سينما بلاص”؛ و”هكذا – يقول محمد شويكة – إذن اختفت “سينما بلاص” وإن كان طللها لا يزال شاهدا على عظمتها. زالت معالم فنية أخرى من محيطها، وتلاشت قرينتها قاعة “سينما اللوكس” التي التصقت بها ونافستها رغم أن لكل قاعة عشاقها. ولكل صنف من عشاق السينما طقوس فرجتهم الخاصة.. وهي الطقوس التي مهدت في الأصل لحركات السينيفيليا في المدينة.
فقدت مدينة مراكش، وتفقد في كل حين، قاعاتها السينمائية التي تتساقط تباعا كأوراق الأشجار في فصل الخريف: أغلقت “سينما عدن” أيقونة درب القنارية المحاذي لساحة جامع الفنا، ولم تعد الفرجة السينمائية متاحة بـ “سينما مرحبا” بالزاوية، وبـ “سينما غزالة” بدرب دباشي، وبـ “سينما موريتانيا” بالقصبة، حيث تباع الخراف فيها من حين لآخر. واندثرت معالم “سينما الأطلس” التي تحولت إلى مكان لبيع أطباق الدجاج، وهي القاعة التي كانت تشكل إضافة إلى قاعة أخرى بني على أنقاضها فندق (علي)، ثالوثا من القاعات تعتبر سينما “مبروكة” إحدى ركائزه الصامدة. وضاعت الفرجة في “سينما الفتح” بالرميلة، وتلاشت آثار الضوء بـ “قاعة الزهرة”، وبـ “سينما ومسرح ريجون”.
كانت “سينما بلاص” تكيف فرجتها مع فصول السنة: قاعة مغطاة للخريف والشتاء والربيع، وأخرى مفتوحة للصيف، وامتلكت هذه القاعة خشبة متميزة شهدت عروضا مسرحية مختلفة المشارب والجنسيات، وكان ركحها مجالا مفتوحا لفرق الهواة التي شكلت وجها منيرا للمسرح المراكشي… أصبحت قاعة “سينما بلاص” اليوم، مجرد طلل يحكي عنه من تلذذ برونقه واكتشف طقوس الفرجة فيه ومن شمله نوره.”
بعد خراب مدينة الزهراء، وقف الشيخ (محيي الدين ابن عربي) على أطلالها، فأنشد:
ينوح عليها الطير من كل جانب
فيصمـت أحيانا وحينا يرجِع
فخاطبت منها طـائرا متفردا
له شَجن في القلب وهو مروع
فقلت: على ماذا تنوح وتشكتي؟
فقال: على دهر مضى ليس يرجع
ولكن، ما قولك يا أبا الوليد – يسأل ياسين عدنان – في أن سور مراكش العتيق الذي أوصى جدك ببنائه قد تعرض اليوم للزلزلة؟ لقد انهارت مآذن وقباب، وتصدعت جدران، انهارت صومعة جامع خربوش في قلب ساحة جامع الفنا. بل إن مسجد تينمل الذي بني في عمق حوز مراكش في بداية القرن الثاني عشر في عهد الخليفة الموحدي عبد المومن بن علي دمر تماما.
ولأننا لا نريد أن ننشد لمثل هذا الخراب، ولا أن نطلق النغم، ليحترق في شجن النايات، ولا أن ننظر من عل، فننوح ونشتكي – كطائر ابن عربي المتفرد – على دهر مضى ليس يرجع.. نضم صوتنا إلى أصوات الأدباء في “مراكش التي كانت”..
ولأننا “مجرد أدباء بالنهاية – يقول ياسين عدنان – لا قدرة لنا على التدخل الحازم والحاسم لحماية هذه الصفحة أو تلك من المحو، أو لإيقاف هذا المتعسف أو ذاك (…) كل ما نستعطيه هو التنبيه بشكل جماعي إلى أن مدينتنا، وهي تكبر وتتجدد، فقدت الكثير من معالمها، وكثيرا ما حلت محل هذه المعالم بنايات فظة تخاصم الجمال، وتخون روح الحاضرة، وتناقض خصوصيتها المعمارية.. ولأجل ذلك، كان هذا الكتاب “مراكش التي كانت”.
< بقلم: د. عبد المجيـد أهرى