الراحل الحسين اللياوي.. إرث نضالي وثقافي لن يموت

تم، مؤخرا، إحياء ذكرى أربعينية المرحوم الرفيق الحسن اللياوي الذي توفي يوم السبت 5  يونيو 2021، بمدينة وجدة، بعد معاناة طويلة مع المرض، ووري جثمانه الثرى بمقبرة الشهداء “واد الناشف”.

ويعتبر الحسن الياوي، رحمة الله عليه، من بين مراسلي جريدة البيان وبيان اليوم، منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ونشر مؤخرا مجموعة من المقالات حول جهة الشرق، إلى جانب الإشراف على سلسلة بعنوان “أسرار الكتابة عند الكبار.. نماذج من المغرب الشرقي” على صفحات جريدة بيان اليوم.

كما يعد اللياوي من بين قدماء مسؤولي فرع حزب التقدم والاشتراكية بمدينة بركان، حيث كان الكاتب الأول السابق للشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية فرع بركان، وكان مستشارا جماعيا باسم الحزب بالمدينة ذاتها.

وكان الراحل قياديا سابقا بفرع الجهة الشرقية للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، ومنخرطا وعضوا نشيطا في جمعية المتقاعدين، وحضي بتكريم من هذه الجامعة بمناسبة مؤتمرها الثاني الذي انعقد بوجدة.

وللحسن اللياوي مجموعة من الإصدارات الأدبية، والدواوين الشعرية. وعلى المستوى الرياضي، كان عضوا سابقا بمكتب النهضة البركانية، ومكلفا بالإعلام بعصبة الشرق لكرة القدم.

وبمناسبة هذه الذكرى الأليمة، التي خلفت صدمة في الأوساط الثقافية والسياسية والرياضية، خاصة على مستوى جهة الشرق التي تظل بصمته واضحة بها كمناضل نشيط، يميزه العمق في التحليل والتأمل والعطاء، وكقلب يتسع للكل ويتجاوب مع الجميع، تستعرض بيان اليوم من خلال هذا الملف أبرز المقتطفات من سيرته الذاتية الحافلة بالعطاء في مختلف المجالات، إلى جانب عرض عدد من الشهادات والكلمات في حقه، من طرق المقربين إليه.

تقلد المرحوم قيد حياته، مهام مختلفة مكنته من كسب مراتب عليا في قلوب الناس، لأنه كان دوما يسعى إلى خدمة الصالح العام، والدفاع عن حقوق الآخر، أكان فردا أو جماعة،رغم أنه لم يوف حقه من التكريم والاهتمام. خدم الأدب بشكل كبير، وعرف بالكثير من الأدباء المشهورين والمغمورين…

 سيرة حافلة

ازداد المرحوم الحسين اللياوي بمدينة بركان بتاريخ 23 مايو 1956 بزنقة بني وكلان  بالطحطاحة، متقاعد، ومتزوج وله 5 أطفال…ليغادرنا إلى دار البقاء  يوم السبت 5 يونيو 2021.

حصل الراحل الحسين اللياوي، قيد حياته، على الإجازة بكلية الحقوق بجامعة محمد الأول بوجدة، وتخرج من المدرسة الملكية لتربية المواشي بالفوارات بالقنيطرة، ثم حصل على دبلوم من معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة  بالرباط “شعبة التحفيظ العقاري”، وعلى دبلوم محرر إداري من المدرسة العالمية لتدريس القانون الإداري بباريس عن طريق المراسلة بمساهمة وزارة الفلاحة.

الصحافة والمجتمع

من أبرز المهام والأنشطة الجمعوية التي زاولها المرحوم قيد حياته، رئاسة مركز تأهيل الفرس والتلقيح الاصطناعي بعين بني مطهر “رئيس سابق”، ثم  رئيس  لجمعية التربية والتنمية ببركان، كما ترأس الجمعية الوطنية لتقنيي مرابط الخيل بالمغرب.

وعلى المستوى الصحفي والثقافي، كان المرحوم مراسلا رسميا لجريدتي البيان وبيان اليوم، وعضوا مؤسسا للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بالجهة الشرقية التي حضت مدينة أبركان بشرف احتضان تأسيسها، ثم عضوا بالمكتب النقابي للصحافة الوطنية للصحافة المغربية بالجهة الشرقية” مقرها بوجدة”.

وكان المرحوم أيضا عضوا مؤسسا لرابطة المراسلين والصحفيين الرياضيين، وصاحب الصفحة الخاصة بقضايا المغرب الشرقي لسنين بجريدة البيان الفرنسية. كما كان وراء إصدار أول مجلة تابعة للشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية ببركان ووجدة ” الشعلة”.

وكان المرحوم صاحب الركن القار في بيان اليوم بالصفحة الأخيرة  ليوم الجمعة، وصاحب العمود القار بجريدة البيان فرنسية “المنسيون في الرياضة”، ثم صاحب العمود القار في صفحة “الشباب” بجريدة البيان.

واشتغل الراحل مديرا مسؤولا عن مجلة “العنان”، لسان حال الجمعية الوطنية لتقنيي مرابط الخيل بالمغرب، ومديرا مسؤولا للجريدة الالكترونية “وجوه بلدتي”.

الرياضية والفلاحة

كان اسم الراحل بارزا أيضا على المستويين الرياضي والفلاحي، فقد كان نائب رئيس النهضة البركانية  لكرة القدم مكلف بالإعلام سابقا، وعضو ممثل للنهضة البركانية في عصبة المغرب الشرقي لكرة القدم، وكاتب عام ومدرب سابق  لنادي الفروسية لالة أمينة بوجدة، ثم مؤسس ومدرب سابق لنادي الفروسية بتازة.

كما كان المرحوم عضوا سابقا للجنة الإدارية للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، ثم كاتبا عاما سابقا لولايتين لفرع الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التابع للاتحاد المغربي للشغل بوجدة.

السياسة

على المستوى السياسي، وكما تمت الإشارة إليه آنفا، كان المرحوم عضوا مؤسسا وعضو مكتب الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية فرع تازة، كما كان مستشارا منتخبا باسم الحزب ذاته عن الدائرة الانتخابية 17 بالطحطاحة ببركان، ومسؤولا  عن اللجنة الثقافية والرياضية بالمجلس البلدي.

كما كان عضوا سابقا بالمكتب المركزي لحزب التقدم والاشتراكية ببركان، وكاتبا أولا سابقا لفرع حزب التقدم والاشتراكية بوادي الناشف سيدي امعافة  بوجدة، ثم رئيسا للوفد المغربي في شخص بلدية بركان في الملتقى الدولي حول الهجرة والتنمية الذي احتضنته بلدية “صانطا كولوما” بالقرب من برشلونة  بإسبانيا.

شهادات

 حسن عزماني*: كاتب الحب والحياة

أن يطلب منك الإدلاء بشهادة في حق رجل نذر عمره الذي ربى على الستة عقود ونيف للحياة، أمر في غاية الصعوبة، لأنك لن تستطيع أن تفي الرجل حقه مهما حاولت الغوص في بحر الكلمات وأنت تعلم أنه يتلاطم بكل ما يمكن أن يقال في التأبين، لكن يصعب أن تجد كلمات تناسب رجلا أحب الحياة وناضل من أجلها. أنت تعلم ذلك لأنك جايلت الرجل لأزيد من ثلثي عمره.

عرفت الحسين اللياوي إنسانا في زمن قل فيه الرجل /الإنسان. كما عرفته منذ انضممت إلى حزب التقدم والاشتراكية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وعشت معه مخاض تأسيس الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية. رجل لم يملك يوما شيئا غير الكلمة التي أعطاها كل ما أوتي من طاقة لتكون نفاذة، حمالة للموقف النبيل الذي ارتوينا به ذات زمن عسير، وأعطته المكانة التي يستحق في حيه ومدينته وحزبه الذي رضع لبن مبادئه ولما يتجاوز مرحلة الفتوة.

ارتمى الحسين في بحيرة موليير وهو في طور الإعدادي، واغترف من حيث تنهمر لغته. فكتب بالفرنسية أجمل المقالات على أعمدة جريدة البيان وهي حينئذ بين يدي علي يعتة، وما أدراك ما علي يعتة، قبل أن تسرقه لغة الضاد فيتحول إلى بحرها ينهل منه.

الحسين اللياوي كان صاحب قلم يسيل بسلاسة، سواء أداره نحو الفرنسية التي كان يجيدها، أو نحو العربية التي كان لي -وبشهادة منه- شرف إقناعه بالكتابة بها.

بالفرنسية كتب قصائد شائكة” Poèmes en barbelé “، وpour un” sourir”. ثم تلاهما ديوانان بنفس اللغة صدرا بفرنسا “des fleur et des pleurs “، و”armes et larmes PARIS”، ليصدر بعد ذلك عن مطبعة نجمة الشرق ببركان ديوانا بالعربية سماه ب: هل أنتم أنا؟.

وبتنسيق مع الدكتورة عفيفة الهلالي، أرملة الشهيد عزيز بلال، أصدر  كتابا بعنوان عزيز بلال من الألف إلى الياء” AZIZ BELAL DE A a Z”.

 وله أعمال لازالت تنتظر النشر، منها ” ماتت السينما”  وكتاب “الحنين إلى زمن حب ضاع على أرائك المسارح” وقصة “هذيان قلم تائه”.

أصدر الراحل كتبا وأبقى أخرى لما بعد الرحيل لأنه كان محبا للحياة وأراد أن يستمر له الوجود وأن يبقى ذلك الحب شجرة مستمرة تمد ظلالها ليتفيّأ بها الناس البسطاء الذين قاسموه مسيرا حافلا بالعطاء والحب.

كل شيء كان لنا معه مشتركا. قواسم مشتركة كثيرة جمعتنا، أولها شظف العيش وثانيها مبادئ العمال والفلاحين الفقراء والمثقفين الثوريين. إنه ابن عامل بسيط سقى الأرض مع الفلاحين البسطاء بعرقه لينهل ابنه من ينابيع المثقفين المتنورين الذين أصبح واحدا في كتيبتهم.

الحسين اللياوي حمل القلم سلاحا لقتل الجهل وزرع بذرة المعرفة. حمله وكتب المقالة والقصيدة والقصة، كتب ذلك من أجل الإنسان والحياة. كتب لفلسطين ولبنان وجنوب أفريقيا… كان محبا للآخر وعاشقا للحياة وكانت البسمة لا تفارقه، دائم البشاشة، ترى البسمة في عينيه وهو يهرول لمعانقة من جمعته به الدراسة أو العمل أو النضال أو هوس الكتابة وتكبر الفرحة على محياه كلما كان لقاءه بمن قاسمه تعب الحياة في زمن الردة.

نم قرير العين مطمئنا رفيقي، ستمتد ابتسامتك في الزمن، وشجرتك ستتمدّد ويدوم لها الاخضرار ولروحك السـلام.

*كاتب روائي صديق الراحل ورفيقه

محمد إسماعيلي*: الفقيد العزيز لا زال حيا في قلوبنا

في آخر زيارة للرفيق الراحل المناضل والمثقف الحسين اللياوي وهو راقد على فراش المرض بالمصحة، أياما قلائل قبل رحليه، لا زالت صورة ابتسامته الجميلة التي تعلو محياه عالقة أمام عيناي وهو يستقبلني بكل ترحاب، قائلا بأعلى صوته حتى قبل أن أسأله عن حاله “لا زلت حيا”..

فعلا، إن الفقيد العزيز لا زال حيا في قلوبنا، وفي وجداننا، وفي ذاكرتنا.. وإن افتقدناه جسدا بيننا.

تعود معرفتي بالصديق الحسين رحمه الله وأحسن إليه وأسكنه فسيح جناته، إلى أواسط السبعينيات من القرن الماضي إذ كنا نسكن نفس الحي “لكرابة العليا” ببركان .. فالزنقة التي يسكنها هي المختصر في طريقي ذهابا وإيابا يوميا سواء إلى الإعدادية ومن بعدها الثانوية الوحيدة التي كانت آنذاك بالمدينة “ثانوية أبي الخير”، أو إلى دار الشباب الأندلس أو إلى دور السينما الثلاث التي كانت موجودة بالمدينة، أو إلى مقرات الأحزاب التقدمية والمركزيات النقابية..

تعرفت عليه من خلال نشاطه في صفوف الشبيبة التقدمية لحزب التقدم والاشتراكية، والتي كانت جد نشيطة آنذاك في صفوف الشبيبة التلاميذية والشبيبة العاملة، ثم بوصفه مناضلا حزبيا لا يكل ولا يمل، ثم مناضلا نقابيا كله حيوية ونشاط ونكران للذات، ثم عضوا بالمجلس البلدي لبركان وأخيرا مثقفا مناضلا ترك بصمته واضحة من خلال قصائده الملتزمة وكتاباته الهادفة ومنشوراته المتميزة..

الصديق الراحل عملة نادرة بقلب كبير ونظرة متفائلة للحياة لم تفارقه حتى في أحلك الظروف التي مر بها سواء سياسيا أو نقابيا أو صحيا، فقد بقي وفيا لمبادئه السامية في زمن أصبح من يتمسك بها كالقابض على الجمر، وبقي مناضلا مناصرا لقضايا التحرر والتقدم والحقوق الإنسانية والمطالب الشعبية المشروعة رغم معاناته الجسدية مع المرض، وبقي مبدعا ومعطاء شعرا ونثرا وترجمة لا يكل ولا يمل ناثرا ابتسامته الطيبة على الجميع دون استثناء خدمة للثقافة الجادة..

 رغم اختلافاتنا السياسية والحزبية فقد كانت الصداقة والاحترام والتقدير المتبادل فوق أي اعتبار، إنه أحد أهرامات مدينتنا، وأحد القامات الأدبية المتميزة، وأحد القادة السياسيين المحنكين، والمناضلين النقابيين الصامدين، إنه رجل من طينة نادرة، يفرض عليك احترامه سواء وافقته الرأي أم خالفته، لأنه يحترمك مهما كان موقفك، ما دام يصب في نهاية المطاف في نفس مجرى التوجه الوطني التقدمي والديمقراطي، إنه الرجل المناضل الذي لا يستكين، والمكافح الذي لا يذعن، والإنسان المسالم الذي لم يستسلم رغم كل المحن..

نعم، لن يموت من كان في مثل أخلاق الفقيد وعطائه وتضحياته، أتذكر كيف كنا ننسق برامج العروض والأنشطة الرمضانية لحزبينا بالأساس، الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، خلال أواسط سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بحيث لا يقام نشاطان في نفس اليوم حتى تتاح الفرصة للجميع لحضور نشاط الحزب الآخر.

 ورغم أن النقاش كان يحتد أحيانا إلا أنه كان يبقى راقيا في إطار أخوي واحترام تام لوجهة نظر الآخر. وإذا ما حاد المناصرين عن هذا الإطار العام بتعصب أعمى أو كلام لا يليق سارعنا إلى الاعتذار من بعضنا البعض.

 هذا السلوك السامي جعلنا نتعاون دون إقصاء أو تطرف أو انحياز، سواء في تأطير النضالات التلاميذية بالثانويات، أو من أجل رفع الحظر عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ثم الإعداد والتنسيق في التحضير للمؤتمر الوطني السادس عشر المنعقد صيف 1978م، وتشكيل قيادة جماعية بمشاركة طلبة الحزبين زائد طلبة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي.

 لا زلت أتذكر العمل المشترك والتعاون الذي كان قائما في المجلس البلدي أساسا بين الفقيدين الحسين اللياوي عن حزب التقدم والاشتراكية ومحمد بلحبيب عن الاتحاد الاشتراكي. لقد أبدع وأجاد وتألق السي الحسين في كل الميادين التي اشتغل بها..

أبدع في النضال والتضحية في سنوات الجمر والرصاص، فكان متفانيا في سبيل المبادئ التي اعتنقها ويسعى جاهدا إلى انتقالها من حيز الوجود إلى الواقع المعيش سواء سياسيا أو نقابيا..

أبدع وتألق في عمله الإعلامي والصحفي سواء محليا من خلال صفحته المتميزة في جريدة ملوية ومجلة الشعلة التي عمل على إصدارها أو وطنيا من خلال كتاباته ومقالاته ومراسلاته وأعمدته القارة في جريدة البيان بالفرنسية وبيان اليوم بالعربية..

أبدع وتميز في كتاباته وإصداراته سواء الأدبية من قصة وشعر أو ترجمات لنصوص عالمية أو محلية اتحفنا بها من خلال صفحاته المتميزة في الفضاء الأزرق..

لا يمكن في عجالة أن نحصي ونعد كل مناقب الفقيد ولا أن نحكي كل الوقائع والأحداث التي جمعتنا ولا أن نستحضر كل الذكريات، فمهما قلنا أو كتبنا فلن نفيه حقه..

رحم الله السي الحسين وغفر له وأحسن إليه وجزاه عنا خيرا وأكرم مثواه وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

*صديق الراحل. اتحادي سابقا، وعضو اللجنة التنفيذية لأوطم

محمد بن حفون*: كان الرجل رجلا

رحل عنا رفيقنا الحسين اللياوي، القدوة للجميع، والرجل النقي، والأخ والرفيق الذي زرع الأمل والتفاؤل في النضال أينما حل.

غيابه خسارة لا تعوض في حزب التقدم و الاشتراكية وفي الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التابعة للاتحاد المغربي للشغل.

لقد أمضى حياته في خدمة المستضعفين والنضال ضد الاستلاب والاستغلال. فقد كان مدافعا شرسا عن قضايا العمال، بشكل عام، وعن قضايا العمال الزراعيين والمياومين، بشكل خاص، فكان يرفض التغول والاستبداد.

اشتغلت مع الرفيق المرحوم الحسين اللياوي منذ تسعينيات القرن الماضي بحزب التقدم والاشتراكية وبالفرع الجهوي للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي “الاتحاد المغربي للشغل” حيث كان من المؤسسين لفروع النقابة على صعيد جهة الشرق، لقد كان مثالا في العطاء، ونقابيا مميزا، ونموذجا في التعاون مع كل الرفاق. كان إلى آخر الثواني من حياته مخلصا لحزب التقدم والاشتراكية ولنقابة الاتحاد المغربي للشغل.

ما ميز الرفيق المرحوم الحسين اللياوي هو الثبات على المبادئ والقيم والأخلاق، فقد كان مناضلا مخلصا ووفيا.

أتقدم بالعزاء لكل الرفاق في حزب التقدم والاشتراكية وفي الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي “الاتحاد المغربي للشغل” وإلى أسرته، وإلى أصدقائه، عزاؤنا واحد، ولترقد روح فقيدنا العزيز في سلام.

كان للمرحوم الحسين اللياوي مساهمة قوية في نشر المبادئ التقدمية النبيلة داخل حزب التقدم والاشتراكية وداخل نقابة الاتحاد المغربي للشغل. لم يدخر جهدا للدفاع عن المؤسستين طوال حياته. رجل شجاع، رجل عظيم، وضع النضال دائما في المقدمة. كان دائما في طليعة نضالات نقابة الاتحاد المغربي للشغل، وضعته ديناميته على جبهات عديدة في النضال ضد استلاب واستغلال العمال الزراعيين والموسميين.

كان المرحوم الحسين اللياوي أول كاتب عام على رأس فرع وجدة للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي “نقابة الاتحاد المغربي للشغل”، وكان شاعرا وكاتبا وصحفيا.

وتشهد أعماله الأخيرة والمتعلقة بكتابه حول الاقتصادي الكبير الفقيد الراحل عزيز بلال، وديوانه الشعري الأخير، وكذا مقالاته في جريدتي البيان وبيان اليوم على إسهامه الكبير في المعرفة وفي المشهد الثقافي لبلدنا، لقد عانق طيلة حياته هموم الطبقة العاملة.

كنت أحس بالدفء ونحن نشتغل سويا. كان يمثل لي السند الكبير خلال تحملي مسؤولية تدبير الشؤون النقابية لفرع جهة الشرق للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي “UMT”. كنا نشتغل بدون انقطاع، وفي بعض الأحيان حتى ساعات متأخرة من الليل على ملفات نقابية تتعلق إما بوضع حد للتغول أو الاستبداد أو الدفاع عن قضايا الموظفين، والمستخدمين، والعمال الزراعيين.

بالمناسبة أريد أن أشكر جريدتي البيان وبيان اليوم على مساهمتهما في نشر مقالاتنا، والتي كانت بالنسبة لنا السند الكبير في الدفاع عن المستضعفين والمظلومين.

فيما يخص ارتباطه بحزب التقدم والاشتراكية، كان المرحوم يقول دائما، وذلك حتى يومين قبل وفاته، “إنني كالفأس أينما وجد سيحفر”، يعني أنه كان دائما في خدمة الحزب أينما حل لتشجيع الانخراط داخله.

كان المرحوم متفائلا جدا. وحتى خلال تواجده الأخير بالمصحة حينما أسأله عن وضعه الصحي كان يجيبني: “Je suis encore vivant”، “لا زلت حيا”.

ما ميز الرفيق المرحوم الحسين اللياوي هو طابعه الإنساني.

بالإضافة إلى الرأسمال الرمزي “Capital symbolique” الذي كان يميز الفقيد، فلقد كان يتوفر على رأسمال ثقافي Capital culturel كبير مكنه من معرفة دقيقة للواقع. بحيث ساعده هذا الرأسمال من تحليل المؤسسات الحزبية والنقابية والإدارية والخروج باستنتاجات عملية غالبا ما كانت تساعدنا في أخذ القرارات المناسبة خلال الفترات الصعبة.

*عضو سابق باللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية وكاتب جهوي سابق بالجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي – جهة الشرق

 بوعلام دخيسي*: طينة سقتها دماثة الخلق وأصالة النفس

يموت الناس فيزداد بعضهم موتا وينبعث من رماد آخرون.. من هؤلاء الآخرين كانت طينة أخينا وأستاذنا المبدع الحسين اللياوي رحمه الله. طينة عجنت في ميادين النضال الصادق والعمل الثقافي والسياسي الجاد الدؤوب، طينة سقتها دماثة الخلق وأصالة النفس التي فُطر عليها وتربى عليها فقيدنا ـ الحي فينا رحمه الله- في مدينة نشهد لها وتشهد جاراتها وباقي مدن الوطن وغيره، بالكرم والسماحة والأصالة والصمود..

عرفت الراحل في مواقع التواصل ولم تكتب لي رؤيته مباشرة أبدا، غبنت وانتابتني الحسرة عندما علمت بعد وفاته أنه كان مقيما في وجدة ـالمدينة التي أقيم فيهاـ، شهدت مراسيم التشييع ووداع الجسد وحرمت من صحبته حيا، لكن روحه رحمه الله ازدادت في صدري ثقلا وحضورا بعد رحيله، ربما من شعوري بالحسرة تلك، وربما من حسرة أخرى تنتاب كل مبدع أو مثقف أو مهتم، حينما يرحل من قل معدنهم بيننا، معدن صار غريبا وربما لقي استنكارا من البعض.. معدن من يخدم الآخر ويسهر ليرسم ابتسامة على الوجوه وطمأنينة في الصدور، معدن الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

هكذا عرفت الرجل رحمه الله، سباقا للتعريف بمبدعي الجهة ومدينته خاصة “بركان” وما جاورها من مدن، ولا عيب في ذلك، بل إن مثل هذا الصنيع لو وجد له فارسا في كل جهة ومدينة لاستطعنا أن نتعرف إلى أدباء ومبدعي المغرب والعرب عامة بأقل أقل جهد ممكن.. كان رحمه الله حريصا على أن يقرب ما يبدعه المبدعون من جمهورهم أو من يجب أن يكونوا كذلك..

كان يدرك رحمه الله ما تعانيه الثقافة من عزوف، وما يعانيه المثقف من إقصاء. فكان يجتهد ويتفنن في التصدي لذلك ويقاومه بالحب ومد الجسور بين المبدعين والناس والحياة. اختلاف الفكر بالنسبة له لا يمنع انتشار الفكرة، ولا يعتبر قلة الحيلة مانعا عن بذل الممكن في سبيل الآخر، في زمن تضخمت فيه الأنا وبات أكثر المثقفين أبواقا لأنفسهم وعلامات تشوير لما تصنع أياديهم فقط..

كان رحمه الله الشمعة التي تضيء وتحترق، فلا خير فينا إذا لم نذكر للشمعة ما أضاءته..

ولها في الجنة إن شاء الله ما ينسيها ما كابدته من الاحتراق..

رحمك الله عزيزي الحسين وأبقاك حيا في القلوب..

*شاعر

البروفيسور مصطفى رمضاني*:  ذاك الحي في دواخلنا

زرت المرحوم الحسين اللياوي أربعة أيام قبل رحيله الأبدي في العيادة التي كان قد نقل إليها؛ وكان ذلك يوم الثلاثاء، وتحدثنا طويلا في شؤون كثيرة: ثقافية واجتماعية وسياسية وصحية، ولم يكن أحد منا يتصور أنه سيكون ذلك الحديث آخر عهدنا يبعضنا البعض قبل رحيله.

لم يكن هناك ما ينبئ بأنه سيرحل عنا بدون رجعة. كل ما كان يتفوه به كان يشده إلى الحياة بكل تفاؤل وإصرار، بل كان مشدودا إلى المستقبل أكثر من انشداده إلى الحاضر. كان مقبلا على المستقبل غير عابئ بما هو عليه من مرض يستدعي رعاية دقيقة.

وأتذكر أنه قال لي حينها بأن إدارة المستشفى تنتظر نتائج التحاليل التي أرسلتها إدارة المستشفى إلى أوروبا. وأردف مؤكدا، في نوع من التحدي، بأنه لا يخشى الموت مهما كانت تلك النتائج، وسيستمر في ممارسة أنشطته المعتادة كأن شيئا لم يقع.

 وحدثني عن بعض مشاريعه التي هو منهمك في الإعداد لها، وعن بعض منجزاته في المجال الثقافي والفني، ولم يفته أن يذكرني بتعلقه بفريق النهضة البركانية، في إطار ارتباطه بالتربة المحلية التي رضع منها حب الوطن رفقة رفاق دربه في النضال، وكيف أنه يتمنى فقط أن يخرج يوم غد الأربعاء صباحا من المستشفى كي يتسنى له مشاهدة المباراة التي ستجمع هذا الفريق بفريق من إفريقيا في إطار بعض الاستحقاقات القارية.

هو ذاك المرحوم الحسين اللياوي. كان مقبلا على الحياة بقوة، محبا لكل قيم الجمال والنبل والخير. عرفته منذ حوالي خمسة عقود في مدينة بركان حين كنا نمارس معا شغبنا الشبابي، غير عابئين بما كان يحيط بنا من مخاطر فرضتها أجواء فترة السبعينات والثمانينات المثقلة بالإحباطات والانتكاسات. مارسنا شغبنا معا بكل طموح والتزام في انتظار بزوغ فجر جميل ظللنا نحلم به وما نزال. وكان المسرح هو وسيلتنا آنئذ في تفجير طاقاتنا والتنفيس عما بدواخلنا من جهة، وعما يخالج عامة الناس في ارتباطهم بالقضايا الوطنية والقومية والإنسانية العادلة من جهة أخرى.

 لقد كان المسرح وسيلتنا معا في التعبير عن مواقفنا ومواقف كل المستضعفين في الأرض. وقبل ارتباطنا بحقل المسرح فنيا، انخرطنا في جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني كي نمارس ذلك الشغب الجميل. ولكن كانت مرحلة انخراطنا في “جمعية مسرح الطليعة” بداية جديدة في تلك الرحلة الطويلة خلال بداية السبعينات.

لقد كانت عائلة المرحوم كلها، آنذاك، منخرطة بكل أفرادها في حزب “التقدم والاشتراكية”، وكانت جمعية مسرح الطليعة تضم زمرة من المنخرطين النشطين؛ منهم من ينتمي إلى بعض أحزاب اليسار، ومنهم من لا انتماء له. ولكنهم جميعا كانوا متشبثين بالفكر التقدمي وبالقيم النبيلة في أسمى تجلياتها.

أتذكر أنني، حين كنت أشرف على إدارة جمعية مسرح الطليعة في مدينة بركان، كان منزل عائلة اللياوي بمثابة المقر الثاني لنا بعد مقر مؤسسة دار الشباب الوحيدة في المدينة. فخلال أواخر السبعينات قمت بإنجاز مسرحية “سالف لونجة”. وبصفتي معدا للنص ومخرجا ومديرا للفرقة، كنت مطالبا بالبحث عمن يقوم بدور نسائي في العرض. ولما كانت عائلة اللياوي تستقبلنا يوميا كما تستقبل كثيرا من المناضلين والفاعلين الجمعويين، فقد قبلت والدة المرحوم وأبناؤها أن تضطلع ابنتهم فاطمة بتلك المهمة الحساسة آنئذ. ومرد ذلك إلى أن مدينة بركان كانت مدينة محافظة بشكل كلي. ولم يكن المجتمع يسمح للفتاة أن تلج عوالم أخرى غير عالم المدرسة أو المكوث بالبيت. ونادرا ما كنت تجد فتاة تعمل في مؤسسة عمومية أو خصوصية باستثناء تلك العاملات المعوزات اللواتي كن يشتغلن في الضيعات الفلاحية بحثا عن لقمة العيش اضطرارا. وأغلبهن ينحدرن من مناطق أخرى خارج المنطقة الشرقية من المغرب.

تلك كانت تضحية كبيرة من الشابة فاطمة اللياوي وانخراطا فعليا من عائلتها لتغيير نظرة المجتمع إلى المرأة. وكان فعلا تحديا كبيرا منها رغم أنها كانت تعي موقف المجتمع البركاني المحافظ من إقدام فتاة على ممارسة المسرح. هو الالتزام بعينه: التزام جماعي من تلك الأسرة المناضلة للمساهمة في التغيير: التغيير السياسي من خلال انخراطها في حزب تقدمي يساري كان يشكل خطرا في تلك المرحلة على المخزن وأذنابه، وكذا التغيير الاجتماعي من خلال مساهمتها في الثورة على كثير من المعتقدات البالية ومنها النظرة السلبية تجاه ممارسة المرأة للعمل الفني والثقافي.

وفعلا لقد أتى انخراط فاطمة اللياوي ـبدعم من إخوانها وأسرتها كاملةـ أكله الواضح، إذ مباشرة بعد انخراطها في الجمعية وأدائها لدور “لونجة” في تلك المسرحية، شرعت الفتيات في الإقبال على المسرح وعلى الانخراط في الجمعيات الثقافية والفنية بشكل غير مسبوق في مدينة بركان.

واستمر منزل العائلة يستقبل يوميا أفواجا من الشباب التواقين للانخراط في العمل السياسي والثقافي، وكان منزل اللياوي بمثابة ملتقى عام لكل القوى التقدمية من شباب المدينة. كان مأوى يسع الجميع وكانت والدتهم تستقبلهم كأنهم أبناؤها، تغمرهم بحفاوتها وعطفها، وطبعا بكرمها الحاتمي، حتى إننا كنا نطلق على منزل اللياوي اسم “الزاوية”؛ طبعا الزاوية بمعناها الاجتماعي والثقافي لا بمعناها الصوفي.

ولم يكن انخراط تلك العائلة في العمل الاجتماعي والسياسي ليمر بدون أن تؤدي ضريبة كل ذلك. كانت الضريبة قاسية، إذ تعرض جل أفراد العائلة للمضايقات والاستفزازات والمصادرات، كان من بين بعض نتائجها أن زج ببعضهم في السجن والتضييق عليهم في ممارسة بعض حقوقهم المدنية.

ومع ذلك، ظل أفراد عائلة اللياوي متشبثين بمواقفهم ومبادئهم، وعلى رأسهم الصديق المناضل المرحوم الحسين اللياوي الذي ظل ملتزما بمبادئ الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وأصر على انخراطه التطبيقي في ممارسة العمل السياسي حين تقدم للانتخابات الجماعية بالمجلس البلدي لمدينة بركان، وحظي بثقة المواطنين الذين دعموه بشكل كبير، فكان أن اضطلع بمهمة الجانب الثقافي والاجتماعي في تلك المؤسسة المدنية، وتقدم بمشاريع هامة لتطوير المدينة ثقافيا وفنيا، ولكنه لم يجد الدعم الكفيل بأجرأة تلك المشاريع.

وموازاة للجانب السياسي، ظل المرحوم منشغلا بالهموم الثقافية والرياضية، خصوصا وأنه كان مراسلا رسميا لجريدة البيان، حيث كان مواظبا على النشر والمتابعة. ولعل ما نشره فيما يتعلق بالجانب الثقافي والرياضي كفيل بأن يشكل مادة دسمة قد تجيب عن كثير من الأسئلة الآنية رغم قدمها نسبيا.

وأكيد أن ما خلفه المرحوم في الجانب الثقافي يشكل هو الآخر إرثا مضيئا من حيث قيمته المعرفية بشكل خاص. فقد كتب المرحوم في الشعر والقصة والمسرح والنقد والتاريخ والسيرة الذاتية والترجمة، وغيرها مما يجعله متعددا في مواهبه، ملما بحقول معرفية متنوعة، غزيرا في إنتاجه، مطلعا على ما يجد في الساحة الثقافية والسياسية والرياضية. يكتب باللغة العربية والفرنسية بكل سلاسة. وقد نشر بعضا من إنتاجاته باللغتين معا.

وقد صدر له مؤخرا كتاب هام عن المرحوم “عزيز بلال”، ووزعه بطريقة نضالية. وسعدت بأن كتبت تقديما لكتابه الأخير “ماتت السينما في بركان مرتين”. وهو الكتاب الذي كتبه قبيل وفاته ولم يتسن له أن يرى النور بعد. وقد أسر لي بأن مداخليه ستعود لأحد الأشخاص الشعبيين الذين اشتهروا في مدينة بركان بمواقفها الساخرة، وأصبح اليوم يعاني الفقر المدقع، خصوصا بعد أن شاخ وأصيب بالعمى. وكان المرحوم يقوم بالإجراءات العملية لطبعه وتوزيعه بطريقته النضالية كذلك، لكن الموت لم يمهله كي ينهي هذه المهمة الإنسانية النبيلة.

كان المرحوم يكتب بنهم، حتى أنه كان يصارع الزمن كي يملأ أكبر قدر من المساحات الفارغة قبل فوات الأوان. هل كان يحس بدنو أجله، فكان يقبل على الحياة بنهم أيضا كي يمنحها كل طاقاته قبل أن يداهمه الموت فيحرمه من تلك الطاقة؟

قد يكون ذلك ممكنا، ولكن الراحل لم يخش الموت وأقبل على الحياة، ولم يمنعه ذلك الموت من أن يخلد اسمه في سجل الخالدين، بما خلفه من إرث ثقافي وفني، ومن مواقف نضالية ستظل شاهدة على رجل مر من هنا يوما، ولكنه ما يزال حيا في ذاكرة الناس، تستعيد مناقبه، وتستفيد من ذلك الإرث الذي ندعو الله أن يجعله صدقة جارية تحسب ضمن ميزان حسناته.   

رحم الله أخانا المرحوم الحسين اللياوي. فقد رحل ولم ير حلمه يتحقق. ولكن يكفيه وفاء أصدقائه وأحبائه، وما أكثرهم. فهو الحي الدائم في دواخلهم…

*أستاذ جامعي

مرزوكي محمد*: شجع الصحافة الجهوية

تجربتي المتواضعة مع المرحوم الحسين اللياوي كانت جد قصيرة بحكم تواجده المستمر بمدينة بركان بعيدا عن مدينة وجدة، ولكن كانت بالنسبة لي غنية بالمعلومات والتقنيات الصحفية التي تعلمتها من المرحوم.

بحكم مهنتي كأستاذ لمادة المعلوميات فلقد عرض علي المرحوم الحسين أن أساعده في إصدار جريدة محلية تنشر أخبار إقليم وجدة وكل مستجدات حزب التقدم والاشتراكية محليا، إقليميا ووطنيا. وكان اسم الجريدة هو “في الواجهة”.

وكانت مهمتي الأساسية هي كتابة المقالات بواسطة الحاسوب وطبعها على الورق، ونقوم بعد ذلك بتجميعها على شكل جريدة من عدة صفحات، ثم نقوم بنسخها بأعداد جد قليلة وتوزيعها على الرفاق مجانا.

كان هدف الرفيق الحسين رحمه الله هو تشجيع الصحافة الجهوية، وتقوية إشعاع الحزب محليا بانشغاله بقضايا الإقليم. هذه التجربة لم تدم طويلا لأن الاعتماد على الحاسوب وحده وآلة الطبع العادية “طابعة” كان مكلفا من ناحية الوقت والجهد.

 كما أن المرحوم كانت له اهتمامات كثيرة تفرض عليه التنقل من وإلى وجدة. كان عمر هذه التجربة في حدود ثلاثة أشهر أصدرنا خلالها ثلاثة أو أربعة أعداد من الصحيفة المذكورة، وأذكر أن مواضيعها كانت متنوعة سياسية ثقافية رياضية و فنية، رحم الله الفقيد.

التجربة كانت حوالي منتصف سنة 1998، ومع الأسف لم أجد أية نسخة من الجريدة المذكورة.

 * أستاذ جامعي

جمال المحفوظ احمادة*: مناضل من العيار الثقيل

لقد تعرفت على الفقيد في أواخر الثمانينات وجمع بيننا العمل النقابي. آنذاك كنت عضو الاتحاد الجهوي للاتحاد المغربي للشغل بوجدة، وكان الفقيد الكاتب المحلي للقطاع الفلاحي.، كان مناضلا شرسا وكان وفيا للاتحاد المغربي للشغل و لمبادئه وخصوصا الوحدة النقابية ومدافعا عليها. وكان مولعا كذلك بالكتابة خصوصا في ذاكرة مناضلي الخط الكفاحي، وقبل أن يكون كاتبا محليا للقطاع الفلاحي بمدينة كان من منخرطي الاتحاد، وكان من بين مؤسسي الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التابعة للاتحاد المغربي للشغل.

لقد تعرفت عليه في سنة 1987، وعلاقتي به كانت لها طابع خاص، لأن المرحوم كان من مناضلي الاتحاد الذين تمدرسوا في العمل النقابي على يد والدي المرحوم محمد احمادة. وبقي وفيا للاتحاد المغربي للشغل حتى آخر أيامه. وفي آخر لقاء ومن خلال الدردشة وهو في المصحة طلب أن أزوده ببعض الوثائق والمعلومات، كان ينوي الكتابة على العمل النقابي وبعض رموزه بالمدينة ومن بينهم والدي. لقد فقدنا مناضل من العيار الثقيل وفقدنا رجل أعطى للطبقة العاملة كل ما كان يملك من جهد ووفاء ومال ووقت ونسي نفسه، أحب المغرب والإنسان المغربي والفلاح والفقير وأدى ضريبة النضال،

اكتفيت بعلاقة المرحوم بالاتحاد المغربي للشغل، في العمل النقابي.

*الكاتب الجهوي للاتحاد المغربي للشغل بوجدة

اللياوي التهامي*: كان شغوفا بالتنقيب عن الأقلام الجديدة

أخي الحسين اللياوي كان إنسانا شغوفا بالكتابة والبحث الأدبي والتنقيب عن الأقلام الجديدة وإظهارها عبر صفحته في الفايسبوك.

 كان يهتم كثيرا بأبناء مدينة بركان، ويكتب عنهم في مقالاته وأشعاره، كما كان يهتم بالسياسة ويكتب عن السياسيين المرموقين ك”عزيز بلال”، وكان مناضلا في حزب التقدم والاشتراكية، وكان يكتب أيضا عن الفقراء والمحتاجين أبناء حي الطحطاحة حيث ترعرع.

لقد كان منذ صغره مولعا بالأفلام الهندية حتى أنه توصل إلى فهم الكتابة الهندية.

أخي الحسين، باختصار، كان إنسانا مثقفا يحب الفقراء ويحن عليهم، كان منذ صغره مولعا بالقراءة وكتابة القصص، وفي شبابه أصبح يكتب الشعر باللغة الفرنسية، وأول كتاباته كانت مجموعة من القصائد الشعرية تحت عنوان” Béla ” وكنت أدعمه برسوماتي بعد كل قصيدة، لأنني كنت أتقن الرسم…

بعد ذلك أصبح مراسلا لجريدة البيان بالفرنسية وكان عضوا في عدة جمعيات ثقافية وسياسية ورياضية، وكان محبا لفريق النهضة البركانية “3 أيام قبل وفاته تابع مقابلة النهضة البركانية ضد المولودية الوجدية وكان سعيدا بانتصار النهضة”.

منذ سنتين أو ثلاث طبع كتابين بفرنسا ومع الأسف لا أملك أي منهما، وله عدة أعمال مشتركة مع بعض الشعراء والكتاب بقيت معلقة بعد موته، وقد وعدوا بإتمامها بعد أن يتمكن ابنه من فك شفرة حاسوبه.

حتى وهو متواجد بالمصحة، كان يكتب ويبعث بتعليقاته عبر صفحته على الفايسبوك…

*أستاذ متقاعد لمادة الرياضيات الأخ الأكبر للراحل اللياوي الحسين

سارة اللياوي*: كلمة تأبين في حق والدي الحبيب

“قيل لعلي بن أبي طالب: أهناك أشد من الموت؟. قال نعم. فراق الأحبة أشد من الموت”. فلا يفجع الروح ويفطر الفؤاد ويحرق النفس مثل أن نفقد سندنا، مسندنا ومصدر قوتنا.. ليس هناك أشد إيلاما على النفس من فقد الأب.

فبماذا يمكن أن أبدأ الحديث عن أب غير كل الآباء. جمع بين الأب والأخ والصديق. غرس فينا منذ نعومة أظافرنا ما لا يسعني ذكره من خصاله العاطفية والأخلاقية والفكرية، على ما كان يتمتع به من مشاعر المحبة وقدرة نادرة في التفكير والتعمق بتفاصيل الأمور.

أتذكر لما كان يلاعبنا في طفولتنا لعبة الطائرة والحصان، ويروي لنا قصة الذئب    والحيوانات حتى ننام، ويصطحبنا معه لقاعة السينما بغية الانفتاح على الثقافات الأخرى إسهاما في بناء شخصيتنا.

كان دائم التشجيع لي، ويحفزني على المطالعة، ويسعد لنجاحاتي ويتحسر أكثر مني لإخفاقاتي. أتذكر حينما ظفرت بوظيفة بسيطة، لم يقم بتهنئتي كوني أستحق من وجهة نظره منصبا أعلى يليق بشهادتي، فتعلمت منه كيف أن الجيد ليس كافيا إذا كان الأفضل ممكنا، وأن الوصول إلى محطة النجاح يقتضي الرمي بسهامنا إلى أبعد الحدود، كما أذكر كيف ذرف دموع الفرحة بنجاحي للوصول لهدفي، وتمسكه بالحياة رغم تهالك صحته، وكيف كان الصبر سلاحه حيث كان يرد على أصدقائه حين الاطمئنان على صحته بقولته المعهودة: “je suis encore vivant”، مصرا على إتمام أعماله التي كانت في طريقها إلى النشر رغم تعبه، وكأنه كان في سباق مع الزمن.

تعلمت منه أن الإصرار على التفاؤل قد يصنع ما كان مستحيلا. لم أعهده إلا أبا مثاليا يغبطنا الآخرون فيه، فكان لنا مثلا أعلى ومرجعنا. كيف لنا إحياء الأربعينية لفقدانه دون التطرق إلى مسيرته الحافلة بالعطاء والتضحية       والإصلاح.

كان شغوفا بالقراءة والكتابة فجمع بين الكتابة باللغتين العربية والفرنسية وأصدر عدة دواوين آخرها: هل أنتم أنا؟

وبالفرنسية:

-PARIS ARME ET LARME

-DES FLEURS ET DES PLEURS

– AZIZ BLAL DE A JUSQU’A Z

إضافة إلى العديد من الدواوين الشعرية الغير منشورة والتي وعدته بنشرها. إضافة إلى مقالاته الصحفية التي عرف من خلالها بجرأته والدفاع عن مبادئه، يتفق مع مؤيديه ويشاكس معارضيه، بسيطا في مسلكه صلبا في مواقفه شديد الاعتزاز برأيه.

كان رجلا مثقفا مطلعا على أحوال الوطن ومتغيراته، خلق لنفسه مكانا بالفضاء الأزرق محاطا بأصدقائه يعبر ويحلل من خلاله عن قضايا الوطن متخذا له رأيا مستقلا في كل قضاياه.

والدي الحبيب، ستفتقدك اللغة العربية كما الفرنسية، ستشتاق لك دواوينك ومكتبتك وحاسوبك المتهالك وأنت الأب الحاني عليها كما أنت الحاني علينا.

أما أنا سأفتقد الطيبة فيك، سأفتقد ابتسامتك، صادق لا تعرف الكذب بسيط متواضع تحترم كافة الناس بجميع مستوياتهم، ثابت على المبادئ وفي ملتزم تساعد الكل بدون مقابل حنون وعاطفي.

فمن سيصحح لي يا أبتي اللغة العربية كما الفرنسية من بعدك، من سيقوم بتنشيط أعياد ميلادنا التي اعتدت على إطفاء شموعها، ومن سيلعب لعبة الأوراق معنا، ومن سيقوم بإعداد أكلات لم ولن تعرف طيبا إلا بلمساتك.

لقد غادرتنا على عجل ولم نرتو بعد أو نصد عن حوض عطفك وحنانك المترع دوما وأبدا بفيض المحبة والود حوض العطف واللين والذي أبى أن يجف، لقد رحلت عنا بجسدك، لكنك ما زلت مقيما بيننا بروحك وطباعك ومکارمك ومحاسنك.

فيا من أشتاق إليه، رحمك الله بقدر ما هزني وجع الحنين اليك.

أبي غفر الله لك ورحمك، وآنس وحشتك وجمعنا بك بجناته.

 أبي إن آذيتك بدموعي فسامحني فليس للمشتاق حول ولا قوة..

* نجلة الراحل

الحسن رزوقي*: في رثاء الحسين

من الذي لم يطمح في صباه أو شبابه إلى مصاحبة شخص يشبهه ويشاركه أحلامه وأوهامه…؟ وقبل أي شيء واقعه!

لم نولد كبارا همنا الثقافة والمسرح والصحافة واليسار والنقابات والبيئة وحقوق الإنسان..

 لقد ولدنا أطفالا صغارا في نفس الحي، والتقينا كثيرا في مباريات كرة القدم التي كانت الأزقة الضيقة “بني وكلان وعلي بن يخلف” ساحة لها. ينهرنا الكبار لصراخنا وزعيقنا المتواصل لأننا كنا نصرخ أكثر مما نلعب..

التقينا في “سينما الأندلس” التي علمتنا الكثير قبل أن يطويها الزمن وفي نفس المدرسة الابتدائية “ابن هانئ”، وفي إعدادية ابن رشد، وفي ثانوية أبو الخير، وفي دار الشباب التي أقبرتها الجرافات.

 لم تسعفه نبضات القلب شهورا أخرى حتى يرى ما قد يشيد هناك من مرافق ومنتزهات قد تعطي للمدينة رونقا مفقودا أمام زحف كل مظاهر الريف وكآبة الإسمنت على المدينة التي سكنت عقله ووجدانه…

كانت مدينة تنقصها المرافق والمسارح والحدائق ولكنه كان يجدها فاتنة.. إذ كل ما زارها والتقى تلك الوجوه الطيبة البشوشة إلا وزاد إيمانا واعتقادا راسخا أن أهلها الطيبين يستحقون الأحسن لذلك كان يؤمن أن المستقبل لا يرجى بل يصنع وصناعة المستقبل تحتاج إلى رجال ووعي تترجم هذا الوعي إلى مواقف تصبح مكتسبات لفائدة الشعب…

في آخر لقاء لنا أهديتك ديوانيّ، كنتَ ممتنا جدا، وأبديت لك امتناني الشديد أنا أيضا لمبادرتك الكريمة نهاية الثمانينات لطبع ديواني الأول على نفقة الحزب، ولكن ظروفا شديدة القسوة حالت دون ذلك، وهو قد رأى النور فعلا بعد ربع قرن ولكن جمهور القراء كان قد هجر الورق وعانق الشاشات..

صديقي الحسين

أحس أن أوراقك وكلماتك وأشعارك لن تنتهي وستبقى هناك محفوظة وسيبقى إسمك شاهدا على أكثر من نصف قرن من العطاء والشغب والمناوشة والرصانة ونكران الذات وحب الناس…

أحس أن البحيرة قد كبرت كثيرا بعدما أثرتها الروافد الأدبية والسياسية والنقابية والاجتماعية والصحافية وصارت ملتقى للعديد من الشباب والمثقفين والمبدعين، أعرف أن النفس تعشق ما تحسبه الحق وما توسّمت أنه الحقيقة، الحقيقة التي استنشقت جزءا من أنفاسنا الحالمة، فقد نمتهن الصمت ونتوارى ونغرق في غياهب الخطايا وبمجرد أن يسدل الستار على أعيننا نستسلم طائعين ونستجدي الحقيقة وليس سواها..

الفضاء الأزرق أصبح باردا، ليس بسبب زرقته التي تحيل على البحر، ولكن لأن بابا كان مشرعا على البحر والكلمات ووجوه البلدة الصغيرة والكبيرة قد يغلق ويصير الماء آسنا وقد قضيت الليالي الطوال في تحريك الماء كي يبقى دافقا بالحياة، أصبحنا نحن القابضون على الجمر نتقاسم الكثير بيننا وبين إخواننا في الضفة الأخرى، نتقاسم الكلمات والأفكار والصور والمواقف ونزيد اقتناعا كل يوم يمرّ أن لا أحد وحده “يضوي البلاد” وأن الجماعة سواء كانت جمعية أو حزبا أو نقابة أو ائتلافا أفضل بكثير من الصراخ في البرية وحيدا لأنك وحدك تملك الحقيقة..

وتعيدني صدمة الغياب إلى لحظات قديمة حيث كنّا معا، نتورط في الجدل عن سبق إصرار وترصد، نتجرأ على النقد نتصنع الصمت حينا ونمتهن الصخب أحيانا أخرى، تجمعنا ذكريات عديدة عن البحر والمسرح والأدب والأفق الذي لا بد أن يصير أرحب بفعل الجماعة..

يقول نيتشه “لقد أودعت دائما، في كتاباتي حياتي كلّها، وكياني كلّه “هكذا عرفتك هكذا عشت وهكذا ستبقى حيا في ذاكرتنا وفي ذاكرة كلّ من أحبوك وتعاطفوا معك في محنتك وتمنوا لك الشفاء والوقوف مجددا على قدميك لأنك كنت تؤمن بالشعار القائل “بدل أن تلعن الظلام أشعل شمعة” فالنور كان دوما مرماك ومبتغاك فلترقد روحك بسلام…”.

حسين أيها الفارس النبيلْ

لك أن تستريح من كل هذه الضوضاء

وقد أزف الرحيلْ

ولنا الآن أن نختار بين درب الضوء

وبين المستحيلْ

رُوحك الآن تتوسّدُ الغيم الشارد

بعد أن تحرّرتْ من قيدِ الفصول

لك أن تستريح

كما تسندُ الريحُ ظهرَها لأشجار النخيل

لو تريثت قليلا

كي نكمل سويا هذا السبيل

لو تريثت قليلا

لكنتُ أسمعتك قصيدتي

عن طحطاحة ــــ وكلان

و أندلس وعين سلطان

عن شمس تأبى الأفول

عن المدينة التي دجّنتها الخطبُ العصماءْ

وبين الزوايا والثنايا يعشش الرياء

هاهي المراكب قد أقلتك يا رفيقي

وغادرت المرافئ

و أنا أعلم أنك عشت لتغني لحن الحرية

حسين ..

لم تعد الجداول تنساب

 ولا الأنهار تجري

كثرت السحب العاقرة

واختفت غيوم الشتاء الحبلى بالغيث ..

حسين أيها العزيز

تركت لنا صورتك فوق أغصان برتقالة 

و أغلقت باب البيت 

تَدثّرنا من شدة الليل بكتاب ووردة و رسالة

تدثرنا من شدة البرد بالقصائد

هل تذكر كيف كنا نجمع الحروف

زمن الشباب من الجرائد

 كما كانت الأمهات تجمع حطب المواقد

و كما كان أهلنا يجمعون حلزون الموائد

كي نبقى هنا لرص الصفوف

لشحذ السيوف

نجلب الغيم الولود للحقول

فتجني الصبايا دانية القطوف …

*شاعر، مفتش التعليم الثانوي ـ أكاديمية وجدة

عبد الصمد ادنيدن

Top