الدبلوماسية المغربية سنة 2019

تميزت الدبلوماسية المغربية خلال سنة 2019 بدينامية واضحة وتحركات محسوبة ركزت على محاور رئيسية تتمثل في قضية الصحراء المغربية و الشراكات الثنائية ومتعددة الأطراف، و قضايا الأمن والسلم والاستقرار والتنمية المستدامة.

1. قضية الصحراء

تمكنت الدبلوماسية المغربية من تحقيق مكاسب غاية في الأهمية، كرستها القرارات المتعاقبة لمجلس الأمن خلال هذه السنة وهما القراران رقم 2468 “أبريل 2019” و2494 “أكتوبر 2019” واللذين مكنا من تعزيز المسلسل السياسي تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة على أربع مستويات:
– مأسسة مسلسل الطاولتين المستديرتين بوصفه الإطار الوحيد والأوحد للتوصل للحل السياسي النهائي للخلاف الإقليمي حول الصحراء المغربية.
– تحديد الهدف من المائدتين المستديرتين  وهو “التوصل لحل سياسي واقعي براغماتي ودائم مبني على التوافق”.
– إعادة تحديد من يجلس حول المائدة، حيث طالب مجلس الأمن من كل الأطراف المشاركة في الطاولتين المائدتين المستديرتين: المغرب، والجزائر، موريتانيا، و”البوليساريو” بمواصلة المشاركة طيلة المسلسل السياسي لضمان تحقيق النجاح.
– التأسيس لمقاربة براغماتية وبناءة للمضي قدما بالمسلسل السياسي مع حث كل من الجزائر و”البوليساريو” على التحلي بالواقعية وروح التوافق، بعيدا عن الحلول المتجاوزة وغير القابلة للتطبيق.
وقد مدد مجلس الأمن في قراره رقم 2494 (أكتوبر 2019) ولاية المينورسو لمدة سنة، مما يشكل إشارة واضحة إلى تشبثه بضمان السير الهادئ للمسلسل السياسي، آخذا بعين الاعتبار تطورات السياق الإقليمي وتموجاته، وضرورة العمل على ضمان الانخراط الكامل والجاد، لكل الأطراف المشاركة في مسلسل الموائد المستديرة.
من جانب آخر، حافظ قرار مجلس الأمن على مكتسبات المغرب، حيث جدد مرة أخرى التأكيد على أولوية مقترح الحكم الذاتي المغربي، وأشاد بالجهود الجادة وذات المصداقية التي يبذلها المغرب للسير قدما بالمسار السياسي. كما حث، مرة أخرى وبلهجة مباشرة، “البوليساريو” على الامتناع عن كل الأعمال الاستفزازية التي من شأنها عرقلة المسلسل الأممي.
وكما شهدت سنة 2019 تطورات مهمة على نطاق أوسع تمثلت في:
– تواصل مسلسل سحب الاعترافات بالجمهورية الوهمية، حيث تم تسجيل سحب أربعة اعترافات: بإفريقيا (المالاوي وزامبيا) وأمريكا اللاتينية (السلفادور والبارباد).
– تعزيز تمثيلية منتخبي الأقاليم الجنوبية في أشغال الدورة العادية للجنة 24 التي انعقدت بنيويورك في يونيو 2019، وهي المشاركة التي كرست تفنيد أسطورة “الممثل الوحيد” لساكنة الصحراء التي يروج لها “البوليساريو”، وعززت الشرعية الديمقراطية والتمثيلية لمنتخبي الصحراء في تمثيل ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة.
– مواصلة فضح الخروقات القانونية والإنسانية والأخلاقية في مخيمات تندوف، وحث المنتظم الأممي على اتخاذ الإجراءات العملية اللازمة، بدءا بالسماح للمفوضية السامية للاجئين بالقيام بواجبها في إحصاء ساكنة هذه المخيمات، وتمتيع هذه الساكنة بالحماية الإنسانية الدولية، وتمكينها من حقوقها الأساسية، وفي مقدمتها حرية التعبير والتنقل.
– مواصلة الدفاع عن المصالح العليا للمغرب والترويج لموقفه الشرعي بخصوص قضية الصحراء المغربية داخل الاتحاد الإفريقي، وهي الجهود التي أثمرت عن عدد من النتائج الإيجابية:
– عدم تبني قمتي الاتحاد الإفريقي لشهري فبراير ويوليوز 2019 لأي قرار يخص القضية الوطنية،
– حذف الفقرات الخاصة بقضية الصحراء من تقرير مجلس السلم والأمن الإفريقي لسنة 2019،
– تنظيم المؤتمر الوزاري الإفريقي حول دعم الاتحاد الإفريقي للمسلسل الأممي بشأن النزاع الجهوي حول الصحراء بمراكش في شهر مارس الماضي، بمشاركة 37 بلدا إفريقيا، وذلك في إطار دعم قرار القمة الإفريقية رقم 693 الذي جدد التأكيد على الاختصاص الحصري للأمم المتحدة في قضية  الصحراء.
– تواصل الترويج للنموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية للمملكة على الصعيد الدولي، وهو ما دفع بالعديد من الدول إلى اتخاذ قرار افتتاح قنصليات عامة بمدينتي العيون والداخلة، على غرار جمهورية جزر القمر المتحدة التي تم تدشين مقر قنصليتها يوم 18 دجنبر2019 بحضور وزيري خارجية البلدين وكذا الإعلان الرسمي لجمهورية غامبيا عن فتح قنصلية عامة بمدينة الداخلة.
– كما تم العمل على تحديد الإطار القانوني للحدود البحرية للمغرب وسيادته على مجاله البحري عبر ترسيم حدود مياهه الإقليمية لتشمل الأقاليم الجنوبية تأكيدا بذلك على مغربية الصحراء وفقا للقانون.

2. الشراكات الثنائية ومتعددة الأطراف

شهدت سنة 2019 حضورا مغربيا وازنا في المحافل متعددة الأطراف، لعل أبرز مظاهر ذلك:
– المشاركة المتميزة للمغرب في أشغال الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تكللت بعقد اجتماعات مع قرابة 70 وفدا من كل القارات وممثلين عن منظمات إقليمية بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وتقديم مشروع قرار باسم المملكة المغربية حول “الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
– تنظيم مؤتمرات ذات طابع اقتصادي وفي ميدان التنمية المستدامة بالتعاون مع منظومة الأمم المتحدة والقطاعات الوزارية المعنية:
– رئاسة المغرب لمجلس السلم والأمن الإفريقي لشهر شتنبر 2019 وعقد اجتماع لهذا المجلس على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة،
–  احتضان المغرب لثلاث فعاليات في إطار الاتحاد الإفريقي”الخلوة رقم 12 لمجلس السلم والأمن تحت عنوان “تقوية عمل مجلس السلم والأمن ودوره الوقائي في الحد من النزاعات وتمتين السلم في إفريقيا”، خلال شهر يونيو 2019، والدورة الـ12 للألعاب الإفريقية ما بين 19 و 31 غشت 2019،و الاجتماع الأول لمكتب اللجنة التقنية المتخصصة المعنية بالوظيفة العمومية والجماعات المحلية والتنمية الحضرية واللامركزية بالاتحاد، خلال شهر شتنبر 2019.
كما تميزت سنة 2019 بإعادة انتخاب المغرب لتولي رئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب لولاية ثالثة الى غاية 2022، الى جانب كندا، اعترافا من أعضاء المنتدى بالدور المغربي الريادي في قضايا مكافحة الإرهاب والأمن.
وتعزيزا للمكتسبات التي حققها المغرب بمصادقة الاتحاد الأوروبي على تبادل الرسائل الخاصة بالاتفاق الفلاحي وعلى اتفاقية الصيد البحري، طرح المغرب على شريكه الأوروبي عددا من المقترحات لتفعيل وتطوير شراكتهما المتجددة.
وقد تم عقد الدورة 14 لمجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تحت عنوان “الشراكة الأوروبية المغربية من أجل الازدهار المشترك”.
وقد شهدت سنة 2019 تحسنا مضطردا لتموقع المغرب على المستوى الدولي وتقوية علاقاته الثنائية التي تربطه مع مجموعة من الدول الوازنة على مستوى تدبير الشأن الدولي والأزمات، وذلك من خلال إبرام شراكات استراتيجية أو حوار استراتيجي، وإعطاء مضمون واقعي ومتعدد الأبعاد لهذه الشراكات، خاصة مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والصين وروسيا.
كما لم يغفل المغرب تكريس مكتسباته في علاقاته مع الدول الأوروبية والآسيوية والأمريكية والإفريقية من خلال تفعيل اللجان المشتركة وتبادل الزيارات رفيعة المستوى والتوقيع على اتفاقيات ثنائية.
وبخصوص الشراكات الجهوية، فقد عرفت حضورا مغربيا متزايدا خلال سنة 2019، في إطار مواصلة النهج المنفتح تجاه المنظمات الإقليمية الآسيوية وفي أمريكا اللاتينية، تمثل في مشاركة المغرب بفعالية في منتديات الشراكة البين-قارية، واستكمال إجراءات حصوله على وضعية “شريك الحوار القطاعي” لدى رابطة “آسيان”، والتقدم بطلب الترشح للحصول على وضعية مراقب في “منظمة مجموعة دول الأنديز”.

3. قضايا الأمن والسلم والاستقرار والتنمية المستدامة

حافظ المغرب على دوره كفاعل في قضايا مكافحة الإرهاب والأمن، حيث تميزت رئاسته المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب لولايتين متتاليتين باعتماد 18 وثيقة للممارسات الجيدة تتمحور حول أبعاد جديدة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.  كما تمت إعادة انتخاب المغرب، إلى جانب كندا لتولي رئاسة المنتدى لولاية ثالثة إلى غاية 2022، اعترافا من أعضاء المنتدى بالدور المغربي الريادي.
وتتابع وزارة الشؤون الخارجية مسلسل تفعيل مقترح الملك محمد السادس في ما يتعلق بـ”المرصد الإفريقي للهجرة”، حيث عملت المملكة، خلال هذه السنة، بتعاون مع مفوضية الاتحاد الإفريقي، على إعداد الإطار القانوني ومناقشة الموارد المالية وتوفير مقر للمرصد، وفق المواصفات المطلوبة، وذلك قصد الوفاء بمواعيد بدء انشطته.
أما في ما يتعلق بالتغيرات المناخية، فقد واكبت وزارة ناصر بوريطة اختيار المملكة من بين 60 دولة من أعضاء الأمم المتحدة التي اعتُبر التزامها بالحد من التغيرات المناخية في مستوى الطموح الذي حددته قمة الأمم المتحدة حول المناخ، كما ساهمت الوزارة في تفعيل لجنة المناخ المنبثقة عن قمة العمل الإفريقية التي نُظمت على هامش COP 22.

4. شراكات مختلفة

واكبت وزارة الخارجية توقيع 123 اتفاقية ثنائية حكومية منها 52 في الميادين الثقافية والتربوية والعلمية و71 في الميدان الاجتماعي والاقتصادي، إضافة إلى 46 اتفاقية بين الجامعات المغربية ونظيراتها الأجنبية إلى جانب مواكبته لـ38 مشروع توأمة بين المدن والجهات المغربية ونظيراتها في “الدول الصديقة”.
كما عملت على “ضمان أحسن الظروف” لمشاركة المغرب في المهرجانات ومعارض الكتاب في 84 معرض في الدول العربية و27 في الدول الآسيوية و16 في الدول الإفريقية و129 في الدول الأوروبية و20 الدول الأمريكية، كما استضاف المغرب الدورة الرابعة لحوار الحضارات بين الصين والدول العربية خلال شهر دجنبر الحالي.
وواكبت، خلال سنة 2019، الزيارات والاجتماعات التي قام بها مستثمرون مغاربة ونظرائهم الأجانب، بما مكن من تنظيم 62 مهمة تجارية لفائدة رجال أعمال مغاربة إلى الخارج و201 مهمة تجارية لفائدة رجال أعمال أجانب إلى المغرب، إلى جانب المشاركة في اجتماعات متابعة تنفيذ اتفاقيات التبادل الحر والمساهمة في تنظيم ما يزيد عن 40 معرضا داخل المغرب، وكذا في فوز المغرب باحتضان الدورة 24 للجمعية العامة للمنظمة العالمية للسياحة بمراكش سنة 2021.

***

وتيرة عمل تشريعي مهم

تميزت الحياة البرلمانية خلال هذه السنة بوتيرة عمل تشريعي مهم، تخلله جدال حاد وكذا توافق في بعض محطاته، أدى إلى المصادقة على نصوص تشريعية مؤطرة ومؤسسة، منها على سبيل المثال القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، وقانون المالية، ومشروعا القانونين التنظيميين المتعلقين بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم ومجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وبالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
إضافة إلى ذلك، حفلت السنة الحالية بمحطات دستورية، فضلا عن مواصلة استثمار المؤسسة التشريعية لكافة الإمكانات المتاحة أمامها، سواء على مستوى التشريع أو المراقبة متعددة الأوجه وتقييم السياسات العمومية، من أجل تعزيز الانخراط في مسار النهوض بأدوارها.
وفي قراءة لأبرز المحطات التي ميزت الحياة البرلمانية خلال السنة الجارية، لا بد من الوقوف عند ورش تشريعي مؤسس نال حيزا كبيرا من النقاش المجتمعي، ذلك المرتبط بالقانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، خاصة مع تسجيل خلاف داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب بشأن لغات التدريس.
ويعكس النقاش الوطني الذي رافق هذا الموضوع الأهمية التي تكتسيها المسألة التعليمية في البلاد، ومكانتها المركزية بالنسبة للأسر والفاعلين السياسيين والمؤسسات، خاصة في ظل الرهانات المرتبطة بهذا الإصلاح الاستراتيجي.
ومن ضمن اللحظات الأخرى التي عرفت نقاشا حادا بين الأغلبية والمعارضة، وفي بعض الأحيان بين مكونات الأغلبية بحد ذاتها، تلك المتعلقة بقانون المالية لسنة 2020، وأساسا حول المادة التاسعة “المثيرة للجدل” والتي تمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة عند تنفيذ الأحكام القضائية.
لقد انقسمت المواقف بشأن هاته المادة بين اتجاهين، الأول دافع عن إبقاء هذه المادة في مشروع القانون مؤكدا الحرص على احترام الأحكام القضائية وعلى التنفيذ السريع لهذه الأحكام، وفي الوقت ذاته ضمان استمرار المرفق العام في أداء الخدمات المقدمة للمواطن بشكل خاص، وفيما دعا الثاني إلى سحبها لكونها تشكل خرقا لأحكام الدستور وتضرب في العمق النفس الاجتماعي الذي تؤكد عليه الحكومة.
ولم يقتصر هذا النقاش فقط بين مكونات المؤسسة التشريعية، بل امتد صداه إلى داخل المجتمع وأصبح شأنا يهم الرأي العام، وهو الأمر الذي أدى إلى إحياء جدل قانوني ودستوري وحقوقي كان قد عرفه المغرب قبل سنتين خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2017.
في سياق متصل، تمكنت المؤسسة التشريعية من المصادقة على أوراش تشريعية مهمة أخرى تتمثل في القانونين التنظيميين المتعلقين بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وبالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
فبالمصادقة على هذين النصين، يكون المشرع قد انتهى تقريبا من المصادقة على القوانين التنظيمية المنصوص عليها في دستور 2011، في انتظار المصادقة على القانون التنظيمي المتعلق بحق ممارسة الإضراب، الذي ينبغي أن ينضج التوافق الوطني حوله اعتبارا لأهميته.
كما صادق على قوانين طال انتظارها وموروثة عن فترة الحماية، ويتعلق الأمر بثلاثة قوانين بشأن أراضي الجماعات السلالية تهم الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها؛ والتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية؛ والأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري.
غير أنه، بالمقابل، لم تتمكن الفرق والمجموعة بمجلس النواب لحد الآن، من وضع تعديلات على نص تشريعي مهم، يعرف نقاشا سواء داخل المؤسسة التشريعية أو خارجها بسبب تباين المواقف حول مضامين هذا النص، المعروض على أنظار لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالمجلس منذ يونيو 2016، خصوصا تلك المتعلقة بالحريات الفردية وغيرها.
وفي إطار مهامه التشريعية أيضا، وافق البرلمان بمجلسيه، خلال هذه السنة، على عدة اتفاقيات وقعها المغرب مع بلدان وتكتلات اقتصادية.
ونذكر على سبيل المثال مصادقة البرلمان على مشروع قانون يوافق بموجبه على الاتفاق المؤسس لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية، والتي ستمكن المغرب، بحكم إمكانياته واستثماراته في القارة، من الولوج الحر للأسواق الإفريقية، مع ما لذلك من انعكاسات إيجابية على الدينامية الاقتصادية والخدماتية بالمملكة، وعلى المقاولة الوطنية بفضل الامكانيات الهائلة والآفاق الواعدة للاقتصادات الإفريقية.
وفي نفس أفق الشراكات الدولية التي تربط المملكة مع التكتلات العالمية، صادق البرلمان على مشروع قانون يوافق بموجبه على اتفاق الشراكة في مجال الصيد البحري المستدام بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر شريكا استراتيجيا تقليديا للمغرب.
من جهة أخرى، وفي إطار التفاعل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، شهدت السنة الحالية محطة دستورية اكتست أهمية خاصة، متمثلة بمناقشة حصيلة العمل الحكومي برسم النصف الأول من الولاية 2016-2012 والتي قدمها رئيس الحكومة، حيث شكلت مناسبة لتقييم الإنجازات والإكراهات، والبحث عن استراتيجيات لما تبقى من عمر الحكومة، والوقوف على مدى التزامها بمضامين التصريح الحكومي الذي عرض على البرلمان.
كما تميزت هذه السنة بمحطة أخرى تمثلت في تجديد هياكل مجلس النواب، وأساسا عملية انتخاب رئيس المجلس السيد الحبيب المالكي للسنة الثالثة ولما تبقى من الفترة النيابية 2016-2021، وذلك تطبيقا لمقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب، على أنه ينتخب رئيس المجلس في مستهل الفترة النيابية، ثم في سنتها الثالثة عند دورة أبريل لما تبقى من الفترة المذكورة، تطبيقا لأحكام الفصل الثاني والستين من الدستور.
على صعيد آخر، شكل افتتاح السنة التشريعية الرابعة، محطة مهمة في مسار البرلمان تميزت بالخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس، والذي شكل خارطة طريق ورسالة إلى البرلمانيين للاضطلاع بالصلاحيات، التي منحها لهم الدستور، وعكس نبض المجتمع من خلال التشريعات.
فمع إشراف السنة الحالية على الانتهاء، تزداد التحديات التي ستكون المؤسسة التشريعية مدعوة لرفعها من أجل مواكبة المجهود الوطني للمرحلة الجديدة التي تعرفها المملكة لتحقيق التنمية الشاملة، وهو ما يستدعي تعبئة مختلف مكونات البرلمان من أجل القيام بالتأطير التشريعي للجيل الجديد من الإصلاحات التي ستنخرط فيها البلاد في الفترة المقبلة.

***

التعديل الحكومي

تميزت سنة 2019 باستقبال جلالة الملك وتعيينه 6 وزراء جدد مع إقرار تغيير شامل في هندسة الحكومة يخفض عدد أعضائها من 39 وزيرا وكاتب دولة في السابق إلى 24 عضوا، من بينهم 18 وزيرا و5 وزراء منتدبين إلى جانب رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وباتت الحكومة في نسختها الجديدة تضم 4 سيدات، بعدما كانت في نسختها السابقة تضم 8.
التغييرات التي أدخلت على الحكومة المغربية أخرجت 21 عضوا سابقا من صفوفها، وهمت بالخصوص الحقائب والقطاعات الحكومية التي تديرها الأحزاب السياسية، فيما احتفظ جل الوزراء غير المنتمين، بحقائبهم الخاصة بقطاعات تعتبر سيادية.
وجدد جلالة الملك الملك تثبيت كل من ناصر بوريطة كوزير للخارجية والتعاون الدولي، وعبد الوافي لفتيت كوزير للداخلية، وأحمد التوفيق كوزير للأوقاف والشؤون الإسلامية، وعبد اللطيف الوديي كوزير منتدب لدى رئيس الحكومة مكلّف بإدارة الدفاع الوطني، إلى جانب محمد الحجوي، الأمين العام للحكومة .
أبرز التغييرات التي عرفتها القطاعات الحكومية التابعة للأحزاب، تتمثل في تعويض الوزيرين السابقين لـ”حزب التقدم والاشتراكية” الذي أعلن انسحابه من الحكومة، بكل من خالد آيت الطالب، الذيلا انتماء سياسي له، في وزارة الصحة، ونزهة بوشارب من “الحركة الشعبية” في وزارة الإسكان.
كما غادر الحكومة محمد ساجد، الأمين العام لحزب “الاتحاد الدستوري”، حيث عوضته نادية فتاح العلوي في وزارة السياحة، وهي متحدرة من حزب “التجمع الوطني للأحرار”.
هذا الأخير خسر اثنتين من حقائبه السابقة، وهما كل من وزارة العدل ووزارة الشبيبة والرياضة، حيث تولى الأولى الوزير السابق للإصلاح الإداري محمد بن عبد القادر، عن حزب “الاتحاد الاشتراكي”، فيما آلت الثانية إلى الحسين عبيابة، عن حزب “الاتحاد الدستوري”، الذي بات يجمع بينها وبين وزارة الثقافة.
وفي نسختها الجديدة باتت الحكومة المغربية موزعة بين 7 حقائب وزارية لحزب “العدالة والتنمية”، منها رئاسة الحكومة، و4 حقائب وزارية لحزب “التجمع الوطني للأحرار”، وحقيبتان وزاريتان لحزب “الحركة الشعبية”، وحقيبة واحدة لكل من حزبي “الاتحاد الاشتراكي” و”الاتحاد الدستوري”. في المقابل، أصبح الوزراء غير المنتمين إلى الأحزاب السياسية يشكلون أكبر كتلة داخل الحكومة، بحيازتهم 9 حقائب تتضمن أهم القطاعات السيادية.
الوجه الجديد الملتحق بصفوف الحكومة بالإضافة لآيت الطالب، هو إدريس أوعويشة الذي عين في منصب وزير منتدب لدى وزير التربية الوطنية، مكلفاً بالتعليم العالي، وهو المنصب الذي كان يشغله خلد الصمدي عن “العدالة والتنمية”.
كما يوجد بين الملتحقين الجدد بصفوف الحكومة نزهة بوشارب التي تولت وزارة الإسكان باسم حزب “الحركة الشعبية”، ونادية فتاح العلوي، وزيرة السياحة الجديدة، ومحمد أمكراز، الكاتب الوطني لشبيبة حزب “العدالة والتنمية” الذي عيّن وزيراً للشغل خلفا لمحمد يتيم من الحزب نفسه، ثم عبيابة الذي تولى منصب وزير الثقافة والشباب والرياضة، الناطق الرسمي باسم الحكومة. وآخر الملتحقين الجدد هو إدريس أوعيشة، رئيس جامعة الأخوين الخاصة التي تدرّس بالطريقة الأميركية، والذي تولى منصب وزير منتدب مكلف بالتعليم العالي.

***

لجنة النموذج التنموي

تميزت سنة 2019 بتعيين جلالة الملك أعضاء لجنة الخاصة بالنموذج التنموي التي ترأسها شكيب بنموسى.
وتتكون هذه اللجنة، بالإضافة إلى الرئيس، من 35 عضوا، يتوفرون على مسارات أكاديمية ومهنية متعددة، وعلى دراية واسعة بالمجتمع المغربي وبالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. كما تضم اللجنة كفاءات مغربية تعمل داخل الوطن وبالخارج، مشهود لها بالعطاء والالتزام، تنخرط في القطاعين العام والخاص، أو في المجتمع المدني.
وتفعيلا للتوجيهات الملكية السامية، ستنكب هذه اللجنة، منذ الآن، على بحث ودراسة الوضع الراهن، بصراحة وجرأة وموضوعية، بالنظر إلى المنجزات التي حققتها المملكة، والإصلاحات التي تم اعتمادها، وكذا انتظارات المواطنين، والسياق الدولي الحالي وتطوراته المستقبلية. وسترفع إلى النظر السامي لجلالة الملك، بحلول الصيف المقبل، التعديلات الكبرى المأمولة والمبادرات الملموسة الكفيلة بتحيين وتجديد النموذج التنموي الوطني. وستعمل اللجنة طيلة فترة عملها وفق مقاربة تشاركية ومندمجة على ضمان أوسع انخراط ممكن.

Related posts

Top