دأبت وزارة الفلاحة في السنوات الأخيرة، على تنظيم لقاءات ومعارض خاصة بالتكنولوجيا الفلاحية، من قبيل “أيام تكنولوجيا المعلومات في الفلاحة” الذي وصل إلى النسخة الثالثة.
وتشكل هذه اللقاءات فرصة لتبادل الخبرات بين الخبراء والمشاركين من داخل وخارج المغرب، من أجل التواصل حول المستجدات والتكنولوجيات الجديدة من قبيل صور الأقمار الصناعية، والبلوكشين، والذكاء الاصطناعي، والأجهزة المتصلة، والطائرات بدون طيار (الدرون)، إضافة إلى كونها مناسبة لاستكشاف فرص عمل وشراكات جديدة في هذا المجال.
وتم التوقيع في معرض “أيام تكنولوجيا المعلومات في الفلاحة” بمكناس، الذي افتتح يوم 13 يناير 2023، على ست اتفاقيات شراكة بين القطب الرقمي وعدد من المؤسسات والشركاء الاستراتيجيين، والتي تعتبر مهمة وحاسمة في مستقبل المجال الفلاحي بالمغرب، نظرا لوزن المؤسسات الاستراتيجية الموقعة عليها.
وتهدف الاتفاقية الأولى التي تم إبرامها مع المعهد الوطني للبحث الزراعي إلى تسهيل أعمال البحث والتطوير والابتكار وخدمات نقل التكنولوجيا في مجالات رقمنة القطاع الفلاحي ومتابعة الجفاف، لا سيما من خلال تبادل وتوفير البيانات والمنصات والموارد البشرية والمادية.
وتتعلق الاتفاقية الثانية الموقعة مع المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية بإنشاء آليات لتشغيل محطات الأرصاد الجوية التابعة للمكتب الوطني للاستشارة الفلاحية وتثمين بياناتها لصالح منصات الاستشارة الفلاحية ومرصد الجفاف وبرامج البحث والتطوير للقطب الرقمي.
كما تم توقيع اتفاقيتين مع القطب الفلاحي للابتكار بمكناس (AGRINOVA) و”تكنوبارك”. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى تحديد شروط وأحكام التعاون في مجالات الفلاحة الرقمية والفلاحة 4.0 ووضع الآليات اللازمة لتسهيل الاتصال بين الشركات الناشئة والمكونات الرئيسية لقطاع الفلاحة.
وتهدف الاتفاقية الخامسة الموقعة مع شركة “ABA TECHNOLOGY” إلى تحديد إطار الاتفاق بين الأطراف ومبادئ شراكتهما، وبشكل عام إلى إضفاء الطابع الرسمي على الالتزامات المتبادلة، خصوصا في مجال الفلاحة 4.0.
وتروم الاتفاقية السادسة الموقعة مع الجامعة الأورومتوسطية بفاس تحديد سبل التعاون بين الطرفين في المجالات ذات الاهتمام المشترك، لا سيما من حيث التكوين والبحث العلمي والتقني وتقاسم المعلومات والمعرفة.
التدبير المعقلن للماء في القطاع الفلاحي
إن المغرب على وعي منذ العديد من السنوات، بأهمية الحفاظ على الماء، من خلال التدبير المعقلن في القطاع الفلاحي، وكشفت وزارة الفلاحة أنه تم إحراز تقدم مهم من خلال تجهيز أزيد من 750 ألف هكتار بتقنيات الري الموضعي الموفرة للمياه.
وأوضحت الوزارة على لسان الكاتب العام رضوان عراش، في افتتاح أشغال المناظرة الدولية العاشرة حول الري الموضعي، تحت شعار “الري الموضعي في عصر الابتكار التكنولوجي والتحول الرقمي”، التي نظمت بمدينة الداخلة ما بين 25 و27 يناير الماضي، (أوضحت) أن الاستراتيجيات الفلاحية لمخطط المغرب الأخضر 2008-2020 والجيل الأخضر 2020-2030، جعلت من التحكم في استخدام المياه بالقطاع الفلاحي في صلب التدابير المعتمدة.
ومكنت تقنيات الري الموضعي في القطاع الفلاحي، من مواجهة إكراهات ندرة الموارد المائية، ورفع التحدي المتمثل في زيادة الإنتاج بمياه أقل وبطريقة تنافسية ومستدامة.
وفي هذا الإطار، حددت استراتيجية الجيل الأخضر لنفسها، هدف مضاعفة القيمة المضافة لكل متر مكعب من الماء في أفق سنة 2030، من خلال الاستفادة من مكتسبات مخطط المغرب الأخضر ومواصلة تعزيز تقنيات الري الموفرة للمياه، لا سيما أنه تم تعميم تقنيات الري الموفرة للمياه على مجموعة من الأراضي المخصصة للزراعة في إطار مخطط المغرب الأخضر.
وتشدد وزارة الفلاحة، على ضرورة تكيف الفلاحين مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها بفضل ترشيد استعمال المياه لضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة، علما أن تقنية الري الموضعي تمكن من توزيع المياه بدقة ونجاعة، والتحكم في الموارد من الأسمدة وتحسين نمو النباتات.
وراكم المغرب خبرة مهمة في مجال تصميم وتنفيذ واستغلال مشاريع الري الموضعي، حيث أصبح يتوفر على نسيج من الشركات النشطة والمهمة في سلسلة قيمة الري الموضعي بأكملها، من تصنيع المعدات إلى تركيبها واستغلالها وتقديم المشورة بشأن الري.
وبخصوص كفاءة الموارد البشرية المغربية في تدبير هذه القنوات المائية المستدامة في القطاع الفلاحي، تشير وزارة الفلاحة إلى أن “بلادنا تتوفر على منظومة مقاولات متنوعة، بعض منها له نطاق دولي”، كما تزخر بالكفاءات والابتكارات التي تساهم في نشر تقنيات الري الموفرة للمياه، ورفع التحدي المتمثل في فلاحة أكثر إنتاجية ومقاومة للتغيرات المناخية.
وينخرط المغرب في الاستراتيجية الدولية للري وصرف المياه 2030، كما جميع دول العالم، من أجل تقديم حلول قائمة على التقنيات الجديدة لرفع تحديات التغيرات المناخية التي تواجه كوكب الأرض.
ويضع المغرب على رأس أجندة هذه الاستراتيجية، مسألة زيادة الإنتاج بمياه أقل، ذلك أن هذا التحدي تخوضه جميع الدول التي تحاول أن تتكيف مع التغيرات المناخية، بناء على ما توفره التقنيات الجديدة والمقاربات الرقمية المطورة في مجال الري الموضعي.
ويشدد الخبراء المختصين في البيئة والتغيرات المناخية، على ضرورة مواكبة الحكومات لما يتم اختراعه في مجال التكنولوجيا، لاستغلالها في تدبير مياه الري، بهدف الحفاظ على جودة منشآت التهيئة المائية والهيدرو فلاحية لتدبير معقلن للمياه.
وتشدد وزارة الفلاحة المغربية، على ضرورة الزيادة في إنتاج القطاع الفلاحي، بالاعتماد على نفس الكميات من المياه، نظرا للحاجة الكبيرة إلى ضمان الأمن الغذائي الذي بات الهاجس الأكبر لدى جميع حكومات الدول، ولا يمكن أن يحصل ذلك إلا من خلال زيادة نجاعة استخدام المياه، وكذا تحديث أنظمة الري، بناء على ما توفره الحلول المبتكرة التي ينتجها الخبراء المعلوماتيون الذين باتوا يقدمون حلولا من أجل الحفاظ على الموارد الطبيعية وضمان استدامته، فضلا عن الزيادة في المنتجات الفلاحية والزراعية.
تطوير الشركات في القطاع الفلاحي
ويواصل المغرب الاشتغال مع شرائكه في تطوير القطاع الفلاحي، من قبيل التعاون المحرز في مجال مياه الري مع البنك الأوروبي للإنشاء والتنمية، حيث استقبل محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، في 16 فبراير الماضي، أوديل رينو-باسو، رئيسة البنك الأوروبي للإنشاء والتنمية، وناقشا معا التعاون بين المغرب والبنك في المجال الفلاحي.
وقال محمد صديقي في تصريح صحافي عقب اللقاء، إن المحادثات شملت بالخصوص مواضيع مياه الري، وتحديدا تحديث قنوات الري، وتحسين نجاعة الري من خلال تطوير الري المقتصد للمياه. وأكد أن المناقشات تركزت خلال هذا الاجتماع أيضا على توزيع المواد الغذائية والفلاحية وتسويقها، عبر تحديث قنوات التوزيع والأسواق ولا سيما البيع بالجملة.
من جهتها، شددت أوديل رينو-باسو على أن البنك الأوروبي للإنشاء والتنمية منخرط بقوة في المغرب، عبر تمويل 94 مشروعا بأكثر من 4 مليارات أورو، مبرزة أنه طور مشاريع في المجال الفلاحي، لا سيما في ما يتعلق بمياه الري. وتابعت المسؤولة “نطمح إلى مواصلة هذا التعاون في مجموعة من القضايا المرتبطة بالفلاحة، والولوج إلى الماء، وتحلية المياه وكذا تنظيم الأسواق الزراعية”.
اعتماد تقنية النانو في الري
يحمل المعهد الوطني للبحث الزراعي (INRA)، على عاتقه مهام كبيرة، تتمثل في تقوية بحثه من أجل التحسين الوراثي والبيوتكنولوجي، حيث يتوفر على وحدة بحث خاصة بهذا الشأن في مختلف فروعه الجهوية.
وتتوخى هذه الوحدة، تطوير الأصناف الجديدة من الحبوب والبقوليات الغذائية والأشجار.. التي تتكيف مع الظروف المناخية للمناطق القاحلة وشبه القاحلة، والتي تتمتع بإمكانيات محصولية عالية، ومقاومة أو تحمل للأمراض والحشرات والأمراض والجفاف.
إلى جانب ذلك، تعتبر هذه الوحدة البحثية، المسؤول عن تقييم وتوصيف العدة الجينية، حيث يضمن جمع وحفظ البلازما الجرثومية وتبادلها مع برامج البحوث الوطنية والدولية من خلال بنك الجينات الخاص به.
ومن جهة أخرى، يعمل INRA على نقل التكنولوجيا لخدمة التنمية الفلاحية، استنادا إلى مصاحبة الهياكل التنموية والمهنية، الفلاحين، الجماعات المحلية، المنظمات غير الحكومية، فضلا عن تعزيز وتشجيع التكنولوجيا الجديدة عبر مواكبة المشاريع التنموية، وتثمين إنتاج أهم القطاعات.
وأوصى المعهد الوطني للبحث الزراعي، في تقرير أنشطته برسم سنة 2021، أن إنتاج الحبوب يمكن أن يرتفع بشكل ملموس إذا تم اللجوء إلى الري بتقنية النانو. وهو ما سيقلص من كميات المياه المستخدمة، ناهيك عن الزيادة الملحوظة في إنتاج الحبوب نتيجة استخدام هذه التقنية (الري على نطاق صغير بأنابيب مدفونة ومسامية) مقارنة بالري بتقنية التنقيط.
ويوضح المعهد في تقريره، أن تآكل التربة والتلوث والتصحر تبقى من بين المشاكل الرئيسية التي تهدد الإنتاجية والتي تتسبب فيها الأنشطة الزراعية القائمة على الحرث المكثف، مسجلا أن الأوساط العلمية تقترح بدائل تركز على التقليل من الحرث وتناوب المحاصيل بشكل مناسب وتدبير المخلفات الزراعة.
ويعطي المعهد الوطني للبحث الزراعي الأفضلية للممارسات الزراعية الجيدة، لا سيما في مجال البذور والغراسة، التي تحدد في الوقت نفسه حجم الإنتاج والجودة التكنولوجية والتجارية للمحاصيل. وفي هذا الصدد، يهدف المعهد إلى تعزيز نظم الإنتاج المستدامة ويدعو إلى التدبير عن طريق التوقع وكذا استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات.
المغرب يصدر 2.3 مليون طن من الخضر والفواكه
أعطى التطور الذي شهده القطاع الفلاحي بالمغرب نتائجه الإيجابية، سواء على مستوى تأمين الغذاء وطنيا، أو الرفع من حجم وقيمة صادرات البلاد من الخضر والفواكه نحو الأسواق الخارجية، والتي بلغت 2.3 مليون طن خلال سنة 2022، بمعدل نمو سنوي وصل إلى 10 في المائة، استنادا إلى معطيات وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
ومس هذا النمو الذي شمل جميع فئات المنتجات وجميع الوجهات، صادرات الفواكه الحمراء التي ارتفعت بمعدل 20 في المائة، ذلك أنها بلغت 131 ألف و900 طن، وكذلك الأمر بالنسبة لصادرات الحوامض التي سجلت نموا ملحوظا، خاصة نحو السوق الأمريكية (2,2x).
وفيما يتعلق بالمنتجات الفلاحية المصنعة، فقد سجلت صادراتها زيادة بنسبة 5 في المائة من حيث الحجم و19 في المائة من حيث القيمة، برسم سنة 2022 مقارنة بـ 2021. من جانبها، سجلت صادرات زيت الزيتون نموا بنسبة 85 في المائة من حيث الحجم و49 في المائة من حيث القيمة.
وهذه الأرقام لم تتحقق من العدم، بل هي نتيجة الإعداد الجيد للموسم الفلاحي 2021-2022، في إطار السياسة الشاملة لوزارة الفلاحة التي أصبحت على وعي بأهمية الرفع من الإنتاج، عبر دمج مختلف الخبرات البشرية والوسائل التكنولوجية.
وفي هذا الصدد، يتم توفير مدخلات الإنتاج الفلاحي بكميات كافية للفلاحين من أجل تغطية حاجياتهم من البذور المختارة المدعمة، بالإضافة إلى مواكبة الفلاحين والمستثمرين، وكذلك توسيع المساحات المغطاة بالتأمين الفلاحي، وتعزيز التمويل الفلاحي مع الشركاء في القطاع العام والخاص.
ويعزى هذا الأداء أيضا كما سبق وأن ذكرنا، إلى الاستراتيجيات طويلة الأمد التي تهدف إلى جعل القطاع الفلاحي، رافعة ذات أولوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية بالمغرب.
وتتيح استراتيجية “الجيل الأخضر” 2020-2030، جيلا جديدا من آليات المواكبة من أجل مهننة الفلاحة، عبر إصلاح برامج الإرشاد الفلاحي، وتعميم الخدمات الفلاحية الرقمية، وتعزيز مشاريع الجيل الجديد من الفلاحة التضامنية.
منصات الصناعة الغذائية
والحديث عن دينامية الإنتاج الفلاحي الوطني، يجرنا إلى سياسة تطوير المنصات الصناعية الخاصة بالصناعة الغذائية، حيث عملت وزارة الفلاحة على تهيئة العديد من الأقطاب الفلاحية بكل من مكناس وبركان وتادلة وسوس باعتبارها جيلا جديدا من المحطات الصناعية المندمجة المتخصصة في الصناعات الغذائية.
وتشير المعطيات التي حصلت عليها جريدة بيان اليوم، أن المساحة الصافية المجهزة بهذه الأقطاب تبلغ 253 هكتارا، فيما بلغ عدد المشاريع المسوقة 294 مشروعا، وذلك في إطار استراتيجية تروم خلق إطار ملائم لاندماج مجموع سلاسل القيم الفلاحية والرفع من مردوديتها.
ووعيا بأهمية تقوية الصناعة الغذائية بالبلاد، لتحقيق الأمن الغذائي الاستراتيجي، لا سيما في ظل الاضطرابات بين الفينة والأخرى في الأسواق الخارجية، تستمر وزارة الفلاحة في سياسة تقوية البنية التحتية لهذه الصناعة، حيث سيتم التوقيع على الاتفاقيات المتعلقة بقطبي الغرب والحوز، وإطلاق أشغال التهيئة والدراسات التقنية المتعلقة بأشغال بناء أقطاب الجودة، ومواصلة أشغال تهيئة قطب اللوكوس، وإطلاق أشغال بناء قطب الجودة، ومواصلة وإتمام الأشغال وعملية تسويق أقطاب مكناس وبركان وتادلة وسوس، وكذا بناء الوحدات.
وتتوقع المندوبية السامية للتخطيط أن يحقق الاقتصاد الوطني نموا بمعدل 3.3 في المائة سنة 2023، مقابل 2.3 في المائة المسجلة خلال العام الماضي. والرهان يظل معقودا على القطاع الفلاحي، باعتباره أكثر الأنشطة مردودية بالمغرب، خصوصا إذا كان الموسم متوسطا، خلال فصلي الشتاء والربيع، أخذا بعين الاعتبار مخاطر عودة شبح الجفاف، رغم هطول أمطار غزيرة نسبيا خلال شهر دجنبر 2022، وبداية شهر يناير وفبراير.
ولم تفت المندوبية السامية للتخطيط في تقرير لها، الإشارة إلى حاجة المغرب لتعزيز قوة قطاعه الفلاحي، انطلاقا من إعادة صياغة الاستراتيجية التنموية للقطاع الفلاحي من أجل ضمان السيادة الغذائية والحفاظ على البيئة وتحسين دخل المزارعين المتأثرين بشدة بتوالي سنوات الجفاف.
وتبقى أرقام المقاولات الناشطة في القطاع الفلاحي، صامدة في وجه الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تداعيات جائحة كوفيد 19 والتحولات المناخية والجيو-سياسية خصوصا الأزمة الروسية-الأوكرانية، التي أثرت على مردودية المحاصيل والسلاسل الحيوانية، بفعل ارتفاع تكاليف الطاقة والأسمدة وأعلاف الماشية.