الغلاء وفشل التدبير ينغص حياة من اختاروا الشمال لقضاء العطلة

تشهد المدن الساحلية بشمال المغرب، في كل موسم صيفي، لهيبا في الأسعار، يعكر مزاج مرتاديها، ويزيد جيوبهم اهتراء، نظرا لسعي أصحاب عدد من المشاريع والخدمات إلى استنزاف هؤلاء بفرض أثمنة جد مرتفعة تنافس القدرة الشرائية بأوربا في الغالب، ولا تشجع على استقطاب سياح المدن الداخلية، الذين غير معظمهم الوجهة نحو مدن أوجهات أخرى.
ويشكل الغلاء الفاحش في أسعار الخدمات السياحية بالمدن الساحلية شمال المملكة، هاجسا سنويا يواجه السياح والمصطافين الذين يقصدون المنطقة لقضاء عطلتهم الصيفية، إذ تصل أسعار خدمات الإيواء والمطاعم إلى مستويات «جنونية» رغم ضعف الجودة.
خلال سنوات ماضية، أعلنت مجالس جماعية بعمالة المضيق الفنيدق، عن اتخاذ إجراءات لإضفاء طابع تنظيمي على قطاع الكراء السياحي،  بهدف الرفع من جودة هذا القطاع وتوفير حماية قانونية للمالكين.
بحسب أحد القرارات التي أصدرتها جماعة مرتيل، فإن الهدف من الإجراء المعلن عنه هو «تثمين الخدمات المقدمة لفائدة الزوار والرفع من قيمتها في الوقت عينه، والمساهمة في التنمية المحلية سياحيا».
لكن شكاوى السياح والمصطافين الوافدين على المدينة والمنطقة، تشير إلى أن القرار الجماعي ظل مجرد «حبر على ورق» بالنظر لغياب أي أثر فعلي له على أرض الواقع، وأن القانون الذي يتيح إمكانية المراقبة حتى تظل الأسعار في حدود التلاؤم مع مستوى وجودة الخدمات من جهة، ومع المستوى المعيشي للأسر المغربية من جهة ثانية لا تعيره السلطات العمومية المختصة بمدن الشمال أدنى اهتمام.
فحسب تصريح أدلت به المواطنة فاطمة الزهراء صدوقي، اضطرت هاته الأخيرة إلى إلغاء مقامها المبرمج في مدينة مرتيل، في إطار عطلتها الصيفية التي كانت تعتزم قضاء أيام منها بهذه المدينة رفقة أبنائها. هذه الموظفة الأربعينية القادمة من مدينة الدار البيضاء، بررت قرارها هذا بأن «الأسعار المعروضة تجاوزت حدود المعقول».
وفي نفس السياق اضطر المواطن محمد أمين التمسماني القاطن بمدينة الرباط، إلى عدم التوجه هو وأسرته لمدن الشمال هذه السنة وتغييرها بمدن ساحلية أخرى لقضاء عطلته الصيفية، مؤكدا أن أغلب أصدقائه وزملائه في العمل ألغوا إقاماتهم المبرمجة سابقا، مبررين قراراتهم أن الأسعار غير معقولة في المدن الساحلية بشمال المملكة، فسعر ليلة واحدة بمنزل متواضع جدا من حيث الجودة لا يقل عن 1000 درهم، ويصفون هذا الأمر بأنه «منكر لا يمكن القبول به”.
سعيد الحضري، أحد أفراد الجالية المغربية العائدين إلى أرض الوطن، والخبير في الصحة والسلامة والوقاية من الأخطار المهنية، نشر فيديو يستنكر فيه هذا الغلاء الفاحش، الذّي اعتبره نصبا، بعدما اضطر وأصدقاؤه إلى دفع مائة درهم ثمنا لخمسة فناجين قهوة، بسعر عشرين درهما لكل فنجان.
وقال سعيد الحضري في الفيديو الذي نشره على صفحته الشخصية بالعالم الأزرق، «إن قطاع السياحة الداخلية بالمضيق يشهد فوضى كبيرة، فالجميع يقول إن المضيق فيها غلاء، مضيفا «أنا كفرد من الجالية المغربية، عشت في أوروبا، ولا يوجد فيها مثل هذه الأثمنة»، ووجه المتحدث رسالته إلى كل من باشا المدينة، ووزارة السياحة، لإعادة النظر في الأثمنة، ووضع مراقبة عليها، مشيرا إلى ضرورة ضبط الضرائب.
وأجمعت معظم الآراء بمنطقة الشريط الساحلي الممتدة بين مارتيل والمضيق على ضرورة فرض مراقبة على الأسعار بالمنطقة، نظرا لتأثير هذه الأسعار، التي يتم رفعها مقابل خدمات جد عادية، على القدرة الشرائية للمواطن البسيط من جهة، وعلى المستوى المعيشي للمنطقة ككل من جهة أخرى، «لأنها تدفع أصحاب مشاريع أخرى إلى سلك الدرب نفسه، وبالتالي ترسخ ثقافة اقتصادية ستلحق الضرر بالمنطقة أكثر مما قد تدره من ربح لها».
وكان رشيد حموني رئيس الفريق البرلماني لحزب التقدم والاشتراكية، قد وجه سؤالا كتابيا لوزيرة السياحة والصناعة والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، حول ارتفاع أسعار خدمات السياحة الداخلية، حيث أكد حموني في سؤاله على الاختلالات التي تعيق الاستفادة السلسة للأسر المغربية من فرص متنوعة لقضاء عطلتها المختلفة، وأساسا العطلة الصيفية، في ظروف مناسبة، وبأثمنة ميسرة تساير قدرتها الشرائية.
فقد أثار رئيس الفريق البرلماني رشيد حموني في سؤاله الكتابي، أسعار المطاعم والفنادق وغيرها، والتي تعرف ارتفاعا مهولا خلال العطلة الصيفية، موضحا أن الأسر المغربية تكتوي أصلا بلهيب غلاء أسعار معظم المواد الاستهلاكية.
وتساءل رشيد حموني، حول الإجراءات التي يجب على الوزارة المعنية أن تتخذها من أجل تقديم عروض السياحة الداخلية للأسر المغربية، وكذا الإجراءات والتدابير المتخذة من أجل تمكين المغاربة، بمن فيهم مغاربة العالم، من خدمات سياحية تكون في مستوى انتظارهم وتطلعاتهم، جودة وأسعارا وقدرة استيعابية.
ليأتي الجواب بعد ذلك من وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، حيث أكدت أن الوزارة تولي اهتماما كبيرا للسياحة الداخلية باعتبارها رافعة لإنعاش القطاع السياحي، ولما لها دور كبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمجالية.
إلا أن كلام الوزيرة يبقى في واد، فيما يظل الواقع المرير للغلاء في واد آخر لا يسبح فيه إلا المواطنات والمواطنون الذين يؤدون فاتورة تقاعس الحكومة ومصالحها التي تتغنى زورا بما تحقق في مجال الإنعاش السياحي الداخلي.

>هاجر العزوزي

Top