دقت الجمعية المغربية لمهندسي الصيد البحري، ناقوس الخطر حول ما يحصل في المصايد الوطنية من استغلال مفرط للموارد السمكية، بفعل عدم انضباط المهنيين للقواعد المعمول بها في الصيد، وكذا ضعف فاعلية المراقبة والزجر وهيمنة بعض مجموعات المصالح وضعف الحكامة القطاعية.
وناشدت الجمعية، في بيان لها، عقب عقد جمعها العام في 10 فبراير الماضي، مختلف الفاعلين الاقتصادين وعلى رأسهم رجال البحر، بالرفع من منسوب روح المواطنة التي طالما تحلوا بها، واحترام قوانين الصيد من أجل الحفاظ على الثروة السمكية لمصلحتهم، ولمصلحة الأجيال القادمة.
ومن بين المقترحات التي قدمها مهندسو الصيد البحري لإنقاذ الوضع الذي بات مقلقا، بحسبهم، اعتماد وتفعيل مقاربات بديلة ومبدعة في التعاطي مع مسألة تدبير الموارد السمكية قصد استدامتها، وذلك عبر الانتقال من مقاربة إدارة المصايد إلى حكامة المصايد، ثم تعميم وتفعيل مخططات التهيئة لتشمل أهم المصايد الوطنية، إلى جانب العمل على تشديد المراقبة واعتماد آليات فعالة للزجر.
ودعا المصدر ذاته إلى تعزيز الإجراءات النوعية من قبيل تقليص فائض قدرات الصيد، وتفعيل المناطق المحمية، واعتماد التوسيم الإيكولوجي وضبط المرجوعات، ناهيك عن ترشيد استغلال الثروة السمكية، وذلك عبر تشجيع الاستعمالات ذات القيمة المضافة والحد من الهدر.
وفي هذا الصدد، أجرت جريدة بيان اليوم حوارا مع رئيس الجمعية المغربية لمهندسي الصيد البحري، الأستاذ محمد الناجي، الباحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، حيث يتحدث عن أهمية قطاع الصيد البحري والدور الذي يلعبه على مستوى إنتاج الثروة وخلق فرص الشغل والإسهام في تحقيق السيادة الغذائية الوطنية، فضلا عن الوضع الحرج الذي يشهده البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي بفعل الإجهاد في نشاط الصيد. فيما يلي تفاصيل الحوار:
< تحدثتم في الجمعية المغربية لمهندسي الصيد البحري عن أهمية نشاط الصيد البحري في تحقيق الأمن الغذائي الوطني. في هذا الإطار، كيف تقيمون مستوى مساهمة الموارد البحرية في تأمين طعام المغاربة؟
> عموما، البحار كانت تشكل دائما، مورد غذاء مهم لساكنة العالم، حيث يصل متوسط الاستهلاك الدولي للأسماك، معدل 20.5 كلغ للفرد، متجاوزا متوسط بعض اللحوم الأخرى، وهذا يعني أن البحر كان ولا يزال مصدرا مهما لتحقيق الأمن الغذائي.
على المستوى المحلي، اعتمد المغرب، مؤخرا، استراتيجية الاقتصاد الأزرق، كباقي بعض الدول الأخرى، وتتضمن هذه الاستراتيجية، عدة محاور مهمة، تخص تثمين واستغلال موارد السواحل المغربية، من بينها نشاط الصيد البحري الذي يتعدى وجوده 100 سنة، إلى جانب الاهتمام بتربية الأحياء المائية (الاستزراع السمكي).
كان هذا النشاط (الاستزراع) ضعيفا، في البداية، بيد أنه مع تأسيس الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية، تم إعداد وتنزيل مجموعة من المشاريع على طول الساحل المغربي، بهدف النهوض بهذا القطاع، لهذا أرى أن نشاط الصيد البحري ومشاريع الاستزراع السمكي، تعد مكونا هاما على مستوى الإنتاج السمكي، وخلق فرص الشغل، ناهيك عن الإسهام في تحقيق الأمن الغذائي، ضمن منظومة الاقتصاد الأزرق.
ولا يتحقق الأمن الغذائي فقط، من خلال الأنشطة الزراعية، وتربية المواشي وباقي الأنشطة الأخرى التي تقام في اليابسة، بل من خلال ما تشكله البحار، أيضا، لهذا لا أتردد في كل مرة إلى الدعوة لتوحيد المقاربة بين القطاعات التي تهم السياسة الغذائية بالمغرب، عوض وضع استراتيجية خاصة بكل مجال، كأننا لا نتعامل مع نفس المستهلك، ولا نلبي نفس طلباته المتمثلة في البروتينات الحيوانية.
وأرى أن القطاعات التي تشتغل على الغذاء، كل منها يوجد في جزر معزولة، على مستوى الرؤى الاستراتيجية، ذلك أن الصيد البحري والفلاحة والصناعة الغذائية كل منهم يشتغل بشكل منفصل عن الآخر.
< أشرتم أيضا إلى أهمية نشاط الصيد البحري في خلق فرص الشغل وتحقيق التنمية وطنيا، لكن إلى أي حد ستستمر هذه الدينامية في القطاع، في ظل الحديث عن تدهور الوضع داخل البحر؟
> بالفعل، لدى المغرب مؤهلات جد معتبرة، بل أصبح رائدا على المستوى الدولي في هذا المجال، بالمقارنة مع عدد من الدول، وذلك على مستوى القدرة الإنتاجية، حيث سواحله جد غنية بالموارد السمكية، كما أن تجربته في نشاط الصيد البحري باتت ناضجة، نتيجة التراكم الحاصل في الممارسة.
لكن، يلاحظ في السنوات الأخيرة، تدهور كبير على مستوى الموارد السمكية بالبحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي إلى حد ما، لدرجة أنه صار في بعض الأحيان مخيفا، لا سيما بالبحر الأبيض المتوسط، التي نتجه بفعل تراجع الموارد السمكية الحاصل به إلى إعلانه، قريبا، منطقة منكوبة.
وهذا ليس التصريح الوحيد المعلن، وإنما توجد تصريحات عديدة من هذا القبيل، لمهنيين ومسؤولين على القطاع، أبرزها اعتراف السيدة الكاتبة العامة لقطاع الصيد البحري، مؤخرا، في أشغال النسخة الثانية من منتدى علوم مصايد الأسماك في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود (منتدى الأسماك 2024)، المنظم بتركيا من طرف الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط (GFCM)، ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو) حول علوم مصايد الأسماك في المنطقة، (اعترفت) أن البحر الأبيض المتوسط يحتضر، ودقت ناقوس الخطر بخصوص مستقبله.
والحقيقة، أن استنزاف الموارد السمكية، لا يهم البحر الأبيض المتوسط فحسب، وإنما كذلك في جزء من شمال ووسط المحيط الأطلسي، وبقي الوضع لا بأس به في منطقة واحدة، ويتعلق الأمر بسواحل جنوب المغرب، التي تعرف نوعا ما من الوفرة النسبية لكنها مهددة بالتدهور، بحكم الضغط الشديد الذي يمارس عليها، وبالتالي ندعو أيما مرة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن استنزاف المواد البحرية يختلف كثيرا عما يوجد في اليابسة، إذ من خصائص الموارد السمكية قابليتها للتجديد، لكن في إطار سن إجراءات حازمة، وتدبير معقلن، وتعامل حذر مع هذه الموارد، التي تتعرض مصايدها لإجهاد كبير، بفعل عدم احترام القوانين المؤطرة للقطاع.
ومسؤولية هذا الوضع، يتحملها المهنيون، الذين هم في حاجة إلى تحسيس مستمر، للتحلي بقيم المواطنة، عبر الالتزام بمجموعة من الشروط الكفيلة بأن تسترجع الموارد السمكية عافيتها، على أمل أن تلعب الدور المنوط بها في تحقيق الأمن الغذائي الوطني.
< ألا ترى أن الإدارة التي تشرف على القطاع عاجزة عن التحكم الجيد في تدبير نشاط الصيد البحري في السواحل المغربية؟
> المصالح الإدارية للوزارة الوصية على القطاع، متشعبة ومتعددة، بصلاحيات مختلفة، أي أنها ليست كثلة واحدة ولا تشتغل مع بضعها البعض، فإذا كنا نجد من يخطط لتدبير المصايد، وهم بالمناسبة، يقومون بعمل جيد، عل مستوى وضع مخططات التهيئة بشكل مدروس (نتوفر على قرابة 15 مخطط تهيئة يشمل جل المصايد)، استنادا إلى المعطيات التي يتوصلون بها من المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، التي على أساسها يتم إصدار وثائق ومراسيم وزارية تضم قرارات جيدة، بالمقابل، نعثر على واقع آخر في الميدان، يكون عبثيا، بتضارب المصالح، والتسيب، وخرق القوانين بشكل ممنهج ويومي.
وفي سياق متصل، يلاحظ أن مصالح أخرى داخل الوزارة، المكلفة بمهمة المراقبة والضبط والزجر، لا تستطيع القيام بمهامها الفعلية، لأنها تواجه “لوبيات” أو مهنيين يستقوون بمجموعة من الرموز السياسية، ما يجعل الموظف البسيط الذي ائتمنه الشعب على تدبير ذلك الموروث البحري، رهينا للواقع المفروض عليه من قبل قوى الضغط المهنية، التي تتصرف في البحر كملك خاص.
وبهذه المناسبة، يجب على الوزارة أن تسهر على ضمان تطبيق المقتضيات القانونية، والتدبير الجيد للقطاع، للحفاظ على هذه الثروة لفائدة الأجيال المقبلة، وبالتالي من حق المهنيين أن يستغلوا هذه الموارد لا أن يتملكوها، فهي ليست ملكفا محفظا باسم أي شخص، لأن الحاصل اليوم هو وجود قلة في القطاع، تدمر ثروة سمكية كبيرة هي في ملك جميع المغاربة.
ومن منطلق تجربتي في القطاع التي تناهز أزيد من 30 سنة، أسجل يوميا ملاحظات عدة في المجال بفعل الممارسات غير المهنية بل والغير أخلاقية، وهي بوادر جد مخيفة، حيث إذا استمر الوضع كما هو عليه بدون إجراءات حازمة، أكيد أننا سنفقد رافدا ومكونا وطنيا مهما بالنسبة لتحقيق السيادة الغذائية في المستقبل.
< تشير بعض الأوساط المهنية إلى استعمال آليات غير مرخصة في نشاط الصيد البحري، كيف تؤدي هذه الممارسات إلى تدمير الموارد السمكية؟
> آليات الصيد التي تستعمل كلها مرخص لها، ولا يوجد أي مشكل بشأنها، بحكم أن الترخيص صادر عن الوزارة بناء على دراسات علمية، لكن الذي يحدث، هو الاستعمال السيء لتلك الآليات من خلال تغيير خصائصها التقنية. على سبيل المثال، يوجد قرار بشأن استعمال الشباك بفتحات 70 ملم، من قبل قوارب الصيد البحري، لكن أكاد أجزم لك، أنه لا تتوفر شبكة واحدة على طول السواحل المغربية تحترم هذه المواصفات، لأن كل فتحات الشباك صغيرة، تتراوح ما بين 25 و40 ملم في أحسن الأحوال، وهذا بعلم الوزارة، والجميع يعرف هذا الواقع لكن لا يتحدثون عنه، بفعل التواطؤ الضمني الحاصل بين الإدارة والمهنيين.
ومثل هكذا ممارسات جد منتشرة، تؤدي صراحة إلى التدمير المباشر للثروة السمكية، لهذا يجب على الوزارة أن تتحمل مسؤوليتها بشأن ما يقع في البحر، بدل تقاذفها المسؤولية مع المهنيين، وهو ما ساهم في خلق الفوضى العارمة التي يشهدها نشاط الصيد البحري بالمغرب.
ولوضع حد لكل هذه التجاوزات، لا بد من وضع مقاربة جديدة وإرادة سياسية في تدبير القطاع، لأن الاستمرار على هذا الشكل سيؤدي إلى تصحر البحر المغربي، كما نعيش اليوم مع النزيف الذي ضرب الموارد المائية.
< يحمل المهنيون مسؤولية تدهور الموارد البحرية إلى السفن الأجنبية أيضا، هل هذا صحيح؟ > بداية، اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي (المتوقفة حاليا) لا تشمل إلا حوالي 125 وحدة صيد أجنبية بالسواحل المغربية، وجلها بالمناطق الجنوبية، وهذه السفن تلج المياه الوطنية في إطار ما هو مسموح به ضمن منطوق الاتفاقيات، حيث تصطاد فقط في المصايد غير المزدحمة، وجزء كبير من إنتاجها يخص سمك السردين، وكل ما يروج عن هذه السفن من قبل بعض المهنيين في جزء كبير عنه غير صحيح، أي أن أثر أسطول الصيد الأجنبي بات قليلا، منذ أن قرر المغرب إعادة النظر في اتفاقيات الصيد البحري، لأنه في السابق كان يفوق عدد السفن الأجنبية 700 وحدة، عندها بالفعل كانت تظهر بوادر التدمير، أما حاليا فتعتبر السفن والقوارب المحلية المسؤول الأول عما يحدث في البحر المغربي.
< حاوره: يوسف الخيدر ****** انخفاض قيمة منتجات الصيد البحري المسوقة بنسبة 2 في المائة
أفاد المكتب الوطني للصيد البحري بأن قيمة منتجات الصيد الساحلي والتقليدي المسوقة تراجعت بنسبة 2 في المائة إلى حوالي 2,02 مليار درهم خلال الشهرين الأولين من سنة 2024.
وأورد المكتب، في تقريره الأخير حول إحصائيات الصيد الساحلي والتقليدي بالمغرب، أن هذه المنتجات بلغت، حسب الوزن، 91.996 طن خلال الفترة ذاتها، بانخفاض نسبته 22 في المائة مقارنة بمتم فبراير 2023.
وأبرز المصدر ذاته أنه حسب النوع، فقد انخفضت الكميات المفرغة من المحار، والأسماك السطحية، والقشريات بنسب بلغت، على التوالي، 38 في المائة (11 طن)، و34 في المائة (55.108 طن)، و27 في المائة (1.079 طن)، في حين سجلت الكميات المفرغة من الطحالب ورأسيات الأرجل ارتفاعا بنسبة 85 في المائة (3.188 طن) و16 في المائة (17.895 طن) على التوالي.
وحسب الموانئ، بلغ حجم منتجات الصيد الساحلي والتقليدي المفرغة في موانئ البحر الأبيض المتوسط عند نهاية فبراير 2024، ما مجموعه 3.216 طن، بارتفاع بنسبة 13 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية.
ومن حيث القيمة، سجلت هذه الموانئ ارتفاعا بنسبة 37 في المائة إلى 158,78 مليون درهم. ومن جهتها، انخفضت الكميات المفرغة على مستوى الموانئ الواقعة على المحيط الأطلسي، من حيث الكمية، بنسبة 23 في المائة إلى 88.781 طن. كما انخفضت من حيث القيمة بنسبة 4 في المائة إلى حوالي 1,86 مليار درهم.