الاتفاق على تشكيل حكومة ليبية جديدة يصطدم بالأجندات الخارجية

عاد السجال الحاد إلى الساحة السياسية الليبية بعد إعلان أعضاء مجلسي النواب والدولة المجتمعين في العاصمة المصرية القاهرة توافقهم على تشكيل حكومة جديدة واحدة انطلاقا من الحرص المشترك لأعضاء المجلسين على عملية سياسية يمتلكها الليبيون وتيسّرها البعثة الأممية لتجاوز حالة التعثر.
ورحّب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بالاتفاق، ووصفه بالخطوة الإيجابية على الاتجاه الصحيح، معلنا البدء في إجراءات تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة وفقا للإعلان الدستوري وتعديلاته، لكن فاعلين سياسيين يرون أن اتفاق القاهرة سينتهي إلى الفشل كما حدث مع توافقات سابقة، وأن تداخلات داخلية وخارجية تتحكم في مسارات المشهد السياسي الليبي بالشكل الذي يخدم مصالحها وليس الذي يرضي رغبات مجلس النواب أو بعض أعضاء مجلس الدولة.
وأعلن أعضاء مجلسي النواب والدولة، الخميس الماضي، توافقهم على تشكيل حكومة جديدة واحدة من خلال دعوة مجلس النواب لفتح باب الترشح، والشروع في تلقي التزكيات ودراسة ملفات المترشحين لرئاسة حكومة كفاءات بقيادة وطنية تشرف على تسيير شؤون البلاد.
وشددوا على ضرورة التمسك بضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وفق القوانين المتفق عليها، والصادرة عن مجلس النواب، والعمل على استمرار توسعة دائرة التوافق، بالإضافة إلى تكثيف الجهود لإنهاء حالة الانقسام السياسي والمؤسساتي الذي يزيد من استشراء الفساد والتدهور غير المسبوق للأوضاع المعيشية للمواطن.
واتفقوا على تقديم مقترح خارطة الطريق من قبل أعضاء المجلسين باعتباره المسار الأساسي لاستكمال باقي الاستحقاقات الضرورية للوصول إلى الانتخابات، داعين المجتمع الدولي لدعم التوافق الوطني واحترام إرادة وسيادة القرار الوطني، ووحدة وسلامة التراب الليبي، مؤكدين أهمية المصالحة الوطنية ودعم السلم المجتمعي للوصول إلى الاستقرار وبناء الدولة المدنية الحديثة.
كما توافق الأعضاء على ضرورة استمرار الحوار الوطني الليبي المباشر، معلنين رفضهم مبدأ الاستيلاء على السلطة بفرض الأمر الواقع، داعين القوى الوطنية والأحزاب السياسية والشعب الليبي لدعم هذه الجهود، لاستعادة أمن ووحدة البلاد واستقرارها.
وبحسب المراقبين، فإن البيان الختامي لاجتماع القاهرة تحول إلى بارقة أمل بين أبناء الشعب الليبي بإمكانية تجاوز النفق والانطلاق نحو مرحلة العمل على تحقيق الحل السياسي، وخاصة من خلال توحيد مؤسسات الدولة وتنظيم الانتخابات وطيّ صفحة الصراع.
وأكد عضو مجلس النواب إسماعيل الشريف أن الاجتماع الموسع الثاني لأعضاء مجلسي النواب والدولة الاستشاري، انعقد في القاهرة بحضور أكثر من 120 عضوا من المجلسين.
وقال إن الاجتماع شهد توافقا كبيرا، وأن المقترحات لخارطة الطريق جاهزة للتوافق عليها من المجلسين بشكل أوسع، من خلال تقديم الطلبات لتشكيل الحكومة من خلال تزكيات من المجلسين والتصويت عليها في مجلس النواب، مردفا “ستكون هناك تفصيلات للمقترحات قريبا، ونعمل حاليا على مقترحات لتوحيد المؤسسات المنقسمة في كل ليبيا”.
وينتظر أن ينظر مجلس النواب في فحوى الاتفاق خلال جلسته القادمة ليعلن بعد ذلك عن فتح باب الترشحات لمنصب رئيس الحكومة الجديدة التي ستحل محل الحكومتين الحاليتين المتنافستين على إدارة شؤون البلاد.
وأبرز عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة أن “مجلسي النواب والدولة توافقا على قوانين الانتخابات عبر لجنة الـ6+6 وصدرت القوانين وهي واضحة انتخابات رئاسية وبرلمانية، غير أن الأطراف التي لا تريد الانتخابات هي ربما تلك التي تريدها بطريقة غير ما يرغب بها الشعب الليبي المسجل في تقديم الانتخابات لرغبتهم في إنجاز الانتخابات”، بحسب قوله.
لا أحد من القوى الخارجية يرغب حاليا في تنظيم انتخابات رئاسية في ليبيا، ولا في تكريس الديمقراطية التي قد تأتي إلى سدة الحكم بشخصيات جدلية غير مقبولة خاصة من الدول الغربية
وأضاف أن “هناك أطرافا لا تريد انتخابات رئاسية أصلاً لكن كل المسارات بدأت باتفاق الصخيرات في المغرب، وحوار جنيف وكانت تهدف إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية واتفق مجلس النواب والدولة على إنجاز القوانين وكانت تحديا كبيرا أمام المجلسين وتوافقا تماما، لافتا “بعد ذلك نعلم أن هناك أطرافا معرقلة داخلية وخارجية لم يرق لها هذا، جاءت بمحمد تكالة على رأس مجلس الدولة ليعرقل هذه القوانين من أطراف خارجية لا تريد انتخابات بل يريدون تنصيب حكومات موالية لها وتحقق مصالحها”.
وأوضح أوحيدة أن “مجلس النواب بالكامل مع القوانين وباركها ومقتنع أنها أفضل ما يمكن الوصول إليه، ومجلس الدولة أغلبه معه، وهناك رسالة مفادها ألاّ مخرج من هذا المأزق الذي تواجهه البلاد إلا بالانتخابات، حيث يكون القرار للشارع الليبي وحده”، لافتا إلى “وجود اتفاق على أن تكون الحكومة القادمة حكومة تكنوقراط ومصغّرة وهدفها الأول الإشراف على الانتخابات ومدتها محدودة وعلى أنه لا يمكن إنجاز انتخابات بحكومتين منفصلتين لذلك نصت خارطة الطريق على التوافق على حكومة موحدة ونعلم أن الأمور تعرقلها أطراف داخلية وخارجية”، وفق تعبيره.
وفي ما أكد النائب عبدالمنعم العرفي أن الضغط من كل جانب على عبدالحميد الدبيبة وحكومته سيضطره إلى مغادرة منصبه، تؤكد أوساط ليبية مطلعة أن الموضوع ليس بهذه السهولة، وأن الدبيبة يمارس سلطة الأمر الواقع، وهو يحظى إلى حد الآن بدعم عدد من الدول العربية المهمة وتركيا وعدد من العواصم الغربية، كما أن واشنطن ترى أن استبعاده من المشهد لم يحن بعد، وقد يكون إلى حد الآن الأقدر على تأمين المصالح الأميركية في مواجهة التمدد الروسي في شرق البلاد وجنوبها.
وترى الأوساط ألاّ أحد من القوى الخارجية يرغب حاليا في تنظيم انتخابات رئاسية في ليبيا، ولا في تكريس الديمقراطية التي قد تأتي إلى سدة الحكم بشخصيات جدلية غير مقبولة خاصة من الدول الغربية التي يتهمها جانب مهم من المجتمع الليبي بالوقوف وراء أزمة البلاد المتفاقمة منذ العام 2011.
وبحسب محللين، فإنه من الصعب قبول مجلس الدولة الخاضع لتأثيرات الدبيبة والمرتبط بأجندة تيار الإسلام السياسي لاتفاق القاهرة، حيث سيعتبر أن الاتفاق الذي حصل مع مجلس النواب قادته كتلة التوافق الوطني ومن ورائها الرئيس السابق للمجلس خالد المشري الذي يطمح إلى الترشح لتشكيل الحكومة الواحدة. كما أن هناك شبه توافق بين الليبيين على أن قرارات الحرب والسلام والانتخابات ليست بيد الأطراف الداخلية وإنما خاضعة للتوازنات الدولية.

Top