بلا شك أن المواكب لحركة النشر والكتاب في الوطن العربي وفي المغرب، يلمس لدى الدكتور جميل حمداوي حضورا وازنا في ساحة الإنتاج المعرفي، من خلال ما نشره من كتب وأبحاث غطت مجالات معرفية متنوعة؛ فنون الأدب، النقد الأدبي، الفلسفة، السينما، المسرح، الصورة، التربية والتعليم، الفقه، وغيرها من المجالات.. ولم يتقيد اهتمام الدكتور جميل حمداوي بالبحث في هذه المجالات ضمن الدائرة الوطنية فحسب، بل وسع مجال بحثه ليشمل أقطارا عربية أخرى مثل تونس والمملكة العربية السعودية وغيرهما. أمام هذا الأفق الموسوعي المفتوح الذي اختار الدكتور جميل حمداوي أن يرتاده، وأن يشتغل من خلاله لم يكن أمامنا من خيار إلا أن نستهل معه حوارنا بالسؤال التالي:
> ما الذي يغري الدكتور جميل حمداوي بالاشتغال ضمن رؤية موسوعية تهتم بمجالات معرفية متنوعة؟ وهل من سند إبستمولوجي أو غيره يقوم عليه هذا الاختيار؟
< فعلا، أشتغل ضمن رؤية موسوعية على غرار النهج الذي سار عليه رواد الثقافة العربية الإسلامية في العصور الوسطى، أمثال: الفارابي، وابن سينا، والغزالي، وابن رشد، وغيرهم. ومن ثم، فالأديب الحقيقي هو الذي يأخذ من كل فن بطرف. وأكثر من هذا فالناقد أو الباحث الفذ والمتميز هو الذي ينفتح على مجالات معرفية متعددة، كما يبدو ذلك جليا عند العلامة محمد عابد الجابري، أو عند الباحث المغربي الدكتور محمد مفتاح الذي يستعين، في دراسة النصوص والخطابات الأدبية، بالفيزياء، والبيولوجيا، والكيمياء، والرياضيات، والمنطق، والإعلاميات، والفلسفة، واللسانيات، والتداوليات، والموسيقا، وغيرها من العلوم. ومن ثم، لا يمكن للناقد المعاصر أن يذهب بعيدا بتخصص معرفي واحد، في زمن تتراكم فيه المعلومات والمعارف والمعطيات والبيانات ، وتتسع النصوص والخطابات رحابة، وتتعدد الأجناس والأنواع والفنون وتتشذر تنويعا وتنميطا وتصنيفا. وبالتالي، فمن الصعب أن يتكيف الناقد المتخصص مع هذه المستجدات المعرفية في كل حقل أو مجال معرفي وعلمي من منظور أحادي التخصص. ويمكن أن نقبل التخصص، بشكل من الأشكال، في مجال الطب والتكنولوجيا والعلوم الدقيقة، ولكن لا يمكن قبولها في مجال الآداب والإنسانيات.
فلابد من الانفتاح على كل المعارف والحقول الثقافية لتعميق الإدراك النظري، وتوسيع التطبيق العملي، وأيضا من أجل إغناء النص الأدبي بمقاربات جديدة، بعد أن أصبحت المقاربات العروضية والنحوية والبلاغية قاصرة – الآن- في الإحاطة بالنص الأدبي.ولابد للناقد الموسوعي من جهاز إبستمولوجي متعدد لاستكناه عمق النصوص وتأويلها، وتنويع هذا المستند من نص إلى آخر. ولا يمكن الحديث عن ناقد متميز وناجح وفذ في غياب الفلسفة والمنطق من جهة، وغياب العلوم الإنسانية والتجريبية والدقيقة من جهة أخرى.
> يرى البعض أن الاشتغال ضمن الرؤية الموسوعية في زمن التخصصات الدقيقة، يمثل مدخلا من مداخل التبسيطية والسطحية، خاصة مع تنوع المجالات المعرفية التي كتب فيها الدكتور جميل حمداوي، فما الذي يجعل اختيارك يصمد أمام هذا النقد؟
< صحيح أن الموسوعية، في كثير من الأحيان، تسقط صاحبها في السطحية والتبسيط، ولكن الباحث الذي يحترم نفسه يمكن أن يأتي بالجديد في ضوء هذه الموسوعية، فيمكن أن يستخدم الفلسفة والمنطق في تحليل النصوص، كما يظهر في كتابي(من علم المنطق إلى منطق التخييل). ويمكن الاستعانة بالفيزياء في مقاربة الظواهر النصية والأدبية، كما يبدو ذلك واضحا في كتابي (العوالم الممكنة بين النظرية والتطبيق) الذي طبقنا فيه المقاربة الكوسمولوجية. ولكن بشرط واحد هو أن يستوعب الباحث الموسوعي ما يقرؤه ويكتبه، ويأتي بالجديد من لحظة إلى أخرى.
وقد يمر الباحث، طبعا، في بداية مساره بالتعلم والتلمذة، فينتقل إلى التجريب، ثم ينتقل توا إلى الإبداع بعد ذلك.
> يمثل الدكتور جميل حمداوي نموذج المثقف المؤمن إيمانا عميقا بالتنوع في ظل الوحدة، فأنت مواكب للإبداع المشرقي والمغربي، ومتتبع للتعبيرات الثقافية الوطنية باللسانين العربي والأمازيغي.. فما سر هذا الإصرار القوي وما مسوغاته؟ وكيف يترجم الدكتور جميل هذا الإيمان العميق على مستوى ما يثري به المكتبة العربية والمشهد الثقافي عموما؟
<لا أحب الانغلاق في سياج ماهو محلي وجهوي ووطني، أريد دائما الاشتغال ضمن رؤية موسوعية من جهة، ورؤية كونية من جهة أخرى. وقد وعدت الله أن أخدم ثقافتي المحلية، والثقافة الجهوية، والثقافة الوطنية. دون أن أنسى خدمة أمتي والإنسانية جمعاء حسب إمكانياتي المتواضعة، مهما كانت كتاباتي بسيطة، أو ضعيفة، أو مستجدة. وقد انطلقت من مبدإ أساسي هو العطاء، فالعطاء، ثم العطاء. ومن ثم، اخترت سياسة تقريب دراساتي وكتبي من التلاميذ والطلبة والمدرسين بغية إيصال رسالتي التنويرية، بأسلوب بيداغوجي بسيط وواضح وسهل، يعتمد على ثلاثية منهجية (المقدمة، والعرض، والخاتمة)، وطرح الأسئلة، واحترام منوال منهجي أكاديمي يتوحد في جميع دراساتي وأبحاثي وكتبي. ومن ثم، فلا أحب التعمق المبهم، أو الغموض المتغلغل في الأشياء، أو التعقيد في كتاباتي؛ لأن هدفي هو مراعاة أفق انتظار قارئي المفضل، وتحقيق حاجياته المعرفية والوجدانية والذهنية والمنهجية. ومن ثم، لا أكتب للمتخصصين إلا نادرا، بل همي الوحيد هو تنوير الناشئة وفق رؤية بيداغوجية واضحة وهادفة وبناءة.
>باعتبارك أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، كيف تقيم الوضع التعليمي بالمغرب وبالوطن العربي؟ وما مداخل إصلاح المنظومة التربوية المغربية خاصة؟
< للتعليم المغربي إيجابيات وسلبيات. وإذا كانت الحسنات معروفة في تحقيق بعض المخرجات الإيجابية التي تتمثل في تكوين الناشئة المتعلمة، والحد من الأمية. فالسلبيات تتمثل في هيمنة النظري على حساب التطبيق والتجريب. ناهيك عن الفصل بين ماهو نظري وعملي. أضف إلى ذلك عدم اهتمام الدولة بقطاع التعليم على أساس أنه قاطرة للتنمية والتحديث والتصنيع. بل تعده عبئا ثقيلا يستنزف ميزانية الدولة ليس إلا. لذا، أهملته لتهتم بقطاعات أخرى، كالقطاع العسكري، والانشغال الأمني، والاستثمار الصناعي. ومن السلبيات الأخرى التي يعانيها التعليم المغربي، تراجع جودة المؤسسات العمومية، وتفشي ظاهرة الهذر المدرسي، وغياب الكفاءة المهنية، وانعدام الضمير المهني، والاهتمام بالكم على حساب الكيف. ناهيك عن انتشار العنف في المؤسسات التربوية، وغياب التحفيز المادي والمعنوي، وعدم مسايرة المستجدات في مجال التكنولوجيا والإعلاميات والعلوم الإنسانية، وإخضاع التعليم لما هو سياسي وحزبي ونقابي. ومن ثم، لا يمكن تحقيق النجاح والتميز التربويين إلا بتطبيق البيداغوجيا الإبداعية. فما المقصود – إذاً- بهذه البيداغوجيا؟يقصد بالنظرية الإبداعية، في مجال البيداغوجيا، أن يكون المتعلم أو المتمدرس مبدعا قادرا على التأليف والإنتاج ومواجهة الوضعيات الصعبة المعقدة، بما اكتسبه من تعلمات و خبرات معرفية ومنهجية. ولا يفهم من البيداغوجيا الإبداعية تغيير المقررات المدرسية شكلا ومضمونا فقط، واستبدالها من حين لآخر، بل تعني تقديم التعلمات والخبرات بطريقة إبداعية نشطة، توصل المدرس أو المتعلم معا إلى تحقيق الأهداف المرجوة. ويتحقق ذلك باقتراح مجموعة من المحتويات والأنشطة والطرائق الديدكتيكية الملائمة والمناسبة لنمو المعلم وتفتقه معرفيا ووجدانيا وحسيا- حركيا1. أي: بمساعدة المتعلم على إظهار قدراته الكفائية والنمائية، وتوظيف ملكاته توظيفا جيدا، وتفتيق مواهبه الواعية واللاواعية، والسماح له بإظهار مشاعره وأهوائه ورغباته وميوله الوجدانية بكل حرية وعفوية وتلقائية، ومساعدته على تحقيق التوازن النفسي والعضوي والجسدي. وهذا كله من أجل تحقيق النجاح المدرسي2 وتتجلى الإبداعية التربوية في الاختراع، والاكتشاف، وتركيب ما هو آلي وتقني، وتطوير ما هو موجود ومستورد من الأشياء، وإخراجها في حلة جديدة، وبطريقة أكثر إتقانا ومهارة وجودة. ولا بد أن يكون ما هو مطور قائما على البساطة والمرونة والفعالية التقنية والإلكترونية وسهولة الاستعمال. ويرى عبد الكريم غريب أن البيداغوجيا الإبداعية هي “الأنشطة والعمليات المنظمة التي يقوم بها المتعلم لأجل ابتكار أفكار أو اكتشاف أشياء تتميز بتفردها.”3 ومن هنا، فالبيداغوجيا الإبداعية ثورة أو قطيعة تربوية، أو بمثابة براديغم تربوي (un paradigme) جديد، يحدث قطيعة مع التربية الكلاسيكية، أو التربية التقليدية التي تقوم على الثبات، والتقليد، والمحاكاة، والاجترار، والمحافظة على القواعد. وبالتالي، فالإبداع هو تطوير البرديغمات العلمية، والانزياح عما هو قديم وتقليدي. وتخضع التصورات والنظريات التربوية للتطور والتغير والقطائع الإبستمولوجية والثورات على غرار النظريات العلمية المفاجئة، ضمن ما يسمى بالبراديغمات(Paradigmes) أو النماذج العلمية ويعني هذا أن التربية، بصفة عامة، تتغير بتغير البراديغمات والنماذج والأنساق البيداغوجية والديداكتيكية والعلمية والسيكواجتماعية نظرية وتطبيقا وممارسة ووظيفة. بمعنى أن التحول التربوي يتحقق بفعل تغير النظريات والنماذج والبرديغمات العلمية التي تظهر من حين لآخر، كما يثبت ذلك توماس كوهن في كتابه (بنية الثورات العلمية)4. أي: تتغير الأنساق التربوية بتغير البراديغمات والنماذج والنظريات والمناهج والافتراضات العلمية. ومن ثم، تستند البيداغوجيا الإبداعية إلى الذكاءات المتعددة، وامتلاك الكفاءة المهارية، والتسلح بالقدرات الذاتية التعلمية في مواجهة أسئلة الواقع الموضوعي، بتشغيل ما يدرسه المتعلم في مقطع دراسي، ويستوعبه في السنة الدراسية، أو يكتسبه عبر امتداد الأسلاك الدراسية من أجل التكيف مع الواقع، والتأقلم معه إما محافظة، و إما تغييرا. ويمكن الاستعانة بالسكولوجيا المعرفية لمساعدة المتعلم على إيجاد أفكار جديدة، ودفعه إلى تشغيل عقله وذكائه بطريقة إيجابية بغية طرح أفكار بديلة، وتقديم تصورات وآراء ومقترحات غير مسبوقة، وتشجيعه على النقد البناء الهادف. وفي الوقت نفسه، يمكن الاستعانة أيضا بالسيكولوجيا السلوكية لتغيير سلوكيات المتعلم من الأسوإ نحو الأحسن والأفضل، أو مساعدته على تمثل السلوك الإبداعي في حياته اليومية. وهنا، يمكن الحديث عن تقويم إبداعي يرصد ملكة الإبداع لدى المتعلم على المستوى المعرفي والذهني، أو على المستوى السلوكي، أو على مستوى المواقف والميول والاتجاهات النفسية والوجدانية والانفعالية، أو على المستوى الحسي- الحركي. أي: يرصد التقويم الإبداعي كل التحولات التي تنتاب المتعلم، ويستجلي كل مظاهر التحول والتغير والتجديد والتحديث لدى المتعلم على مستوى التفكير، واللغة، والعمل، والسلوك.ومن هنا، فالبيداغوجيا الإبداعية – حسب لوبار هي التي تظهر قدرة المتعلم على إنتاج إنشاء جديد، وفق سياق معين، أو وضعية ما5. وبالتالي، تسهم في خلق الفوارق الفردية الإيجابية.وتتأسس الإبداعية التربوية على أربعة عوامل أساسية هي: العوامل المعرفية: تتمثل في قدرة المتعلم على طرح أفكار جديدة، وتوظيف ملكته الكفائية بشكل إيجابي، والقدرة على التطبيق، والتحليل، والاستنتاج، والتقويم، والانتقاء، والمقارنة؛ أو القدرة على التفكيك والتركيب؛ أو القدرة على الفهم والتفسير والتأويل؛ عوامل الإثارة: تتعلق بتفرد شخصية المتعلم فكريا، ووجدانيا، وحسيا-حركيا؛ وتميزه عن أقرانه الآخرين بالذكاء والموهبة والخلق، وتفرده بآرائه وميوله ورغباته واتجاهاته النفسية؛ واستعمال أساليب متميزة في المعرفة والتحفيز؛العوامل الوجدانية: تتعلق بالجوانب الشعورية والذاتية والانفعالية والعاطفية التي تحفز المتعلم على الإبداع والابتكار والتجديد والتميز معرفيا وعلميا وأدبيا وفنيا وتقنيا؛ عوامل المحيط: تسهم عوامل المحيط والوسط، كالأسرة، والشارع، والمدرسة، والجامعة… في تكوين الفرد المبدع من جميع النواحي النفسية والمعرفية والسلوكية، ونجاحه في الحياة الدراسية أو المهنية أو الإبداعية، إما بطريقة مباشرة، وإما بطريقة غير مباشرة6وتسعى البيداغوجيا الإبداعية إلى خلق فضاءات صفية دراسية ملائمة، تساعد المتعلم على تحقيق توازن نفسي ووجداني وانفعالي إيجابي بغية الخلق والإنشاء والإبداع والاكتشاف والابتكار. ولا ينبغي أن تكون المدرسة حجرة عثرة أمام تقدم المتعلم، أو تضع المتاريس أمامه لمنعه من التقدم أو النمو السيكولوجي والمعرفي، أو تعيقه عن الإبداع المدرسي، أو تمنعه من إظهار قدراته النمائية العادية أو الخارقة7 وما يمكن للمدرسة الإبداعية أن تفعله هو أن تحد من الانفعالات الزائدة أو الطائشة لدى المتعلم، فتشجعه على إظهار العواطف والمشاعر الوجدانية الإيجابية المثمرة والهادفة والبناءة. وتعتمد البيداغوجيا الإبداعية على تحليل النصوص وفهمها وتفسيرها وتأويلها، و القدرة على استنباط معانيها السطحية و الثاوية في العمق. وقد تتجاوز الإبداعية هذا المفهوم التحليلي النصي إلى تقديم تصورات فكرية نسقية جديدة حول الإنسان و المعرفة و الكون و القيم ، تضاف إلى الأفكار الفلسفية الموجودة في الساحة الثقافية. و يمكن أن تكون الإبداعية هي تجريب نظريات و فرضيات علمية جديدة، و الإدلاء بأطروحات منهجية و معرفية تسعف الإنسان أو الدولة في استثمارها للصالح العام. ويمكن أن تكون الإبداعية في مجال الفن برسم لوحات تشكيلية، ونحت مشخصات تنم عن تصورات حديثة، أو إخراج فيلم أو مسلسل أو مسرحية فيها الكثير من الإضافات الفنية الجديدة. ومن ثم، فالإبداعية نظرية تربوية ثورية سامية ومتطلعة، تهدف إلى تربية التلميذ تربية إبداعية ومهارية وملكاتية، و تعويده على الخلق و الإنتاج و الإبداع و الابتكار والاختراع والتجديد والتطوير و التركيب والتأليف، بعد الابتداء بالحفظ وتقوية الذاكرة، والاستعانة بعمليات التدريب و التمرين والمحاكاة، و تمثل المعارف السابقة المخزنة في الذاكرة، و تفتيقها أثناء مواجهة الوضعيات الجديدة في الواقع الميداني والنظري والافتراضي. ويمكن أن تكون الإبداعية التربوية فردية أو جماعية. وكلما كانت جماعية، وفي إطار فريق تربوي، كانت أحسن وأفضل؛ بسبب ما يترتب على ذلك من مردودية كمية وكيفية مثلى، وما لها من نتائج إيجابية ومثمرة ذات أثر فعال في نفسية كل عضو من أعضاء الفريق. ولكن لابد من قائد يدبر أمر هذا الفريق، ويكون أكثر كفاءة وحماسة وتحفيزا ورغبة في الإبداع والابتكار والاكتشاف والإنتاج والخلق. وقد تكون تلك الإبداعية التربوية أيضا شفوية أو كتابية أو بصرية. وقد تكون كذلك نظرية أو عملية، أو تكون ذهنية أو وجدانية أو حسية حركية. وتختلف هذه الإبداعية التربوية من مجال إلى آخر، فتكون إبداعية لغوية ولسانية، أو إبداعية أدبية، أو إبداعية فنية، أو إبداعية فلسفية، أو إبداعية علمية، أو إبداعية تقنية. وتتكئ النظرية الإبداعية التربوية على مجموعة من الأسس والمرتكزات، ومن أهمها: استقلالية شخصية المتعلم، والبحث عن الأفكار والتصورات والنظريات والآراء الجديدة، والسعي الدائم وراء التحديث والتجديد، و استعمال التكنولوجيا المعاصرة والثقافة الرقمية8، وتفادي التكرار والاجترار، والابتعاد عن استنساخ ما هو موجود سلفا، واستيعاب الثورات العلمية والبرديغمات، والاستفادة من القطائع التي تحدث على جميع المستويات المعرفية والإنتاجية، وتجنب أوهام الحداثة الشكلية والزائفة بالمفهوم الأدونيسي9، واعتماد حداثة حقيقية وظيفية بناءة وهادفة، تنفع الإنسان في صيرورته التاريخية والاجتماعية. ولن تتحقق هذه الحداثة إلا بالتعلم الذاتي، وتطبيق البيداغوجيا اللاتوجيهية أو المؤسساتية أو الملكاتية، والاسترشاد بنظرية الذكاءات المتعددة، والاستعانة بالبيداغوجيا الفارقية، وتمثل تربية القيم والمواطنة وحقوق الإنسان، ودمقرطة الدولة وكل مؤسساتها التابعة لها. ويعني هذا أن البيداغوجيا الإبداعية لن تنجح في الدول التي تحتكم إلى القوة والحديد، وتسن نظاما ديكتاتوريا مستبدا؛ لأن الثقافة الإبداعية هي ثقافة تغييرية راديكالية ضد أنظمة التسلط و القهر والجور.
ولا يمكن الحديث أيضا عن النظرية الإبداعية إلا إذا كان هناك تشجيع كبير لفلسفة التخطيط والبناء والتدبير، وإعادة البناء والاختراع والاكتشاف، وتطوير البحث العلمي، وتنمية القدرات الذاتية والمادية من أجل مواجهة كل التحديات. ومن الشروط التي تستوجبها النظرية الإبداعية الاحتكام الدائم إلى الجودة الحقيقية كما وكيفا حسب المقاييس العالمية؛ تلك التي حيث الجودة لا يمكن الحصول عليها إلا بتخليق المتعلم والمواطن بصفة خاصة، والمجتمع بصفة عامة.
ويعد الإتقان من الشروط الأساسية لما هو إبداعي؛ لأن الإسلام يحث على إتقان العمل، ويحرم الغش والإثراء غير المشروع. ولا بد من ضبط النفس أثناء التجريب و الاختبار، و تنفيذ المشاريع العلمية والتقنية، مع التروي في إبداعاتنا على جميع الأصعدة والمستويات والقطاعات الإنتاجية، والاشتغال في فريق تربوي متميز كفاءة ومهارة وحذقا وكياسة، والانفتاح على المحيط العالمي قصد الاستفادة من تجارب الآخرين، والمساهمة بدورنا في خدمة الإنسان كيفما كان.
علاوة على ذلك، لابد أن يكون التعليم الإبداعي منفتحا على محيطه، وفي خدمة التنمية المحلية والجهوية والوطنية و القومية والإنسانية. هذا، وترفض النظرية الإبداعية التقليد المجاني والمحاكاة السائبة العمياء، والاتكال على الآخرين، واستيراد كل ما هو جاهز، واستبدال ذلك كله بالتخطيط العقلاني والمدبر، وإنتاج الأفكار والنظريات الناجعة والمثمرة، بالتفكير في الماضي والحاضر والمستقبل، وتمثل التوجهات البراغماتية العملية المفيدة، بشرط تخليقها لمصلحة الإنسان بصفة عامة. وينبغي أن ينصب الإبداع كذلك على ما هو أدبي، وفني، وفكري، وعلمي، وتقني، ومهني، وصناعي، وإعلامي، في إطار نسق منسجم ومتناغم ومتكامل لتحقيق التنمية الحقيقية والتقدم و الازدهار النافع لوطننا و أمتنا.
ومن المعلوم، أن الدول الغربية لم تتقدم إلا بتشجيع الحريات الخاصة والعامة، وإرساء الديمقراطية الحقيقية، وتشجيع العمل الهادف، وتحفيز العاملين ماديا ومعنويا. ومن ثم، تعد فكرة التشجيع والتحفيز، وتقديم المكافآت المادية والرمزية، والاعتداد بالكفاءة الحقيقية، من أهم مقومات هذه البيداغوجيا العملية الحقيقية، ومن أهم أسس التربية المستقبلية القائمة على الاستكشاف و الاختراع والابتكار.
أضف إلى ذلك أن الاقتصاد العالمي هو اقتصاد تنافسي بامتياز، يفرض على الشعوب أن تعنى بالتعليم من أجل تكوين الموارد البشرية المؤهلة، وتوفير الأطر الكفأة، وتكوين العمال وفق أحدث الأنظمة التقنية المعاصرة. ويستوجب هذا كله أن يكون التعليم إبداعيا، يركز على الكيف، والتنوع، وتنمية الملكات والقدرات الإبداعية لدى المتعلم تعلما وتكوينا وتطبيقا.
وقد سعت مجموعة من الدول الغربية، بالخصوص، منذ سنوات الألفية الثالثة، إلى تمثل المقاربة الإبداعية في مجال التربية والتعليم والديدكتيك لتجويد التعلمات لدى المتمدرس، والبحث عن الجديد، ومساعدته على الخلق والإبداع والابتكار، ومواجهة الوضعيات الصعبة والمعقدة، وتطوير الإبداع الذكائي، بجعل المتعلم أمام وضعيات سياقية خارجية شائكة للتثبت من مدى قدرته على التكيف والتأقلم والتمثل والاستيعاب والتجديد وحل المشاكل. ويعني هذا أن البيداغوجيا الإبداعية هي بيداغوجيا المركز، والجودة، والتنافس، والهيمنة، والتميز، والمردودية، والتدبير، والتخطيط، والتسيير، وتحقيق الاكتفاء، وزيادة الإنتاج، وتصدير المنتج كما وكيفا.
> كتابات الدكتور جميل حمداوي في مجال التربية والتعليم كثيرة ومتنوعة (البحث التربوي مناهجه وتقنياته/ تدبير العملية التعليمية التعلمية/ التصورات التربوية الجديدة/ من قضايا التربية والتعليم/ من مستجدات التربية الحديثة والمعاصرة/ الكفايات والجودة التربوية/ ديداكتيك الأنشطة التربوية في التعليم الأولي…) أمام هذا الزخم من الدراسات والأبحاث نتساءل ما أبرز الإضافات النوعية التي حملتها كتاباتك في المجال؟ وما تقييم الدكتور جميل حمداوي للبحث التربوي في المغرب؟
< تهدف كتاباتي التربوية إلى تزويد المتعلم أو المدرس بمجموعة من المعارف والمعلومات والتقنيات والمقاربات والمناهج لاستخدامها في مجال البحث التربوي، كما يبدو ذلك في كتابي (مناهج البحث التربوي). ثم إمداده بآليات الإحصاء الوصفي والاستنتاجي كما في كتابي (الإحصاء التربوي). ولم أكتف بماهو تعريفي فقط، بل قدمت بعض الاجتهادات كالتعريف بنظرية الملكات لدى محمد الدريج وتنزيلها في الواقع التربوي. ثم تقديم تصور تربوي جديد سميناه بالبيداغوجيا الإبداعية. ثم التعريف بالمرشد التربوي. فضلا عن تقديم تصور جديد حول القراءة المسرحية، والقراءة الوسائطية أو الميديولوجية.علاوة على مجموعة من الكتب الموجهة إلى أطر الإدارة التربوية والمدرسين المتدربين في مجالات مختلفة ومتنوعة. وما يلاحظ على البحث التربوي أنه نظري بامتياز، وليس تطبيقيا أو ميدانيا؛ لأن هذا يتطلب إمكانيات مادية ومالية وبشرية. ناهيك عن غياب التحفيزات المادية والمعنوية على مستوى المؤسسات المسؤولة عن قطاع التربية والتعليم. وفي المقابل، نشيد بما يقدمه الدكتور أحمد أوزي، والدكتور محمد الدريج، والدكتور مصطفى محسن، والدكتور عبد الواحد الفقيهي، والدكتور عبد الكريم غريب، وغيرهم…فقد بذلوا جهودا جبارة لتطوير البحث التربوي بالمغرب، كل واحد في مجاله.
> يلاحظ المواكب لما يكتبه الدكتور جميل حمداوي افتتانا واضحا بالسيميوطيقا (سيميوطيقا التلفظ/ سيميوطيقا الصورة/ سيميوطيقا العوالم الممكنة/ سيميوطيقا الثقافة/ السيميوطيقا بين النظرية والتطبيق/ سيميوطيقا الذات/ سيميوطيقا التوتر..) فما سر هذا الافتتان؟ وهل يرتاح الدكتور جميل حمداوي لاختيار نظري ومنهجي محدد في مجال النقد؟
< صحيح، أنا مفتتن بالسيميوطيقا إلى درجة العشق. فالعصر الذي نعيش فيه هو عصر العلامات والرموز والإشارات والأيقونات، كما قال رولان بارت في حديثه عن إمبراطورية العلامات التي يقصد بها اليابان التي تعتمد كثيرا على منطق العلامات.
ومن هنا، فقد دعوت إلى مسرح سيميائي في مجال الدراما الركحية. وجربت مجموعة من المقاربات والتصورات السيميوطيقية في كتبي. وبالتالي، فقد عرفت القارئ العربي بسيميوطيقا التوتر، لأول مرة، في الساحة الثقافية العربية. وأبوح لكم سرا، فقد كنت جاهلا بآليات السيميائيات واللسانيات حتى دعوت الله في سجودي أن يعرفني بأسرار هذين العلمين، وقد استجاب الله لي مشكورا. وبعد مدة، ألفيت نفسي أنهل من المراجع الأجنبية، وأستفيد من السيميائيين المغاربة والعرب، أمثال: سعيد بنكراد، ومحمد الداهي، وعبد المجيد النوسي، وعبد الحميد بورايو، والسعيد بوطاجين، ومحمد مفتاح، وحنون مبارك، وأنور المرتجي، وسمير المرزوقي، وجميل شاكر، وموريس أبو ناضر، وسعيد يقطين، ومصطفى الشاذلي، وعبد الفتاح كيليطو، والطائع الحداوي، وعبد اللطيف محفوظ، وعبد الرحيم جيران، ومحمد البكري، وغيرهم كثير.. ولكن أفضل تنويع مقارباتي ومنهجياتي في القراءة والوصف والتحليل والتقويم، فأنتقل ، كالفراشة التي تبحث عن رحيقها، من مقاربة إلى أخرى، أنتقل من المقاربة الميكروسردية إلى السيميوطيقا، وأنتقل من المقاربة الكوسمولوجية إلى المقاربة الميديولوجية أو الوسائطية. وأنطلق أيضا من المقاربة. اللسانية .
> يسجل الكثير من المهتمين بمجال النقد الأدبي اتساع الفجوة بين النقد والمتلقي، فما سر هذا الجفاء؟ هل العطب في تحول الوظيفة أم في الاختيارات المنهجية أم في شيء آخر؟
< تعود المشكلة في ذلك إلى الكتابة التي يستخدمها النقاد في وصف النصوص، وميلهم إلى التعقيد والإبهام والغموض، ولاسيما في أثناء انطلاقهم من المقاربة السيميوطيقية، أو أية مقاربة نقدية حداثية أخرى، ولاسيما اللسانية والتداولية والحجاجية منها، فنجد هؤلاء النقاد المتنطعين يترجمون النظريات النقدية الغربية، دون أن يكيفوها مع خصائص اللغة العربية؛ مما يؤدي ذلك إلى نفور القارئ، وابتعاده عن الدراسات السيميائية واللسانية المعاصرة، ويكتفي بما هو واضح وبسيط وسهل. وأستثني من هذا ما يكتبه محمد مفتاح وعبد الفتاح كيليطو على سبيل الخصوص.
> كثيرا ما يلجأ الدكتور جميل حمداوي إلى النشر الإلكتروني، لماذا هذا الاختيار؟ وهل يمثل سبيلا لتجاوز أزمة النشر والتوزيع بالوطن العربي وبالمغرب على وجه الخصوص؟
< هذا سؤال رائع ووجيه ومهم. فالكتاب المغربي يعرف صعوبات على مستوى الطبع والنشر والتوزيع. فمساحة النشر ضيقة جدا مرتبطة بالمساحة الوطنية. لذا، لابد من تسويق الكتاب خارج الحدود المغربية من أجل تحقيق الانتشار، وفتح مجال الحوار والتواصل، وتبادل المعارف بين أشقائنا العرب، مع السعي الجاد إلى اختراق هذه المساحة العربية نحو ماهو عالمي وكوني. ومن هنا، فقد اعتمدت – شخصيا- على سياسة مزدوجة تعتمد على النشر الورقي من جهة، والنشر الإلكتروني من جهة أخرى. والسبب في ذلك هو تحقيق الانتشار العربي، وإثبات الذات معرفيا وعلميا، وتعريف المتلقي العربي بالكتابات المغربية. ولم يتحقق هذا الهدف إلا بتقديم كتبي ومقالاتي ودراساتي مجانا لتحميلها من قبل القراء العرب؛ لأن الحياة لن تعطيك شيئا حتى تعطيها ما لديك من علم يستفيد منه الآخرون. وفي الحقيقة، كان اهتمامي بشؤون الوطن والأمة على حساب أسرتي الصغيرة والكبيرة. ويعني هذا أني أعطيت للآخرين أكثر مما أعطيته لنفسي وأسرتي. فكان همي أن أؤدي الرسالة بكل ما أوتيت من قوة وجهد وإخلاص. وأعترف أني كنت أرتكب كثيرا من الأخطاء والهفوات في ما أكتبه.
لأني كنت متيقنا أن الذي يكتب الكثير يخطئ كثيرا، وأن الإنسان يتعلم من الأخطاء. وقد تلقيت، في هذا الصدد، انتقادات كثيرة منذ التسعينيات من القرن الماضي إلى يومنا هذا؛ إذ كانوا يعيبون علي موسوعيتي وسطحيتي وسذاجتي، والانتقال من مجال إلى آخر. بل هناك من منعني من الخوض في مجال المسرح، ربما لأني لم أكن حاصلا على دكتوراه في المسرح، أو لأسباب أخرى أفهم البعض منها، وأجهل الأخرى. ومنعني أهل السينما في بلدي من الخوض في هذا المجال، بعد أن سيجوه بجدران إسمنتية صلبة في وجه الآخرين . ومنعني كذلك نقاد السعودية من الخوض في أدبهم على أساس أني مغربي، وهاجموني هجوما شرسا. لكني صبرت وتجلدت وفرضت نفسي بشكل إيجابي إلى يومنا هذا. وعليه، لا يمكن للباحث أن يثبت ذاته إلا بالجمع بين النشرين الورقي والإلكتروني، ومجايلة الشباب والكتاب والقراء الصاعدين، وتفهم رغباتهم وميولهم واتجاهاتهم الذهنية والنفسية والاجتماعية لتحقيق نوع من التواصل الفعال والهادف والبناء. *هل يوفر النشر الرقمي نسبة مقروئية أكبر مقارنة بالنشر الورقي؟- نعم، هذا صحيح. فالنشر الإلكتروني يسهل على الآخرين عملية الاطلاع على كتبي ودراساتي وأبحاثي بسرعة مقارنة بماهو ورقي الذي ينحصر فيما هو محلي، وجهوي، ووطني، ولا يتعدى ذلك إلى ماهو خارج الوطن. ومن ثم، فكتاباتي، الآن، معروفة في معظم الدول العربية والإسلامية. بل تعتمد مقررات في كثير من الجامعات والكليات والمعاهد هنا وهناك.
>كيف يرى الدكتور جميل حمداوي مستقبل الأدب الرقمي؟
< أحدثت الإعلاميات ثورة إبستمولوجية من خلال الانتقال من براديغم الشفوية والكتابة إلى ما هو رقمي ووسائطي. وبالتالي، سيكون مستقبل الأدب مرتبطا بما هو وسائطي وتقني وإعلامي.ويعني هذا أن الكتابة الورقية ستندثر مستقبلا بشكل تدريجي ، وستتسع الفضاءات الرقمية والإلكترونية. ومن ثم، سيزدهر الأدب الرقمي، بكل أجناسه وأنواعه وأنماطه وفنونه، وستظهر مقاربات منهجية جديدة لتحليل النصوص والمنتج الإعلامي. وستتنوع القراءات حسب طبيعة المنتج الرقمي. لذا، فقد تحدثت، في كتابي (الأدب الرقمي بين النظرية والتطبيق)، عن المقاربة الميدولوجية أو الوسائطية في مقاربة النصوص الإلكترونية والرقمية بغية التفاعل مع النصوص التي يكتبها الفايسبوكيون، أو متصفحو الإنترنيت. ومازلنا متأخرين في هذا المجال مقارنة بالغرب الذي قطع أشواطا مهمة وحثيثة منذ عقود عدة.
> يبدو أن اهتمامك بالقصة القصيرة جدا نقدا وتنظيرا أقوى من اهتمامك بها إبداعا، إذ لم نقرأ لك على حد علمي إلا مجموعة واحدة (كتابات ساخرة)، فما سر اهتمامك البارز بالقصة القصيرة جدا؟
< أنا أميل إلى النقد أكثر من ميلي إلى الإبداع، فقد كتبت النصوص الشعرية العمودية والتفعيلية، وكتبت المسرح، وكتبت القصة القصيرة جدا، وكتبت شعر الأطفال، وحصل ديواني الشعري المخصص للأطفال (يحيا السلام) على جائزة رابطة الأدب الإسلامي بوجدة. فالناقد دائما مبدع فاشل. لذا، اكتفيت بالدراسة والبحث والتنقيب المعرفي، وأكتب الإبداع من حين لآخر من باب الهواية والتجريب والاطلاع ليس إلا.
> لماذا، في نظرك، لم تنتزع القصة القصيرة جدا لحد الآن صك الاعتراف بالوجود والاستواء من طرف الجامعة؟ فهل هو موقف أكاديمي من هذا النوع؟ وكيف ترى إمكانية التحول في الموقف؟
< تعد القصة القصيرة جدا جنس المستقبل، وسيكون لها الهيمنة في الأجل القريب. والدليل على ذلك الكم الهائل من المجموعات والأضمومات القصصية في هذا النوع من الكتابة. وثمة كثير من الرسائل والأطاريح الجامعية في كثير من الجامعات العربية والمغربية تؤرخ لهذا الجنس، وتدرسه وفق مكوناتها وسماتها الفنية والجمالية والدلالية. لكن هذا الجنس ما زال لم يستو عند كثير من أساتذة الجامعات بسبب عدم الاطلاع، أو التشدد في عدم الاعتراف بما هو جديد. ويشبه هذا الموقف، المواقف نفسها التي مال إليها الباحثون والنقاد من شعر التفعيلة والقصيدة النثرية من قبل.
> لكن سيزول هذا التشدد مع مرور الوقت، وكثرة الإنتاج كما وكيفا، وإعداد الأبحاث والرسائل والأطاريح الجامعية في هذا المجال. ويعني هذا أنها قضية وقت ليس إلا.
< من الملتقيات التي أضحى لها موقعها ومكانتها ضمن خريطة الملتقيات الأدبية الوطنية والعربية، مهرجان القصة القصيرة جدا الذي تحتضنه مدينة الناظور بالشمال الشرقي للمغرب، لماذا يتم تخصيص مهرجان دولي للقصة القصيرة جدا؟ وما مدى ما حققه لحد الآن من إشعاع؟ وما انعكاساته على الإبداع في القصة القصيرة جدا؟ يعتبر مهرجان القصة القصيرة جدا بالناظور ثاني مهرجان عربي يحتفي بهذا الجنس بعد مهرجان حلب.
ويعد المغرب الحاضن الأول لهذا الجنس تنظيرا وإبداعا ونقدا وإشرافا وتوجيها. وقد أظهر المغاربة قدراتهم الإبداعية في هذا المجال كما وكيفا ورؤية. ومن ثم، فقد جمع هذا المهرجان المبدعين والنقاد والمعجبين بالقصة القصيرة جدا. فضلا عن تنظيم ورشات كثيرة للتلاميذ والطلبة والمبدعين المبتدئين في هذا المجال.ثم عرض جميع المنتجات في القصة القصيرة جدا إبداعا ونقدا ونظرية، مع تحليلها وتوصيفها وتقويمها شكلا ومضمونا ووظيفة. وقد حقق المهرجان نتائج رائعة على الصعيدين الوطني والعربي، كالتعريف بهذا الجنس، ونشره بين الناس، وتكوين ناشئة مبدعة وناقدة تهتم بهذا الجنس، ثم تأسيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا بمدينة الناظور التي أصبحت عاصمة لهذا الفن الجديد. فضلا عن كون هذه القصيصة جنسا أدبيا فتيا أعدت فيها رسائل وأطاريح جامعية كثيرة. وأصبح الحديث – اليوم- عن قصة أمازيغية قصيرة جدا، وكان المغرب سباقا إلى ذلك، بفضل هذا المهرجان العتيد الذي نظم ست دورات متتابعة.
هوامش:
1 – BANDURA A., Auto-efficacité. Le sentiment d?efficacité personnelle (P. Lecomte, trad.) (2e éd.), Bruxelles, De Boeck, 2007 (original publié en 1997).
2 – Isabelle Puozzo, « Pédagogie de la créativité : de l?émotion à l?apprentissage », Éducation et socialisation [En ligne], 33 | 2013, mis en ligne le 01 septembre 2013, consulté le 12 juin 2016. URL: http://edso.revues.org/174.
3 – عبد الكريم غريب: المنهل التربوي، الجزء الثاني، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006م، ص:722.
4 -T.Kuhn : La structure des révolutions scientifiques, traduit par Laure Meyer, Flammarion, Paris, 1970.5 – LUBART T., Psychologie de la créativité (2e éd.), Paris, Armand Colin, 2003, p:10.
6 -LUBART T., Psychologie de la créativité, p: 31-84.
7 – BANDURA A., Auto-efficacité. Le sentiment d?efficacité personnelle (P. Lecomte, trad.) (2e éd.), Bruxelles, De Boeck, 2007 (original publié en 1997).
8- Olivier Rey et Annie Feyfant : (VERS UNE ÉDUCATION PLUS INNOVANTE ET CRÉATIVE).Dossier d?&ctualité.n70, janvier 2012. http://ife.ens-lyon.fr/vst/DA-Veille/70-janvier-2012.pdf
9 – أدونيس: مقدمة للشعر العربي، دار الفكر، بيروت، لبنان، طبعة 1986م؛ والثابت والمتحول، الجزء الثالث، والجزء الرابع، دار الساقي، بيروت، لبنان، طبعة 2001م
أجرى الحوار: أحمد رزيق