شكل مجيء جائحة كورونا النقطة التي أفاضت الكأس بالنسبة للمثقف المغربي، لتكريس مزيد من الاختفاء والانعزال، غارقا في عالمه المعرفي، والواقع برر في كثير من المرات أن الفضاء الاجتماعي أطاح بعرش المثقف، وصنع بونا بينه وبين المجتمع، وفتح الأبواب على مصراعيها لدون ذلك ممن يبحثون عن الشهرة بطرق أو بأخرى، فدور المثقف منذ مدة صار محدودا جدا بعدما تحطمت صورته كصاحب رأي، وتم ذلك على أساس أن الزمن قد تجاوزه، وقد برر الكثير من مثقفينا غيابهم عن الكتابة والتواصل الفكري مع المجتمع بما تعرضوا له من إقصاء وتهميش.
فلا غرابة أن تجد الكثير من الدكاترة والمثقفين والحقوقيين المرموقين لا يتفاعل معهم سوى عشرات الأشخاص، ممن فيهم أصدقائهم وبعض معارفهم، في حين نجد بعض الصفحات ذات المحتويات الفارغة والتافهة تصل إلى ملايين المعجبين والمشاركين والمتفاعلين والمدافعين، لكن أعتقد رغم حالنا هذا المتأزم، أن أزمة كورنا أعادت المثقف إلى الواجهة، راجية منه العودة إلى مكانته الطبيعية، والواقع قدم تلميحات واضحة لما نعيشه من أزمة في الوعي والأخلاق، ضاقت الخناق على المواطن نفسه قبل مؤسسات الدولة التي عاشت سباقا مع الأفراد بين الدحض والانتقاد لكل قراراتها إبان الجائحة، التي كشفت المستور وأزالت الستار الأسود على الكثير من الظواهر المرضية التي تؤذي جسد هذا المجتمع من الداخل، لا تخفى علينا جميعا تلك الشريحة الكبيرة التي تنفي وجود الفيروس إلى يومنا هذا، فهناك من فسر الأمر بالمؤامرة على المسلمين، وهناك من ذهب قائلا أن الفيروس مكيدة من الدولة، وفئة أخرى تعطي للأمر تفسيرا دينيا بعبارة “لا يصيبنا إلا ما أراده الله لنا”.
إننا بحق أمام مأزق حقيقي والكثير من أفراد المجتمع يموتون ويمرضون ويتعادون بسبب استهتار وجهل الآخر، إننا إذن نؤدي ضريبة الجهل، وهذا الأخير هو الذي أدى بالمثقف أن يختار الانزواء والتواري عن الأنظار، كلها عوامل وأخرى جعلت المثقفين والأدباء يصنعون لأنفسهم عبارات من قبيل، “العزلة شفاء من الناس ،والاختلاط بهم مرض خبيث”، و من قبيل “الصمت متعب لكنه أرقى”، وغيرها من العبارات التي نطق بها المثقفون بعد أن سئموا هذا الواقع، إن المثقف العضوي بدون لغة الخشب قد خسرناه كمجتمع ازدواجي العقلية مازال يكرس الخرافة والقداسة على سبيل العقل، المثقف الذي كان المراقب الاجتماعي لتصرفاتنا حين نخرج عن سكة الوعي ويردنا إلى الصواب بتدخلاته العقلانية إزاء تحليله وتركيبه للواقع.
أما الآن فنحن أيتام سذج أمام هذا الزخم من الصفحات والقنوات ذات ملايين الأنصار والتي لا تسمن ولا تغني من جوع قبل وبعد الأزمة، فقد صار من غاية الإلحاح أكثر من أي وقت مضى وبدون تلطيف للكلام رد الاعتبار للمثقف وإعطائه المكانة التي يستحق، والانضمام رفقته إلى درب الحداثة والتنوير.
بقلم: إبراهيم أهريش
طالب في سلك الماستر