يتجدد اهتمام المهندسين المعماريين بالبناء بالطين الذي يقلص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن المباني، فيما يتيح لها في الوقت نفسه تحمل درجات الحرارة المرتفعة بصورة أفضل… إلا أن اعتماده يعتبر مكلفا وصعبا بسبب نقص اليد العاملة المتخصصة.
واستخدمت تقنية التربة المدكوكة، وهي عبارة عن طين مضغوط ومتشكل ضمن طبقات، لبناء قصر الحمراء في غرناطة بإسبانيا، وكنيسة المصالحة في برلين عام 2001.
أما مدينة الدرعية السعودية الواقعة قرب العاصمة الرياض، فاعتمد الطوب اللبن في كل أبنيتها.
ويعيش ثلث البشرية، أي أكثر من ملياري شخص في 150 بلدا، داخل بيوت من طين، بحسب مؤلفي كتاب “تريتيه دو كونستروكسيون ان تير” (إصدار عام 2006) أوغو أوبان وأوبير غيو.
ويشير إيمانويل كيتا، وهو مدرس في مدرسة “بون إيه أنتونان فابري”، في مقال تناول هذا الموضوع، إلى أن “15% من المباني في فرنسا شيدت بالطين”.
وتتنوع طرق استخدام الطين، فمنها ما يعتمد على الطين الممزوج بالقش، وأخرى تمثل طبقات من الطين الممزوج بالقش من دون عنصر إنشائي كالأعمدة مثلا، بينما تستند إحدى الطرق إلى الطين المضغوط مع عنصر إنشائي من الخشب، وتعتمد أخرى على طوب اللبن. وفي فرنسا، استخدم الطين المضغوط مع عنصر إنشائي من الخشب لبناء منازل عد ة في ألزاس ونورماندي وغيرس وأوفيرني رون ألب.
وفي حي كونفلويانس الحديث في ليون، شيد بين المباني الخرسانية، مبنى من الطين يضم مكاتب صممه المهندس المعماري كليمان فيرجيلي والشركة السويسرية “ديينر إيه ديينر”، بالتعاون مع نيكولا مونييه الذي تلقى تدريبا عن تقنية الطوب اللبن في مالي.
وعاد البناء بالطين إلى الواجهة بناء على ملاحظات جرى تسجيلها: فالكيلوغرام الواحد من الأسمنت يتسبب بانبعاث كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون، بينما لا ينجم عن البناء بالطين أي كمية من هذا الغاز”، على ما يؤكد كزافييه شاتو، مدير البحوث الخاصة في علوم المواد لدى مختبر “نافيه”.
ولا يتطلب البناء بالطين أي عملية طهو كالتي يحتاجها الأسمنت والتي تؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى أن التربة تعد موردا محليا وتقاوم بصورة جيدة التقلبات في درجات الحرارة، من خلال تنظيم مستوى الرطوبة بشكل طبيعي، هذا فضلا عن أنها قابلة لإعادة التدوير بنسبة كاملة، على ما يؤكد مؤيدو هذه التقنية.
وبالتالي، تساعد تقنية البناء بالطين على مواجهة تحديا مناخيا كبيرا. ويقول شاتو “في حال تمكنا من تقليص كمية الإسمنت المستهلك في العالم بنسبة 25%، فالأمر مشابه لقضائنا على التأثيرات التي تتسبب بها الطائرات على المناخ”.
لكن من جهة أخرى، يحمل البناء بالطين طابع الهشاشة. وينبغي حماية المباني من سوء الأحوال الجوية والرطوبة الناجمة عن ملامسة الأرض الرطبة للجدران. وغالبا ما تنقل وسائل الإعلام الفرنسية أخبارا عن انهيار مبان شيدت بالطين.
ويلجأ بعض المهندسين المعماريين إلى إضافة مادة مساعدة للبناء قد تكون الأسمنت أو الجير أو منتجات من مصادر طبيعية (الاقش أو القنب)، من أجل “تثبيت” الأرضية وجعلها كارهة للماء ومقاومة لكي تكون الأبنية متينة وت ستهلك لأطوال فترات ممكنة.
وأطلقت شركة “سان غوبان” الفرنسية لمواد البناء تجربة جمعت فيها التربة المتبقية من مواقع البناء والنفايات الناجمة عن تعدين الحديد والقنب.
ويعتبر البعض أن هذه المبادرة تمثل بدعة.
ويقول بول إيمانويل لواريه، وهو مهندس معماري يرأس مصنع “لا فابريك” في سيفران بضواحي باريس المتخصص في تصنيع كتل من التربة المضغوطة باستخدام الركام المتأتي من مواقع البناء في باريس، “إن هذا الخليط ليس مماثلا قط لمواد البناء التقليدية”.
ويشير إلى أن القوانين الأوروبية تفرض استخدام مواد مقاومة أكثر بعشر إلى عشرين مر ة مما تحتاجه المباني، مؤكدا ضرورة “إزالة الكربون بصورة كاملة وبسرعة”.
ويضيف شاتو “في إفريقيا وبوركينا فاسو وملاوي، أصبح تثبيت الطين بالإسمنت في أسفل المبنى حرفة يدوية لحل مشكلة المياه”.
ويتابع إن الطين “مادة طبيعية وتتغير بحسب المكان الذي استخرجت منه، ولن تحافظ على الخصائص نفسها مع مرور الوقت، لذا سيكون من الصعب ضمان بقاء المبنى ثابتا”.
ويردف إن “الطين مادة مذهلة نظريا، لكن عمليا يفتقد المجال لمتخصصين يدركون كيفية استخدمها، فاعتمادها مكلف لأنه يتعين اللجوء إلى استشارات توفرها مراكز متخصصة، لذلك يتطلب البناء بالطين التزاما فعليا”.
البناء بالطين يعود إلى الواجهة للتصدي للاحترار المناخي
الوسوم