انعقدت بمدينة أكادير، الأسبوع الماضي، ورشة عمل للتشاور واستعراض خريطة طريق للتنوع البيولوجي في النظم الغذائية الزراعية بجهة سوس ماسة، وذلك في سياق مشروع “مبادرة إدماج التنوع البيولوجي في النظم الغذائية الزراعية لتنفيذ الإطار العالمي للتنوع البيولوجي “كونمينغ-مونتريال”( KUNMING-MONTREAL GLOBAL BIODIVERSITY FRAMEWORK) – منطقة سوس ماسة” الذي أطلقته وزارة الطاقة والتنمية المستدامة بدعم من الاتحاد الأوروبي و”الوكالة الفرنسية للخبرة الفنية الدولية”.
يهدف هذا المشروع إلى دعم التحول البيئي لأنظمة الأغذية الزراعية في جهة سوس ماسة من خلال التأكيد على تكامل التنوع البيولوجي، بما يتماشى مع أهداف إطار “كونمينغ-مونتريال” العالمي الجديد بشأن التنوع البيولوجي. وتطمح جهة سوس ماسة إلى أن تصبح نموذجا للتكامل الناجح للتنوع البيولوجي، وبالتالي تكون مصدر إلهام تحتذي به جهات أخرى في المغرب. وتساهم في الإستراتيجية وخطة العمل الوطنية للتنوع البيولوجي المستقبلية (NBSAP). وتأتي هذه الورشة استكمالا لورشة إطلاق المشروع التي تم تنظيمها في أكادير في 30 مايو 2024. وتهدف إلى عرض نتائج عمل المشروع، بما في ذلك الدراسات الاستقصائية للفاعلين، والتحليل القطاعي واقتراح خارطة طريق لإدماج التنوع البيولوجي في النظم الغذائية الزراعية بجهة سوس ماسة.
وشكلت الورشة فرصة جديدة للتشاور الجماعي والشامل لوضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق المقترحة والتدابير المصاحبة لها فيما يتعلق ببناء القدرات، نحو إدماج أفضل للتنوع البيولوجي في القطاع الفلاحي بجهة سوس ماسة.
استهلت خديجة السامي المديرة الجهوية للبيئة بجهة سوس ماسة الجلسة الافتتاحية للملتقى بكلمة تمحورت حول دواعي ومرامي إعداد خريطة طريق تدمج التنوع البيولوجي في النظم الزراعية والغذائية بجهة سوس ماسة، ورغبة وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في دعم البرنامج. والمساهمة في استعادة وحماية النظم البيئية الزراعية والطبيعية من خلال تشجيع إعادة زراعة الأنواع المحلية وإنشاء مناطق محمية.
وتحدثت السامي عن سبل تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة من خلال مراعاة التنوع البيولوجي وتقليل التأثير السلبي على البيئة، وإشراك الفاعلين المحليين في تدبير التنوع البيولوجي مع ضمان تنميتهم الاجتماعية والاقتصادية.
وأكد التهامي بنحليمة أن الحاجة الآن ملحة للبحث عن حلول للمحافظة على البيئة والتنوع البيولوجي والتنمية المستدامة بشكل عام بالجهة، كما أن التنوع البيولوجي باتت ذات أولوية على المستوى العالمي من أجل ضبط التوازن لكوكب الأرض، ومساهمة كل فرد أساسية لضمان استمرارية هذا التوازن من حيث الموارد ومنع التدهور على المستوى البيئي، وكذا وجوب إدراج المحافظة على التنوع البيولوجي في المجال الزراعي.
وعرض رضوان الوافي عن مكتب للدراسات مختلف محاور خارطة الطريق التي تتضمن تفاصيل إدماج التنوع البيولوجي في النظم الغذائية الزراعية لجهة سوس ماسة من مختلف الزوايا والأبعاد، ووفق دراسة تشخيصية دقيقة ومقترحات علمية تتوافق مع خصوصيات الجهة.
واستعرض الخبير موحا حدوش ملخصا نتائج تحديات التشخيص والفرص والفجوات لدمج التنوع البيولوجي في النظم الغذائية الزراعية، كما تناول مقترحات تحديد احتياجات بناء القدرات لتنفيذ خارطة الطريق بمقاربة علمية وإجرائية تروم استحضار مختلف الرهانات والمؤهلات، لتعقبها تفاعلات المشاركين والفاعلين في القطاع الفلاحي بجهة سوس ماسة حول التشخيص والنتائج المتعلقة بإدماج التنوع البيولوجي بجهة سوس ماسة.
وتدارس المشاركون وفق مجموعات موضوعاتية مختلف الأفكار والتصورات لتعديل خارطة الطريق واحتياجات بناء القدرات، كما قدموا توصيات ومبادئ توجيهية للتنفيذ الفعال على المستوى الجهوي. ثم تم تقديم ملخص المناقشات والتوصيات للخطوات المستقبلية.
وينعقد هذا اللقاء مع الفاعلين الزراعيين بجهة سوس ماسة في سياق استعراض نتائج عمل المشروع، بما في ذلك الدراسات الاستقصائية للفاعلين والتحليل القطاعي واقتراح خارطة طريق لإدماج دقيق للتنوع البيولوجي في المنظومة الفلاحية الجهة.
وتعتبر الزراعة نظام إنتاج رئيسي له تأثيرات كبيرة على النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي. وتعتبر العناصر المختلفة المستخدمة في النظم الزراعية، مثل الحيوانات والنباتات والكائنات الحية الدقيقة، ضرورية للتنوع البيولوجي. ومع ذلك، فإن الطلب المتزايد على الغذاء يؤدي إلى زيادة فقدان التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، مما يسلط الضوء على أهمية التدبير المستدام في المغرب. وتتغيا الورشة رفع وعي المشاركين بالتحديات والفرص وخصوصيات جهة سوس ماسة. وتم وضع خارطة طريق لتكامل التنوع البيولوجي ووضع التوصيات والمبادئ التوجيهية وخطة العمل لتنفيذها بنجاح، كما تم تحديد الاحتياجات من حيث بناء القدرات والتدريب واقتراح سبل عمل ملموسة للنظر بشكل أفضل في موضوع تكامل التنوع البيولوجي في الدورات الجامعية والمهنية.
وأطلع الخبير موحا حدوش المشاركين على النتائج المبدئية والتي تتجلى في التشخيص الواضح والموثق للتحديات والفرص والفجوات المتعلقة بدمج التنوع البيولوجي في النظم الزراعية والغذائية في المنطقة. وتناقش المشاركون حول خارطة الطريق المتفق عليها بالجهة، والتي تم التحقق من فعاليتها من قبل المشاركين وتقديم توصيات دقيقة لتنفيذها، فضلا عن تشخيص الاحتياجات لبناء القدرات والتدريب على دمج التنوع البيولوجي في نظم شركات الأغذية الزراعية في المنطقة، واقتراح سبل عمل ملموسة لتحقيق ذلك، ثم تحسين العرض التعليمي، وفق تأثيرات متوقعة من حيث زيادة قدرات الفاعلين في القضايا المتعلقة بمجال المحافظة، وكذا زيادة الإرادة السياسية والتشاور بين الجهات الفاعلة في الجهة من أجل التكامل الناجح.
وتعتمد الزراعة في جهة سوس ماسة على خدمات النظام البيئي على مستوى المياه، والتربة الخصبة، والتلقيح، في إنتاجيتها. ومع ذلك، فإن بعض الممارسات الزراعية المكثفة لها آثار سلبية على التنوع البيولوجي، مثل التلوث وتآكل التربة وفقدان التنوع الجيني.
وهناك فرص لزراعة أكثر استدامة في المنطقة، بما في ذلك استخدام الممارسات التقليدية مثل الزراعة المختلطة والأصناف المحلية، التي تعزز التنوع البيولوجي. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات، مثل الاعتماد على الأصناف المستوردة ونقص الوعي بالممارسات الزراعية الإيكولوجية. ولذلك فلا مناص من إشراك المعنيين في القطاع لتشجيع التحول نحو زراعة أكثر استدامة، والتي تحافظ على التنوع البيولوجي مع ضمان الأمن الغذائي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.
وكشفت المشاورات مع الفاعلين بالقطاع عن وعي متزايد بأهمية التنوع البيولوجي للزراعة. ويتمتع المزارعون التقليديون، على وجه الخصوص، بمعارف قيمة موروثة عن أسلافهم في مجال الحفاظ على التنوع البيولوجي. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات، لا سيما فيما يتعلق باعتماد الممارسات الزراعية المستدامة، والوصول إلى الموارد، والتنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة.
وحللت الدراسة المنجزة بالتفصيل القطاعات الزراعية الرئيسية في المنطقة، مع التمييز بين الإنتاج المكثف المخصص للتصدير من قبيل الخضراوات المبكرة، والفواكه الحمراء، والحمضيات، والإنتاج الغذائي المتمثل في الحبوب، والتشجير، والنباتات العطرية والطبية، والمنتجات الزراعية. ومن خلال فحص قطاعي الإنتاج الحيواني (تربية الماعز) وتربية النحل بشكل منفصل.
وتم تناول كل من الزراعة الحديثة من مختلف الجوانب والتزام بعض الشركات بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية للتخفيف من آثار الممارسات الزراعية الأحادية والمكثفة. ومواجهة الزراعة التقليدية للتحديات الاقتصادية ونقص الدعم، ثم تحديد تعزيز المنظمات المهنية واعتماد نماذج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كأدوات لاستدامتها.
وتتمحور خارطة الطريق المقترحة حول ثلاثة محاور استراتيجية متكاملة تتجلى في تعزيز صمود القطاعات الزراعية الحديثة المخصصة للتصدير بشكل أساسي للمساهمة في تحقيق الحياد الكربوني، ومن خلال اعتماد الاقتصاد الدائري وتعزيز الحد من النفايات، وإعادة استخدام الموارد وإعادة التدوير، ثم محور مكافحة تغير المناخ الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتحسين كفاءة الطاقة واعتماد الحلول القائمة على الطبيعة، ومحور الحد من استخدام المبيدات الحشرية تشجيع استخدام المبيدات الحيوية والأسمدة الحيوية وطرق المكافحة المتكاملة للآفات.
ومن أجل استدامة القطاعات الزراعية التقليدية، في إطار نماذج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، يتطلب حفظ واستعادة التنوع البيولوجي، وإنشاء مناطق محمية، وتنشيط الممارسات التقليدية مثل “أكدال”، واستعادة الموارد المتدهورة، وتعزيز الزراعة الإيكولوجية والنظام البيئي والاجتماعي وتشجيع الممارسات الزراعة المستدامة، ودعم المنظمات المهنية، وتطوير النماذج الاقتصادية التضامنية. وكذا حماية النحل الأصفر عبر وضع ميثاق التلقيح، وخطة للرحل، وتدابير الحماية ضد الأنواع الغازية، والحفاظ على الموارد الجينية عبر إنشاء بنك جينات جهوي، وتشجيع الحفاظ على الأنواع البيئية المحلية.
وتضمنت الدراسة كذلك خلق بيئة مواتية لدمج التنوع البيولوجي في سلاسل القيمة الغذائية الزراعية من خلال التدابير المؤسسية والتنظيمية، وتيسير الحوارات السياسية بشأن التنوع البيولوجي وتعبئة الموارد، في إطار مؤسسي وتنظيمي متين، مع وضع القوانين والمعايير والحوافز التي تشجع الممارسات الزراعية التي تحترم التنوع البيولوجي. وهكذا يستوجب فتح حوار سياسي من خلال إنشاء منصات للمناقشة وفضاءات مشتركة، حيث يمكن للقادة السياسيين والمزارعين وشركات الأغذية الزراعية والباحثين والمجتمع المدني مناقشة القضايا المتعلقة بالتنوع البيولوجي، فضلا عن تعبئة الموارد والحوافز الاقتصادية عبر تخصيص موارد مالية عامة وخاصة لدعم أبحاث التنوع البيولوجي، وتدريب المزارعين على الممارسات المستدامة، وتنفيذ مشاريع الاستعادة البيئية والتوعية العامة. وتناولت خارطة الطريق، مخرجات الدراسة، جانب بناء القدرات من خلال التدريب المستمر في مجال التنوع البيولوجي.
وقد تم تقديم هذه الدورات التدريبية المتنوعة تنشد تعزيز القدرات المحلية والممارسات المستدامة، مما رفع مستوى الوعي بقضايا التنوع البيولوجي واعتماد ممارسات صديقة للبيئة في المنطقة. وسيستمر ذلك من خلال التدريب ورفع الوعي ونشر الدروس المستفادة، فضلا عن تبادل الخبرات مع البرامج والمشاريع الأخرى الجارية. ويتطلب تنفيذ خارطة الطريق حوكمة قوية وشراكات فعالة بين مختلف الفاعلين من المؤسسات العامة والمنظمات المهنية والشركات والمنظمات غير الحكومية والمجتمعات المحلية. ويقترح إنشاء هيئة تنسيق إقليمية لضمان التنسيق ورصد الإجراءات.
وتفتح خارطة الطريق آفاقا واعدة لمستقبل الفلاحة بجهة سوس ماسة. ومن خلال دمج التنوع البيولوجي في النظم الغذائية الزراعية، ستتمكن المنطقة من تعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة التغيرات العالمية، والحفاظ على تراثها الطبيعي والثقافي، وضمان التنمية الاقتصادية المستدامة والعادلة.
ولضمان نجاح تحقيق خارطة الطريق، يتطلب التزاما سياسيا قويا واستثمارات مالية كبيرة وتعاونا وثيقا بين مختلف الجهات الفاعلة. وهناك العديد من الفوائد المحتملة تتضح جليا في كون الزراعة ستكون أكثر صلابة في مواجهة التغيرات العالمية، والحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي الاستثنائي، وتنمية اقتصادية أكثر استدامة وإنصافا لمنطقة سوس ماسة، وستتوافق مع الاستراتيجيات الوطنية.
ومن أجل دمج التنوع البيولوجي بشكل فعال في القطاع الزراعي الجهوي، تم تطوير خارطة الطريق تتماشى مع الاستراتيجية الزراعية الوطنية (الجيل الأخضر)، والاستراتيجية الوطنية الجديدة للتنوع البيولوجي، فضلا عن الإطار العالمي للتنوع البيولوجي وأهدافه. وستعمل خارطة الطريق على دمج مبادئ الاستدامة في الممارسات الزراعية، وتعزيز النمو الاقتصادي العادل والإدارة الفعالة للموارد الطبيعية، على النحو الموصى به في الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، وستسهم في تحقيق أهداف الخطة الوطنية للمناخ 2020 -2030 التي تهدف إلى إرساء أساسيات التنمية منخفضة الكربون والقادرة على الصمود في وجه تغير المناخ.
ولتنفيذ خارطة الطريق يستلزم نهج خطة عمل تنحو نحو تعزيز صمود القطاعات الزراعية الحديثة المخصصة للتصدير بشكل رئيسي، للمساهمة في تحقيق الحياد الكربوني من خلال إجراءات وتدابير وقائية متعددة. واعتماد مبادئ الاقتصاد الدائري في أفق 2026 بما يتماشى مع استراتيجية الاتحاد الأوروبي. وتنفيذ خطط الإدارة المستدامة للموارد المائية ووضع خطط مستدامة لإدارة النفايات من قبل جميع المصدرين. ثم التقليل إلى أدنى حد من عواقب تغير المناخ وخفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى النصف بحلول عام 2035 لتحقيق الحياد الكربوني في عام 2050، عبر إجراء عمليات تدقيق وتحسين كفاءة الطاقة ونجاعتها. ثم تقليل استخدام المبيدات الحشرية بنسبة 50 في المائة على الأقل، من خلال تنفيذ خطة استخدام المبيدات الحيوية والأسمدة الحيوية والإدارة المتكاملة للأمراض انكلاقا من سنة 2030، هذا فضلا عن استدامة المحافظة على البيئة من خلال التجديد البيولوجي في نموذج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وضمان الحفاظ على ما لا يقل عن 30 في المائة من مناطق التنوع البيولوجي الرئيسية بشكل فعال.
- محمد التفراوتي