الذين يتابعون التلفزة المغربية بكامل باقتها – ولا أعتقد أنه يصعب حصرهم- يلاحظون التقهقر الذي ما فتئت تشهده، خصوصا في ظل التنافس الذي بات قائما بحدة بين القنوات الفضائية العالمية والثورة المرتبطة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال بصفة عامة؛ ففي الوقت الذي كان من المفروض أن يأخذ المسؤولون على تلفزتنا المغربية بعين الاعتبار التحديات المطروحة في الساحة الإعلامية، سيما وأن بلدنا منفتح على كافة المستجدات التي تطرأ على هذا الميدان؛ باعتباره مستهلكا بطبيعة الحال، تم الاستسلام ورفع الراية البيضاء، أمام القنوات الفضائية التي استثمر أصحابها الأموال الطائلة لتوظيف الكفاءات وتحقيق المواكبة الإعلامية الناجحة بكل المقاييس، وبالتالي تقديم منتوج تلفزيوني يقنع المشاهد حيثما وجد.
***
التراجع الذي ما فتئت تشهده التلفزة المغربية بات ملموسا إلى حد بعيد، حيث صارت هناك استهانة كبيرة وغير مسبوقة بالمساحة الزمنية للبث اليومي، وكمثال على ذلك، يلجأ المسؤولون على البرمجة إلى إعادة بث إنتاجات بشكل متكرر، وإن كانت هذه الإنتاجات تافهة ورديئة، إلى حد يمكن أن يمنح الانطباع بأننا أمام تلك الأسطوانات التي يصيبها شرخ ما فتشرع في تكرار طرف منها. يمكن القول بهذا المعنى إن التلفزة المغربية مشروخة.
غير أنه بالرغم من هذا الوضع الذي يتعارض بشكل كلي مع التزامات إدارة التلفزة المغربية مع ما هو منصوص عليه في دفتر التحملات، من حيث وجوب تقديم منتوج جديد، وعدم اللجوء إلى تكراره إلا بشروط محددة ومقننة؛ فإن الاستهتار هو القائم، حيث أن المنتوج الواحد يتم عرضه بحذافيره يوميا على امتداد زمني لا محدود، ولعل المستفيد الوحيد من هذا الوضع الشاذ، هم مستخلصو حقوق التأليف، حيث بقدر ما يتكرر بث إنتاج معين، بقدر ما تتراكم الثروة المستخلصة من تلك الحقوق.
كان على الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري أن تتدخل لتصحيح الوضع، وهذا هو دورها، لكن الأمور ظلت على حالها.
هناك إذن يأس شامل أصاب فضاءنا الإعلامي التلفزيوني بصفة أساسية، خصوصا بعد تأكد القيمين عليه من استحالة تحقيق التنافسية أمام قنوات تلفزية تجاوزتنا بأشواط بعيدة؛ لأن أصحابها وعوا باللعبة منذ البداية؛ فاستثمروا أموالا خيالية لتطوير البنية التحتية من جهة، وتوظيف الكفاءات الجيدة والخبيرة، ومن هذه الكفاءات من كانت تعمل في الفضاء الإعلامي المغربي، لكنها فضلت الهجرة لوعيها بتوفر شروط العمل والتقدير الذي يحظى به الإعلامي في مكان آخر.
ففي الوقت الذي ننتظر من إدارة التلفزة المغربية أن تستثمر الأموال التي تجنيها سواء من اقتطاعات فواتير الكهرباء أو من عائدات الإشهار؛ لأجل تطوير بنيتها التحتية والرقي بمنتوجها الإعلامي، نجدها تكتفي بالسهل وهو القيام باقتناء الإنتاجات الأجنبية، أو القيام بإصلاحات سطحية وشكلية، من قبيل تغيير أثاث الاستوديو وما إلى ذلك.. لتبرير النفقات.
***
شيء طبيعي أن يكون مصير هذه المحطة الإعلامية التقهقر يوما بعد يوم، مما يستوجب القيام برجة حقيقية لأجل وضعها على السكة الصحيحة.
عبد العالي بركات