الأحزاب الشيوعية في العالم العربي

لعبت الأحزاب الشيوعية في العالم العربي دورا مهما في نشر الفكر التحرري، من خلال تكسير حواجز المجتمع التقليداني الذي كانت ولا زالت تشهده الدول العربية، من حيث الهيمنة الذكورية، وتركيز السلطة في يد أيديولوجيات فكرية واقتصادية معينة..
ومن هذا المنطلق، ظلت الأحزاب الشيوعية العربية وإلى اليوم، تدافع عن الشعوب العربية وتناضل إلى جانبها، من خلال تأطير الاحتجاجات والمسيرات المطالبة بالاستقلال، الحرية، العدالة الاجتماعية، والكرامة.. أو العمل على إحداث تغييرات تكتونية من داخل المؤسسات الدستورية للدول، التي توجد بها بعض الأحزاب التقليدية.
واهتماما من بيان اليوم بالموضوع، ارتأت الجريدة أن تسلط الضوء على تجربة الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، من خلال هذه الزاوية الرمضانية، التي سنقف من خلالها عند شذرات من تاريخ، ومنجزات وتجربة هذه الأحزاب، بالإضافة إلى الأهداف والمشاريع النضالية والفكرية والاقتصادية التي لا زالت تناضل لأجلها حاليا.

لبنان 2/1

التزام..

تأسس الحزب الشيوعي اللبناني، بتاريخ 24 نونبر 1924، وذلك عقب اجتماع عقده عمال ومثقفون في أحد ضواحي بيروت، ومن بين هؤلاء العمال فؤاد الشمالي، الذي كان قد اكتسب تجربة شيوعية في مصر، والمثقف الاشتراكي يوسف إبراهيم يزبك.
أطلق على الحزب في البداية اسم “حزب الشعب” وأصدروا جريدة بعنوان: الإنسانية، ولم تتم صلته بـ “الكومنترن” إلا عام 1927، سنة انتسابه إليه وتغيير اسمه من حزب الشعب إلى الحزب الشيوعي اللبناني.
وجاءت ولادة هذا الحزب، نتيجة ظروف النضال التحرري العربي العام، بعد التخلص من السيطرة العثمانية، حيث حلت السيطرة الإمبريالية الفرنسية والإنكليزية محل العثمانيين، حيث ارتبطت هذه السيطرة الجديدة مع برنامج بعض فئات الإقطاع والبرجوازية التجارية اللبنانية.
وتؤكد وثائق التأسيس، أن الحزب الشيوعي اللبناني، نشأ دون أي تدخل خارجي مباشر، بل بعملية تطور داخلية هادئة وطويلة نسبيا، تلبية لطموحات عناصر متقدمة الوعي من العمال والمثقفين.
كان الحزب الذي أسس في ذلك اليوم، رسميا، حزبا للشيوعيين على امتداد المنطقة العربية التي أخضعت للانتداب الفرنسي، أي الجمهوريتين الحاليتين، اللبنانية والسورية، ولواء الأسكندرون الذي قايضه الفرنسيون، عام  1939، بامتناع تركيا عن دخول الحرب لجانب ألمانيا.
والحزب الشيوعي اللبناني من بين أقدم الأحزاب في لبنان. وهو يتميز بأنه يضم في صفوفه مناضلين من مختلف الطوائف اللبنانية ومن الأقليات القومية الموجودة في لبنان، ولا سيما أكبرها، الأقلية الأرمنية، علاوة على انتشاره في كل المناطق والمدن اللبنانية.
وكانت الغاية من تأسيس الحزب، هي تقويض النظام الرأسمالي – الاستعماري، وإنشاء النظام الاشتراكي على أنقاضه، حيث كان يرى أن الاشتراكية هي الهدف الأساسي والنهائي في نضاله، من أجل تحرير سوريا (أي سوريا ولبنان)، من الاستعمار الفرنسي، ومن عملائه والمتعاونين معه في الحكومات في دمشق وبيروت.
بالإضافة إلى تلبية مطالب العمال بثماني ساعات عمل، وحد أدنى للأجور، وتأمين الشروط الصحية في أماكن العمل، والضمان الاجتماعي على حساب الرأسماليين والحكومة، ثم تخصيص تعويضات للعاطلين عن العمل تفي حاجات المعيشة حسب عدد أفراد العائلة، وإنذار العمال قبل صرفهم، ودفع شهر تعويض للعامل المصروف عن كل سنة عمل، وإعطاء العامل إجازة سنوية لا تقل عن الشهر مع دفع كامل أجرته.
من هنا، شكلت هذه المطالب قاعدة كفاح الطبقة العاملة في لبنان وسوريا طوال عقود، بالرغم من عدم تحقق بعضها بصورة قاطعة، وهذا الأمر يوضح كم كان نضج الحزب وارتباطه بواقع علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج قد أصبح متطورا…
ونتيجة لهذه المواقف، دفع الحزب ثمنا باهظا، حيث تعرض قادته لحكم الإعدام وللسجن، كما عطلت إحدى صحفه “صوت الشعب” ومنعت من الصدور. ولم يرفع الحظر عن الشيوعيين ولم تعد جريدة “صوت الشعب” إلى الصدور، إلا بعد أن طردت من لبنان وسوريا السلطات الفرنسية الموالية لحكومة فيشي لتحل مكانها سلطات موالية للجنرال ديغول ولجنة الجزائر.

> إعداد: يوسف الخيدر

Related posts

Top