عبد الله الهداني ريشة منحها القدر لفنان عصامي متألق يرسم بشغفه، حيث تنصهر معه المشاعر في عوالم اللوحة، ريشته المبدعة تنبض بالأصالة، تسحر المتلقي وتحتفي به وتحلق به في ملكوت الجمال المتدفق بلا حدود.
الفنان عبد الله هداني فنان مجدد لم يدرس في أكاديميات الفنون الجميلة، لكنه تلميذ نجيب للطبيعة بأدق تفاصيلها وهو ما جعله ينهل أعماله التشكيلية من سجلات الحياة اليومية بكل مشاهدها وتدقيقاتها، ناسجا بحسه المرهف خيوط سيرته الذاتية وإرهاصاته النفسية التي آثر أن يترجمها بلغة اللون والشكل وإنشاء الخطاب المحبوك على لوحاته فيُنطق مساحاتها البيضاء نطقا لتحمل رسالة فنية جمالية راقية. إنه يبدع مثلما يتنفس الصعداء، فكأنه حكواتي أو مؤرخ شعبي يصبغ على لوحته مباهج الحياة اليومية في أسلوب تصويري يزاوج بين الخلفيات المشهدية التعبيرية والمناظر الواقعية الانطباعية لتتراءى لك لوحاته ناطقة بالحرية شكلا، وأداة، ورؤية. ألوانها تتحاور، وأشكالها تتفاعل مخترقة دوائر المألوف البصري لتجتاح كنه العوالم الجمالية مانحة الفرح لكل عاشق هذا اللون الفني الراقي.. إنه يحب ما يرسم، ويرسم ما يحب .
الفنان عبد الله الهداني وكأنه فارس مغوار في حلبة التشكيل لا يعرف الرقم الذهبي أو توازن الكتل على مساحات قماشه، ولكن يعلم أسرار التناغم الهرموني الذي تلده خامات ألوانه والتي يسكبها بمشاعر فياضة .
منذ بداياته الأولى مع الريشة والألوان، بمختلف أنواعها وأشكالها وأحجامها، عودنا هذا الفنان على قدرته الكبيرة على تجاوز ذاته المبدعة؛ إذ أنه لا يستقر على أسلوب تعبيري أو صيغة صباغية، أعماله الفنية كلما نظرت إليها صعب عليك التكهن لأي مدرسة تنتمي، عندما تقف أمام لوحاته تتوه في الأزمنة الحميمية التي تسكنها، لتصحو فيك مشاعر الألفة والحنين إلى الماضي الجميل في ارتباط جدلي بالحاضر المعاصر..
لوحات الفنان عبد الله هداني خزان للإيقاعات المنسابة، والصيغ الإخبارية المختلفة. يصبح الفعل الصباغي لديه ارتجالا مشكلا يتداخل فيه المكان والكيان، تحس من خلال ما يرسم بتدفقاته الشعورية المرهفة، المكثفة، والفنية.. كيف لا وهو الفنان العصامي منذ البدء على بلاغة التكوين الذاتي والارتقاء والتنوع، إنه يرسم بعين عازفة سيمفونية الألوان، ولغة ناظمة للكلمات الصامتة التي تجعلك تربط بين الدال والمدلول منغمسا في الطبيعة والتراث والمشترك التاريخي والإنساني والثقافي المغربي الأصيل، إذ يبنى على جسدية الشكل ومراقي التجريد، حيث بلاغة الشكل في تمازج مع سيمياء الأشكال والوجوه والكثافة اللونية المضيئة في مسافات جمالية مهيبة وشيقة.
الفنان عبد الله هداني وهو يستعد للمعرض الفردي الذي يعتزم تنظيمه، بعد تجاوز وباء كورونا، كوفيد 19، الذي فرض علينا كما فرض على قاعات العرض التوقف إلى إشعار آخر، لازالت الألوان تواصل إبداعها ولا يزال الفنان التشكيلي عبد الله منغمسا بين بنات أفكاره وأحاسيسه وخياله، مواصلا بذلك بحثه المسترسل على صيغ تعبيرية جديدة في مجال فن الصباغة الذي أصبح اهتمامه به يزداد بشكل مؤكد، الأمر الذي يدركه بيسر كبير كل متلق أُتيحت له فرصة الاطلاع على جديد أعماله.
نحن إذن أمام منجز إبداعي أوله قلق وآخره قلق، وبهذا يكون الفنان أفلح في وصف الحالة الإبداعية التي يعيشها، عن وعي أو دونه. وما يزيد عمله هنا كفنان قوة وإلحاحا، ألوانه الصارخة وعشقه اللامتناهي للفن باعتباره وسيلة تواصل بين الحضارة وتبليغ رسائل نبيلة باسم الحب والسلام.