إنجاز بورتريه وصفي للمناضلة أمينة لمريني الوهابي، ليس بالأمر الهين، خاصة وانه يتعلق بامرأة من زمن كان النضال فيه جرما ، حيث كانت قوى الأمن تلاحق كل من يحمل أفكارا تنهل من القاموس الثوري والحقوقي فبالأحرى من اعتنق الأفكار التقدمية وانتمى لحزب سياسي تعرض مرارا للمنع واضطر زعماؤه لتغيير اسمه وتأسيس تجربة جديدة لعله يفلت من عيون الرقابة ولعل مناضلاته ومناضليه يفلتون من دهاليز الاعتقال .
أمينة لمريني امرأة متعددة الجبهات تتوزع بين السياسي والحقوقي ومواقع القرار بمؤسسة دستورية، انتمت لحزب التقدم والاشتراكية منذ السبعينات، وتمكنت من الوصول إلى أعلى جهاز تقريري فيه ألا وهو المكتب السياسي، حيث سارت على خطى القياديات اللواتي شاركن مرحلة تأسيس الحزب الشيوعي المغربي.
وصولها لهذا المركز لم يكن من باب التأثيث أو من باب مجاملة قدمها لها رفاق الحزب، بل من باب الكفاءة العالية ونكران الذات والفكر المتوقد الذي كانت تتمتع به كمناضلة مكنها من الانتماء لأعلى هيئة تقريرية في الحزب.
وفي خضم هذا المسار السياسي كعضوة بالمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية عملت لمريني على جعل قضايا المرأة ضمن أولويات الحزب، مستغلة الحمولة الفكرية لهيئتها السياسية والذي يتبنى هذا النهج منذ تأسيسه، حيث لعبت رفقة رفاق ورفيقات لها بالحزب دورا محوريا في التحضير لندوة وطنية حول المرأة سنة 1984، وإعداد تقرير في إطار اللجنة الوطنية للمرأة الذي ألقته المناضلة أمينة لمريني، وضمنته آنذاك النهج النضالي الجديد الذي خطه الحزب من أجل حقوق النساء، بقولها” إن الندوة ترسم دخول الحزب في مرحلة جديدة في سياق اهتمامه بقضية تنظيم المرأة وقيادة نضالها.
وبذلك لم يكن تنظيم هذه الفعالية من طرف الحزب نشاطا عاديا بل كان مؤسسا نحو أفق جديد سيكون فيه للمناضلة أمينة لمريني رفقة رفيقاتها ورفاق بالحزب دور كبير، حيث ما أن شارفت سنة تنظيم هذه الندوة على الانتهاء حتى تبادر للمريني ومجموعتها فكرة تأسيس جمعية نسائية والخروج بها من جبة إطار الهيئة السياسة، فكان أن تعمقت الفكرة لتنبثق عنها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب.
وتقول لمريني بهذا الخصوص وهي شهادة أدلت بها عند احتفاء الجمعية بيوبيلها الفضي أي مرور 25 سنة على تأسيسها” أنا من النساء اللواتي رافقن الجمعية منذ تأسيسها ،و كنت رئيسة أولى لها، فنحن كمؤسسات كنا ننتمي لأحزاب ونمارس السياسة و الجمعية تأسست بناء على ثقافة سياسية حزبية أي دون القطيعة على مستوى الأفكار والمبادئ والقيم التي نحملها من أجل كيفية تطوير وضع المرأة ،فكان الاقتناع لدينا أن ذلك يتم من خلال إطار جمعوي وجعل هدفها وشغلها خدمة القضية بغض النظر عن كل الاعتبارات” .
وتتذكر أمينة لمريني تلك الفترة، بتقديم المزيد من التوضيح حول فترة التأسيس “لا أقول أن عمل جمعية مستقلة هو عمل غير سياسي ،بل على العكس نحن هيئة حقوقية ذات مرجعية واضحة في هذا المجال،عملنا هو عمل سياسي ولكن كيف يمكن أن تقوم بعمل سياسي دون أن يتم في إطار حزبي ضيق له رهاناته ،فالأمر كان يتعلق بقضية سياسية وكان يجب تدبيرها .وقد عشت التجربة وكان علي معرفة كيفية تدبيرها اعتبارا لكوني مناضلة وعضوة بالجمعية وبحزب التقدم والاشتراكية ،وكل طرف كانت له اعتباراته في هذه الوضعية.
ولربما تمثل هذه المحطة ثاني أهم محطة في الحياة السياسية لأمينة المريني تأتي بعد وصولها إلى المكتب السياسي لحزب تقدمي كان يضم قامات كبيرة ورواد من الحركة اليسارية أساسا الحزب الشيوعي، قامات ليس فقط في النضال بل في طرح الأفكار وإبداع مقترحات للخروج من الأزمة التي كانت تعرفها البلاد اقتصاديا وسياسيا، والتي أصحبت لمريني ضمن هذه القامات، حيث تمكنت من تدبير مرحلة صعبة في بداية تأسيس الجمعية، إذ تؤكد لمريني في هذا الصدد، خاصة عن مسألة استقلالية الجمعية ” أن الفترة كانت صعبة التدبير وما يمكن قوله هو أن تدبيرها من الطرفين (وتعني به الحزب والمؤسسات للجمعية”تم بشكل جيد، وتدريجيا تمكنت الجمعية من بناء استقلاليتها ،حيث للجمعية حاليا صداقات مع جميع الهيئات والحركات الجمعوية والأحزاب السياسية والنقابات “.
المناضلة أمينة لمريني كانت ولازالت حادة في دفاعها عن المبادئ والحقوق الإنسانية للنساء، وهذا ما يترجمه المسار الذي خاضته بعد مرحلة تأسيس الجمعية، حيث انطلقت عبر هذا الإطار في طرح كل القضايا التي كانت من الطابوهات والتي تمس بحقوق النساء، وجعلت الجمعية نواة للحركة النسائية وطرفا محوريا على المستوى الوطني في كل نقاش أو ملف يخص الحقوق الإنسانية للنساء، حيث نزلت الجمعية بكل ثقلها في نهاية التسعينات لإطلاق مسار إصلاح مدونة الأحوال الشخصية والتي لم يكن من قبل أحد يجرأ على ذكر عبارة إصلاحها “.
وأثناء مسار ذلك الإصلاح جعلت لمريني الجمعية رفقة باقي الهيئات طرفا أساسيا يتفاعل ويترافع بكل قواه كلما خرج طرف ما يحاول التقليص من حظوظ هذا الإصلاح، أو يسعى إلى جعله شكليا جزئيا في محاولة لإبقاء الأمر على ما هو عليه”.
مسار أمينة لمريني لا يقف عند نواة الحركة النسائية، بل يمتد مرفرفا في آفاق أخرى أكثر شساعة، فبعد تسليمها مفاتيح رئاسة الجمعية لمناضلة أخرى، اتخذت حقوق الإنسان مجالا لنشاطها المكثف ، حيث لم تتوقف عن الاجتهاد في الترافع لصالح حقوق النساء، وهي حتى حينما يدعوها المجلس الوطني لحقوق الإنسان للمشاركة في أنشطته في إحدى نسخ المعرض الدولي للكتاب لتقديم قراءة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تختار مبدأ المساواة كتيمة محورية في عرضها”.
والزخم الحقوقي في مسارها تبدى بشكل جلي حينما تم اختيارها عضوة بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ولمريني بنفسها تؤكد الشغف الذي يحمل فكرها وروحها نحو حقوق الإنسان، حيث أكدت في أحد اللقاءات أنها حينما تذكر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تستحضر بقوة المادة الأولى من هذا الإعلان التي تنص ” جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق ، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء”، وذلك لكون هذه المادة لها علاقة وطيدة بجيلها في سنوات الشباب ، حيث يسري تأثير هذه المادة بنفس شاعري على جيلها، بل تمثل أحلام جيلها في سنوات السبعينات ، ” وأخذناه كمرجعية لنضالنا الحقوقي والسياسي والفكري ” وفق تعبير لمريني.
وقد ترجمت اعتناقها وإيمانها القوي بالحقوق الإنسانية ودراساتها الأكاديمية التي توجتها بالحصول على الدكتوراه في التربية وحقوق الإنسان، وبلورت ذلك بشكل فعلي ليس فقط حينما تولت رئاسة الجمعية الديمقراطية لحقوق النساء، أو مشاركتها في تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان أو خلال عضويتها بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بل قامت ببلورة ذلك بشكل جلي حينما تولت المهام على رأس الهيئة العليا للسمعي البصري وهي المهمة التي عملت خلالها على مراقبة مدى إعمال مقاربة النوع في البرامج الإذاعية والتلفزية والحرص على التنبيه إلى أي مظهر من مظاهر التمييز أو المساس بحقوق النساء أو أي فئة من المجتمع.
وتبقى أمينة لمريني التي لازالت تشع دينامية بالرغم من تفرغها من كل المهام الرسمية بسبب ظروفها الصحية، ويتبدى ذلك من خلال حرصها على حضور كل الأنشطة التي تخص القضايا المتعلقة بحقوق النساء، والتدخل لإبداء رأيها كلما تطلب الأمر ذلك، حيث لاتبخل على هذا المستوى، في تقاسم ما تملكته بحكم التجربة الغنية التي راكمتها والتي تجمع بين السياسي والجمعوي ومستويات اتخاذ القرار خاصة وانها كانت تقبض على دواليب هيئة دستورية.
فنن العفاني