بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين..
• الصديق الأستاذ محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية؛
• الإخوة والأخوات أعضاء وعضوات الديوان السياسي واللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية؛
• السيدات والسادة أعضاء ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية؛
• الحضور الكريم كل باسمه وصفته.
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن أشارككم اليوم بهذه المدينة المناضلة، رمز العزة والشموخ والإباء وقلعة الوطنية والمقاومة هذا المهرجان الخطابي الحاشد احتفاء بالذكرى 73 لتقديم الحزب الشيوعي المغربي لوثيقة المطالبة بالاستقلال.
وإني لأتوجه بجزيل الثناء والتقدير والامتنان إلى الصديق الأستاذ محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أصالة عن نفسي ونيابة عن أسرة المقاومة وجيش التحرير، على الدعوة الكريمة، شاكرا ممنونا له إتاحة هذه الفرصة لنستعيد جميعا أمجاداً خالدة وملاحمَ بطولية طافحة بدلالاتها العظيمة وبمعانيها، أبدعتها صفوة من رموز هذا الحزب العريق، في تلاحم تامّ وانسجام متين دفاعاً عن المقدسات الدينية والوطنية وذوداً عن حمى الوطن وحياضه وحريته واستقلاله وفي التصدي ومواجهة جبروت المستعمر واستغلاله واستكباره.
حضرات السادة والسيدات الأفاضل؛
كما تعلمون، منذ أن وطأت أقدام المستعمر الغاشم تراب هذا الوطن العزيز، تصدى أبناؤه البررة بشجاعة لإفشال المخططات الاستعمارية التي استهدفت هويتهم ووحدتهم غداة فرض معاهدة الحماية في 30 مارس 1912. وهكذا اندلعت أعمال المقاومة الشعبية في جميع أرجاء البلاد، وخاض أبطالها معارك وجولات بطولية استبسلوا فيها وقدموا أرواحهم فداء لوطنهم، كمعركة لهري بالأطلس المتوسط سنة 1914، ومعركة أنوال بالريف سنة 1921، ومعركة بوغافر بتنغير، ومعارك جبل بادو بالرشيدية سنة 1933، وغيرها من المحطات النضالية والكفاحية التي قدّم فيها المجاهدون المغاربة دروساً في التضحية والاستشهاد.
ومنذ أن تأسست في العشرينيات من القرن الماضي شعبة للحزب الشيوعي الفرنسي بالمغرب، وضع مناضلوها نصب أعينهم مهمة مواجهة السياسة الاستعمارية المنتهجة في المغرب، ووقفوا ينددون ويفضحون العمليات العسكرية التي كانت القوات الاستعمارية تشنها ضد قبائل المغرب سعياً إلى فرض سيطرتها على التراب الوطني. وهكذا استأثرت الحرب العدوانية ضد أبناء الريف باهتمام المناضلين الشيوعيين بالمغرب وخارجه فتصدوا لفضح فظائعها بنشر المقالات الصحفية وإصدار البيانات المنددة وتنظيم حملات الدعم والتأييد والتضامن مع أهل الريف، وحملات إعلامية لتحسيس الرأي العام الفرنسي والدولي وتحفيزه للوقوف ضد العدوان، ونشطوا في دعوة الشباب الفرنسي إلى الامتناع عن المشاركة في هذه الحرب الظالمة.
واجهت سلطات الحماية بالمغرب هذا النشاط السياسي المعادي للاستعمار، بحملات قمعية طالت العديد من المناضلين الشيوعيين، ونظمت محاكمات لبعضهم وأرغمت آخرين على مغادرة المغرب، وشددت من تضييقها على الصحف والمنشورات ومنعتها من دخول المغرب.
وما إن اندلعت الحرب العالمية الثانية سنة 1939 حتى صدر قرار بمنع الحزب الشيوعي تحت ذريعة نشاطه المعادي للمصالح الوطنية الفرنسية ومشاركة أعضائه في إذكاء التوترات وخلق الشقاق في صفوف الشعب الفرنسي في زمن الحرب. وقد بقي المنع ساري المفعول إلى أن صدر عفو في فاتح يوليوز 1943، فعاد الشيوعيون لنشاطهم ونضالهم العلني، وجرى إحياء الحزب تحت اسم “الحزب الشيوعي بالمغرب” بقيادة المناضل ليون سلطان. وانصبت جهود المناضلين خلال هذه المرحلة على وضع أسس العمل النقابي بعقد مؤتمر تأسيسي للاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب، احتل فيه الشيوعيون موقعاً مهيمناً. وبذلت جهود حثيثة لنشر أفكار ومبادئ الحزب وسط الأوساط الشعبية المغربية بما في ذلك بعض مناطق البادية المغربية، وجرى إنشاء فروع منظمات موازية تابعة له في المدن الرئيسية ومنها “الشبيبة الشيوعية” و”الوداديات الشيوعية”.
ووجب التأكيد أنه إذا كان عدد قليل من المناضلين المغاربة قد نجحوا في تبوء مواقع قيادية في الحزب، فإن هذا الأخير بقي مع ذلك أسير نظرة ضيقة تعارض فكرة استقلال المغرب وتدافع في المقابل عن فكرة الاتحاد مع فرنسا بهدف هزيمة الفاشية والانتصار عليها باعتبارها معركة تحظى بالأولوية المطلقة في حسابات الحزب الشيوعي.
على أن وفاة ليون سلطان سنة 1945 وتولي علي يعته الكتابة العامة مكانه سيكون له تأثير حاسم على توجهات الحزب، إذ سيقع تغيير اسم الحزب من “الحزب الشيوعي بالمغرب” إلى “الحزب الشيوعي المغربي”، وستسند مسؤوليات قيادية على رأس هذا الحزب لمناضلين مغاربة آخرين. ومن دون شك فإن من أبرز ثمرات هذا التغيير الأساسي في تركيبة قيادة الحزب إقدامها على صياغة عريضة على جانب كبير من الأهمية في 3 غشت 1946 طالبت بواسطتها لأول مرة في تاريخ الحزب باستقلال المغرب وتوحيد أراضيه و«إلغاء الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب وإلغاء المفوضية العليا الإسبانية بالمغرب وإدارتها الاستعمارية وكذلك المجلس الدولي بطنجة». وعلى مستوى السياسة الداخلية، دعت الوثيقة إلى «إنشاء مجلس وطني مغربي وحكومة مغربية يسيران الشؤون المغربية كلها». وحدد الحزب باقة من التدابير الأساسية المصاحبة، كان من أبرزها:
– انتخاب مجالس قروية وبلدية في المدن، علاوة على مجالس جهوية؛
– تأسيس جيش وطني وقوات أمن خاضعة للحكومة المغربية، وجلاء القوات الأجنبية عن التراب المغربي؛
– اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في الإدارة والتعليم؛
– توحيد العدلية وإصلاحها إصلاحا عصريا؛
– ضمان الحريات الشخصية وحق تأسيس الجمعيات والأحزاب والنقابات؛
– إصلاح فلاحي يمكن الفلاحين من الأرض ومن وسائل العمل؛
– توفير الشغل للمواطنين المغاربة…
كما وجهت الوثيقة التاريخية نداء إلى كافة الأحزاب الوطنية والمنظمات والنقابات للعمل على التكتل في «جبهة وطنية مغربية واسعة». وبهذا يكون الحزب قد قطع بشكل لا رجعة فيه مع تصور ظل ينظر بريبة إلى كل مطالبة باستقلال المغرب عن فرنسا بدعوى أن لا مصلحة للجماهير الشعبية المغربية فيها وأنها لا تخدم في نهاية المطاف إلا مصالح البرجوازية.
حول هذه المحطة المفصلية في تاريخ الحزب الشيوعي المغربي، كتب المناضل والمقاوم الفذ المرحوم عبد الله العياشي في شهادة قيمة حول تاريخ الحزب الشيوعي المغربي نشرت في الجزء الأول من موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير الصادرة ضمن منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ما نصه : «خلّف هذا الموقف وضعاً جديداً داخل الحزب، فبعض الفرنسيين لم يكونوا مطلقاً يفكرون في مساعدة الشعب المغربي على نيل استقلاله، انسحبوا. أما آخرون، وهم قلة فساندوا موقف الحزب الوطني، وأذكر من بين هؤلاء جرمان عياش أستاذ التاريخ. فقد كان من الديمقراطيين الحقيقيين الذين ساندوا المطلب المغربي، مطلب الاستقلال.
قبض علي يعته على زمام الأمور وبدأ رفقة جماعة من المغاربة في تسيير الحزب. كان المغاربة أعضاء الحزب فرحين بكون حزبهم “الحزب الشيوعي المغربي” تبنى الخطة الجديدة المبنية على المطالبة بالاستقلال».
كان من النتائج الهامة التي تمخضت عن هذه القطيعة في التوجه العام للحزب الشيوعي المغربي، فتح باب التعاون والتآزر بينه وبين الأحزاب الوطنية الأخرى، كما كشف عن ذلك المرحوم علي يعته في الندوة الدولية حول: “محمد الخامس الملك الرائد” المنظمة من طرف جمعية رباط الفتح للتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية من 16 إلى 20 نونبر 1978، حيث قال: «إن الإخوان في قيادة حزب الاستقلال، وبالخصوص المرحوم عمر بن عبد الجليل، أعانونا بكثير ليتم الاتصال المباشر بيننا وبين المغفور له محمد الخامس». والمقصود هنا الاستقبال الرسمي الذي خص به جلالة المغفور له سيدي محمد بن يوسف قادة الحزب الشيوعي المغربي السادة علي يعته وأحمد ماضي وميشال مازيلا في شهر غشت 1946، والذي كشف بعض تفاصيله الأمين العام للحزب المرحوم علي يعته قائلا: «استقبل جلالته وفدا من حزبنا، كنت أترأسه، واستقبله بصفته ممثلا للطبقة العاملة المغربية، واتخذت كافة المحاولات لمنعه، إلا أنه انعقد مع ذلك لأن محمد الخامس رفض ادعاءات المقيم العام القائلة بأن الحزب الشيوعي المغربي حزب أجنبي، ولا يجوز للسلطان أن يستقبل ممثلين عنه، لأن هذا الاستقبال يعد بمثابة اعتراف به. فكان الاستقبال، بكيفية رسمية، ودون حضور السلطات الفرنسية. كما صدر بلاغ رسمي من الديوان الملكي، كتعبير عن رفض الملك المطلق لضغوط وتوجهات السلطات الاستعمارية، واعتراف بالحقوق السياسية للطبقة العاملة المغربية».
حضرات السيدات والسادة الأماجد،
إن إيمان قادة الحزب الشيوعي المغربي بأهمية وإلحاحية تحالف الأحزاب الوطنية، وتوحيد جهود الوطنيين والدفع بنضالهم خطوات إلى الأمام، جعلهم لا يكلون من الدعوة بانتظام وفي كل مناسبة إلى تأسيس الجبهة الوطنية من أجل تحقيق الاستقلال الوطني ودحر الاستعمار. وإذا كانت هذه المبادرة لم تلق الاستجابة المرجوة، فإن الحزب لم يركن إلى الانتظار بل واصل مسيرته النضالية مدافعا عن قضايا الوطن وعن حق المواطنين في العيش الكريم في وطن حر ومستقل، رغم القرار الجائر لسلطات الحماية الفرنسية بنفي الأمين العام للحزب علي يعته في يونيو 1948. ففي شهر نونبر 1951، بادر الحزب إلى توجيه مذكرة احتجاجية حول الوضعية السياسية بالمغرب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وفي شهر أكتوبر من سنة 1952 أعاد الكرة من جديد.
وعلى إثر المشاركة الوازنة للحزب في إضراب 7 و8 دجنبر 1952 الذي عبرت من خلاله الطبقة العاملة المغربية وعموم الشعب المغربي عن إدانة عملية اغتيال الشهيد والقائد التونسي فرحات حشاد والتضامن مع الشعب التونسي الشقيق، صدر قرار بحل الحزب ومنع صحافته وطرد بعض قادته خارج المغرب. إلا أن نشاط الحزب مع ذلك لم يتوقف، بفضل تضحيات المناضلين، قيادة وقاعدة. وأمام قرار المنع، لجأت القيادة إلى العمل السري وعمد الأمين العام إلى خرق قرار نفيه خارج الوطن، فعاد سرا إلى المغرب لمواصلة النضال إلى جانب رفاقه، وتواصل إصدار جريدتي “إسبوار” و”حياة الشعب” وإن بشكل متقطع…
ولما أقدمت سلطات الحماية الفرنسية بالمغرب على عزل السلطان الشرعي سيدي محمد بن يوسف ونفيه خارج الوطن، أقبل المناضلون الوطنيون على خوض غمار المقاومة المسلحة السرية مكبدين الاستعمار والمتحالفين معه من المغاربة خسائر فادحة مادية وبشرية. وما كان لمناضلي الحزب الشيوعي أن يتخلفوا عن المساهمة في خوض هذه المعركة الحاسمة في تاريخ النضال الوطني. وقد روى المرحوم عبد الله العياشي في شهادته المشار إليها آنفا كيف واجه الحزب الموقف لما طرح على القيادة سؤال المشاركة في المقاومة حيث كتب: «أذكر بهذا الخصوص أني وباقي رفاقي أعضاء قيادة الحزب عبد السلام بورقية وعبد الكريم بنعبد الله .. حين بدأ عمل المقاومة المسلحة يظهر للوجود كنا نتداول في أمر الموقف الذي سنسير على هديه. ذلك أنه من المعروف أن لينين كان ضد العمل المسلح الفردي، وكان يقول إن على الشيوعيين أن يؤيدوا العمل الجماهيري وأن ينبذوا العمل الفردي. فصرنا في حيرة من أمرنا. فعاطفيا كنا مدفوعين لتأييد أعمال المقاومة، لكن لم يكن لذلك المبرر النظري الذي يؤطر عملنا. فقد أيدنا منذ البدء المقاومة المسلحة قبل أن نساهم فيها نحن أيضا. كنت أقول لنفسي دائما لابد أن شعبنا مؤيد للمقاومة ونحن الذين نعبر عن مواقفه لابد أن نؤيدها أيضا. لكن كيف السبيل إلى تجاوز ذلك التعارض مع مقولة لينين التي أشرت إليها آنفا.
ثم عثرت على مقال كتبه لينين وصدر في كراس يحمل عنوان: “La lutte des partisans” حيث يقول فيه: يجب أن نعرف ما هو العمل الجماهيري وما هو العمل الفردي؟ فالعمل الفردي يمكن أن تقوم به جماعة لكن إذا كان خارج الظروف التاريخية ومنبوذا من طرف الشعب، فهو عمل فردي ولو أدته جماعة ما. أما العمل الجماعي فيمكن أن يقوم به فرد واحد لكنه يعبر مع ذلك عن رغبة الجماعة. كان هذا التوضيح النظري كافيا. فنحن مع العمل المسلح ولو أن من يقومون به أفراد قليلون لأنه عمل جماهيري».
هكذا إذن انخرط المناضلون الشيوعيون في الكفاح المسلح، وكان لهم شرف المساهمة في صفوف منظمة الهلال الأسود جنبا إلى جنب مع مناضلين آخرين غير شيوعيين إلى أن تحقق الهدف الذي من أجله انفجرت المقاومة، فعاد السلطان سيدي محمد بن يوسف رضوان الله عليه من منفاه السحيق إلى فرنسا كمحطة أولى. وأبى إلا أن يخصص استقبالا لوفد الحزب الشيوعي المغربي، قال عنه المرحوم علي يعته: «قرأنا، مع محمد الخامس، في هذا اللقاء، سورة الفاتحة، كما رضي علينا وعن أعمالنا وأشاد بنضالنا ضد الاستعمار، وأغدق علينا بدعواته الكريمة بالخير والتوفيق، مؤكدا لنا بأنه لا يميز بين أبنائه العاملين لمصلحة الوطن العليا».
وما إن تم إعلان استقلال الوطن حتى انخرط الحزب في النضال من أجل بناء أسس الدولة الوطنية الديمقراطية منافحا عن مصالح وقضايا الجماهير الشعبية والطبقة العاملة، واكتوى شأنه في ذلك شأن باقي القوى الديمقراطية بنار القمع والتنكيل الذي ميز ما صار يعرف بسنوات الرصاص؛ إذ بعد المنع الذي صدر في حقه سنة 1959، اعتقل قادته علي يعته وعبد الله العياشي وعبد السلام بورقية سنة 1963 جراء موقفه المعارض لحرب الرمال بين المغرب والجزائر. وواجه الحزب الحملات القمعية المتواصلة باللجوء إلى العمل السري، وللتصدي للحملات المغرضة التي استهدفته، عمد قادة الحزب إلى تغير اسمه من “الحزب الشيوعي المغربي” إلى “حزب التحرر والاشتراكية” سنة 1968، ثم “حزب التقدم والاشتراكية” ابتداء من سنة 1974، وهو الاسم الذي يحمله إلى الآن بعد أن أضحى حزبا له حضور فاعل في المشهد السياسي المغربي بفضل استماتة مناضليه وتضحياتهم والتزامهم بالدفاع عن قضايا الوطن والمواطنين.
السيد الأمين العام ؛
الحضور الكريم ؛
إن من واجب الائتمان على الذاكرة الوطنية وعلى الموروث النضالي التاريخي التعريف بهما للأجيال الجديدة والناشئة التي من حقها علينا أن تتملك تاريخها وتتمثل أمجاد وروائع الكفاح الوطني، لتتقوى فيها الروح الوطنية ومنظومة القيم الوطنية والأخلاقية والإنسانية ومواقف ومسلكيات المواطنة الإيجابية.
ونحن في المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير نسعى ونحرص على صيانة ذاكرتنا الوطنية وتاريخنا الوطني الذي هو من أعز ممتلكاتنا كما كان يقول جلالته المغفور له الحسن الثاني، مثلما نعمل جادين ومجتهدين من أجل تثمين هذه الذاكرة التاريخية كمكون أساسي للتراث اللامادي ببلادنا كما أكد عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2016.
وإننا لنعتز بما احتوته موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير في مجلداتها العشرين (20) حاليا – كمشروع وطني مؤسس لحفظ الذاكرة التاريخية الوطنية منها والمشتركة مع شعوب شقيقة وصديقة – من بحوث ودراسات وتحاليل تعرف بنضالات ومسارات الماهدين للعمل الوطني والوطنيين والمؤسسين لحركة المقاومة وجيش التحرير ومنهم مناضلو الحزب الشيوعي المغربي وسير وتراجم صفوة من قادته ومؤسسيه وبناته، من بينهم على سبيل الإشارة لا الحصر المرحومون علي يعته، عبد السلام بورقية، عبد الله العياشي، أحمد الماضي، المهندس عبد الكريم بن عبد الله، مارسيل لامورو Marcel Lamoureux، المعطي اليوسفي، جرمان عياش، بنعمر لحرش القائد العسكري في حركة فييتمين Vietmine تحت اسم An Mah والإعلامي فرحات وغيرهم وهم كثر.
أخيرا، يجب أن نعترف بأن وثيقة المطالبة بالاستقلال التي قدمها الحزب الشيوعي المغربي لم تنل حظها من البحث والتحليل والتمحيص بل حجبتها لحين من الدهر ذاكرة النسيان وظلت مغيبة عن مجال ومجهود البحث التاريخي.
ولذلك، أرى من الصواب والإنصاف إحاطتها بما يجب من التوثيق والكتابة التاريخية والتدوين إلى جانب وثيقة 11 يناير 1944 التاريخية التي نستحضرها في ذكراها في كل سنة وإلى جانب أيضا وثيقة الحزب القومي، حزب الشورى والاستقلال، وكذا إلى جانب وثيقة الحركة الوطنية بمناطق الشمال لحزب الإصلاح الوطني وحزب الوحدة.
وفي تقديري، أنه من المفيد اقتراح تخصيص ندوة وطنية علمية وفكرية موسعة لمقاربة وتحليل الوثائق التاريخية الأربعة للمطالبة بالاستقلال الوطني.
وفقنا الله جميعا لما فيه خدمة الوطن وخير البلاد والعباد والنهوض بالبحث التاريخي والتوثيق لأعلام ونضالات وملاحم وبطولات أبناء الوطن وشرفاء ملحمة ثورة الملك والشعب والأسلاف الغر الميامين ليهتدي ويقتدي بهم الخلف من أجيال اليوم والغد “وما ذلك علينا بعزيز وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” صدق الله العظيم.
والسلام عليكم وحمة الله تعالى وبركاته.
بقلم: ذ. المصطفى الكثيري
* المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير