الرشيدية: نساء ينتشلن الأطفال المتخلى عنهم من الضياع

نساء من مدينة الرشيدية ساهمن كثيرا في نشر الوعي بضرورة الاهتمام بالأطفال المتخلى عنهم و خصصن وقتا كبيرا من حياتهن اليومية ولمدة طويلة من أجل إنقاذ هذه الطفولة البريئة التي يتم التخلي عنها أمام أبواب المنازل وأبواب المساجد وحتى في المزابل خوفا من الفضيحة… وكذا الاهتمام بنساء عازبات عانين ويعانين من النظرة الدونية للمجتمع.
في هذا الإطار، اشتغلت سيدة فضلت الصمت والعمل بهدوء مند أكثر من ثلاثين سنة، في مجال كان يعد من الطابوهات الذي يستحيل التحدث فيه أو الخوض في تفاصيله، سوى مع الأصدقاء وبشكل مزاح، لاسيما، في مجتمع تقليدي محافظ حتى النخاع. سيدة تعمل ممرضة مجازة بمستشفى مولاي اعلي الشريف بالرشيدية، لتخدم الطفل المتخلى عنه بنبل وإنسانية متسمة بنكران الذات.
إنها لياماني عزيزة، أو ماما حاجة كما يناديها العشرات من الأطفال المتخلى عنهم، تتميز بسعة صدرها وحنانها المتزايد والذي لا يكل أبدا، لتهتم و تنتشل من الضياع أطفال مهملين محرومين من الحنان والعطف، لتوفر لهم كل متطلبات العيش الكريم، متسلحة في ذلك بتطوعها وبعزيمتها القوية لبلوغ الهدف وعدم التردد في طرق الأبواب للحصول على المتطلبات اليومية لدار الأطفال المتخلى عنهم .

متطوعة منذ تعيينها بالمستشفى الإقليمي

تحكي اليماني عزيزة أنه بعد تقاعدها من وظيفتها الأساسية كمساعدة اجتماعية على المستوى الإقليمي، وممرضة مجازة مختصة في تقويم النطق بمستشفى مولاي اعلي الشريف بالرشيدية ،عندما أخذت تحتضن الأطفال المتخلى عنهم مند سنة 1986 الى اليوم، وتضيف أن هؤلاء كان المستشفى يستقبلهم بجناح طب الأطفال بالمستشفى الجهوي بالرشيدية، ليتقاسموا الأسرة البيضاء مع الأطفال المرضى بكل ما تحتويه الكلمة من مشاكل صحية ونفسية، خاصة وأنه في ثمانينية القرن الماضي كان اطفال المنطقة يعانون من سوء في التغذية وانتشار أمراض تؤثر على نموهم نموا سليما ( مرض السحايا و مرض الكزاز و مرض الدفتيريا وأمراض أخرى صحية…)، كل هذا في غياب تام لأطباء مختصين في الميدان في تلك الحقبة.
ولما بدأ عددهم يتكاثر بالمستشفى، أصبح وجودهم غير مرغوب فيه تقول السيدة “عزيزة”، لأسباب متعددة من بينها عدم معرفة إدارة المستشفى، متى يغادرون، كونهم يؤثرون على المؤشرات المبيانية للمستشفى: عدد الولادات، عدد الوفيات، أيام الاستشفاء … خاصة وأن مهام المستشفى محصورة في الاستقبال والتوجيه والتطبيب …، وكونهم لا يشكون من أي علة، فوجودهم غير مرغوب فيه بالمستشفى لأن المشكل اجتماعي محض، ويجب أن يتقاسمه الجميع للتغلب عليه.

رغم الإكراهات ..التفاني والإخلاص من أجل بلوغ الهدف

كان لوجود هؤلاء الأطفال بجوار أطفال مرضى بقسم طب الأطفال، يؤرق مسؤولي المستشفى، ووضع كهذا، فرض نقلهم إلى مقر يجاور المستشفى بعد تهيئته ليتغير الوضع من عمل ارتجالي فردي إلى عمل جمعوي منظم برئاسة السيدة المؤسسة لجمعية “الحنان” التي كان من بين أعضائها طبيب، محامي وأطر شبه طبية… وأخذ المستشفى على عاتقه التكفل بهؤلاء المتخلى عنهم، وتحمل نفقات المقر الجديد من كهرباء .. .
ولم يفت السيدة الرئيسة ( ليماني ع.) وهي تحكي عن مسارها الطويل في توقير الرعاية للطفل المهمل، وهو العمل الذي انخرطت فيه بكل تفان و إخلاص مند 1986 الى اليوم، مضيفة بأن هاته الشريحة من الأطفال، تحتاج لكل شيء، لأنها لا تملك أي شيئ، بل هي في حاجة لكل شيء حسب السيدة الرئيسة : هم في حاجة لضمة حنان، للمسة حب، لبسمة شغف، وفي حاجة لتربية ورعاية، وقبل هذا و ذاك هم في حاجة للاكتساب اسم و الحصول على هوية …

ربط شراكات وطرق أبواب بهدف تحسين وضعية الأطفال

بعد استقرار الأطفال في مقرهم المستقل عن المستشفى الاقليمي مولاي اعلي الشريف، عملت الجمعية على تجديد مكتبها، وتغيير اسمها بعدما كان يطلق عليها جمعية “الحنان” سنة 1986، أصبحت تسمى جمعية ” الأمل” للأطفال المتخلى عنهم، وهكذا استطاع المكتب الجديد الذي جدد الثقة في الرئيسة المؤسسة للجمعية، أن يخلق أنشطة منظمة، خلافا لما كان في السابق الشيء الذي أدى بأعضاء الجمعية الى ربط شراكات وطرق أبواب بهدف تحسين وضعية الأطفال، والرفع من معنويات المربيات، مما دفع بأعضاء الجمعية الى اقامة حفل تكريم بمناسبة مرور أزيد من ربع قرن على تأسيس الجمعية في شهر مارس 2016، الذي انخرطت فيها عدة أطر لها أيادي بيضاء في العمل الجمعوي وكذا كل المربيات، وتوج الحفل بختان طفلين من الجمعية.

وضع جديد للأطفال المتخلى عنهم

شريحة الأطفال المتخلي عنهم بالرشيدية لهم كسائر الأطفال متطلبات يومية و احتياجات أنية على مدار اليوم، الشيء الذي حتم العمل بالمداومة على مدار الساعة، من طرف مربيات تطوعن في البداية لخدمة هذه الشريحة من الأطفال حيث بذلن كل الجهد للسهر على اسعادهم، رغم أن الحنان الأبوي يستحيل التعويض . ولمواجهة المتطلبات المتزايدة، عمدت السيدة رئيسة الجمعية “لياماني ع.” وسائر أفراد الجمعية في نسختها الجديدة، الى التشمير على السواعد،حيث أصبح شغلهم الشاغل هو التكفل الشامل بأطفال الجمعية في مند ولوجهم مقر الجمعية بما في ذلك الإطار القانوني، رغم أن الجمعية، لم يكن لها مورد قار و لا منحة يعول عليها سوى مجهودات الأعضاء وعطاءات المحسنين و المتعاطفين وخدمات المستشفى و أطره .
وفي هذا السياق تحكي السيدة”لياماتي”أنه في ربيع 2013، تم إخبارها من عمالة الإقليم بالتوجه إلى دار الطفل فورا، فوجدت مستشارة الملك زليخة نصري رحمة الله عليها تنتظرها: فدخلنا إلى الدار تقول السيدة لياماني، وبدأت تنظر وتستفسر عن مكونات الدار وحاجياتها وتداعب الأطفال، فأخبرتني بعدها بأن جلالة الملك محمد السادس سيشرفنا بزيارته، فحظينا بذلك تضيف السيدة الرئيسة، لتتوج الزيارة الملكية الميمونة الخالدة، بمنح رئيسة الجمعية هبة ملكية سامية اعترافا لها بمجهوداتها، عوضت لهم الخصاص الذي مروا به مند تأسيس الجمعية سنة 1986 .
وما أثلج صدر السيدة الرئيسة بعد هذه الالتفاتة المولوية القيمة تقول الرئيسة : هو الرداء والعطف الأبوي الذي أسدله عاهل البلاد على هاته الشريحة من الأطفال الذين هم ضحية المجتمع بل هم أعوز من اليتامى، وقد بنى لهم مقرا رفيعا يتوفر على جميع شروط الإيواء و الاستقرار والعيش الكريم .
و تفتخر جمعية” الأمل” للأطفال المتخلى عنهم اليوم، بتلك المجهودات المبذولة من جميع أعضاء الجمعية و مختلف الشركاء، حيث إنها وخلال أكثر من ثلاثة عقود استطاعت أن تحصي من بين نزلائها خريجين من معاهد عليا …وربات بيوت صالحات، إضافة إلى عدد منهم كانوا قد غادروا الوطن في نطاق كفالة مغاربة الخارج.

< فجر مبارك

Related posts

Top