“القبض على الموج” أو القبض على المجاورة .. معادلات الزمان والمكان عند مبارك حسني

هذه المجموعة القصصية للكاتب: حسني مبارك، صدرت عن دار التنوخي، طبعة أولى 2011، وتشتمل على خمسة عشر قصة، تتنامى كالموج، يبدأ بقوة، ثم يتخفف بالتدريج، حتى الشط، ويتغير ما بين المد والجزر، بحسب (ماريا) البحر، و(القبض على الموج)، يتطلب مهارة العوم، باختلاف الأشكال، والوصول إلى أعالي البحار، يتطلب لغات، وحسني يتقن لساناً آخر، عن طريقه تحدث المثاقفة، وتصبح الذات هي الآخر حسب الشاعر آرثر رامبو، حيث الهوية رغم وراثتها تتطور، وهذا ما يبرر بداية الكاتب بكلمة للكاتب الروائي هاروكيموراكامي (ما يجب على الكاتب، هو أن يقبض على الموجة، من أعلى نقطة فيها)، ذاك ما نلمسه في هذه المجموعة.

نبدأ من (حالة سفر)، ما بين الكاتب والظل، وما بين السفر والحلم، وما بين الاستقرار في فندق (باليما)، والخروج إلى محطة القطار، في البدء تبدو المعادلة منطقية، ولكنها تختل حين تأخذنا المجاورة بعيدا، ويصبح الكاتب هو الراحل محمد خير الدين (أفقت من نومي، كنت في غرفة بالطابق الثالث من فندق باليما، السرير محاذ لنافذة البلكون الطولية) ص 5، ثم (كان هناك على السرير شكل آدمي حقيقي ملفوف في الأغطية ولا يمكن أن يكون سوى أنت لا غيرك…)ص8.

في باقي القصص، يتم الصراع فيما بين (الرغبة واللذة)، ولتوضيح ذلك، لا بأس أن نفتح قوساً، ما بين جيل دولوز، وميشيل فوكو (يقف دولوز إلى جانب الرغبة في حين يقف فوكو إلى جانب اللذة، من هنا كان عنوان الرسالة “الرغبة واللذة” الرغبة في نظر فوكو تعادل النقص (…) وأضاف ميشيل: بينما أنا ما أسميه “لذة” هو ربما ما تسمونه “رغبة” (…) أما دولوز، من جهته، فهو لا يحبذ اللذة لأن اللذة تقطع الرغبة. والرغبة لا تعبر عن أي نقص) ص 177 من كتاب (جيل دولوز وتجديد الفلسفة)، جمال نعيم الطبعة الأولى 2012- المركز الثقافي العربي.

إذن تم التركيز على مفهومي اللذة والرغبة: ( رجل فوق جسر- حب في مقهى clichy palace- وجه يبتسم في مرآة – مساء السبت – لماذا يجف البرتقال – قلب لطفية – الرجل ذو القبعة السوداء – المشجب).

على (المشجب)، تستند كل القصص، بالانفتاح على توظيف الضحك والابتسام، إلى جانب الرغبة واللذة.

ثم الضحك والابتسام، وهذا يقودنا إلى (تاريخ الابتسامة)، وهو مقال شيق، للكاتب كولن جونز The smile A History، ترجمة الكاتب اليمني عبد الله قائد، منشور بمجلة الثقافة العالمية – أكتوبر 2022، العدد 211. قصد السخرية والتفكه، أو إعطاء صورة مرحة تجاه الشخصية إما معها أو بالسخرية منها.

هل يمكن للضحك والابتسامة، أن يتغيرا تبعاً لتطور التكنولوجيات، وآلات التواصل؟ يمكن أن نرسم الضحك، بدل أن نقوم به، والدليل على ذلك، أننا في وقت الوباء اللعين كورونا، كنا نغالب الروتين، بالتواصل، فلولا هذه الآلات، لنخرتنا الكآبة.

في المجموعة القصصية (القبض على الموج) للقاص والشاعر مبارك حسني، تتكئ الموضوعات على ثنائيات ضدية، تلفها بلاغياً المجاورة، حيث تجاور الزمان والمكان، والثنائيات الرئيسة في الرغبة واللذة، والضحك والابتسام، مع التأويل من حيث التذكر والنسيان.

مجموعة (القبض على الموج) مجموعة متفردة ومنفردة، تجعل الكاتب مبارك حسني، يسلك طرقاً مختلفة نقداً ورؤية ورؤيا إلى العالم.

* بقلم: محمد عرش

Top