لا يستطيع الإنسان هضم ريش الدجاج، ولكن هذا لا يغير من حقيقة أن تسعين في المئة من مادة الكيراتين، وهو بروتين مليء بالأحماض الأمينية المغذية موجودة في الشعر والأظافر.
يتخلص العالم سنويا من حوالي مليوني طن من ريش الدجاج، وهذا ما دفع طالب علوم التصميم والتكنولوجيا التايلندي ثروت كيتيبانثورن للبحث عن طريقة يبرز بها إمكانيات هذا المكون الذي يعتبر مصدرا غير عادي للبروتينات يمكن الاستفادة منه.
وكان مشروع كيتيبانثورن من أبرز المشاريع التي تم عرضها في معرض الخريجين العالمي الذي أقيم بدبي، حيث أشار موقع “إيفنينغ ستاندرد” إلى مشروع الطالب التايلندي المتخصص بمواد المستقبل، وتحويله ريش الدجاج المرمي في قطاع صناعة الدواجن إلى بديل بخس ومصدر طري للبروتين القابل للأكل.
وأشار الطالب إلى أن المبدأ الكامن وراء عمله يتجسّد في “تحويل النفايات إلى شيء ذي قيمة”.
مكمل غذائي
استلهم المصمم الأحيائي مشروعه من نتائج علمية لدراسة سابقة عن الكيراتين المستخرج من ريش الدجاج أجريت عام 2018 من قبل جامعة ماسيه النيوزيلندية اختبرت استخدامه مكملا رياضيا. أكدت الدراسة أنه يزيد من الكتلة العضلية للجسم.
وكانت قيمته المرتفعة من البروتين هي أول ما لفت انتباه كيتيبانثورن، الذي تحدث عن وصفة لبديل بروتيني مبتكر، وهي وصفة وإن وجدها الكثير منا غريبة، إلا أنها في الواقع مفيدة جدا للجسم.
ويقول كيتيبانثورن “يكون اللحم عالي الجودة عادة طريا ويمكن أن يذوب في الفم.. لذلك أردت أن يتمتع اللحم الذي أحضره بهذه الصفات”.
ولكي يجعل كيتيبانثورن الريش صالحا للاستهلاك البشري لجأ إلى تكسير البروتين، باستخدام عملية تُعرف بالتحلل الحمضي.
وتم فعليا صنع بروتين حسب الطريقة المقترحة من كيتيبانثورن عن المواد المستقبلية والتي أطلق عليها اسم “لايتر دليكاسي”، في أكاديمية الفنون اللندنية “سنتر سانت مارتنز سكول أوف آرت”. وبالتعاون مع عالم الغذاء كيشافان نيرانجان من جامعة “ريدنغ” بالمملكة المتحدة، وفني بمختبر الأحياء شيم جونسون من مدرسة الفنون “سنترال سانت مارتينز”، طورت عملية من 13 خطوة حوّل من خلالها الريش إلى شكل قابل للهضم.
ويقول كيتيبانثورن إن “اللحم” المنتج من الريش خال من الطعم، ولا بد من إضافة التوابل إليه لإكسابه نكهته.
وفي العملية، يُنظف الريش ويُسحق، ثم يوضع في حمام مائي يحتوي على حمض وإنزيم الكيراتينيز، وهو إنزيم يقطع الروابط الكيميائية القوية للكيراتين، ثم يرفع المحلول على نار هادئة ويسخن بلطف، ويُقلب باستمرار لمدة تصل إلى 24 ساعة، قبل تصفيته وتبريده. وفي تجاربه المعتمدة على بروتين ريش الدجاج، ابتكر كيتيبانثورن معكرونة، ولفائف خالية من الكربوهيدرات، إضافة إلى مقرمشات بروتينية.
حواجز ثقافية
بعد فوزه بجائزة “ميلز فابريكا تكستايل”، يأمل كيتيبانثورن أن يتعاون مع طهاة مشهورين في إعداد وصفات، كخطوته التالية.
معروف أن ريش الدواجن يمثل حوالي 10 في المئة من وزن الدجاجة، ينتهي الأمر بها في مدافن النفايات، أو يتم حرقها الأمر الذي يتسبب في انبعاثات كربونية عالية وتلوث في التربة والمياه.
وكانت شركة سويدية ناشئة تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية، قد اكتشفت القيمة الغذائية للريش وعملت على تحويله إلى علف حيواني سهل الهضم وغني بالبروتين، مستخدمة تقنية التحلل المائي القائمة على الميكروبات لتفكيك مادة الكيراتين.
وبينما سعت الشركة السويدية “Bioextrax” إلى تحويل الريش إلى علف للحيوانات، يقول الرئيس التنفيذي للشركة، إدوارد هول، إنه لا يوجد سبب لعدم استخدام الريش من أجل الناس أيضا، مؤكدا أن الخصائص الكيميائية والفيزيائية للريش ترشحه ليكون مصدرا للكثير من الاستخدامات الأخرى المحتملة، مشيرا إلى إمكانية استخدامه “مكملا بروتينيا للبشر، دون أي تغييرات في العملية، وإن كانت المفاهيم الثقافية تشكل حاجزا”.
وقارن هول البروتين القائم على الريش بالطعام المصنوع من الحشرات، قائلا إن “بعض الناس قد يجدونه مثيرا للاشمئزاز”. وتكتسب التجربة أهمية خاصة وفق منظور الاستدامة، لكونها تعتمد مادة يتم دفع أموال للتخلص منها، رغم أهميتها كمصدر غذائي غني بالبروتين الجيد.
إقناع الناس باستهلاك اللحوم المنتجة من ريش الدواجن ليس العقبة الوحيدة التي تواجه المبتكر التايلندي، لا بد للمبتكر كيتيبانثورن الحصول على موافقة الاتحاد الأوروبي لتشريع استخدامه. وعادة ما تخضع المنتجات الغذائية الجديدة للتحليل والتدقيق وتقييم المخاطر لفترة تستغرق تسعة أشهر، للحصول على تصريح بالاستخدام.
ويأمل كيتيبانثورن أن يتمكن من إقناع الجميع بأسلوبه الجديد، وأن يقبل الناس على تناول المكونات الغريبة مثل “لحم” الريش.
ويقول إن التكنولوجيا موجودة بالفعل، لكن موقفنا منها هو ما يحتاج إلى التغيير. ويرى خبراء أن المنتجات الغذائية التي تعكس صفر نفايات، مثل بروتين الريش، تعتبر رمزا لكيفية تحسين المستقبل البيئي والغذائي للإنسان.