“التخدير والإنعاش” يشعل المواجهة بين الأطباء والممرضين

يستمر الجدل حول مذكرة وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد ايت الطالب، المؤرخة في 7 شتنبر الجاري، بشأن تدخل ممرض التخدير والإنعاش في الحالات المستعجلة، والتي احتجت الفيدرالية الوطنية لأطباء الإنعاش والتخدير عليها، مقابل اعتبارها من قبل الممرضين “اعترافا صريحا ولو بشكل متأخر، بدور ممرضي التخدير والإنعاش في الأوضاع الحرجة”، على حد تعبير عبد الإله السايسي، رئيس الجمعية المغربية لممرضي التخدير والإنعاش.
وفي الوقت الذي يحذر أطباء التخدير والإنعاش من التبعات القانونية والصحية لهذه التدخلات، كشف عبد الإله السايسي في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن الممرضين يقومون بهذا الدور منذ عقود زمنية وليس وليد اليوم، موضحا بأن الممرض هو من يقدم المساعدة للمرضى في حالة خطر بالمناطق النائية التي تفتقد إلى أطباء التخدير المتمركزين في المدارات الحضرية كالدار البيضاء والرباط والقنيطرة.
وكشف السايسي أن بعض المدن لا يوجد بها أطباء للتخدير، حيث يجد الممرض نفسه مجبرا على التدخل بدافع إنساني ومهني وأخلاقي، ناهيك عن القانوني الذي يسائل الممرض عن سبب التغاضي أو الامتناع عن إنقاذ الأرواح أثناء الخطر، على اعتبار عديد مدن تشتكي الخصاص في أطباء التخدير، مثل الداخلة وأزرو وابن سليمان وشفشاون، ومستشفى الليمون بالرباط وأسفي، هذه الأخيرة، التي يوجد بها طبيب فقط يشتغل في الفترة العادية، أي أنه بعد الرابعة والنصف، يصبح لزاما على ممرضي التخدير والإنعاش التدخل لاستقبال الحالات المستعجلة التي تتطلب عمليات جراحية آنية.
وشدد رئيس الجمعية المغربية لممرضي التخدير والإنعاش، على ضرورة تدخل ممرض التخدير في الحالات المستعجلة التي لا يمكنها التأجيل والمقررة من طرف الطبيب الجراح وطبيب المستعجلات في المرافق التي لا تتوفر على طبيب مختص في التخدير، وذلك في إطار احترام شروط السلامة وبدون مخاطر، خلافا للعمليات المبرمجة في المرافق التي تتوفر على طبيب مختص، منبها إلى حجم الفقر المهول في أطباء هذا التخصص الذي لا يتجاوز 200 طبيب، فضلا عن سوء التوزيع المجالي “فإذا كانت بعض المدن تتوفر على أربعة أطباء في التخدير، فإنه لا يوجد إلا طبيبا واحدا بمدن أخرى، أو لا يوجد حتى”، يقول المتحدث.
وذكر المصدر ذاته، أن المذكرة الوزارية “هي اعتراف صريح بكفاءة الممرض، الذي يقدم العون والمساعدة للحالات الإنسانية المستعجلة، والمشروطة بغياب طبيب التخدير، أثناء القيام بالعمليات التي لا يمكن تأجيلها”.
واعتبر عبد الإله السايسي أن البيانات التي ينشرها الأطباء لتقزيم حجم الممرض، لا تساوي شيئا أمام الحالات التي يتعرض فيها الأشخاص للألم ويكونون معرضين فيها للموت، من قبيل حدوث نزيف أو تمزق في الرحم للمرأة الحامل، وقس على ذلك من الوضعيات التي لا يمكن رفض التدخل فيها، ووقف استمرارية عمل المرفق.
وسبق للجمعية، منذ سنة 2019، وفق السايسي، أن احتجت على هذا الوضع المزري في تخصص التخدير والإنعاش، بتنظيم وقفات واعتصامات بكل من الداخلة والعيون والرباط (الليمون) وآسا زاك والسمارة، وغيرها، للمطالبة بتوضيح مهام ممرض التخدير أمام الحالات المستعجلة التي يغيب فيها الطبيب، كما راسلت الجمعية مختلف المؤسسات للبت في الموضوع، على رأسها وزارة الصحة، متسائلا عن ماذا يمكن فعله لمريض يتألم أو في حالة حرجة في مكان نائي بعيد عن المستعجلات بمئات الكيلومترات؟
وقال إنه بدل الإشادة بجهود الممرضين، باتت هذه الفئة معرضة للانتقاد والتقزيم والنقص من حجم دورها، الذي تؤديه منذ سنوات، معتبرا الخطاب الذي يتم ترويجه حول الخطر المحدق بصحة المواطنين في حالة قيام الممرض بمهمة التخدير، “ترهيبا للمغاربة الذين يشيدون بأدائنا، لا سيما بالمناطق النائية والمعزولة”.
وسجل رئيس الجمعية المغربية لممرضي التخدير والإنعاش، أن هذه الفئة من الممرضين، تلقت تكوينا في إطار نظام إجازة- ماستر- دكتوراه، في احترام تام للضوابط العلمية المتعارف عليها دوليا، متوقفا عند التوصيات العالمية التي تؤشر لتدخل ممرضي التخدير أثناء غياب هذا الأخير، الذي يجب أن يقوم مقامه في الحالات الحرجة والمستعجلة، بيد أن هذا التدخل يجب أن يكون على أيدي ممرضين مختصين ومؤهلين للقيام بالمهمة.
ودعا عبد الإله السايسي إلى ضرورة إطلاق وزارة الصحة لتكوينات مستمرة لفائدة ممرضي التخدير والإنعاش، الذي يقدر عددهم بـ 2200 ممرض، خصوصا وأن تكوين طبيب متخصص في الإنعاش والتخدير يتطلب أزيد من 14 سنة، مشيرا إلى أنه لولا تضحيات ممرضي التخدير لما كانت الاستمرارية في بعض المستشفيات العمومية بالبلاد، “لهذا يجب الاعتراف بوجودهم عن طريق مراسيم وزارية واضحة”.
وأفاد السايسي أن الأخطار التي نقصت بفعل التقدم العلمي الذي أدى إلى إزاحة مجموعة من عقاقير التخدير، التي كان لديها مضاعفات خطيرة على صحة المريض، ساهم في حضور الممرض، منبها إلى أن الخطر يبقى قائما بشكل دائم، سواء بحضور الطبيب أو في غيابه، أي أن العملية غير مرتبطة بالشخص أو الممارس .
وإذا كان الموضوع قد أثار كل هذا النقاش، فما هي الحلول الجذرية الواجب اتخاذها؟ يتساءل المتحدث في تصريحه للجريدة، الذي طالب القطاع الخاص، بالاستثمار في المناطق النائية وخلق خلية تطوعية من الأطباء حديثي التخرج قبل التحاقهم بالقطاع الخاص، لاسيما لفائدة الساكنة بالمناطق البعيدة مثل بنجرير، وآزرو، وشفشاون، وبنسليمان، وبولمان، وآسا الزاك.
وأرجع حيثيات هذا الجدل، إلى الظرفية الزمنية التي يتم الاشتغال فيها على مشروع إعادة تأهيل المنظومة الصحية، في إطار التوجيهات الملكية الخاصة بالحماية الاجتماعية، حماية لا يمكن اختزالها في مناطق معينة بل هي حماية لكل المغاربة في كل ربوع المملكة.
جدير بالذكر، أن الفيدرالية الوطنية لأطباء الإنعاش والتخدير، كانت قد رفضت خطوة وزير الصحة بشأن الموضوع، التي دعت في بلاغ صحافي لها، إلى “حماية هذه الممارسة الطبية المؤطرة قانونيا، والتي هي اختصاص طبي صرف، لا يمكن أن يمنح لأية جهة كانت وتحت أية مبررات لممارسته”.
ودعا أطباء التخدير والإنعاش وزارة الصحة إلى إيجاد الحلول والصيغ الكفيلة بالإجابة عن مشكل الخصاص الذي يعرفه هذا التخصص، من خلال القيام بتدابير تعيد له توهجه وبريقه وتجعل منه تخصصا مستقطبا، بعيدا عن أية مبادرات ترقيعية ومتسرعة تنطوي على مخاطر مفتوحة على كل الاحتمالات.

< يوسف الخيدر

Related posts

Top