احتضنت مدينة الدار البيضاء أيام 29 و 30 نونبر و 1 دجنبر 2024 النسخة الأولى من قمة الشباب النسوي، والتي نظمتها جمعية التحدي للمساواة والمواطنة والمركز الدنماركي للنوع الاجتماعي والمساواة، بمشاركة فعاليات وقيادات مدنية من شباب المغرب وتونس، تحت شعار “تعزيز تأثير النسويات الشابات في المغرب وتونس”، في إطار حملة 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة.
وأكدت المشاركات في هذه القمة على ضرورة التنسيق واستمرار التواصل بهدف تعزيز فرص النساء في الوصول للعدالة إقليميا ووطنيا ودوليا، على اعتبار أن قضية المرأة واحدة لا تتجزأ.
بشرى عبدو رئيسة جمعية المساواة للتحدي والمواطنة افتتحت اللقاء بمداخلتها التي تنص على المساواة الكاملة والتي من الضروري أن تكون بين الرجال والنساء في جل المجالات، كما تطرقت أيضا إلى المراحل التي نشأت خلالها الحركة النسائية بالمغرب، والتي ارتبطت منذ بدايتها بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كذلك، مؤكدة في مداخلتها على التحديات التي ناضلت من أجلها النسويات والتي تبنتها الأجيال السابقة والصاعدة في الآن نفسه.
من جانبها، صرحت آسيا مازوزي، منسقة مشاريع جمعية التحدي للمساواة والمواطنة لجريدة “بيان اليوم”، أن الهدف الرئيسي لهذه القمة هو تبادل الأفكار والتوجهات بين الشباب والشابات والناشطات النسويات على المستوى المغاربي، والتعاون المطلق بين مكونات الحركة النسائية الشابة في كل من المغرب وتونس بهدف المزيد من النضال في سبيل تحقيق الأهداف النسوية.
وقد تناولت الجلسات مجموعة من المواضيع أهمها رأي الحركات الشابة في طريقة نضال الحركات النسائية الكلاسيكية، والخطط المستقبلية التي تدرسها الشابات النسويات من أجل النهوض بالمساواة والعنف ضد النساء.
وفي هذا الصدد عرضت فاطمة الزهراء الخولاني الإدريسي، تاريخ تأسيس الحركة النسوية بالمغرب، حيث أوضحت أن حركة النضال النسائي المغربي تعود في الأصل إلى الأربعينيات من القرن الماضي، حيث اهتمت الأحزاب السياسية الأكثر حضورا بوضعية النساء، وكان الحزب الشيوعي المغربي، قد شكل في البداية فرعا تابعا للحزب الشيوعي الفرنسي في تلك المرحلة من تاريخ المغرب الخاضع آنذاك للاستعمار الفرنسي، حيث تم إنشاء “اتحاد نساء المغرب” الذي اهتم خصوصا بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية للنساء، وكان يقوم أيضا بعمل القرب مع نساء الطبقات الشعبية من خلال جمعية “نساء المغرب”، والتي تحولت بعد مرور عدة عقود إلى “الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب”، والتي لا تزال نشيطة لليوم.
وأضافت المتحدثة أنه حينما ضعف التوجه النسائي المرتبط بالأحزاب السياسية، تسلمت النساء النقابيات المشعل، وتركن أثرهن من خلال تأسيسهن لأول منظمة مستقلة للنساء وهي ” الاتحاد التقدمي لنساء المغرب” سنة 1960. ولم يظهر الجيل الثاني من الحركة النسائية إلا في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. وكانت هذه الحقبة مرحلة يقظة ووعي لهذه الحركة. ولقد قررت مناضلات أحزاب اليسار، واللواتي كن ماركسيات بشكل رئيسي، أن يتحكمن في مصيرهن فشرعن في تأسيس تنظيماتهن النسائية خارج الأحزاب السياسية.
من جهتها، أبرزت الدكتورة آمال القرامي التجربة التاريخية التونسية للمناضلات النسويات، فأوضحت من خلال عرضها أن تاريخ تونس حافل بالنضالات النسوية.
فبنظرة خاطفة إلى تاريخ النضال النسوي بتونس، تقول آمال القرامي، نكتشف أن الوعي النسوي والتنبيه إلى ضرورة الدفاع عن التمييز الجنسي في فضاءات العمل وداخل التنظيمات النقابية، جاء كنتيجة طبيعية في مجتمع لا يعترف بالمساواة بين الجنسين، بل ويتغاضى عن الأدوار التاريخية للنساء التونسيات في شتى المحطات التاريخية ومجالات الحياة، فالعرض أوضح أن الطالبات والمثقفات اللواتي التحقن بالتنظيمات النقابية والحزبية يصطدمن في كل مرة بمحيطهن العائلي وبيئتهن الاجتماعية والمهنية.
هذا ما جعلهن، تقول المتحدثة، يتمردن على الصور النمطية فرضا للمساواة مع زملائهن ورفاقهن من الرجال، في نفس الوقت، كن مطالبات بمحاربة الذهنيات المحافظة التي تختزل أدوارهن في قوالب جاهزة تتماشى مع نوعهن الاجتماعي داخل الهياكل التنظيمية التي ينشطن فيها.
وخلال العرضين المغربي والتونسي في إطار النضال التاريخي النسوي، برزت أوجه التشابه والاختلاف التي لفت لها العديد من المتدخلين في القاعة، حيث كانت أوجه التشابه تتمثل في تسليط الضوء على نساء ساهمن في تقدم مجتمعاتهن وتفكيك الصور النمطية حول المرأة العربية الخاضعة، ففي كلا البلدين كان هناك وعي متزايد حول أهمية التعليم والمساواة بين الجنسين وقد ساعدت الحركات النسوية في رفع الوعي حول حلول قضايا المرأة مثل الزواج المبكر، العنف الأسري، والميراث.
أما أوجه الاختلاف بين العرضين تتجلى في التشريعات، فتونس أكثر تقدما في تبني التشريعات التي تدعم حقوق المرأة، مثل قانون الأحوال الشخصية الذي ألغي تعدد الزوجات وحسن وضع المرأة في الطلاق والميراث، بينما كان المغرب أكثر تأثرا بالممارسات التقليدية، وهناك أيضا اختلاف في المشاركة السياسية، حيث تتمتع تونس بمشاركة نسائية أقوى في الحياة السياسية بفضل القوانين التي تشجع النساء على الترشح للمناصب، في حين أن المشاركة النسائية في المغرب كانت محدودة نسبيا حتى العقدين الأخيرين.
فالمغرب وتونس يشتركان في العديد من جوانب النضال النسوي، مثل الطموح لتحقيق المساواة وتمكين النساء في مجالات مختلفة، فإن تونس كانت أكثر تقدماً في ما يتعلق بالتشريعات الداعمة لحقوق المرأة، بينما كان المغرب أكثر محافظة في البداية. ورغم ذلك، تمكنت النساء في كلا البلدين من تحقيق إنجازات مهمة على مدار العقود الماضية.
وفي سياق متصل اعتبرت المحامية أسماء سليمية، منسقة قمة النسويات بتونس، أن القمة هي فرصة حقيقية للشبات النسويات التونسيات والمغربيات، من أجل خلق فضاء لتبادل الأفكار واستراتيجيات النضال النسوي، علاوة على تعريف النسوية حسب منظور الشابات، موضحة في تصريحها لجريدة “بيان اليوم”، أنه بالرغم من اختلاف مشارب الفئات المشاركة، لكن ما يجمعهن هو إيمانهن بالعمل النسوي ودفاعهن على المساواة وتأطير كذلك ضحايا العنف من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.
وانتهت أعمال القمة بتسليط الضوء على مدى انسجام عمل الحركة النسائية الشابة مع الحركات النسائية التاريخية من خلال تقارب الرؤى واستراتيجيات العمل والتأثير والنقاشات والتفكير العميق، وتقاسم التجارب الفضلى من تونس والمغرب إلى جانب تنظيم ورشات عمل ترمي للخروج باستراتيجية استباقية ناجعة للترافع في مختلف القضايا النسائية بالمغرب وتونس.
وعلى إثر ذلك انبثق عن التفكير الجماعي للشابات والشباب النسائي المشاركين في أعمال هذه القمة في يومها الثاني عدد من التوصيات كتنظيم لقاءات دورية بين الحركات النسائية بمختلف أطيافها الشابة لتبادل الخبرات وتعزيز التعاون والبناء على قاعدة مشتركة، بالإضافة لإنشاء منصات تشاركية رقمية للتنسيق بين الأجيال لتسهيل العمل وتبادل الأفكار، إلى جانب إشراك القيادات النسائية الشابة في البرامج والتدريبات التي تنظمها الجمعيات النسائية لتعزيز استدامة العمل النضالي.
كما خلصت إلى أهمية إعداد خطط ترافعية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأولويات المشتركة بين الحركات النسائية، ودعت المشاركات إلى توظيف وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة تأثير الحملات النسائية على السياسات العامة القائمة أو التي تعتزم السلطات العامة تنفيذها والتي قد تضرب في عمقها حقوق المرأة الكونية والضغط من أجل تسريع إصلاح القوانين التي تتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء، والتصميم المشترك لحملات توعوية مبسطة، بالإضافة إلى دعم مبادرات شبابية تعتمد على الفنون لنشر القيم النسائية، ثم التعاون مع الإعلام المحلي والدولي لزيادة التغطية الإعلامية للقضايا.
وختاما تأكد الشابات والشباب النسوي المشاركات والمشاركون في النسخة الأولى لقمة الشباب النسوي على عدم وجود أي قطيعة بين الحركات النسائية التاريخية التي راكمت رصيدا نضاليا معتبرا والتي تستمر إلى حدود اليوم في الترافع على قضايا المرأة في كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة وبين الحركة النسوية الشابة، ويجدد الشباب النسوي على هذا المستوى التأكيد على استعدادهم للتنسيق والعمل المشترك من داخل هذه الهياكل المنظمة والتي تيسر سبل الترافع المدني والمؤسساتي.
وقد توجت أشغال هذه القمة بثلاث لوحات فنية كاريكاتيرية من طرف الفنان علي غامر تجسد أشغال و نتائج هذين اليومين من النقاش والجدية .
وانبثق عن التفكير الجماعي للشابات والشباب النسوي المشاركات والمشاركين في أشغال هذه القمة التوصيات التالية:
• تنظيم لقاءات دورية بين الحركات النسائية بمختلف أطيافها الشابة لتبادل الخبرات وتعزيز التعاون والبناء على قاعدة المشترك.
• إنشاء منصات تشاركية رقمية للتنسيق بين الأجيال النسوية، بهدف تسهيل العمل المشترك ومشاركة المبادرات والأفكار .
• إشراك القيادات النسائية الشابة في البرامج والتدريبات التي تنظمها الجمعيات النسائية الاخرى لتعزيز استدامة العمل النضالي.
• إعداد خطط ترافعية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأولويات المشتركة بين الحركات النسائية والنسوية الشابة.
• توظيف التكنولوجيا (وسائل ووسائط التواصل الاجتماعي) لزيادة تأثير الحملات النسوية على السياسات العامة القائمة أو التي تعتزم السلطات العامة تنفيذها والتي قد تضرب في عمقها الحقوق المرأة الكونية.
• الضغط من أجل تسريع إصلاح القوانين التي تتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء.
• التصميم المشترك لحملات توعوية مبسطة تستهدف المجتمعات المحلية لتعريف عموم المواطنات والمواطنين بالمفاهيم النسوية بأسلوب قريب من الواقع الثقافي والاجتماعي.
• دعم مبادرات شبابية تعتمد على الفنون (مسرح، موسيقى، سينما) لنشر القيم النسوية بطريقة إبداعية وجذابة ومبتكرة.
• التعاون مع الإعلام المحلي والدولي لزيادة التغطية الإعلامية للقضايا النسوية وضمان وصول الرسائل إلى الجمهور الواسع.
< متابعة : هاجر العزوزي
< تصوير : طه ياسين شامي