التأسيس

يمكن أن نعيب على جزء مهم من الخطاب النقدي المتتبع للسينما المغربية كونه يُكرر نفسه باجترار نفس المقولات ونفس الأفكار: هل يمكن أن نتحدث عن سينما أم عن أفلام؟ أزمة السيناريو، أزمة الإبداع أو الخيال، انتقاد التراكم الكمي دفاعا عن الكيف، وأن الوضع السينمائي في المغرب لا يتطور بالوتيرة المتوقعة، بالمقارنة من الإمكانيات المادية التي المخصصة له. ما الذي يجعل العلاقة بين السينما المغربية ومنتقديها تتميز بهذا التوتر وعدم الرضا، رغم تحسن جودة الأفلام من الناحية التقنية وتطور وتيرة الإنتاج.
 كنا نعتقد لفترة، أن هذا الخطاب متخلف عن هذه الدينامية التي يعرفها المغرب سينمائيا منذ أكثر من عقد، والتي صفق لها الجميع مشجعا في البداية، وطنيا ودوليا دون أن تكون فعلا في الموعد، لكن مع مرور الوقت بدأنا نحس بضرورة الاعتراف والإقرار  بأن هناك أزمة ما، نحسها من خلال الرتابة والملل اللذين بدءا يطبعان الجو العام. لم تتوفق هذه الدينامية في أن تتحول إلى قفزة نوعية أو حتى إرهاصاتها.
يمكن أن نقول، مثلا وجدلا، كرد، إننا ما زلنا بعد في مرحلة التأسيس والسينما المغربية مازالت سينما في ريعان شبابها، لا تقيدها بعد أي تقاليد، الوضع الذي من المفروض أن يجعلها شابة فعلا وغير نمطية، لكن الشباب لا يعني غياب النضج والمسؤولية، في لحظة ما يجب أن تُوجِد لنفسها منظومة من القيم وأخلاقيات تحتكم إليهم وتكون شبه بوصلة لمسارها وكأحد شروط  التمييز والاختيار وهيكلة المنافسة. في المقابل، كل واحد يرسم طريقه بشكل فردي وبعفوية وحرية مطلقة، يرتجل ما يعتقد أنه الطريق التي يرتاح إليها وتمكنه من تحقيق مشاريعه الذاتية كهاجس وحيد.   
إن ما نسميه بنوع من الاعتزاز، تنوع وتعدد السينما المغربية، هو في الحقيقية تنوع البدايات أو ما قبل البدايات ليس إلا، تنوع ما قبل الفرز والتصنيف، قبل تَشكل هوية ما، سنسميها في كل الحالات “السينما المغربية”. ألا يحق لنا أن نعتقد أنه تعدد مبالغ فيه لأنه ببساطة ناتج عن وضع يشتغل فيه كل بأنانية مفرطة وبفكرة أنه الأفضل والأحسن، كل ينطلق من فكرة أن عمله سيشكل نقطة الصفر وأن التاريخ، تاريخ السينما المغربية سيبدأ معه. لا يسعفه توالي التجارب والفشل المتكرر بأي درس ولا يخلق عنده أي معنى، ليعاود الكرة مرات بنفس الإصرار وببراءة وعفوية المرة الأولى وكأننا بلا ذاكرة، وكأنه بلا ذاكرة. عندما نخاطر في تجربة ثانية من المفروض أن يصغر هامش العفوية (أو أن تكون عفوية مفكر فيها) لصالح التخطيط والتوقع أو على الأقل أن توجد إرهاصات مشروع جمالي.
عندما نقف ببداهة على أن التراكم لم يجعلنا نبارح أمكنتنا على جميع المستويات وننطلق، لابد ءانداك أن نجبر أنفسنا على أن نتوقف ونتساءل: لماذا؟ سؤال بسيط لكنه أكيد أن الإجابة شبه مستحيلة، عندما تصبح ممكنة وحتى قبل الجواب، ثم سنخطو شبه خطوة إلى الإمام ويصبح ما نرتكبه من أفلام أفعالا تاريخية وغير مفصولة عن بعضها البعض، لا في الزمان ولا في المكان.  فيلم ناجح أو فلمان لا يصنع سينما.
الطريق إلى “السينما المغربية” طريق طويل وضبابي ، لأننا أخطأنا في لحظة ما بدايته، ونحاول عبثا أن نجد مدخلا ما، يعفينا من قطع نفس المراحل، لنختصر الطريق للالتحاق بالركب، نحن ما زلنا في طور المحاولة والمحاولات، كل بطريقته وهو معزول في قارته أو كوكب في مجرة بعيدة. ربما ستتبلور سينما بهوية وطنية إذا كان هناك وعي جماعي بالضرورة، ربما لو توفرت شروط تجعل البعض يتخلص من القليل من ذاتيته المفرطة، ثمة قد يكون الأمر ممكنا. الهروب إلى الإمام بنقل بذكاء ماكر لما هو متفق عليه من سينمات عالمية بسينيفيليا مرضية، لن يساهم إلا في التراكم الكمي، مرة أخرى، رغم الإبهار الآني وخلق الدهشة لمن مازالت تبهرهم الصور الجميلة والمقاضيات الشكلانية، ولن يؤسس إلا للنسيان ويجعل الهوة تتسع بين السينما وجمهورها، في المقابل، العزف على الوتر الحساس للأخير لا ينتج إلا فنا شعبويا يعيد إنتاج بؤسنا وترسيمه بدون أي وعي أو مسافة نقدية ومساءلة، ويؤسس فقط لسينما تعبر الذاكرة ولا تطبعها، نشاهد الفيلم وننساه ولا يولد فينا الحنين إليه وكأنه كان فقط وسيلة لحرق الوقت بيأس  من العيش وكأن الحياة أصبحت مملة ورتيبة. إذا كنا لا نحب الحياة فلا داعي للسينما.

بقلم: محمد الشريف الطريبق

الوسوم

Related posts

Top