يتم خلال الأسبوع الجاري الاحتفال باللغة العربية على الصعيد العالمي، حيث تمت برمجة عدة لقاءات للتحسيس بواقع هذه اللغة والإكراهات التي تواجهها، إلى غير ذلك.
هذا الاحتفال يعد أساسيا وهاما، ولا ينبغي أن يكون مجرد بهرجة وصور يلتقطها المشاركون في فعالياته، ويتباهون بها في صفحاتهم الاجتماعية. لا شك أن الواقع الراهن للغة العربية بات يستدعي عقد لقاءات فكرية وعلمية حولها أكثر من أي وقت سابق.
***
هناك تراجع ملحوظ للغة العربية إلى حد كبير وفظيع، على عدة مستويات؛ فكل ما يحيط بها يجعلها مهددة بالزوال والفقدان. صارت الكتابة والتحدث بها من طرف الخاصة والعامة على حد سواء، مؤشرا على أنها لا تتبوأ المكانة التي تستحقها، وأنها في وضع لا يبعث على الاعتزاز.
يكفي أن نلقي نظرة على لافتات الشوارع، لنلحظ كيف يتم الإمعان في تشويه هذه اللغة، يكفي أن نقرأ السطور الأولى من بحوث خريجي شعبة اللغة العربية وآدابها لنقف على حقيقة مرة، وهي أن معظمهم فقد البوصلة:
تعابير ركيكة وأخطاء نحوية وإملائية بالجملة.
يكفي أن نرهف السمع لإذاعة أو لقناة تلفزية؛ لنتصور أننا أمام جلادين يمعنون ضربا وتعنيفا في هذه اللغة المسكينة المقهورة.
هناك من يمزج العربية بالفرنسية، أو يبدأ جملة بالعربية ويجد نفسه عاجزا بعد ذلك عن إتمامها؛ فيطلب اللجوء إلى اللغة الفرنسية أو الدارجة في أحسن الحالات.
الأدهى من ذلك أن من يسلكون هذا المسلك، لا يجيدون الحديث لا بهذه اللغة ولا بتلك، إنهم أشبه بذلك الطائر الغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة.. وبقية الحكاية تعرفونها بلا شك.
قبل أيام قليلة، كنت قد تابعت برنامجا تلفزيا حواريا مع الكاتب المغربي فؤاد العروي، المقيم بهولندا والذي له عدة مؤلفات باللغة الفرنسية، كان المحاور يطرح أسئلته باللغة العربية فيما كانت جميع أجوبة العروي بالفرنسية، وفي ختام هذا البرنامج وجه إليه المحاور سؤالا استفزازيا إذا جاز التعبير:
متى سيكون الحوار معك بكامله باللغة العربية؟
فكان جواب العروي أنه لم يجرؤ على الحديث بلغة غير متمكن منها خشية أن يكون مثار سخرية أو سوء فهم البعض، وإن كان يستطيع التحدث بالدارجة، وهو يتحدث بها بالفعل، واستدرك قائلا إنه عما قريب، سيحال على المعاش وسيستقر في مسقط رأسه بالجديدة، وسيجتهد في تعلم اللغة العربية.
الموقف الذي اتخذه هذا الكاتب المحترم، لا نملك إلى أن نحييه عليه، اعتبارا لأنه فضل أن لا يتحدث باللغة العربية احتراما لها واحتراما لمستمعيه، ما دام أنه غير متمكن منها، وهو له ظروفه الخاصة التي حتمت عليه أن لا يتعلم التحدث باللغة الفرنسية، قضى ما يزيد عن ثلاثين سنة في أوروبا، على عكس من يدعون أنهم يتحدثون بها، في حين أن الواقع يكذبهم ويجعلهم في حالة مسخرة.
***
الاحتفال إذن باليوم العالمي للغة العربية، يعد أساسيا، خصوصا في وقتنا الراهن، حيث العديد من المؤشرات تدل على أنها مهددة، وبالتالي فإن فعاليات هذا الاحتفال ينبغي أن تكون في مستوى الحدث، أن تلمس جوهر المشكلة وأن لا تتوقف عند جزئها السطحي.
عبد العالي بركات