إخراج ناضج وآخر ساذج

 أغلب المخرجين المغاربة يتولون بأنفسهم تأليف سيناريوهات أفلامهم، وحتى أولئك الذين يستعينون بكاتب سيناريو متخصص فإننا نجدهم في الغالب يقتسمون هذا العمل مع صاحبه أو يعمدون إلى تحويره بدون استشارة مؤلفه.

 في بعض الحالات يتسلم المخرج السيناريو من مؤلفه ويتعمد عدم الإشارة إلى اسمه في جينيريك الفيلم، مع أن السيناريو هو الفيلم في حد ذاته، الفرق بينهما أن الأول مخطوط على الورق والثاني مجسد بواسطة الكاميرا.

 هذا مجرد جانب من سلوكات العديد من المخرجين؛ التي باتت معهودة والتي لم يتم القطع معها بالرغم مما أثارته من جدل على مر السنين.

 حين مشاهدتنا لأفلامهم السينمائية، نستطيع أن نكتشف إلى أي حد كان هذا المخرج أو ذاك؛ ذكيا وناضجا، فيما الآخر كان غبيا إلى حد بعيد.

 لنأخذ على سبيل المثال مشهد العنف الجسدي. هل من الضروري أن يصور لنا المخرج أبطال فيلمه وهم يتبادلون الضرب حتى نفهم بأنه يريد التعبير عن مشهد يشتمل على عنف؟ بعض المخرجين المغاربة وغيرهم لا يزالون يمارسون هذا الأسلوب بالرغم مما راكموه من تجارب في فن الإخراج، ومنهم من تلقى هذه الحرفة في مدارس أوروبية لها صيت عالمي.

 مناسبة استحضار هذا الجانب من الإخراج السينمائي؛ الضجة التي أثارها مشهد من فيلم سينمائي لمخرج مغربي معروف، درس السينما في النرويج، وحاول تقديم إضافة نوعية للتجربة السينمائية المغربية.

ثارت ضجة بسبب تجسيد مشهد الاغتصاب بحذافيره.

 لكن بالرغم من أنه ليس من المستساغ عزل المشهد عن سياقه العام في الفيلم ككل، فإن تصوير المشهد السينمائي على هذا النحو ينم عن سذاجة. لقد كانت أمام المخرج عدة خيارات لنقل الفكرة بالدرجة نفسها من العنف والقسوة، وبالتالي الرقي بالعمل الفني. إلا أنه لجأ إلى الأسلوب السهل والمباشر.

 من البديهي أن يخلق هذا المشهد صدمة لدى العديد من المتلقين، إلى حد التعبير عن امتعاضهم الشديد.

 لكن تقديمه بمعزل عن الفيلم، لم يكن بريئا تماما، وفي اعتقادي أنه لو تم عرض الشريط من بدايته إلى نهايته، متضمنا ذلك المشهد، لما أحدث الأثر نفسه، وربما هناك من لن ينتبه إليه أصلا أو لن يعيره اهتماما كبيرا.

 في بداية الصناعة السينمائية، كان من المستساغ جدا تقديم مشاهد من قبيل العنف، بأسلوب مباشر، وكم استمتعت الجماهير بأفلام تغلب عليها مشاهد العنف، وحيث نجد طلقات النار أكثر من الكلمات الملفوظة في الفيلم.

 كان هذا النوع من الأفلام يحقق نجاحا كبيرا في إبانه، لكن في عصرنا الراهن، هل من المستساغ الاستمرار في نهج هذا الأسلوب في الإخراج رغم المراحل الكثيرة التي قطعتها السينما؟

 سيكون ذلك من السذاجة والغباء بكل تأكيد، هذا انطباعي الشخصي على الأقل.

عبد العالي بركات

Top