الذكرى 70 لليوم الوطني للمقاومة.. استحضار لتضحيات شهداء الحرية والاستقلال والوحدة الترابية والواجب الوطني

يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحريـر، يوم الجمعة21 يونيو 2024 الذكـرى 70 لليوم الوطني للمقاومة، الذي يقترن بذكرى استشهاد البطل محمد الزرقطوني رحمه الله، والذكرى 68 للوقفة التاريخية لبطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، استحضارا لتضحيات شهداء الكفاح الوطني في سبيل الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية والترابية، وتجسيدا لقيم البرور والوفاء لأرواحهم الطاهرة.

لقد اندلعت ملحمة ثورة الملك والشعب للتصدي لمؤامرة المستعمر الذي سخر كل الوسائل لبسط نفوذه وهيمنته، فأقدم في يوم  20 غشت 1953 على فعلته النكراء بنفي بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه والأسرة الملكية الشريفة، متوهما أنه بذلك سيخمد شعلة النضال وجذوة الكفاح الوطني والتحريري. لكن الشعب المغربي المتمسك بمقدساته الدينية وثوابته الوطنية فجرها ثورة عارمة مضحيا بالغالي والنفيس من أجل عودة الشرعية والمشروعية التاريخية بعودة الملك المجاهد الشهم الذي فضل المنفى على أن يرضخ لجبروت المستعمر وإملاءاته.

انطلقت المظاهرات الشعبية وأعمال المقاومـة والفداء لتهز أركان الوجود الاستعماري وتضرب مصالحه وتستهدف دهاقنته وغلاته، حيث تكونت خلايا ومنظمات المقاومة المسلحة بالدار البيضاء وبسواها من المدن المغربية بتعبئة شبـاب متحمس هب لإعـلاء راية الوطـن والذود عن حماه وحياضه وصون عزته وكرامته. وكـان الشهيد محمد الزرقطوني أحد هؤلاء المقاومين الأفذاذ والرموز الخالدين الذين هبوا لنصرة المقاومة ورسم أهدافها وإرساء تنظيماتها حيث انتصب بطلا من أبطال الكفاح الوطني، حريصا على تقوية تنظيمات المقاومة وامتداداتها، لا يألـو جهدا ولا يدخر وسعا بتنسيق وتعاون مع رفاق دربه في النضال دفاعا عن مقدسات الوطن وثوابته، إلى أن لقي ربه شهيدا يوم 18 يونيو 1954 اثر اعتقاله من لدن السلطات الأمنية الاستعمارية حيث فضل الشهادة حفاظا على أسرار المقاومة والفداء من أجل استمرارها، معطيا بذلك المثال على روح التضحية والغيرة الوطنية والنضالية التي جسدها شهداء الوطن البررة، والمقاومون وأعضاء جيش التحرير الأفذاذ متحملين كل الشدائد إيمانا بعدالة قضيتهم الوطنية ومقاصدهم النبيلة في تحقيق أماني وطموحات الشعب المغربي في الحرية والاستقلال.

 

فبسيرته النضالية التي تستحق أن تكون عبرة للناشئة والأجيال الجديدة والمتعاقبة، طبع الشهيد محمد الزرقطوني عنوان مرحلة بكاملها وجيلا كاملا بسماته وميزاته، فما فتئ اسمه يتردد عند كل المنظمات السرية الشيء الذي يحيل على مركزية دوره في العملولعل البيئة الاجتماعية والتربوية التي عاش وترعرع فيها البطل والشهيد محمد الزرقطوني قد مكنته من الاحتكاك بفضاءات الزوايا والطرقية المتنورة والمصلحة بحكم طبيعة عمل والده الذي كان مقدما للطريقة الحمدوشية، الأمر الذي كان له الأثر البالغ في التنشئة النفسية والأخلاقية لمحمد الزرقطوني، وعمق تربيته الدينية التي قوت فيه الروح الإيمانية والقيم والمبادئ الوطنية منذ طفولته، حيث أتم حفظ القرآن الكريم في سن الرابعة عشرة، وعايش وهو طفل، بعض الأحداث الوطنية، منها تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال حينما دخل المدرسة العبدلاوية وعمره 17 سنة. وفي سنة 1945، أصبح محمد الزرقطوني عضوا نشيطا في حركة الكشفية الحسنية .

وفي أوائل دجنبر 1952، وقعت الأحداث الدامية الشهيرة بالدار البيضاء تضامنا مع الشعب التونسي الشقيق على اثر اغتيال الزعيم النقابي التونسي والمغاربي فرحات حشاد وألقي القبض على زعماء الحركة الوطنية، وعندها أيقن محمد الزرقطوني أن ساعة  العمل الفدائي حانت، فأخذ يبحث عن المال والسلاح. وعندما امتدت يد المستعمر إلى ملك البلاد ورمز سيادتها جلالة المغفور له محمد الخامس قدس الله روحه، في 20 غشت 1953، شرع محمد الزرقطوني ورفاقه في خوض غمار الكفاح الوطني وبدأوا بنسف القطار الفرنسي الرابط بين الدار البيضاء والجزائر. واتسع مجال عمل مجموعة الزرقطوني ليشمل ربوع التراب الوطني، وخاصة مدن فاس ومراكش وقلعة السراغنة.

وتكللـت الملحمـة الكبرى لثورة الملـك والشعب بالعودة المظــفرة لبـطل التحرير والاستــقلال، جلالـة المغــفور له محمد الخامس محفوفا بوارث سره ورفيقه في الكفاح والمنفى جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراهما والأسرة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن في 16 نونبر 1955، وإعلان بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وإشراقة شمس الحرية والاستقلال.

وقد حرص الملك المجاهد جلالة المغفور له محمد الخامس أن يجعل من يـوم 18 يونيو 1954 يومـا للمقاومة، اعترافا واعتزازا بتضحيات شرفاء الوطن الذين استرخصوا أرواحهم فداء للوطن، حيث قام قدس الله روحه بوقفته التاريخية يوم 18 يونيو 1956 بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء أمام قبر الشهيد محمد الزرقطوني رحمة الله عليه، مجسدا بذلك قيم الوفاء والبرور بنضالات وعطاءات الشهداء والاعتزاز بملاحـم وبطولات المقاومـة المغربية حيـث قال في حقهم: “شاء الله عز وجل أن نقف اليوم على قبرك لا لنبكي شبابك الغالي، فإن أمثالك لا تقام ذكراهم بالبكاء ولا لنجدد التعزية لأهلك وذويك ، فإن فقدانك أعظم شرف، أصبحت تعتز به أسرتك، ولكننا جئنا اليوم لنتذكر المثل العليا التي بذلت في سبيلها روحك الطاهرة…”.

 وأضاف جلالته طيب الله ثراه مشيدا بملاحم المقاومة: “… لقد كنا في منفانا، شهد الله، نتلهف شوقا إلى أخبار مقاومة أبطالنا، فكانت هي أنسنا في نهارنا، وسمرنا في ليلنا، وكان يقيننا راسخا في أن تلك المقاومة، وقد كنا أول من حمل مشعلها، ستظل تستفحل يوما بعد يوم حتى تستأصـل جذور الباطـل، وها نحـن اليوم نستظل بدوحة الحرية التي غرسها وسقاها فدائيون بزكي دمائهم…”.

وإن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وهي تخلد هذه الذكرى المجيدة، لتتوخى التعريف برصيد الملاحم والأمجاد التاريخية الوطنية ورموزها وطلائعها الخالدين وتلقين دروسها وعبرها للناشئة والأجيال الجديدة والمتعاقبة، حفاظا على الذاكرة التاريخية الوطنية، تمشيا مع التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، إعلاء لصروح الوطن وارتقاء به في مدارج الحداثة والتقدم والتعبئة الشاملة والمستمرة، دفاعا عن مقدسات الوطن وثوابته، وحفاظا على هويته ومقوماته واستلهاما لقيم الوطنية الحقة  والمواطنة الإيجابية والملتزمة والسلوك المدني القويم.

وإنها لمناسبة سانحة لتجدد موقفها الثابت من قضية وحدتنا الترابية وتعلن استعداد أفرادها لاسترخاص الغالي والنفيس في سبيل تثبيت السيادة الوطنية بأقاليمنا الجنوبية المسترجعة ومواصلة الجهود والمساعي الحثيثة لتحقيق الأهداف المنشودة والمقاصد المرجوة في بناء وطن واحد موحد الأركان، قوي البنيان ينعم فيه أبناؤه بالحرية وبالعزة والكرامة.

وبهذه المناسبة المجيدة، أعدت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير برنامجا حافلا بالأنشطة والفعاليات المخلدة لهذه الذكرى وذلك وفق البرنامج التالي:

يوم الجمعة 21 يونيو 2024، بمدينة الدار البيضاء:

على الساعة العاشرة صباحا:

-الوقوف بمقبرة الشهداء بالحي المحمدي أمام قبر الشهيد محمد الزرقطوني والترحم على روحه وعلى أرواح شهداء الاستقلال والوحدة الترابية؛

-الإنصات لمقتطفات من خطاب جلالة المغفور له محمد الخامس على قبر الشهيد يوم 18 يونيو 1956؛

-إلقاء كلمات بالمناسبة أمام المعلمة التذكارية المخلدة لذكرى شهداء الحرية والاستقلال والوحدة الترابية.

على الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا:

-تنظيم مهرجان خطابي وحفل تكريمي بمقر عمالة مقاطعات الدار البيضاء آنفا.

ومعلوم أن سائر فضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير عبر التراب الوطني وتعدادها 104 فضاء، ستشهد  احتفاليات بهذه المناسبة التاريخية العظيمة وتنفيذ برامج مخلدة للذكرى تتضمن مهرجانات خطابية وندوات علمية وفكرية ولقاءات تواصلية ومسابقات وموائد مستديرة مع زيارات جماعية لوفود الشباب والتلاميذ والتلميذات وفاعلين جمعويين ونشطاء المجتمع المدني وستتمحور أشغالها وفعالياتها حول المغازي والدلالات المستقاة من ذكرى اليوم الوطني للمقاومة الذي يعتبر محطة وازنة وحاسمة في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية والترابية.

Top