أعلن الحسن الداكي الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، في دورية تخص مسألة كفالة الأطفال المهملين، عن إلغاء شرط الإقامة الاعتيادية بالمغرب بالنسبة للأجانب الذين يتقدمون بطلبات كفالة الأطفال المتخلى عنهم، وأكد على استمرار تولي مكاتب القنصليات المغربية بدول إقامة الطفل المكفول، مهمة تتبع حالات الكفالة بالخارج وفقا لما يمليه قانون كفالة الأطفال المهملين أو بتفعيل اتفاقية لاهاي إذا كان الطفل يوجد في أحد الدول الأطراف فيها .
وجاء هذا المستجد لحلحلة العرقلة التي كان يجدها عدد من الأجانب الراغبين في تبني أطفال متخلى عنهم وكان يعترضهم هذا الشرط، خاصة وأن هؤلاء تتوفر فيهم كافة المقومات لتوفير ظروف جيدة لعيش الطفل المتخلى عنه، حيث وجه رئيس النيابة العامة دورية إلى المحامي الأول والمحامين العامين لدى محكمة النقض والوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية وقضاة النيابة العامة بجميع محاكم المملكة، وهي الدورية التي فصلت في موضوع كفالة الطفل المهمل، والتأكيد على ضمان حقوقه ومصلحته الفضلى.
ويشار أن دورية النيابة العامة أحاطت هذه الكفالة والتي تتم بالخارج بكافة الضمانات لحماية الطفل المكفول، حيث دعت إلى تفعيل إجراء الأبحاث الضرورية واللازمة حول أهلية طالبي الكفالة من الأجانب، كما دعت أيضا إلى تفعيل الاستشارة القبلية من أجل الحصول على موافقة سلطات دول الاستقبال على التحاق الطفل المكفول بكافليه، وخولت الإمكانية لتقديم الملتمسات الضرورية لإلغاء الكفالة في حال إخلال الكافلين بالتزاماتهم اتجاه الطفل المكفول أو إذا اقتضت المصلحة الفضلى للطفل ذلك.
وهذه الضمانات تسري أيضا بالنسبة لحالات التكفل داخل المغرب، حيث أكد رئيس النيابة العامة على ضرورة الحرص على تفعيل الضمانات القانونية الأساسية المتعلقة بحماية المصلحة الفضلى للأطفال المتخلى عنهم وتقديم الملتمسات الضرورية الكفيلة بتحقيق ذلك من خلال مسطرة الكفالة، خاصة ما يتعلق بالتثبت من توفر الشروط الكافية في طالبي الكفالة، ولاسيما على الموارد المادية الكافية والقدرة البدنية والنفسية على تربية المكفول والتي قد تتأثر بسن طالبي الكفالة.
والحرص على إلزام الكافلين بإشعار القاضي المكلف بشؤون القاصرين عند تغيير مكان السكنى وإخباره بعناوينهم الجديدة، لضمان حسن تتبع ومراقبة الأطفال المكفولين، والعمل على حث الكافلين على عدم التنازل عن الكفالة لأسباب غير مقنعة حفاظا على مصلحة الطفل المكفول واستقراره النفسي.
وعززت النيابة العامة إقدامها والمبادرة من جانبها باتخاذ قرار إسقاط شرط الإقامة الإجبارية بالنسبة للأجانب بالتذكير بالمهام الأساسية المنوطة بها والتي ترتبط بحماية الأطفال المهملين والتي تتجلى في الصلاحيات التي خولها لها المشرع في هذا الصدد، والتي تجعل من النيابة العامة حاضرة في مسطرة كفالة الأطفال المهملين من بدايتها إلى نهايتها، حيث هي من تتولى القيام بالإجراءات والتدابير في هذا الباب سواء تعلق الأمر بإيداع الطفل المتخلى عنه بصفة مؤقتة بإحدى المؤسسات أو مراكز الحماية المنصوص عليها في المادة 8 من القانون المتعلق بكفالة الأطفال المتخلى عنهم، أو لدى أسرة أو امرأة ترغب في كفالته أو رعايته فقط.
وحرصت النيابة العامة في هذا الصدد التفصيل في ما هو مخول لها لتبرز مشروعية إقدامها على هذا القرار، وذلك لما تحتمه المصلحة الفضلى للطفل وحماية لحقوق المكفول، حيث تضمنت الدورية التي تمحورت حول موضوع التدخل الإيجابي للنيابة العامة في كفالة الأطفال المتخلى عنهم، عددا من العناصر، وأكدت في تقديمه لها “على ما باتت تشكله ظاهرة الأطفال في وضعية إهمال من قلق لمختلف فئات المجتمع، الأمر الذي يدعو الجهات المعنية بتدبيرها إلى اتخاذ تدابير كفيلة بتوفير الحماية القانونية والاجتماعية للأطفال، واعتماد إجراءات آنية قادرة على تحصينهم مما قد يتعرضون له من مخاطر وأضرار جراء الوضعية الهشة التي يوجدون عليها”.
ودعا رئيس النيابة العامة وفقا للصلاحيات الهامة المخولة له في هذا الجانب، إلى التقيد بكافة المقتضيات التي تسري على كافة حالات الكفالة، بالعمل على اتخاذ التدابير اللازمة قصد تسجيل الأطفال المهملين بسجلات الحالة المدنية في أقصر الآجال الممكنة، وتعزيز التنسيق بين النيابات العامة المختصة من جهة ومصالح الحالة المدنية من جهة أخرى، بالنسبة للولادات خارج نفوذ المحكمة المعنية.
والعمل على توسيع دائرة تعليق الحكم التمهيدي تطبيقا للمادة 6 من قانون الكفالة المهمل، في حالة كان أبوي الطفل مجهولين، ليشمل كذلك أقسام قضاء الأسرة ومؤسسات الإيواء وأهم المرافق العمومية مع التقيد بمدة ثلاثة أشهر المحددة في الحالة المذكورة، فضلا عن التنسيق مع كافة المتدخلين من شرطة قضائية وسلطة محلية وفعاليات المجتمع المدني قصد تبليغ النيابات العامة بجميع الحالات التي يوجد فيها أطفال متخلى عنهم قصد التدخل ومباشرة الإجراءات القانونية اللازمة.
ولم يفت رئيس النيابة العامة التأكيد على منفذي القانون على ضرورة إجراء بحث حول طالبي التسليم المؤقت للطفل المتخلى عنه للتأكد من التوفر على الشروط المنصوص عليها في القانون، اعتبارا للطابع الاستثنائي لمسطرة التسليم المؤقت، والتأكد من توفر الضمانات الكفيلة بجعل الطفل تحت مراقبة النيابة العامة إلى غاية استكمال مسطرة التكفل وإنجاز محضر أولي بالتسليم المؤقت للطفل، وذلك داخل آجال قصيرة بقصد إتمام الإجراءات القانونية الأخرى المتعلقة بالطفل المهمل.
وأوصت الدورية في هذا الإطار بتحري الدقة لتفادي الأضرار النفسية التي يمكن أن تترتب عن إمكانية رفض الإذن بالكفالة من طرف المحكمة، وذلك قبل الإقدام على التسليم المؤقت، كما أوصت بالحرص على تتبع وإنجاز الأبحاث والإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون كفالة الأطفال المتخلى عنهم داخل آجال معقولة.
ويشار أن عددا من الإشكالات المسطرية كانت تحبط الراغبين في كفالة الطفل المتخلى عنه، خاصة القاطنين بالخارج والذين كانوا لا يستوفون لشرط الإقامة الاعتيادية بالمغرب، بالخارج، بددها إصدار دورية النيابة العامة، والتي ستسهم في حلحلة إشكالية التتبع ومدى وفاء الكافل بالتزاماته، والتي كانت تعترض القنصليات الموجودة خارج المملكة.
***
المهام الأساسية
عددت النيابة العامة في دوريتها مختلف المهام التي وصفتها بالأساسية والتي تقع على عاتقها والتي تشمل حماية الأطفال المهملين ومواكبتها لمختلف مراحل مسطرة الكفالة وذلك من خلال قيامها بالإجراءات والتدابير، حيث هي التي تضطلع بإجراء بحث في شأن الطفل موضوع مسطرة الإهمال، كما تقوم بجميع الإجراءات الرامية إلى تسجيل الطفل بالحالة المدنية، كما تبادر إلى اتخاذ ما يلزم لتعليق الحكم التمهيدي المتضمن لبيانات التعريف بالطفل مجهول الأبوين.
كما أنها تضطلع بمهام القيام بالأبحاث اللازمة حول الظروف التي ستتم فيها كفالة الطفل المتخلى عنه، وتتكفل بإجراء جميع الأبحاث قبل وأثناء تنفيذ الكفالة، بطلب من القاضي المكلف بشؤون القاصرين، وتحضر تنفيذ مقرر إسناد الكفالة إلى جانب الجهات المحددة في القانون، كما خول لها المشرع الإمكانية لتنفيذ ألأمر بإلغاء الكفالة بواسطة القوة العمومية.
المرجعيات المؤطرة
لم يفت رئيس النيابة العامة التذكير بالمرجعيات التي تؤطر وضعية الإهمال للإحاطة بها وضمان حقوق الأطفال المتخلى عنهم وحمايتهم، حيث حرص المشرع المغربي على تأطيرها بمقتضى قانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين الصادر في شهر يونيو 2011، معتبرا أن مقتضياته تكتسي أهمية بالغة بالنظر للطابع الحمائي الذي توفره للأطفال الذين يوجدون في إحدى وضعيات الإهمال .
وأوضح أن هذا القانون يرتبط بجهود المملكة الرامية إلى النهوض بأوضاع الطفولة وإقرار الحقوق الكونية والأساسية التي تضمنها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1986ـ والتي يعد المغرب طرفا فيها إلى جانب الاتفاقيات ذات الصلة التي تشكل جزء من التشريع الوطني، هذا فضلا عن مضامين دستور 2011، الذي ينص في الفصل 32 ، في الفقرة الثالثة منه على “أن الدولة تسعى لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، برصف النظر عن وضعيتهم العائلية”.
< فنن العفاني