في 13 غشت 1997، قبل 22 سنة، غادرنا إلى دار البقاء علي يعته، الأمين العام الأسبق لحزب التقدم والاشتراكية، أحد الوجوه البارزة التي قادت مجهودات الشيوعيين المغاربة من أجل تحقيق التحرر والانعتاق، وكذا المطالبة بتشييد المسار الديمقراطي، وإصلاح الاقتصاد، وعبره الأوضاع الاجتماعية للطبقة الكادحة.
في مثل هذا اليوم، يفتح التاريخ دفة كتابه ليعود بنا إلى أولى نضالات علي يعته الذي كان ضمن صفوة الحزب الشيوعي المغربي التي قدمت وثيقة المطالبة بالاستقلال، وقاد الوفد الذي استقبله السلطان محمد بن يوسف بعد أسابيع من إصدار هذه الوثيقة.
نعم التاريخ لا ينسى. وهو يؤرخ في صفحاته مسيرة علي يعته التي امتزج فيها العمل السياسي بالصحفي، وشكل مدرسة متفردة لرجل لم يغير قط مواقفه، ولم ينحرف عن مسار خط نضالي، قوامه كرامة الشعب المغربي وحقه في العيش في دولة يتقاسم أبناؤها خيراتها بصفة عادلة.
خلف الراحل علي يعته مدرسة سياسية وصحفية متشبثة بقيم الممارسة الديمقراطية التي تنبذ العنف والانتهازية، وترفض السياسة السياسوية، وتغلب مصلحة الوطن والشعب.
فقد كان علي يعته منارة في سماء الممارسة السياسية والصحفية بالمغرب. لم يتعب يوما، طوال حياته المهنية والنضالية، من أن يكون صحفيا، لأنه أصر على أن يقول كلمته بكل وضوح وحرية.
استطاع علي يعته بجديته وواقعيته المتحررة أن يغرس روحا إصلاحية سواء بين صحافيي البيان وبيان اليوم، أو بين مناضلي حزب التقدم والاشتراكية. روح إصلاحية متشبعة بالقيم والمبادئ الوطنية الأصيلة، ما جعله، بحق، رمزا وطنيا يستحق أن يقف الفاعلون السياسيون اليوم على اجتهاداته ونضالاته في وقت لم تكن فيه الممارسة السياسية سهلة.
لا يمكن إطلاقا الحديث عن الحزب دون تلمس الحضور القوي لفكر وشخص علي يعته إلى حد التماهي. فالفقيد تميز بدور محوري في تطور الحزب وبلورة مساره السياسي والنضالي، واستطاع أن يرسخ قواعد النضال السياسي والحزبي بين صفوف المناضلات والمناضلين، الذين استمدوا منه قيم الجرأة في اتخاذ المواقف والصرامة والانضباط الحزبي، والإيمان بسمو مصلحة الوطن والمواطنين.
فكثيرة هي المواقف التي جعلت رفاقه وتلاميذه، من داخل الحزب وخارجه، يقفون على مدى تشبث علي يعته بقيم البلاد، وقوته في طرح القضايا والدفاع عنها، خصوصا مواقفه من قضية الوحدة الترابية للمملكة. فلعلي يعته الفضل في الدفاع، داخل بلدان المنظومة الاشتراكية، عن مغربية الصحراء، رغم انحياز بعضها، في الحرب الباردة، للجزائر. وبفضل جهد علي يعته لم تعترف سوى دولة واحدة من المعسكر الاشتراكي ، يوغسلافيا، حينها، بالدولة الوهمية.
ولعلي يعته، أيضا، دور بارز في تأسيس الكتلة الديمقراطية، حيث كان يدعو دوما إلى وحدة القوى الوطنية، الاتحاد الاشتراكي، وحزب الاستقلال، والتقدم والاشتراكية، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي. وحدة هدفها الوحيد والأسمى هو توحيد القوى بما يخدم قضايا الطبقة العاملة والكادحة التي كانت دائما حاضرة ضمن انشغالاته الكثيرة، لاسيما تحت قبة البرلمان التي لا تزال شاهدة على قوة خطبه وتدخلاته ومرافعاته الشهيرة وطريقته المتفردة في التعبير عن مواقف حزبه التي كانت لا تحيد عن مسارها الداعي إلى الدفاع عن مغربية الصحراء، ورص صفوف الكتلة الديمقراطية، وتوحيد أجنحة العمل النقابي، واستكمال مهام المسلسل الديمقراطي، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتوفير مستلزمات الاستقرار كأفق سياسي يتعين استثماره لإنجاز ما كانت البلاد ولا تزال في حاجة إليه من إصلاحات جذرية وأوراش كبرى.
رحم الله علي يعته الذي كان شجرة وارفة الظلال، استمدت منه أجيال مختلفة داخل حزب التقدم والاشتراكية العبر ودروس النضال الصحفي والسياسي. وما زال يستمد منه الجيل الحالي العبر والدروس بدليل نضالات وتضحيات الرفيقات والرفاق، قيادة وقاعدة، والتي عبدت الطريق أمام حيازة حزب التقدم والاشتراكية وضعا متميزا في المشهد السياسي المغربي.
طبعا، لن نفي الرجل “الذي كان رجلا” بشهادة جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، في هذا الحيز الضيق، حقه. فذاكرة الإنسان تنسى التفاصيل، لكن التاريخ، وحده، يعطي الرجال حقهم.
> مصطفى السالكي